الحياة حكايات ... عقيد الشرطة مجيد الهيتي

       

 الحياة ...حكايات عقيد الشرطة مجيد الهيتي

  

     

                  

       

كانت من خصال الرئيس العراقي السابق ( صدام حسين) القيام بزيارات إلى مدينة تكريت مسقط رأسه , وبالذات الى قصره في ضاحية العوجه عندما تسمح له الظروف بذلك وكانت الزيارة تستقطب العديد من أقاربه ومعارفه والزائرين الآخرين , وفي إحدى هذه الزيارات كان جالساً في بهو قصره ومعه مجموعة من الضيوف كالمعتاد وحينها وصلته شكوى من شابين من أقاربه تشاجرا داخل مدينة تكريت في ذلك اليوم ووصلت الامور بهم إلى قيامهما بإطلاق العيارات النارية وخلق حالة من الفوضى والإرباك داخل المدينة , أمر (صدام حسين) البعض من مرافقيه بإحضار الشابين فورا أمامه وعند احضارهما قرعهما وأمر مدير شرطة المحافظة العقيد ( مجيد الهيتي) الجالس لديه في الديوان بأخذهما فورا إلى مديرية الشرطة وتأديبهما وجعلهما عبرة لكل شاب مستهتر ومهما كانت درجة القرابة منه , وطلب منه بصريح العبارة وبالعراقي الآتي: (( عقيد مجيد ... إدميهم وترجعلي ياهم )).
أجابه العقيد : (( أمرك سيدي ))
وفي الطريق إلى مديرية الشرطة أخذ العقيد يفكر في هذا الأمر ونتائج تنفيذه وعدم تنفيذه وهو الضابط المسلكي العتيد والذي تجاوزت خدماته في سلك الشرطة الأربعين عاماً, وأصبح خبيرا بكل خبايا وأسرار هذه المهنة الشاقة التي تحتم على ممارسها التصرف بذكاء وفق متطلبات كل موقف .

                          


لقد قدح ذهنه إلى حيلة ما , وعند وصوله إلى مديرية الشرطة أمر أحد مساعديه بوضع اثنان من العصي الغليظة ( توثيه) في إحدى الغرف ومن ثم أدخل الشابين في نفس الغرفة وأغلق الباب عليهما , عندما أصبحا وحيدين في الغرفة ولم تمضي على تشاجرهما سوى ساعات قليلة تجددت روح العداء والضغينة في نفسيهما واندفعا للاشتباك ثانية بعد ان أمسك كل واحد منهم بأحد العصي المهيأة لإدامة هذه المعركة وتحقيق نتائجها المرجوة .
ولما كلا وتعبا وتمزقت ملابسهما الملطخة بالدماء حملهما مدير الشرطة       ( مجيد الهيتي) بسيارة الشرطة وقفل راجعا إلى مجلس الرئيس العراقي حيث انزلهما من السيارة وهما بوضعية يرثى لها وحسب طلبه.
العقيد ( مجيد الهيتي) : (( تفضل سيدي مثل ما أمرت))
الرئيس العراقي ( صدام حسين): (( عــفـيـه  ... زين سويت ))
بعد مرور فترة على هذه الحادثة وصل علم ( صدام حسين) بأن مدير الشرطة قد تعامل مع أمره بالشكل الذي ذكرناه وفي لقاء لاحق بينهما .
الرئيس العراقي (صدام حسين): (( ها عقيد مجيد ... يگولون أنت ما ضربت فلان وفلان؟؟!! )) وأشار إليهما حيث كانا جالسين في مجلسه ((هاي الشغله شلون دبرتها؟؟؟))
هنا نظر (مجيد الهيتي ) إلى وجه وملامح (صدام حسين) فاستنتج من أن استفساره ممزوج بضحكة خفية شجعته على أن يجيب العقيد (مجيد الهيتي): (( سيدي ... ليش أني مخبل حتى ابسطهم وبعدين شسوي شلون أخلص روحي!!))

  

وهنا انفجر صدام حسين ضاحكاً ضحكته المتميزة وهو يقول : (( عقيد مجيد ما خاف عليك شرطي قديم)) وكرمه بسيارة من نوع بيجو.  
أسرد هذه الحكاية وأنا اتذكر ويتذكر زملائي ضباط الشرطة كثرة المواقف المحرجة التي تصادفهم أثناء تأدية أعمالهم في مسلك الشرطة عند صدور الأوامر من الجهات العليا أو من مرؤوسيهم حيث يكونون أمام خيارات أحلاهما مر سواء إن نفذوا الواجب أو لم ينفذوا عندما تتعارض هذه الاوامر مع القانون أو مع مصالح جهات أخرى متنفذة , ويلاحظ بروز وتفشي هذه المواقف والحالات في وقتنا الحالي الذي يتميز بضعف الالتزام بالقانون وتفشي المحسوبية والمنسوبية واستغلال النفوذ والفساد .

                 

                         عقيد الشرطة مجيد الهيتي

ما دمنا نتحدث عن هذا الرجل (العقيد مجيد الهيتي) ففي عام 1991 وبعد هروب وانسحاب القوات العسكرية العراقية من الكويت إلى داخل الأراضي العراقية بشكل عشوائي وغير منظم وتزامن مع هذا الانسحاب اشتعال الانتفاضة الشعبية ضد النظام والذي اسماها أعمال الشغب والغوغاء والتي شملت جميع المحافظات العراقية عدا محافظات (الموصل، صلاح الدين، الأنبار , بغداد) والتي سميت من قبل السلطة بالمحافظات البيضاء.
سيطرت الجماهير المنتفضة على مقاليد إدارة تلك المحافظات بعد اختفاء وهروب وقتل واعتقال جميع المسؤولين فيها، العقيد (مجيد الهيتي) كان مدير الشرطة في محافظة كربلاء أثناء اندلاع الانتفاضة والذي تمكن من الهروب والنجاة بنفسه.
ألقت الجماهير القبض على العديد من المحسوبين على النظام وكان أحد حمايات مدير الشرطة أحدهم وتم اقتياده إلى المحكمة المشكلة من قبلهم وكان الشرطي حماية مدير الشرطة يشعر بالفزع عند تقديمه إلى المحكمة الشعبية المذكورة ولكنه شعر بالارتياح والأمان عند إدخاله قاعة المرافعة ومشاهدته لرئيس المحكمة حيث تذكره من خلال استرجاع شريط الذكريات فهو الرجل بائع العبي في سوق كربلاء والذي كانت تربطه علاقة صداقة وطيدة مع مدير الشرطة .... وكان المذكور في كثير من الاحيان مصاحباً لمدير الشرطة عند تردده على بائع العبي بالأمس ورئيس المحكمة هذا اليوم والذي يبدو عدم معرفته بالمتهم الماثل أمامه أو تجاهله إياه مما اضطر المتهم لمخاطبته قائلاً: ((عمي انت شنو ما عرفتني))
رئيس المحكمة: ((انت منو))
المتهم: ((عمي آني حماية صديقك مدير الشرطة مجيد الهيتي اللي جان يگعد يمك بالمحل باستمرار وچنتوا أصدقاء))
رئيس المحكمة: ((ولك وينه هذا المجرم))
المتهم: ((عمي فلت – گلب))
رئيس المحكمة: ((وين گلب هالملعون الوالدين))
في الختام أملي بالقراء الأعزاء في تقييم ما كتبت عن هذا الرجل وتمكني من ادخال السرور والفرح إلى نفوسهم.

 
 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

592 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع