قبرص ، مشاهدات شخصية ، الجزء الاول
بعد رحلة قصيرة لا تتجاوز الساعة وصلنا الى مطار لارنكا الجديد قادمين من عمان ، اخر زيارة لي لقبرص كانت في صيف سنة ١٩٦٩ وكان مطارها اصغر من مطار بغداد المدني السابق .
عند مدخل المطار الجديد (مطار لارنكا هرمز ) وهو مطار حديث جميل جدا ومنظم وفيه سوق حرة كبيرة تضم كل الماركات لمختلف البضائع من العطور الى الملابس الى كل شي ، ولكل ماركة جناح خاص بها . والاهم من ذلك توجد في مدخله مباشرة وفي صالة المغادرين جدارية كبيرة جدا بإبعاد كبيرة تقدر بطول عشرة أمتار وعرض اربعة أمتار، موقعة باسم الفنان العراقي القبرصي الاصل وأستاذ فن السيراميك ومن مؤسسي الفرع في معهد الفنون والاكاديمية منذ سنة ١٩٥٦ وهو الاستاذ الفنان فالنتينوس ، والجميل ان التوقيع باللغة العربية ومكتوب فيه بأحرف بارزة بغداد سنة ١٩٧٥ وكذلك باللغة اليونانية ، وقد تم نقل هذه الجدارية من المطار القديم لهذا المطار وعمل لها تصميم بارز إعتزازا بها ، الاستاذ فالينتينوس يسكن ليماسول اليوم وبعد تقاعده سنة ١٩٨٧ وقداقترب من العقد التاسع من العمر ،وقد زرته وهو لا يزال يعمل بكل كد ونشاط وحرفية ورغم ضعف نظره ومرضه ، ولا تزال بغداد تعيش معه يوميا .
لم تأخذ إجراءات السفر والخروج من المطار غير عشرة دقايق ، وقد اخذت الباص المتجه الى مدينة ليماسول التي تبعد خمسين دقيقة اي ما يعادل الثمانين كلم ،الباص يتحرك كل ربع ساعة حتى لو بدون ركاب !
في محطة وسط ليماسول كان بانتظاري الخال المهندس المعماري معاذ الالوسي الذي يسكن قبرص منذ خمسة وثلاثون عاما ، ذهبنا في جولة سريعة بالمدينة الجميلة التي بقت محافظة على بساطتها وبيوتها وعمارتها الجميلة ، ومن ثم سكنت في المكتب وأستوديو الرسم للخال معاذ وهو مطل على البحر مباشرة .
الناس في قبرص يتميزون بالكرم والخلق والصداقة والبساطة دون تكلف ، بحيث اصبح لي أصدقاء في مدى عشرة ايام ، وهم يتكلمون اليونانية بلكنة مختلفة قليلا والانكليزية ، وحيث هنالك قبارصة إنكليز من المتجنسين بسبب جمال الجزيرة ، ووجود محميتين بريطانية او قاعدتين كبيرتين ، احدهما الى الغرب من ليماسول باميال قليلة ، والأخرى الى الشرق من لارنكا ، وكل قاعدة او محمية وهي تابعة للتاج البريطاني تحتوي على اجزاء كبيرة من الاراضي والمنشات وتمتد عشرات الاميال طولا وعرضا ، ولكن تدخل فيها شبكة الطرق العمومية وكذلك المطاعم والبلاجات ، وقد عمرت تعميرا كبيرا .
بعد ايام في التجوال في مدينة ليماسول والتي تحتوي على جزء سياحي كبير في شرقها ، فيه عشرات الفنادق الكبرى والملاهي والبارات وكل وسائل اللهو البري وغير البري ، ولكن معظم هذه المنشآت فارغة بسبب الأزمة الاقتصادية !
في ليماسول جامعة عريقة متوزعة كلياتها وأقسامها ككل على كل أطراف المدينة وتلك حالة أراها لأول مرة !
بالنظر للفترة الطويلة التي قضاها الخال معاذ في قبرص ، فهو يملك الكثير من الاصدقاء القبارصة ومن المعماريين والفنانين الكبار الى اصحاب المطاعم والى نادل المطعم ، وفي بعض الأحيان كان يرفض صاحب المطعم والبار أسفل الاستوديو أخذ الاجور لكونه صاحب مستر الوسي وانت قريبه !! وفي أسوأ الحالات يعمل خصم خمسين بالمية !! وكذلك العديد من المطاعم الاخرى يرحبون بي كوني قريب مستر الوسي ويأتون بكأس مجاني ! وهكذا رايتهم اقرب إلينا نحن وخصوصا لأخلاق العراقيين القديمة !
في درابين ليماسول النظيفة جدا جدا والمليئة بالزهور والياس والدفلة والجهنميات بكل الألوان الزاهية ، ترى البيوت البسيطة والرجال يلعبون الطاولي في الطرمة الخارجية مع كاس من الأوزو وسيجارة ! وكأنك تمشي في كمب الأرمن ايام زمان !!!! وحتى الوجوه تتشابه كثيرا مع الأخلاق ايضا !!
تم بناء ميناء جديد لليخوت في غرب ليماسول وحيث ترى مواقف لليخوت مؤجرة وحسب ما سمعت بمبالغ كبيرة ، ومقابل كل يخت يوجد عمود صغير يخرج منه أنبوب للماء الصافي وسلك للكهرباء وسلك للإنترنت وسلك للدش ، وتربط باليخوت عند توقفها بالميناء ، وحيث يسكنها البطرانين من أصحابها !!! وعلى كل جهات الميناء وبين اليخوت الفاخرة ، تتوزع المطاعم الفاخرة الحديثة ومن المطاعم اليابانية الى الشرقية مرورا بالأوروبية والاميركية ، وكذلك توجد منشات للتسوق ومكاتب ومواقف كبيرة للسيارات .
الملفت للنظر ان قبرص قد بنت بنية تحتية حديثة جدا تفوق ما هو موجود في إيطاليا وأسبانيا والبرتغال ومالطا وغيرها من الدول الأوروبية وفي فترة وجيزة لا تتعدى العقد من الزمان !
في الطريق القديم الذاهب الى مدينة بافوس غرب ليماسول والتي تبعد ما يقارب الستين كلم ، ومباشرة بعد اميال قليلة تأتي مزارع كثيفة للبرتقال والأعناب وعلى مساحات شاسعة ، قيل لي بان تلك الاراضي قد أعطيت لليهود من قبل الإنكليز في الاربعينيات ، وبسبب فكرة إعطاء جزء من قبرص كوطن لليهود وقبل فلسطين ، وقد تم زراعة تلك الاراضي من قبل المستوطنين اليهود ومن ثم تركوها كلها عند مغادرتهم الى اسرائيل سنة ١٩٤٨ ،وقد هجرها ما يقارب الثمانين الف مستوطن يهودي خلال أسبوع حيث تم نقلهم بالبواخر الى فلسطين في سنة ١٩٤٨ .
بعد تلك المزارع الجميلة يمر الطريق بوسط المحمية البريطانية ويخترقها لمسافة تقارب العشرين ميلا ، وحيث تتوزع على جانبيه فلل جميلة جدا للضباط البريطانيين ومنشات كبيرة ومستشفى كبير ، يمكن مشاهدتها من الطريق ، والطريق يمر بعدة قرى جميلة ومناظر خلابة وشواطئ نظيفة وهواء عليل نقي ، وقبل بافوس بعشرين ميلا توجد صخرة أفروديت آلهة الجمال الإغريقية والتي تقول الأسطورة انها كانت تمشط شعرها بالقرب منها عند غروب الشمس ، وما ادراك ماهو غروب الشمس ومنظره في تلك المنطقة .
بافوس مدينة سياحية وهي مدينة إغريقية قديمة تمتلى بالفنادق والمطاعم ،ولم أبقى فيها فترة ليكتمل عنها الشرح المفصل .
في طريق العودة الطريق السريع الحديث والذي مزروع بجزرته الوسطية بأشجار الدفلة كل المسافة بين بافوس وليماسول ، وبين ليماسول ولارنكا ، وحتى نيقوسيا التي لم اذهب لها مع الاسف ، هذا الطريق بنته شركة صينية قبل خمسة أعوام وبجودة عالية جدا ، وليس مثل الشركات الصينية التي تشتغل في العراق !!
المشكلة الكبيرة التي صادفتني في قبرص هو عبوري للشارع وكل مرة اقترب من الدهس ، بسبب القيادة على اليمين ،وانا التفت بالجهة الغلط !! ولكنهم متعاونين ويعرفون ان الغرباء هذه مشكلتهم !!
الكفتة في قبرص اسمها كفتوتوس والمصقعة مصقعة وجبن الحلوم حلومي والمستكي مستيكا وهلم جرا !
وها انا ارى تداخل الحضارات القديمة الإغريقية مع بلدان الشرق الاوسط كالعراق ولبنان وسوريا وتركيا بكل شي من الاكل الى الخلقة ولله في خلقه شؤون .
أرجو ان أكون قد نقلت صورة بسيطة وسريعة عن مُشاهدتي لجزء من جزيرة قبرص ، وأرجو ان اكمل مشاهداتي عن ممارسات المعماري معاذ الالوسي والخزاف الكبير فالنتينوس واهم المعالم الموسيقية والثقافية في الجزء الثاني .
1088 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع