بعض من المتعة والفائده قراءة سريعه في كتاب بعنوان عفيفه للكاتب عبدالمجيد لطفي

   

بعض من المتعة والفائده قراءة سريعه في كتاب بعنوان عفيفه للكاتب عبدالمجيد لطفي

     

                   ناطق خلوصي ..صحفي راحل

كانت دار الشؤون الثقافية العامة قد كلفتني قبل بضع سنوات، بالإشراف علي عملية إعادة طبع كتاب عبد المجيد لطفي الأول " أصداء الزمن " بعد ما يقرب من سبعين سنة علي صدور طبعته الأولي. وكان عليّ أن أكتب مقدمة ضافية للطبعة الجديدة فوجدتني أرجع إلي بداياته في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي وقرأت الأعمدة الصحفية التي كان يكتبها خلال تلك المدة إلي جانب عدد من مخطوطاته التي يحتفظ بها ابنه الكبير، ووظفت ذكرياتي العائلية معه، وخلصت إلي جملة من خصائصه منها كونه عاطفيا ً، إنساني النزعة، تقدمي الفكر، متعدد الاهتمامات، غزير الإنتاج، جريئا ً في التعبير عن رأيه مهما تسبب له ذلك من متاعب،

  

فكان تأليفه لكتاب " عفيفة " يقع ضمن التوجهات التي أفرزتها هذه الخصائص. قد لا يعرف كثيرون إن الفنانة عفيفة اسكندر كان لها صالون أدبي (أو مجلس ثقافي) تحضره نخبة من المبدعين العراقيين كان لطفي من بينهم وقد ارتبط بعلاقة احترام متبادل معها وهي علاقة استمرت طويلا ً، وليس غريبا ً أن تنشأ مثل هذه العلاقة بين فنانة تطمح في المزيد من الشهرة والانتشار مع كاتب له حضوره الواضح في الصحافة.

صدر كتاب " عفيفة " (وهو كتاب خواطر أدبية كما جاء علي غلافه وأفصح عنه متنه) عن "شركة النشر والطباعة العراقية المحدودة ــ بغداد " عام 1953، ويقع في اثنتين وخمسين صفحة من القطع الصغير.

ويبدو أن القاص الرائد كان يتوقع بأنه سيجد من يعترض علي هذا الكتاب، لذلك وضع علي غلافه مقولة برناردشو: إنهم يقولون!... ماذا يقولون ؟... دعهم يقولون!... وكأنه بذلك يرد سلفا ً علي ناقديه ومنهم من لم يقرأ الكتاب أصلا ً.

                 

عرف عبد المجيد لطفي اسم عفيفة اسكندر وهو شاب وكان يعمل، آنذاك ، موظفا ً في ناحية ليلان التابعة إلي لواء (محافظة) كركوك و يجيء إلي بغداد بين حين وآخر. يقول عن ذلك:

"ويوم جئت من كركوك إلي بغداد بإجازة قصيرة لم يكن في ذهني شيء عن عفيفة غير امرأة أو غير فتاة تمشي علي نغمات القدر الذي ليس لها وليس لنا شأن في التحكم بأهوائه.. ولم أكن أنا أيضا ً غير شاب متحمس للحب وللحياة بكل ما فيها من مباهج وأفراح وغصص وآلام. وضاقت بي بغداد بيومين اثنين فكنت أعود أدراجي إلي كركوك حيث أغرق بين الكتب ورياضة الصعود إلي التلال... ولكن القدر أمسك بي فجأة ليملأ الفراغ الكبير الذي لم يكن قد ملأته امرأة من قبل... وقاد خطاي بشيء من التعسف المبهم نحو الملهي الذي كانت تعمل عفيفة فيه. فألفيت نفسي بعد حين أمام حالة نفسية غريبة فقد انسلخت من عمري أعوام من التجربة في ساعتين لا أكثر.. " (ص 4،5).

     

ويتحدث عن بدايات تعرفه بها:

" كانت عفيفة يومئذ ناعمة هادئة وخائفة. كانت أشبه بالأرنب البريء النظيف جيء به إلي قفص غير مألوف..... وكان لها يوم صعدت لتغني صوت عذب صاف يقطعه الخوف ويلجلجه التهيب. " وهو يتوقع منذ ذلك الحين أن "سيكون لهذه الفتاة الضئيلة ذات العينين النرجسيتين الجميلتين شأن في حياة بعض الناس " وهو ما حدث فعلا ً. يبرر القاص علاقته بالفنانة في مفتتح كتابه: " يقولون ان في حياة كل رجل مهما كانت مرتبته وعقليته فراغاً لا تملؤه إلا امرأة نمت ونشأت في حياته وأحبها عقله الباطن وقد تمر في حياته الاعتيادية عشرات من النساء الجميلات أو الدميمات دون أن يُملأ ذلك الفراغ.

فإذا جاءت المرأة المفضلة التي اختارها العقل الباطن امتلأ الفراغ فجأة فشعر الرجل بطمأنينة من يعثر علي الماء في الصحراء " (ص 2 ). ولسنوات ظل ما بينهما محض علاقة إعجاب من طرف واحد، طرفه هو علي وجه التحديد وظل راغبا ً في التعرف عليها شخصيا ً إلي أن حانت الفرصة له ليحقق ذلك. يقول عن تلك الفرصة:

" أوحت لي ذات مرة قطعة نثرية بعثت بها إلي مجلة عربية في الخارج نالني منها نقد صارم لا لشيء سوي ان هناك من كان يعتقد ان تلك القطعة مترجمة عن شاعر فرنسي واني أحاول بها إغراء قلب غانية من غواني بغداد.. " (ص 11).

وكان أن أرسل تلك المجلة إلي الفنانة عن طريق أحد أصدقائها. وربما تصورت المعجب بها شابا ً وسيما ً وفوجئت بخلاف ذلك حتي انها وصفته وصفا ً قاسيا ً في أول لقاء بينهما حيث شبهته بحدّاد قديم.

 لكن ذلك اللقاء لم يحل دون أن تمتن العلاقة بينهما وتمتد لسنوات.

يتحدث القاص الرائد عن الفنانة بصراحة بعد أن عرفها جيدا ً وحلل جوانب من شخصيتها. يقول في هذا الصدد: " لم أر عفيفة تدخن ولا تشرب مسكرا ً ولم أسمع منها كلمة بذيئة ينفر منها الذوق فقد كانت تحاول أن تبعد عنها كل رجل من جلاسها يحاول الابتذال وسرد نكت مبتذلة في مجالسها الخاصة! " (ص 15).

ويبدو انها كانت ميالة للنكات: سماعا ً وسردا " فهي صيادة ماهرة للنكات وتحويرها بحيث تلائم طبيعتها الشفافة "، وكانت تتباري مع جلاسها ، وهو منهم، في ذلك. يقول في هذا الصدد:

" فأنا وعفيفة من نكاتنا المستمرة في حرب عوان نتبادل النكات لاذعة عاصفة تارة ًوتافهة باردة تارة ً أخري " (ص 21 ) و " يقتضيني الإنصاف أن أقول إنني لم أسمع منها يوما ً ما نكتة بذيئة مع كثرة النكات المكشوفة وشيوعها وتداولها " (ص 22).

يقول ً " قلت لها مرة ً انك أشبه بزهرة "ملتون " فقالت " وما هي زهرة ملتون ؟ قلت: زوجته، كانت حسناء فارطة الحسن وكان هو أعمي وكانت إلي جانب جمالها.... فنهضت علي عجل وقالت: شكرا ً، إني أعرف الباقي. 'نني مدعوة إلي المسرح. وسألني الأصدقاء عن بقية ما في زهرة ملتون فقلت: كانت زوجة ملتون جميلة ولكنها شرسة معه فإذا قالوا لملتون إنك صاحب أجمل زهرة في انكلترة، لوي عنقه وقال: هذا صحيح ولكني لا أجد في هذه الزهرة سوي الأشواك " (ص 23، 24).

اهتمامها بالأدب كانت الفنانة تحب السفر كثيرا ً فقد ذهبت إلي مصر وعملت في مسارح القاهرة والإسكندرية. وسافرت إلي الدول الأوربية والولايات المتحدة. وفي باريس التي زارتها أكثر من مرة كانت تحرص علي التعرف علي الوجوديين وأعجبت بالفلسفة الوجودية، كما يقول القاص الرائد. ومما لا حظه فيها انها كانت ترغب، جهد الإمكان، في أن تكون أغانيها بالعربية الفصيحة مما يفصح عن اهتمامها بالأدب، وكانت تحتفظ بمكتبة كبيرة في بيتها. لهذه الأسباب وغيرها، وجد عبد المجيد لطفي ما حفزه علي تأليف هذا الكتاب ليعيّر فيه، برصانة، عن وجهة نظره بفنانة كان لها حضورها الواضح في الساحة الفنية علي امتداد عقود من الزمن ، وليس لأحد أن يصادر حقه في أن يفعل ذلك.

         
جزء مما جاء في هذا الكتاب النادر:

يشعر المرء حين تتفتح أمامه آفاق الحياة الكبيرة النشيطة الملونة في الغرب انه في قفص وان عليه ان يرى تلك الالوان الجديدة من الحياة التي لم يألفها وتتوق نفسه الى رؤية افراح الاخرين ومسراتهم ومشاكلهم عن طريق معاشرتهم والاختلاط بهم ومواكبة نظم حياتهم وتقاليدهم حيث هي ...

ان الافلام السينمائية التي تعكس بعض صور الغرب ومظاهر حياته ونشاطه والمجلات المصورة والمقالات الكثيرة الممجدة للديمقراطية والحرية بمعانيهما الواسعة- كل ذلك يلهب الذهن الى زيارة الغرب والتطلع إلى الحياة الجديدة هناك...

ويبدو لي ان عفيفة شعرت مثل هذا الشعور حين فكرت في الذهاب الى اوروبا فذهبت اليها، الى مدنها الرئيسة اكثر من مرة.. ولم تكتف باوروبا فزارت امريكا التي كانت الحياة المادية الباذخة فيها من الحوافز التي تدعو كل انسان الى زيارتها ما استطاع الى ذلك سبيلاً..

فلما عادت عفيفة من سفراتها وجولاتها في امريكا واوروبا اصيبت الى ردح من الزمن بشيء من رد الفعل الذي يجعل الانسان ينكمش قليلاً ويحدد من غلواء كبريائه ..

والحقيقة ان تلك الجولات قد افادت عفيفة فائدة كبيرة اذ ارتها الحياة بمعانيها الجديدة..

ولابد من انها اعجبت- لا بالحضارة التي تبنى وتخرب وحسب، وانما باناس تلك البلدان، أولئك الذين ينشئون للعالم كل ما يعود عليه بالنفع والضرر معاً...

واعجبت بالجمال حيث تخلقه الرياضة وتنعشه الثقافة العامة وروح المواطنة الكريمة عند جميع النساء. وفي الغرب الى جانب مواطن القبح توجد مواطن كثيرة للفتنة . فالجمال الانثوي هناك كما نعرف، كالألواح الخالدة تنتقل من جيل الى جيل لتزداد قيمة ورونقاً!..

ولا ادري مدى اتصالها بالحياة الفنية في اوروبا لاسيما في فرنسا وفي باريس بصورة خاصة حيث زارتها أكثر من مرة على انني اعرف انها كانت متحمسة لزيارة اوكار الوجوديين أولئك الذين ألهبوا خيالها بتصرفاتهم الشاذة وفلسفتهم الضاحكة الساخرة التي لا رابط لها من تقاليد الإنسانية وتراثها الأخلاقي.

على انني واثق ان عفيفة لفترة من الزمن ادركت ان الجمال ليس هو كل ما يجب ان تفتخر به المرأة او الفنانة فان خوارق الآيات من الجمال الإنساني ارق وارشق الفتيات هناك يتزاحمن من اجل صحبة رجل من عامة الناس في سبيل عشاء أوقضاء ليلة في غرفته..

فلقد كان الجمال- في السنين التي تلت الحرب- كما نعلم جميعاً- ارخص شيء ممكن نواله بثمن في تلك البلاد بسهولة .. غاية في السهولة!

فهل جرتها اعني- هل أذعنت عفيفة- لحين من الزمن لفلسفة الوجوديين ؟ وهل رأت فيها خلاصاً ولو عن طريق المخادعة من الآلام والهموم والعودة الى الطبيعة التي لا تعترف بقيود الناس وما في أنظمتهم من؟.

على انني اعرف ان الوجودية ذات إغراء شديد كفلسفة تبرر للناس تصرفاتهم الشاذة او التصرفات التي تلجئهم ظروفهم اليها وان كل إنسان ضجر من حياته ومتبرم بها يستطيع ان يتخذ منها وكراً يلوذ به بين الفينة والأخرى من دون ان يشعر بحرج تجاه نفسه !

وكانت عفيفة قبل ان يتسع افق الحياة وفهم معانيها واشتباكات مصالحها في ذهنها، كانت قليلة الاحتفاء بالأدب وبالصحافة حتى رأت ان الادب كفن انساني يمجد الجمال والفضيلة ويدعو الى الانسانية الموحدة في نظام رحب والى الاخوة، شيء لازم للفنانة فبدأت تقرأ وتقرأ كثيراً.

إنني لا أريد ان اطيل في هذا الباب حول ما تقرأه عفيفة فانا أتحدث الان عن اثر الجولات التي قامت بها الى الخارج والمؤثرات التي أفادت في صقل مواهبها ومشاعرها..

والحقيقة انه لمن الصعب ان نقطع برأي حول ما اسبغت تلك الجولات والسياحات على مواهبها ولكننا لن نخفق اذا بحثنا اثر ذلك في مشاعرها وتفكيرها..

اذ انها وجدت ان الحياة ارحب واوسع من الذات وعبادتها وان من عظمة الغرب، روح الالفة والمعاونة ومشاركة الاخرين في نكباتهم وهمومهم .

وفي اعتقادي - ان هذه الفضيلة التي بلورتها سفراتها الى الغرب، واعني بها نكران الذات الى حد كبير والتفكير بالآخرين او بالأخريات على الأخص لشيء له قيمته في حياة هذه الفنانة.

لقد عادت وهي تشعر ان الحياة لا تكون ذات مجد لاحد اذا لم تسطع فيها روح الرحمة والمعاونة وان الفنانة هي اولى الناس بتخفيف آلام الآخرين وشد عزائمهم وإدخال الأمل والمرح الى قلوبهم..

ومن آثار هذه الهزة التي اهتزت لها مشاعرها، رأينا الانعكاس الصريح لها في بغداد.. حيث تجد وبسهولة ان عفيفة تعيل عدداً من النساء اللواتي افل نجمهن وكن شيئاً في عالم الفن في زمنهن !

وتجري على بعضهن جراية خاصة من دون ان تقيم حول ما تفعل ما يقيمه غيرها من الدعاية الفارغة والمفاخرة الرخيصة..

           

ان عفيفة في هذا الحقل شيء جدير بالاكبار، وانها لتثبت بصراحة قاطعة- ان النجوم لا تسقط من سماء الناس دفعة واحدة..

يروى عن الكاتب الفرنسي اناتول فرانس انه كان يأمر بحرق بريده اليومي فيلقى جميع ما يرده من الرسائل - في المدفأة- ولا يستبقي سوى رسالة واحدة كانت ترده منذ عهد بعيد يومياً وليس فيها غير هذه العبارة "اعرف نفسك ايها المغرور"..

وكانت تلك الرسالة ذات اثر في حياة انتول فرانس واخلاقه فلم يركبه الغرور ولم ينطلق مع شهرته يملأ جوانبه الكبرياء فقد بقي انساناً بسيطا حلو المعشر محبا للفكاهة طبيعياً في نظرته للامور.

وبريد عفيفة مشحون برسائل عديدة من اناس تختلف أذواقهم وأخلاقهم ومشاربهم وثقافاتهم وتجمع الرسائل التي ترد اليها كل انواع المتناقضات.. فمن رسائل الغرام الحاد والتوجع الى رسائل اللهو والسخرية الى رسائل التولة الى عروض للزواج.. ثم رسائل من نوع آخر فيها شيء من ذل الحاجة وهوان الطلب..

قالت عفيفة ذات مرة - انها ظلت لاكثر من سنة تتلقى رسائل كل يوم من رجل مجهول يضع في تلك الرسائل كل أوجاعه وحنانه وحبه ونصائحه المتوالية ثم اعتذاره في كل مرة باعماله الكثيرة التي تحول دون ان يتعرف عليها..

ولقد اعجبت عفيفة ببعض الرسائل المطولة التي كانت ترسل اليها، ذلك ان تلك الرسائل لم تكن آيات بث وشكوى وحسب وانما كانت مطارحات أدبية ومساجلات في شؤون الحياة ومحاولات عما يصادف المرء من مشاكل.

                       

وقد كتبت انا الى عفيفة أكثر من رسالة مضمخة بعواطف الحب وفيها ذلك الانين الهادئ الذي يخرج من قلوب الكهول في ذكريات صبواتهم الراحلة.. وقد كنت اظن ان رسائلي ستكون ذات قيمة لديها حتى علمت ان عفيفة لا تحتفظ بالرسائل التي تصل الى يديها وأقول الرسائل التي تصل لان هناك اما رقيبة على البريد تصادر كل رسالة طويلة مزعجة رفقاً بعفيفة وتخفيفاً عما تكايده في الحياة من الثقلاء.

لم استطع ان أدرج شيئاً من الرسائل التي ترد اليها لان عفيفة لا تريد التشهير بمن يحبها وان كتم اسمه. ذلك ان رقة عواطفها تجعل من هذه المسألة اعتداء مباشراً على أسرار الآخرين.

ولسنا في الواقع بحاجة ماسة الى شيء من تلك النماذج فرسائل الشبان المراهقين وطلاب المدارس مليئة بالآهات والآلام ورسائل المثقفين مملوءة بالحكمة وكبرياء الأدب والتهرب من العروض السخية!

ثم رسائل الادباء وهي تفرش الأرض وروداً تحت قدميها وتلقي النجوم تيجاناً وعقوداً فوق رأسها..

وهناك القصائد باللغتين العربية والعامية، قصائد في مدحها والثناء على جمالها وكياستها وقصائد ركيكة يريد أصحابها ان تتغنى بها، ومقطوعات يسرقها الشبان من الكتب والدواوين الوجدانية ثم الابوذيات والمنلوجات والمحاورات وهي تتراوح عادة بين الرصانة والركة وتتسم بالمرونة والخور فلا تجد عفيفة فيها غنية ولا بغية.

حتى انها لتأخذ اكثر ما تغنيه بالعربية الفصحى من بطون الكتب والدواوين القديمة، لان ما يصل اليها من الشعر الحديث إما انه يكون ركيكاً تافه المعنى او انه يكون منسوجاً على منوال لا ينسجم ولا يتفق مع الالحان او يستعصي على الالحان القصيرة التي تبدع عفيفة في أدائها أيما إبداع.

قلت - لها ذات مرة ان لي حكماً قد يكون قاسياً على منلوجاتك ان بعضاً منها ذو معان اقرب الى السخف..

قالت : ادري هذا ولكن ما العمل وهذا هو ما يصلني وهو أحسن ما ينظم في هذا الحقل !

والحقيقة ا ن عفيفة لا تلام على ما تغني من اشعار فهي الى جانب كونها- خير ما يقدم اليها- تأخذ بتشذيب الكثير منه وتحاول ان تبرئه من الاسفاف وما قد يخدش السمع او الذوق.

اما الحانها فليست مسؤولة عنها ايضاً لانها لا تجد غير هذا العدد المحدود من الملحنين الذين يسطون على الألحان القديمة او الالحان التركية او المصرية ويقدمون لها الحاناً هجينة لا ذوق فيها ولا رابط يربطها بأذواق الآخرين.

وعفيفة سخية بالدفع لهؤلاء الملحنين وانها اكثر الفنانات تجديداً والصرف من اجل هذا التجديد الذي لا يأتي كله على المرام.

ومع ان المنلوجات في الأساس يجب ان تحمل طابعاً انتقادياً لخفتها وسهولة تداولها فان منلوجات عفيفة تفتقر الى هذا العنصر ولا ادري اهذا هو ذنبها ام ذنب من يضع لها تلك المنلوجات؟ على انني ادري ان عفيفة تحاول إبعاد الانتقاد السياسي من أغانيها لتسلم من النقد او خوفاً من تجريح احد من الساسة وبعضهم من اصدقائها وممن تعجب بشخصياتهم وان كانت لا تؤمن بتصرفاتهم واعمالهم السياسية.

ان مساهمة منلوجات عفيفة في حقل الاصلاح الاجتماعي ضئيلة فهي اشبه بالسوانح العابرة مع انها كانت تستطيع- بقليل من الشجاعة- ان تجعل أغانيها على كل فم ومقبولة في كل وسط..

لقد كنت أتحدث عن بريد عفيفة ولكنني وجدت ما ذكرته كبير العلاقة بهذا الفصل.

ان على عفيفة كفنانة - والفنان ليس آلة من آلات التسلية- بل هو موجه ومنافح عن الشعب ومكافح ضد الفساد والخيانة والجشع.. ان عليها ان تغير شيئاً من اتجاهها الحالي فتجعل لمنلوجاتها طابعاً من القوة للدفاع عن تقاليد هذا المجتمع والتعبير بها عن آلامه.

وهذا هو الفراغ البارز الذي يراه كل انسان ثاقب البصر فيطالبها بإخلاص حقيقي لسده ولو بشيء من خسارة تتأتى من تجافي سياسي صديق او رجل اعمال طماع وما اكثر ما تعرف عفيفة من هؤلاء.

كان رجل من جلاسها-يحاول الابتذال فسرد نكات مبتذلة..في مجالسنا الخاصة!

وكانت تحاول في كل مرة ان تخرج من نطاق الوسط الذي هي فيه وسط الفن الى افق ارحب، افق الحياة العالية ذات الاسلوب اللطيف المنسق الذي يتمتع به غير ارباب الفنون.

     

وكانت اعظم الامنيات لديها هي ان تخلد بعد العمل الى الهدوء -تقرا وتستريح وكان هذا عسيراً في الحقيقة ولايزال عسيراً على حسناء مثلها يدوي حبها في كل قلب ويهتف باسمها كل محب.

وعفيفة- ذواقة فنانة- ما في ذلك من شك وقد اعجبت بهذه الناحية العظيمة فيها.

فليس من الهين ان يلمس امرء فنانة حقاً في مثل اوضاعنا ومفاهيمنا الخاطئة عن الفنون اجمالاً...فنانة تعرف كيف تتحدث وكيف تفكر وكيف تتصرف وكيف تلبس.

اما اللباس فتعتبر عفيفة في اموره ذات شأن فهي انيقة بالفطرة متيمة بالازياء الحديثة وبالنماذج العصرية تلتذ بالفستان الجديد تلذذها بكتاب سلس جميل العبارة او بأكلة شهية مختارة، وتعرف كيف تنسجم الالوان وكيف تكون ملائمة لجسمها.

وكانت عفيفة في البداية ناعمة ضئيلة الحجم ثم امتلأت ففقدت شيئاً من الرشاقة التي كانت تسبغ عليها رونقاً خاصاً.

كثيراً ما حاولت ان اخضع عفيفة في احاديثي الى منطق الواقع والى الاكتفاء بما تعطي الحياة ولكنها لم تكن لتقنع بذلك فقد كانت الحياة بالنسبة لها قاسية موجعة على ما أسبغت عليها من آيات النعمة والجمال والشباب.

وقد بدأت فكرتها عن الحياة تتبلور في الاعوام الاخيرة بعد ان كشفت الحدود الضيقة التي تعيش فيها مطامع الناس، او مطامع العدد المحدود من الذين اثروا في حياتها وتحكموا فيها ردحاً من الزمن.

انني لا استطيع ان اكون قاسياً مع عفيفة ولكنني استطيع ان اقول ان شكواها من النتيجة التي صارت اليها في خدمة الفن وهي نتيجة اظن انها لا ترضاها في كل ذلك نفع للفن والحياة بنطاق اوسع.

       

لقد كان على عفيفة ان تؤدي ضريبة الجمال وضريبة الذكاء الوقاد وضريبة الطموح الذي يتعب النفس! لم استطع ان اصور لعفيفة حتى الان صورة صالحة او اعطي عنها نموذجاً لحياتها وتفكيرها ومن الصعب ان اوفق الى كل هذا يوماً ما، ذلك ان الصور عن عفيفة تتداخل في ذهني بشكل يجعلني قليل الاستقرار في الحكم عليها، فان عفيفة تستطيع ان تكون اكثر من امرأة واكثر من فنانة واكثرمن عملة ذهبية ذات وجهين! فهي كما اتخيل حياناً تصلح ان تكون سكرتيرة فنانة لرجل اعمال اوروبي او عارضة ازياء في اجمل معارض العالم او مضيفة في طائرة تنسي الخائفين ما يكابدون كما انها تستطيع ان تكون بكل سهولة في خدمة أي قلم للاستخبارات لولا ذلك الكبرياء الذي يريها مساوئ الاشياء ويجنبها مغبة التصرفات التي لا ترضى عن نتائجها، ولا ادري هل كانت عفيفة تنجح لو كانت الحياة اخذت بيدها نحو اتجاه آخر اعني هل كانت تنجح كزوجة وكأم وكربة بيت؟

يخيل لي انها -هي نفسها- ترى في هذا السؤال مفاجأة لان ذهنها لم يكن قد اهتز لمثل هذه الامنيات كما ارى اذ ان فرصاً كثيرة قد اتيحت لها لتحقيق ذلك فلم تفعل ، فلقد كانت ككل فتاة مستقبلها بيد القدر-لا تستطيع تحقيق شيء يخالف سنن الفن الذي احبها اكثر مما احبته كما يبدو لي، قلت لعفيفة ذات ليلة انك صورة عظيمة، انك لوحة فخمة في صالون ضيق لا يدخله النور، فابتسمت ولم تعلق على ذلك بشيء وقد تكون هذه العبارة قد اعجبتها او كشفت لها جانباً من ثناء جديد لم تسمع مثله من الآخرين. واعتقد وارجو ان لا اكون مخطئاً ان مثل هذه الكلمات الحقيقية لها اجمل رنين من الذهب الذي تبش له وجوه وتضطرب له قلوب الأخريات.

ان عفيفة فنانة بلا شك وقد عرفت ذلك في حياتها البعيدة عن المسرح والفن في تلك الروح الذاكرة لشهداء هذه الحياة وفي ذلك الاسلوب الفخم الذي تعيش فيه من الرغد غير حاسبة للغد أي حساب.

وفي ذلك الفهم الدقيق للحظة الواحدة التي تخرج من ملك الفنان لتذهب الى وادي الفناء! وفي ذلك الحب العميق لتذوق المجهول الذي لم يتذوق بعد وفي ذلك الحنين المعذب للنفس الى التذكارات الماضية التي تذوب في هالة من الاعجاب الذي لا ينقطع من الناس والذي لا يمكن ان ينقطع الى بضع سنوات مقبلات.

من الصعب ان يعرف المرء ما في اعماق عفيفة حين تعمر مجلسها بالنكات.. اتراها تريد المرح بالنكتة ام الشماتة أم السخرية ام الظهور بمظهر من يستطيع القاء روعة جديدة على جمود الحاضرين.

   

ان ذكاء عفيفة لا يظهر بشيء بقدر ما يظهر بسرد النكتة الشائعة او المروية ولا يكون حاداً قاسياً الا بالنكتة التي تجود بها قريحتها تعليقاً او تعقيباً وتأتي عفو الخاطر دون تلكؤ او تكلف. وعفيفة كالذهب الصافي لا يظهر صدقه الا في المحك، والمحك الصحيح لذكاء عفيفة، لا يظهر وابريزها لا يسطع الا امام من يحاول منافستها بالنكتة ومحاولة التغلب عليها اذ تكون عندئذ (عسلاً في علقم) تضحك على نكتة الاخرين بينما ترسل نكتها لاذعة في الصميم ثم تراوغ بسهولة لتنسى اثر الجرح الذي تحدثه، او تغير الجو فجأة وتسبغ على الغيوم ضياء شمس ساطعة هي ابتسامة او نظرة مملوءة بالحلاوة والامل.فانا وعفيفة من نكاتنا المستمرة في حرب عوان نتبادل النكات لاذعة عاصفة تارة وتافهة باردة تارة اخرى. ويعجبني من عفيفة طريقة سردها للنكتة ذلك انها تلقى في النكتة طابعها الخاص لتبدو جديدة وان كان المرء قد سمعها مائة مرة. وهي صيادة ماهرة للنكات وتحويرهاا بحيث تلائم طبيعتها الشفافة ولوذعيتها المملوءة بالفتنة فهي احياناً كالفارس الشجاع ينتزع السهم من صدره ليغرسه في صدر خصمه في لحظات اشبه بالعمل السحري.

   

ان عفيفة بالنسبة للنكات ذهن معبأ متحفز على الدوام وكأنه قد اعد اعداداً خاصاً ليجابه كل نكتة مهما كانت طارئة قاسية ام باردة مؤنسة.

ويقتضيني الانصاف ان اقول انني لم اسمع منها يوماً ما نكتة "بذيئة" مع كثرة النكات المكشوفة وشيوعها وتداولها وفي اعتقادي ان مرد ذلك هو ان عفيفة تريد في تلك النكات او في تلك المجالس المفضلة ان تسمو عن توافه الناس وأضاحيكهم وتتخلص من مرارة الحوادث المزعجة لذوقها والتي لا تسطيع ان تتخلص منها بحكم عملها ومجاملتها لمختلف الاذواق من مختلفي الثقافات والعقليات! فاذا حضرت مجتمعاً وجدت فيه رغبة لتبادل نكات سخيفة فاضحة تسللت بسرعة وبألف عذر مقبول وتركت المجال فسيحاً للاخريات. انني اتحدث بالطبع عن مجالسنا الخاصة نحن الذين نحيط بها وكلنا من ارباب الاقلام والادب والفنون والصحافة. وتسمى جلساتنا تلك بالجلسات الفنية "أي اليابسة" من عنصر المادة الذي يغري الاخريات من الفتيات وقد لا تكون جلساتنا مرضية لاصحاب الملاهي التي تعمل فيها ولكنني واثق من انها تجد في جلساتنا تلك راحة عميقة اذ تجد في تلك الاوقات فرصة للاستمتاع بالحياة الحقيقية التي يغمرها الاعجاب الصادق والنظرة الطبيعية للامور ضمن ما يفرضه النظام السائد العام. وليست عفيفة مجرد فنانة تغني او مجرد فتاة ذات وجه صبوح وانما ايضاً قطعة من الذكاء المتوهج انها تتلقى النكتة كالطعنة بفروسية ثم ترد عليها لاذعة فإذا ارادت ان تشفق على زلل منتظر من منكت سخيف راحت تعبث بأظافرها وتنظر بطلائها او تغرق في هواجس مجهولة، ومثل هذه الحالة من عفيفة انقذتني اكثر من مرة فقد كنت اشعر انني مقبل -من طبيعة ما اقول- مقبل على خطأة او سرد نكتة غير مرضية للذوق، فاتجنب ذلك قلت لها مرة انك اشبه بزهرة "ملتون" قالت وما هي زهرة ملتون؟ قلت-زوجته، كانت حسناء فارطة الحسن وكان هو اعمى وكانت الى جانب جمالها.. فنهضت على عجل وقالت: شكراً انني اعرف الباقي، انني مدعوة الى المسرح وسألني الاصدقاء عن بقية ما في زهرة ملتون فقلت: كانت زوجة ملتون جميلة ولكنها شرسة معه فاذا قالوا لملتون انك صاحب اجمل زهرة في انكلترا، لوى عنقه وقال: هذا صحيح ولكنني لا اجد في هذه الزهرة سوى الاشواك. وليست هذه اول مرة تتخلص عفيفة من النكات التي يصعب انطباقها او ترد على الخاطر بغير مناسبة حميدة فتردها بخفة وتزوغ عنها وبذلك تحسن الى من هو على وشك الخطأ وقبل الوقوع فيه، وتجنب نفسها الغضب حين تدخل النكتة جارحة لتمزق الجلد الذي تتستر وراءه بمهارة.

ليس من العدل ان تقول ان عفيفة تتصنع النكتة او تميل اليها شماتة بالناس او سخرية بالاقدار التي سخرت من امانيها كامرأة على الاقل بل من العدل ان نرى وجهها الحقيقي من خلال ما تسرد من نكات او تفاجئنا به من نكات عفو الخاطر.

ان الدموع لم تعد معياراً صحيحاً للحزن كما ان الضحك لم يعد مقياساً يركن اليه كدليل على الفرح والرضى ان حقيقة المرء لا تظهر الا في تصرفاته حين يروي نكتة من النكات ذلك ان كل امرئ يكيف النكتة ويفلسفها بالطبيعة التي يفهم بها الحياة! بل ان تلك النكات تروى بلسان لبق ما يفهمه المرء من الحياة وما هي نظرته اليها كمسرح كبير تدب فيه كل الوان المتناقضات والفجائع.

ان النكتة لا تروى للتسلية وحسب وانما كتفريج لكرب او لعنة على الحياة وما فيها من قساوة، او تحد عاصف لما فيها من قوى الشر والفساد والتخريب والحقيقة انه ما من شيء يستطيع ان يعبر عن روحنا الباسلة في ساعات الهموم واليأس وترد على تحدي الزمن كالنكتة التي تخرج من الصميم حاملة عبرة او ضحكة او معولاً لتهديم بنيان شامخ على اساس من الرمل والوحل. وباعتقادي ان قريحة عفيفة تعبر -بطريق النكتة- عن انصع ما في نفسها من خواطر وما لها من نظرة عميقة وفهم لواقع هذه الحياة.

 عن كتاب عفيفة تأليف عبد المجيد لطفي

          

                         

 
عبدالمجيد لطفي( 1327 - 1413 هـ) ( 1909 - 1992 م)

سيرة الشاعر:عبدالمجيد لطفي.

ولد في قضاء خانقين (العراق)، وتوفي في بغداد.

عاش حياته في العراق.

انتظم في مراحل التعليم، حتى تخرج في ثانوية الصناعة عام 1932 .

أتقن اللغتين التركية والكردية، إلى جانب العربية.

عمل كاتبًا في وزارة المالية.

يعد أحد رواد القصة العراقية في القرن العشرين.



الإنتاج الشعري:

- له ديوان من الشعر المنثور تحت عنوان «تصابي الكلمات» - بغداد - 1971، وآخر ديوان تحت عنوان «خليج المرجان» - مطبعة الحوادث - 1984 (الديوان مكون من 349 رباعية)، ونشرت له مجلة «الكتاب» - لسان اتحاد المؤلفين والكتاب العراقيين - وجريدة العراق، وجريدة الهاتف البغدادية عددًا من القصائد منها: «خاطرة شعرية» - جريدة «الهاتف» البغدادية - العدد 1096 - مارس 1952، و«إلى فلان» - مجلة الكتاب - العدد الرابع - السنة التاسعة - أبريل 1975، و«من نجوى الصمت» - جريدة العراق - ديسمبر 1987.

 الأعمال الأخرى:

- له مؤلفات في الرواية والقصة منها: «في الطريق» - مجموعة قصصية - بغداد 1958 ، «عيد في البيت» - قصة - بغداد 1961، «بعض الذكريات» - قصة - بغداد 1968 ، «الجذوة والريح» - قصص - بغداد 1969 ، « الرجال تبكي بصمت» - رواية - بغداد 1969، وفي المسرح له: «خاتمة موسيقار» - تمثيلية - بغداد 1941 ، «حجة النهار» - تمثيلية - بغداد 1970، وفي الترجمة له: « قلب الأم» - قصص مترجمة عن التركية - بغداد 1936، إلى جانب عدد من الدراسات، وأدب الخواطر أهمها:« نظرات في الأدب الكردي» - دراسة (بالاشتراك مع عبدالسلام حلمي) - 1948، و«الإمام علي رجل الإسلام المخلد» - النجف 1967

يتميز شعره بالجدة، والمغايرة. فقد نظم على طريقة الرباعيات التي تتعدد فيها الأشطر، وتتنوع القوافي، وتتسم بالتركيز والتأملات الروحية والفلسفية، خاصة ما جاء في رباعيات «خمريات المتصوفة» التي عبر فيها عن فلسفته العرفانية، وتأملاته في صروف الدهر، وعذابات الإنسان على هذه الأرض. وله شعر إخواني، كما كتب

في الرثاء. لغته محكمة، وخياله منبسط، وفكره عميق. التزم الأوزان الخليلية فيما كتبه من شعره.

 مصادر الدراسة:

1 - باقر جواد الزجاجي: الرواية العراقية وقضية الريف - منشورات وزارة الثقافة والإعلام - بغداد 1980 .

2 - حميد المطبعي: موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين - دار الشؤون الثقافية - بغداد 1995 .

3 - عبدالإله أحمد: نشأة القصة وتطورها في العراق (1908 - 1939) - مطبعة شفيق - بغداد 1969 .

4 - عمر الطالب: المسرحية العربية في العراق - مطبعة النعمان - النجف 1971.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

860 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع