من ذكريات انتفاضة ١٩٥٢ كيف استقالت وزارة نور الدين محمود ؟

   

من ذكريات انتفاضة ١٩٥٢ كيف استقالت وزارة نور الدين محمود ؟

        

لما اصبحت البلاد في حوادث انتفاضة تشرين الثاني 1952 في وضع متدهور والاضطرابات شاملة في جميع انحاء البلاد ، وخاصة في العاصمة بغداد ، والازمة السياسية حادة وقوية كما قال الوصي رئيس الوزراء اللاحق.واصبح جلياً انّ الموقف لا يمكن ان ينقذه سوى الجيش ، وقيام ادارة عسكرية تتولى حسم الموقف المتدهور ، وهذا ما حدث بالفعل .وامام تصاعد تلك الاحداث وخطورتها ،

   

اتصل الوصي بالفريق نور الدين محمود مصطفى ، رئيس اركان الجيش ، وكلفه بتشكيل الحكومة ، بعد ان عرض فكرته على السفير البريطاني في اللقاء الذي تم بينهما في وقت سابق ، ولم يجد معارضة منه على تولي شخصية عسكرية لرئاسة الوزارة بل شجعه ايضا على ضرب الاحزاب السياسية واعتقال قادتها.

بعد ان انهى نور الدين محمود مهمته التي كلفها بها الوصي واستطاع ان يفرض الامن والنظام بالقوة فان الوصي وجد انه من الخطر استمرار بقاء العسكر في الحكم وكان يتخوف ان يتمسك نور الدين بمنصبه الذي اعلن هو نفسه رغبته في البقاء في الحكم امام الوفد البرلماني البريطاني الذي زار بغداد في اواخر كانون الثاني 1953 . كما ان الوصي كان يتخوف من ان يتشجع احد الضباط الطامعين فيرتكب عملاً من شأنه ان يفرض من خلاله وجوده في الحكومة ولهذا ناقش الوصي موضوع ابعاد نور الدين محمود مع السفير البريطاني واقترح ان يصبح سفيراً للعراق في طهران.
يضاف الى ذلك ان الوصي كان يرغب بعد ان انهت الوزارة مهمتها بتكليف شخصي مدني يمتلك خبرة سياسية يختلف تماما عن نور الدين محمود الذي تعوزه الخبرة السياسية والذي بدا طموحه السياسي يظهر للعيان .
لذا اوضح الوصي لنور الدين محمود رغبته بعودة الحكم المدني وطالبه بالانسحاب من الوزارة وتعينه عضواً في مجلس الاعيان الا انه رفض الاستقالة في بادئ الامر والتخلي عن المسؤولية بشكل مهدد وخطر ، وكان وزير ماليته علي محمود الشيخ يشير عليه بوجوب الصمود والبقاء في الحكم .
غير ان نوري السعيد استطاع اقناعه بتقديم استقالته والموافقة على تعينه عضواً في مجلس الاعيان . وكذلك عندما شعر بان اربعة من وزرائه يريدون الاستقالة من مناصبهم لحمله على التخلي عن المسؤولية لذا اضطر الى الاذعان فتقدم بكتاب الاستقالة على مضض وجاء فيها .
سيدي صاحب السمو الملكي الوصي وولي العهد المعظم .
تلبية لارادة سموكم الغالية قد اضطلعت بالمسؤولية في ظروف حرجة ، وكنت قد حددت واجبات وزارتي في البيان الذي اذعته في الناس ،وهي تنحصر:
1. باعادة الامن واستقراره.
2. القيام بالتشريعات المقتضية للتخفيف عن دافعي الضريبة ، والتنفيس عن الشعب .
3. لسن مرسوم يقوم على اساس الانتخاب المباشر ، واجراء الانتخابات بموجبه
ولما كانت وزراتي قد انجزت مهمتها ، وقامت بواجبها بنجاح تام ، بفضل ارشاد سموكم وتعضيده ، فارجو من سموكم الملكي معذرتي عن الاستمرار في المسؤولية . ما زلت خادم سيدي المطيع .
23 كانون الثاني 1953 نور الدين محمود
ولقد احتفظ الوصي بهذا الكتاب بضعة ايام حتى اذا تقرر تأليف الوزارة الجديدة في التاسع والعشرين من كانون الثاني ، وجه الى الرئيس المستقيل هذا الجواب :
تناولت كتاب استقالتكم في 23 كانون الثاني 1953 ، ومع ابداء اسفي على تخليكم عن منصب رئاسة الوزراء ، لابد لي من الاعراب عن فائق شكري ، ومزيد تقديري للجهود القيمة التي بذلتموها ، انتم وزملاؤكم ، لخير الوطن وصلاحه خلال ممارستكم الحكم في الظروف الدقيقة التي مرت بها البلاد .
صدر عن بلاطنا الملكي في اليوم الثالث عشر من شهر جمادي الاول سنة 1372 الهجرية الموافق لليوم التاسع العشرين من شهر كانون الثاني سنة 1953 الميلادية .
عبد الاله
ينفي نور الدين محمود ما ذكره خليل كنه في كتابه (العراق امسه وغده) ص155-156 او السويدي في مذكراته ص519 من ان الوصي لمح له بالاستقالة ورفض ذلك ، ويدلل على رأيه ببقاء كتاب الاستقالة لمدة سبعة ايام عند الوصي فلو كان الوصي هو الذي طلب الاستقالة لقبلها فوراً وشكل وزارة جديدة في اليوم نفسه.
تركت استقالة نور الدين محمود في 29 كانون الثاني 1953 ، مرارة كبيرة في اوساط العسكريين ، فقد فسرت تلك الخطوة من قبلهم بان البلاط قد الحق اهانة كبيرة بالجيش ، بسبب استخدامه اداة قمع ضد الشعب ، ومن ثم اخراجه من الحكومة على تلك الشاكلة ، وعدوا انه عومل بطريقة سيئة.
وفي ضوء ذلك بدأ الساسة التقليديون الذين تنصلوا من المسؤولية خلال الانتفاضة بالظهور من جديد ، حال استتباب الوضع الامني ، وتهيئة انفسهم للعودة الى السلطة فاخذوا يطالبون الوصي بعودة الحكم المدني ، وهذا ما كان يدور في ذهن الوصي.
وعلى الرغم من اعترافات هؤلاء الساسة بدور نور الدين محمود في انقاذ البلاد من خطر داهم ، عندما استطع ان يعيد الاوضاع الى حالتها الطبيعية ، الا انهم لم ينكروا تسلطه الديكتاتوري ومحاولاته التحكم بمقدرات البلاد.
وقد استمرت وزارة نور الدين محمود مصطفى شهرين وستة ايام. ولم تستطع وزارة من الوزارات العراقية ان تنفذ منهاجها كاملاً مثلما اتيح ذلك لوزارة نور الدين محمود التي حكمت حوالي الشهرين والتي تسلمت الحكم في ظروف غير اعتيادية . حيث انها قامت بانجازات مهمة على الصعيدين الداخلي والخارجي . فعلى الصعيد الداخلي بذلت الجهود في توطيد الامن وارجاع الحالة الطبيعية الى نصابها . واستجابة لرغبة الامة اصدرت الوزارة مرسوماً يقوم على اساس الانتخاب المباشر لمجلس النواب. واجرت الانتخابات بموجبه .
على اثر استقالة وزارة نور الدين محمود في 23 كانون الثاني 1953 وقبول هذه الاستقالة في التاسع والعشرين من هذا الشهر عهد الوصي الامير عبد الاله الى نصرة الفارسي بتأليف الوزارة الجديدة ، فاتصل الفارسي بعدد من السياسيين ليشاركوه في تحمل المسؤولية كما اعرب في غربته في ادخال محمد رضا الشبيبي وحسن عبد الرحمن وخليل كنة وكذلك نور الدين محمود رئيس الوزراء المستقبل كوزير للدفاع في وزارته المرتقبة ، فلم يجد من يلبي طلبه هذا لا من الاكثرية النيابية في المجلس الجديد ولا من غيرهم من اقطاب المنظمات السياسية غير الممثلة في هذا المجلس ، وكانت حجة الاولين ان يتولى المسؤولية صاحب الاكثرية البرلمانية وكانت حجة الاخرين ان هذه الاكثرية البرلمانية قد تقلب للفارسي ظهر المجن في اية ساعة ارادتها فيكون مصير وزارته كمصير (الوزارة الايوبية الثانية) التي لم تعمر اكثر من خمسين يوماً فكان لزاما عليه – والحالة هذه – ان يعتذر عن هذا التكليف فلما قدم اعتذاره كلف الوصي جميل المدفعي بتأليف الوزارة فالفها في 29 كانون الثاني 1953.

عن رسالة ( نور الدين محمود ودوره العسكري والسياسي )

فاطمة عدنان شهاب الدين

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

671 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع