القاب عراقية / الحلقة الثانية

      

                  

                    

                                        

في الحلقه الاولى تطرقنا الى لقب الباشا واليوم نتطرق الى لقب مشهور اخر في العراق ومصر خصوصا وهو لقب لايزال يستخدم في الشقيقه مصر بكثره وفي العراق بشكل قليل وهو لقب ( الافندي ) الذي انتشر في العراق في القرن العشرين وصار عل كل السنة الناس لما فيه من عموم وكثرة حامليه عن غيره من الالقاب.

لقد كان دخول الأتراك العثمانيين للمنطقة العربيه في العام 1516 م  حيث لا يعتبرهو التاريخ الحقيقي للتواصل التركي العربي، إذ سبق التواصل قبل ذلك التاريخ بقرون عديده،  ولاتعتبرنهاية الامبراطوريه و مغادرة آل عثمان المنطقة في عام 1918 هي قاطعة الوصل معهم حيث ذهب الأتراك وبقيت ثقافتهم في البلاد العربية عامة وبلاد الشام والأردن والعراق خاصة  ومع أن الحضور التركي كان مؤثرا في الحكم والثقافة والعمران في مدن بلاد المشرق العربي الناشئة آنذاك  إلا أن هناك مشتركا لغويا وثقافيا ما يزال متداولا لغاية هذا اليوم من بقايا الإرث العثماني والظاهرة اللغوية هي الأكثر كثافة في حضور الأثر التركي وهي تستوقف المتتبع لمجريات الحياة السياسية، فهناك كم لغوي  ذو جذورعثمانية تركية،

    

الافندي

الافندي هو اسم مفرد وجمعه  أفنديه وهي كلمه تركيه ذات اصل يوناني كانت تستعمل كلقب اعتباري لاصحاب الوظائف المدنيه والعسكريه والدينيه  والعلماء ولقد شاع استخدامها في مصر والعراق وبلاد الشام منذ ان حكم العثمانيين هذه البلاد الى ان تم الغاء الالقاب عموما بعد زوال الامبراطوريه العثمانيه ..
الكلمه اصلا كانت تطلق كلقب لرموز المجتمع العراقي من الموظفين ورجال الدين وصفوة المجتمع بعد الباشوات والبيكات وكانت ترمز الى ضباط الجيش الصغار من هم برتبة رائد فمادون واستخدمت هكذا في سلك الشرطه ايضا ثم شاع الاستخدام وعمم الى اكثر من شخص حتى بات يطلق على  الشخص الذي حصل على تعليم دراسي ولبس البدلة الاجنبيه والطربوش، ويمكن للأفندي أن يتطور لبيك. والسبب في هذا التعميم هو الملابس التي كان يختص بها المجتمع العراقي والبغدادي خاصة لباس الراس الذي كان يميز من خلاله  كل فئه من الناس اضافة الى لباسهم الخاص من الباشا الى الشخص العادي وينطبق ذلك على لباس الراس:

         

( الطربوش ، الفينه ، الجراويه ، العرقجين ، العمامه ، الغتره ، العكال ، الكشيده ) ولكل لباس منها دلاله على مهنة الشخص ومكانته ولنا في هذا مقال اخر .
وكان لقب افندي في العهد العثماني يطلق على اربع فئات من الناس  ( افراد العائله المالكه من الذكورومن غير منصب والحاشيه وصغار الموظفين ورجال الدين وغيرهم من افراد الطبقة المتوسطة والمتعلمة تعليما بسيطا او متوسطا من سكان المدن فاذا ارتفعت وظيفتهم او مكانتهم كان يقال لهم (بيك) وكانت فئة الافندي اكبر الفئات التي تلقب  بها واكثرها عددا .
اما اذا كان الشخص ينحدر مباشرة من سلالة الملك   فكان يلقب بالامير اما الملك نفسه فكان يخاطب ويشار اليه بلفظه سيدنا .
وقد بقيت تسمية رجال الدين وعلمائه المرموقين بـ (الافندي) مثل ( محمود شكري افندي الالوسي وامجد افندي الزهاوي )  وغيرهما  ..

                   
كما استمرت تسمية غير المسلمين بهذا اللقب في المجالين الرسمي والاجتماعي الى حين صدور قانون منع استعمال الالقاب الاجنبية في عهد وزارة ياسين باشا الهاشمي .
ويظهر ذلك واضحا على سبيل المثال في اسماء هيئة وزارة السيد عبد الرحمن النقيب الثانية التي تالفت في 12 ايلول عام 1921 كما نشرتها الصحف  وهي تحمل الالقاب من باشا وبيك وافندي  ..

                         


 وعلى الرغم من تلقيب رجال الدين وعلمائه وكذلك غير المسلمين بلقب افندي فان اوسع الفئات التي تلقب بهذا اللقب بقيت طبقة الموظفين وسكان المدن واليها كان ينصرف الذهن عادة حين يقال فلان افندي الا اذا كان هنالك مايدل على ان المقصود شخص اخر من رجال الدين او من غير المسلمين وكان تلامذة المدارس في ذلك الحين يخاطبون معلمهم بالافندي ولكن هذه الصيغة في المخاطبة اخذت تختفي مع اواخر الثلاثينيات وحلت محلها كلمة استاذ بصورة تدريجية ومع ذلك بقي هذا اللقب يضاف الى اسم المعلم عند التحدث عنه بصيغة الغائب فكنا نقول مثلا ان معلمنا هو عبد الله افندي وان مديرنا هو عبد الوهاب افندي وهكذا
وكان الافندي يرتدي الملابس الاجنبيه ( بدله من جاكيت وبنطلون ويلك ورباط او بونيقه وقميص)

        

اما لباس الراس فكان الطربوش في العهد العثماني وبداية عهد الاحتلال ثم حلت محله بعد مجيء الملك فيصل الاول سدارة التي صممها هو كشعار  عراقي خاص للباس الراس ..
ومن جملة الدلائل على  لقب افندي التي  كانت تميز صاحبه عن البقيه هي الملابس كما ذكرنا ومنهم من يرتدون الملابس الشعبية او الريفية من كوفية وعقال او جراوية وزبون وعباءة .
فاذا سالت عن شخص هل هو معمم مثلا كان الجواب :كلا: بل هو افندي . او يقال لابس افندي
وكان الافندية في الجيل الماضي يمثلون طبقة خاصة متميزة وقد تكونت لها شخصيتها وصفاتها وعاداتها فالافندي عادة شخص متوسط الدخل يشغل وظيفة مدنية صغيرة او متوسطة وهو شخص محترم في المجتمع فاذا جلس في المقهى اوالملهى التزم الجد والوقار لانه يرغب في الظهور بمظهر لائق ومحترم امام المواطنين ولاينسى مركزه الرسمي وكرامة وقيمة وظيفته .
وقد انتشرت في تلك الفترة المبكرة من قيام الدولة العراقية او قبلها بقليل اغاني كثيرة تشير الى الافندي من باب الغزل اوالوصف ولا تزال اغنية ، الافندي .. الافندي .. الله يخلي صبري .. صندوق امين البصرة ..   ، من اشهر اغاني ذلك العصر وكذلك اغنية :

ياحلو يابو السدارة ..و اغنية دكم سترتك زين من الاغاني التي تشير الى زيه الاجنبي ولباس راسه الجديد ..
ومما يدل على تميز هذه الطبقة الجديدة التي ظهرت في المجتمع العراقي واخذت تتسع بعد الاحتلال البريطاني وفي عهد الانتداب ان جريدة التايمز اللندنية نشرت في عددها الصادر بتاريخ 27  تشرين الاول سنة 1933 مقالة لمراسلها في بغداد تحت عنوان :(الافندي مشكله عراقيه)
وقد ذهبت الجريدة في مقالها الى ان ظهور هذه الطبقة الجديدة واتساعها يهددان بظهور مشكلة اجتماعية ووصفت الافندي العراقي بانه شخص متعلم يسكن المدن الكبرى ويانف من العمل اليدوي حتى الاعمال الفنية والميكانيكية ويتجه الى الوظائف الحكومية وعلى الرغم من انها كانت في ذلك الوقت محدودة العدد قليلة الرواتب لانها كانت تضمن له الوجاهة او المكانة الاجتماعية التي يرتضيها هو لنفسه .. وهو يقضي اوقات فراغه في المقهى يقرأ الصحف ويتحدث في السياسة والعلوم . وان الكثيرين من ابناء هذه الطبقة كانوا يرتادون الملاهي والمسارح ويعشقون الفن باشكاله  .. ولما كان التعليم في اتساع والمدارس الحديثة بدات تخرج اعدادا متزايدة من المتعلمين فان اتجاههم جميعا الى الوظائف الحكومية وانصرافهم عن الاعمال الحرة والاعمال اليدوية سبب بعض المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للبلاد .
وعلى الرغم من ان مقالة التايمز فيها الكثير من التشخيص الخاطيء ولكن  نشرها وهي جريدة مهمة  هو دليل على اهمية تلك الطبقة في ذلك الوقت.وقلق السلطات البريطانية للمشاكل التي قد تؤدي اليها هذه المجموعه المتنوره في السياسه والوطنيه .. ومع ذلك فان لقب الافندي زال من الاستعمال الرسمي بعد صدور قانون منع الالقاب الاجنبية كما انه اخذ يختفي تدريجيا من الاستعمال اليومي او الدارج بعد ذلك بسنوات حتى لم يعد يسمع الى الا على لسان الراحله صديقة الملاية وهي تغني بصوتها الجميل ، الافندي .. الافندي .. عيوني الافندي .. صندوق امين البصره ...

مع تحيات
عبد الكريم الحسيني

للراغبين الأطلاع على الحلقة الأولى:

http://www.algardenia.com/mochtaratt/19578-2015-10-16-09-11-53.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

698 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع