الحياة ..... حكايات الامتحان الصعب

        

     الحياة ..... حكايات/ الامتحان الصعب

      

        

                 محي الدين محمد يونس


     


      

في زمن الأخوين رئيسي جمهورية العراق ( عبد السلام وعبد الرحمن محمد عارف ) والذي بدأ من 18 تشرين الثاني 1963 ولغاية 17 تموز 1968 , وبحكم التقارب السياسي الذي حصل بين العراق ومصر في عهديهما فقد تم إصدار نظام جديد لكلية الشرطة العراقية برقم 1 لسنة 1966 على غرار النظام المطبق في كلية الشرطة المصرية , وكان ذلك في عام 1966 وبموجبه أصبحت مدة الدراسة في الكلية أربع سنوات يحصل الطالب الناجح في نهايتها على شهادتي البكالوريوس في القانون وعلوم الشرطة , وكنا الدورة (23) هي الدورة الأولى وعددنا مائة طالب التي طبق عليها هذا النظام للسنة الدراسية 1966 / 1967   وكانت المواد الدراسية في كليتنا في تخصص القانون هي نفسها المطبقة في كلية الحقوق جامعة بغداد والأساتذة هم أنفسهم الذين يقومون بالتدريس في الكلية المذكورة.

على اثر ذلك قام طلبة كلية الحقوق في جامعة بغداد بإعلان الإضراب عن الدوام احتجاجاً على صدور النظام المذكور وبدعوى أن الضباط الذين تنقطع علاقتهم من الخدمة في دوائر قوى الأمن الداخلي مستقبلاً سيصبحون منافسين أقوياء لهم في مهنة المحاماة بحكم اشتغالهم في هذه الدوائر وتكوينهم علاقات واسعة ومتشعبة مع المواطنين والموظفين في مختلف دوائر الدولة وعلى الخصوص في دوائر قوى الأمن الداخلي وأخص بالذكر منها مراكز الشرطة .
واستمر الإضراب لفترة تقارب الشهرين دون نتيجة حيث لم تنصاع الحكومة العراقية لمطالبهم في إلغاء النظام المذكور ومباشرتنا الدوام في الكلية في نهاية عام 1966 وكان التأقلم معه بالغ الصعوبة لكثرة المعاناة حيث كانت ساعات الانشغال بالواجبات المختلفة من الساعة الرابعة صباحاً ولغاية العاشرة ليلاً لا تكفي لانجازها ونغدو في نهاية النهار منهكين ومرهقين فبالإضافة إلى حصص الدروس المقررة لمناهج القانون ومناهج الحصص في الدروس الشرطوية والتي كانت تشكل بمجموعها ما يقارب العشرون مادة دراسية , كان هناك زخم كبير في حصص التدريب العسكري والرياضي والفروسية , كل هذه الأعباء وحالة القلق دفعتنا إلى تقديم استقالة جماعية باستثناء زميلنا الطالب ( علي أحمد حمادي) مطالبين فيها إما قبول استقالتنا أو التخفيف عنا في حصص الدروس الشرطوية ورفع الضغط المفروض علينا باعتبارنا طلاب مستجدين.

              
             
صورتي في المرحلة الأولى في كلية الشرطة الدورة (23) باللباس الشتوي والصيفي للكلية

في اليوم التالي مساءاً اجتمع بنا عميد الكلية ( صبري عبد الجبار) في إحدى قاعاتها وكانت علامات الغضب وعدم الرضا من تصرفنا المذكور بادية عليه من سماته وما أفصح عنه عندما تحدث معنا وكان قد أعد نفسه لهذه المواجهة معنا حيث رفع العريضة آنفة الذكر بيده والتي جلبها معه عند دخوله القاعة متسائلاً ..( هل أنتم مصرون على طلباتكم المذكورة في هذه العريضة والاستقالة في حالة عدم تنفيذها)
أجاب الجميع / نعم 

    

   صورتي مع الزملاء خلال المرحلة الأولى في كلية الشرطة - الدورة (23)

عندها تأمل النظر فينا بإمعان وأردف قائلاً .. (أرجو أن لا يفوت عن بالكم بأن تصرفكم هذا يشكل خرقاً خطيراً للقانون والتعليمات وتكتلكم هذا يضعكم تحت طائلة أشد العقوبات , كما نذكركم بوجود العشرات من الطلاب الذين يحلمون في قبولهم في هذه الكلية ... سوف ننظر في طلباتهم وقبولهم بدلاً عنكم .... هيا انهضوا وباشروا بتسليم ما بذمتكم من تجهيزات ومواد تخص الدولة وسوف نقوم بإستحصال ما صرفناه عليكم من أموال طيلة فترة وجودكم في هذه الكلية)
كان أسلوب حديث العميد معنا وتصرفه وقراره السريع بإنهاء علاقتنا بالكلية أفقدنا صوابنا وعطل تفكيرنا , لم يتحرك أي طالب من مكانه .
العميد : (( هيا تحركوا ألم تقرروا الاستقالة )) سيطرت حالة من الوجوم على الطلبة الحاضرين , وعندما لم ينهض ويخرج من القاعة أي طالب , طلب عميد الكلية بيان الاحتياجات والمشاكل لغرض تلبيتها وحلها , عندها بدأ الطلاب في طرح استفساراتهم وطلباتهم والتي اقتصرت على الأمور التافهة والطلبات البعيدة عن روح الغاية والقصد من رفع العريضة والتي وعد العميد بإنجازها وتلافيها .

  
 
    صورتي مع زملائي أثناء تدريب الفروسية في كلية الشرطة

في اليوم التالي شكلت لجنة تحقيقية للنظر في الموضوع وجرى توقيف عدد قليل من زملائنا الطلبة والذين اتهموا بالتكتل والتحريض على الاستقالة وأطلق سراحهم بعد أيام معدودات وتم تلبية بعض الاحتياجات ومنها السماح للطلبة بمذاكرة الدروس بعد الساعة العاشرة ليلاً أي خارج الأوقات المسموح بها للمذاكرة .... فاتني أن اذكر بأن الطلبة عندما كانت اللجنة التحقيقية تستفسر منهم عن كيفية توقيعهم على العريضة ومن كتبها وعند من وجدت كانت إجابتهم موحدة (( وجدت العريضة على ( دولاب)  المغربي ووقعتها وليس لدي معلومات غير ذلك )) والمغربي طالب من المملكة المغربية قبل معنا إلا أنه لم يستطع الاستمرار وانقطع عن الدوام في السنة الأولى وكان الغرض من إلحاق التهمة به كونه كان طالباً عربياً وتختلف وضعيته عنا نحن الطلبة العراقيين في مسألة المحاسبة والمسائلة.

          

صورة لطلاب كلية الشرطة - الدورة (23) موجود فيها الطالب المغربي

بعد انتهاء هذه الزوبعة وانصرافنا للدوام والانشغال بالدراسة الجادة وخاصة في حصص الدروس القانونية لسببين:
أولهما: الخوف من الرسوب وضياع المستقبل وتداعيات ذلك من الناحية النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
ثانيهما: نمط الدوام والدراسة في الكلية حيث البقاء طيلة أيام الأسبوع والسماح بالنزول في الساعة الواحدة من كل يوم خميس والعودة في اليوم التالي في تمام الساعة التاسعة ليلاً.
بلغنا نهاية السنة الدراسية 1966/ 1967 وبدأت الاستعدادات للامتحانات النهائية وقد طلبت عمادة كلية الحقوق في جامعة بغداد أن تؤدى الامتحانات بشكل مشترك مع طلابها في نفس بناية كلية الحقوق في منطقة الوزيرية ظناً من العمادة المذكورة بأن أدائنا الامتحانات في كلية الشرطة سوف تشوبه شائبة الغش أو المعاونة من المراقبين وقد لمسنا تشديداً في مراقبتنا في كلية الحقوق عند أدائنا الامتحان فيها خرج عن النمط المألوف في المراقبة , ورغم ذلك فقد كانت النتائج مفاجأة لعمادة كلية الحقوق حيث كان العشرة الأوائل في الامتحان جميعهم من طلاب كلية الشرطة لذلك قررت العمادة في العام التالي أن تؤدى الامتحانات في نفس كلية الشرطة دون الحاجة إلى نقلنا إلى كلية الحقوق.  
تم نقلنا بسيارات الشرطة إلى مبنى كلية الحقوق وكانت من نوع لوري شوفيرليت حيث لم تكن الباصات متوفرة في ذلك الوقت, وبملابس مدنية وحليقي الرؤوس ( نمرة 4) وعند دخولنا الكلية ونحن بهذا المشهد الذي أثار فضول طلبة كلية الحقوق من البنين والبنات وحرك لديهم علامات الاستغراب والفضول من خلال نظراتهم وهمساتهم والابتسامات التي تعلوا شفاههم .

  

صورتي مع زملائي أثناء تأدية الامتحانات النهائية للعام الدراسي 1966/1967 في كلية الحقوق – جامعة بغداد
تم توزيعنا على المقاعد في القاعات المخصصة لأداء الامتحان وعلى ضوء الأسماء المثبتة على المقاعد, وكان موقعي في منتصف إحدى القاعات وكانت تجلس أمامي طالبة سمراء ذات شعر حالك السواد كسواد الليل, تم توزيع الدفاتر الامتحانية ومن ثم أسئلة الامتحان لذلك اليوم , وكان من أصعب دروس القانون للمرحلة الأولى والمراحل الأخرى قاطبة وهو مادة ( الالتزام أو القانون المدني) وأنا منشغل بقراءة أسئلة الامتحان , وإذا بالفتاة التي تجلس أمامي تلتفت نحوي وهي تقول : (( ردلي السؤال الأول ))
وكان تصرفها مفاجئة من العيار الثقيل أثار استغرابي وخوفي من مشاهدتها من قبل هيئىة المراقبة في القاعة وأفرادها المنتشرين في أرجائها, وجعلني أتساءل مع نفسي وأقول :( ماذا جرى لهذه الفتاة؟ هل فقدت عقلها؟ وهل تدرك النتائج الوخيمة لتصرفها , والطالب الذي يضبط في حالة الغش في الامتحان ؟ ) كنت شارد الفكر وإذا بها تكرر:

( شبيك يلا ردلي لا تخاف)
سحبت مقعدي الذي كنت اجلس عليه سنتمترات قليلة وحسب ما يسمح به المجال إلى الخلف لابتعد عن هذه البلوة التي تواجهني بكل صلافة وكما يقول المثل العراقي( تجيك تهايم وانت نايم)
يبدو بأنه لا فائدة من تصرفي هذا فقد اغتاظت والتفت نحوي وهي تقول بعصبية :

(خواف شبيك مرعوب )
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم – ماذا أفعل مع هذه الفتاة المجازفة ؟ وكيف أرد على تجاوزها الوقح ؟ هل أتشاجر معها ونحن في قاعة الامتحان ؟ وماذا سيكون مصيري؟ هل أخبر أحد المراقبين عن تصرفها ؟ وأنا في خضم هذه الأفكار وإذا بها تسبقني في مناداة أحد المراقبين في القاعة والذي حضر على الفور – يا ترى ماذا تريد من المراقب ولماذا استدعته؟ بعد انتهاء حديثهما تراجع المراقب خطوة إلى الخلف وعندها أصبح بمحاذاتي بادرني قائلاً: ( ردلها لا تخاف)
أجبته : ( أردلها بشرط ما تتحرك من مكانك )
أجاب : ( مايخالف)
بدأنا بالرد وهي تكتب وفي الفرص السانحة أكتب لنفسي وأنا أتساءل : (( يا ترى من تكون هذه الفتاة السمراء الحديدية )) وأجيب : (لا بد من أنها تكون بنت أحد المسؤولين الكبار في الدولة العراقية )
وخلال استمراري بالرد لها قاطعتني قائلة : (أكَـلك لا تكَوم إذا ما أخلص )  وعندما انهيت إجابتي انتظرت لحين صدور الإيعاز منها وفعلا التفتت نحوي للمرة الأخيرة وهي تقول :

( أشكرك تكَدر تروح)
عندما خرجت من القاعة إلى الكافتريا لاحظتها وهي تخرج من القاعة وهي تنظر في كافة انحائها وصدق حدسي من أنها تبحث عني , فعندما شاهدتني أقبلت باتجاهي وهي تقول : (( شبيك تخاف؟؟؟ )) , ولما أخبرتها بأنني طالب في كلية الشرطة والرسوب فيها يعني ويعادل عندي الموت لصعوبة قضاء سنة دراسية اضافية عدا ما يلحق الطالب من انكسار نفسي ومعنوي ومادي , عندها أجابت : (( لا تخاف محد يكَدر يحاسبنا , تعرف آني بنت من )) فأجبتها بالنفي .
واستطردت قائلة : (( آني بنت رئيس أركان الجيش – الفريق حمودي مهدي – وعندما تتخرج من كلية الشرطة سوف أطلب منه أن ينسبك في المكان الذي ترغب فيه , أنت طالب ذكي وتستاهل وأريدك يوميه تساعدني باي إلى اللقاء ))  
 ودعتها وأنا أفكر في كيفية التخلص من هذه المصيبة التي حلت بي, وفي اليوم التالي وقبل موعد الامتحان راجعت أحد الأساتذة المعنيين بالمراقبة وبعد إلحاحي عليه أقنعته بتغير مكاني إلى قاعة أخرى لاقتناعه بالأعذار والأسباب التي اختلقتها له لتبرير طلبي.
انتهت السنة الدراسية المذكورة 1966/ 1967 وحقق طلبة كلية الشرطة نتائج مذهلة في الامتحان وانتقلنا إلى المرحلة الثانية أي السنة الدراسية 1967/1968 وأكملناها بنجاح وأثناء تمتعنا بالعطلة الصيفية حصل انقلاب 17- 30 تموز 1968 والذي كانت حصيلته استلام حزب البعث لمقاليد الأمور في العراق.
بعد انتهاء العطلة الصيفية باشرنا الدوام في ظل نظام حكم سياسي جديد وتسلم اللواء (فاضل السامرائي) مهمة عمادة كلية الشرطة وكان من الضباط البعثيين المفصولين , وفي لقاءاته معنا يبدو عليه التذمر وعدم الرضا من نظام كلية الشرطة المطبق علينا رقم 1 لسنة 1966 , وكان يردد دوماً نحن مؤسسة وجدت أصلاً لتخريج ضباط شرطة وهناك مؤسسة تعليمية أخرى معنية بإعداد وتخريج الحقوقيين , وفي إحدى هذه اللقاءات معنا وعندما كان يردد نفس الكلام نهض زميلنا الطالب (عبد الخالق حسن الياسري) وهو يقول: (( سيدي نحن مجرد طلاب في هذه الكلية نخضع لما تفرضه علينا من قوانين وأنظمة ورأينا ورغباتنا ليست محل نقاش واهتمام وهذا النظام لم يطبق علينا بإرادتنا ورضانا))

         

كلام زميلنا شجع العميد في مخاطبتنا متسائلاً: (( منو يريد هذا النظام ومنو ما يريده , يلا نبدي باللي ما يريدون النظام )) رفع جميع الطلبة أياديهم بالموافقة على الغاء النظام عدا زميلنا الطالب (حميد عثمان سبع) والذي انفعل ونهض وأخذ يصرخ : ((غضب الله على راسكم هو أكو أحسن من هذا النظام ))
وعدنا عميد الكلية بأنه سوف يحاول بكل طاقته وجهوده من إلغاء النظام والعودة إلى النظام القديم , وقد تحقق له ذلك عندما جمعنا في إحدى أمسيات الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني 1969 نحن الدورة (23) والدورة التي تلتنا (24) ليبشرنا بأن جهوده قد أثمرت في إلغاء النظام رقم 1 لسنة 1966 وما عليكم سوى الاستعداد للتخرج في 8 شباط 1969, أي بعد شهر واحد فقط .
 
   

يوم تخرج الدورة (23) من كلية الشرطة – بغداد في 8 شباط 1969
                

صورتي مع الزملاء الملازمين  على اليسار عبد المصور سليمان البارزاني وعلى يمين الصورة المرحوم عبد الملك علي عثمان يوم التخرج
 عمت الفرحة بين الطلاب وانشغلوا في مباركة أحدهم للآخر وهم في غاية السرور والانشراح و انشغلنا لأداء الامتحان النهائي لمواد كلية الشرطة فقط حيث تم تقديم موعده ليتلائم مع موعد التخرج كما انشغلنا جميعاً في نفس الوقت , وعندما كانت تسنح الفرصة بمراجعة خياطي الملابس العسكرية ومحلات مستلزماتها للتحضير ليوم التخرج والذي حصل فعلاً في اليوم المحدد برعاية رئيس الجمهورية (أحمد حسن البكر) ووزير الداخلية (صالح مهدي عماش) وبعد يومين من التخرج جرى تنسيبنا جميعاً في وحدات آمرية قوة الشرطة السيارة بعد إجراء القرعة بيننا والتي استثنى منها الزميلين الملازمين المرحوم ( صالح عبد الزهرة حسون) و( مارد عبد الحسن حسون) أبناء عم , حيث تم تنسيبهما في إحدى وحدات القوة السيارة في محافظة الديوانية مسقط رأسيهما علماً أن الأول كان قد حصل على شهادة الدكتوراه في القانون, وانقطعت علاقته بالخدمة في ملاك وزارة الداخلية واستشهد في الأعوام الأخيرة في اعتداء إرهابي غادر داخل مدينة بغداد والثاني برتبة فريق على ملاك وزارة الداخلية العراقية حالياً ولا بد من الإشارة بأن معظم أبناء الدورة (23) قد أكملوا دراسة القانون والبعض حصل على شهادة الماجستير والدكتوراه في القانون في مراحل لاحقة بعد التخرج.

        

صورتي في حفل التخرج من كلية القانون – الجامعة المستنصرية – بغداد عام 1972

ونحن نأتي على نهاية المقال الذي اعتمدت فيه على استعادة بعض ما أدركت من الماضي القريب , عساي أن أكون قد حققت الهدف من إمتاع القراء الأعزاء بحكاياتها وأجد من الضروري أخيراً واستكمالاً للفائدة أن أذكر :-
أثبتت الوقائع صدق توقعات طلبة كلية الحقوق عندما أعلنوا إضرابهم عن الدوام في عام 1966 أثر صدور نظام كلية الشرطة رقم 1 لسنة 1966 وخوفهم من منافسة ضباط الشرطة حاملي شهادة القانون لهم , عند إحالتهم على التقاعد وهذا ما حصل فعلاً , حيث نجد اليوم في أروقة المحاكم المختلفة في جميع أنحاء العراق وهي تعج بالمحامين الكفوئين من ضباط الشرطة المتقاعدين وأود أن أذكر بأن نقابة المحامين وفي نهاية تسعينيات القرن الماضي قد حاولت العمل على إصدار تشريع يمنع بموجبه ممارسة ضباط الشرطة الحقوقيين المتقاعدين من مزاولة مهنة المحاماة إلا أن جهودها في هذا الصدد باءت بالفشل.
كثيرة هي الشعارات التي تم رفعها من أجل تبرير إسقاط (عبد الكريم قاسم) والقضاء على نظامه إلا أن الوقائع اللاحقة أثبتت عدم صدق هذه الشعارات وأنها لم تكن سوى للاستهلاك المحلي وتنفيذ لأجندات خارجية وتحقيق المكاسب والغايات الحزبية والشخصية البحتة من خلال انتزاع السلطة الموصوفة بالفردية إلى نظام حكم فردي آخر لا يقل سوءاً عنه تمثل في نظام حكم حزب البعث العربي الاشتراكي للفترة من 8 شباط 1963 ولغاية 18 تشرين الثاني 1963 ومن التاريخ الأخير ولغاية 17 تموز 1968 في ظل نظام الأخوين ( عبد السلام و عبد الرحمن محمد عارف) حيث لم تتحقق الديمقراطية والازدهار الاقتصادي بالإضافة إلى عدم تحقق الوحدة العربية الذي قتل من أجلها ( عبد الكريم قاسم) واقتصرت الأمور بحكم التقارب السياسي بين نظامي الحكم في مصر والعراق للفترة الثانية, على بعض الإصلاحات في بعض المجالات السياسية الضيقة والإدارية والاقتصادية والتي أثبتت فشلها وعدم انسجامها مع طبيعة الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للعراق , ومن أبرز هذه القرارات تأميم الشركات والتي كانت أعدادها قليلة في العراق مقارنة في مصر .
لقد كانت هذه القرارات ضربة موجعة للنشاط الخاص في المجال الاقتصادي بالنسبة للمشاريع التي كانت قائمة وشملها قرار التأميم أو المستقبلية من خلال فشل الحكومة في إدارتها أو استحداث مشاريع جديدة وتداعيات هذا الفشل والتخلف الاقتصادي بائن للعيان ليومنا هذا.
وفي نهاية حديثي أرجو أن لا أكون قد أثقلت عليكم في القراءة ونحن نعيش في أجواء سماتها لا تبعث على التحمل والصبر والراحة كما التمس من قراء مقالتي هذه وأخص منهم بالذكر أبناء دورتي إضافة ما فاتني فيه من معلومات وتصحيح ما وقعت فيه من أخطاء نتيجة مضي هذه السنين الطويلة على الأحداث وتأثيرها على مجمل حواس الإنسان ومنها ذاكرته التي أنا ممتن لها في أنها لازالت وقادة ولا تخذلني إلا في محطات نادرة عندما أسرد حكاياتي التي عايشتها أو سمعتها وتشكل مع حكايات الآخرين الصورة المتكاملة للحياة التي نعيشها.

          

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

803 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع