حظ أمحيسـن ! ..الحلقة التاسعة عشر

                                          

        

حظ أمحيسن ! مـسلـسل تلفزيوني بين الحقيقة والخيال من الحياة الأجتماعية في العراق في الحقبة الواقعة في منتصف الأربعينيات ولغاية أحتلال بغدادفي 9 نيسان 2003


                                             

                           الحلقة / التاسعة عشر

كان "أمحيسن" موقناً من أن زوجته مصممة على عدم مرافقته , وتفضل البقاء في موسكو لأكمال دراستها في معهد اللغة الفرنسية, ولذا أظهر لها موافقته على رأيها, لحين معرفة نتيجة ايفاده للتدريس في احدى الجامعات العربية, وتلتحق به كما وعدنه في السابق! ولذاعندما أقترب العام الدراسي من نهايته عزم التوجه الى موسكوعن طريق البرفي العاشر من تموزعام 1968. ونظراً لوضعه المادي , أستخدم الطريق البري , فأستقل"باص" خاص بنقل الركاب من مدينة الكاظمية الى طهران,ومنها الى"باكو"عاصمة أذربيجان,ومن ثم يستقل الطائرة الى موسكو!  
 وما أن وصل "أمحيسن" محطة قطار"باكو",حتى توجه نحو الى المقهى لشرب الشاي والأستراحة من تعب الطريق,..ولاحظ تجمهر الناس حول المذياع والتلفاز,ولما أستفسرعن ذلك من أحد الزبائن,.. رحب به حينما علم  أنه من العراق,..وراح يحدثه عن ثورة حدثت هذا اليوم , أطاحت بنظام عبدالرحمان عارف,.. ولحد الآن لم يعلن عن أسماء قادة الثورة,.. فتعجب أمحيسن , ولم يصدق أنه نفذ من "كماشـة" محتمة لو تأخرعن مغادرته العراق, حيث يمنع السفر,عند حدوث ثورة ما..وحتى قيل أن أحدى الطائرات غادرت سماء بغداد وطلب منها العودة,..وعلى أية حال, كان ذلك اليوم هو السابع عشر من تموز سنة 1968 ولأول مرة ينجو أمحيسن من مطبات حظه,.. وينفذ في الوقت المناسب وحمد الله .

   

ألتقى "أمحيسن" بزوجته ووجدها بنفس "الموال" السابق, وأنزعج ولم يستطع البقاء في موسكو,وتوجه بالقطارالى (كيكندا) بيوغسلافيا, وأمضى أسبوعاً في ضيافة أحد الأقرباء الدارس هناك, وبعد أسبوع عاد الى بغداد براً(اسطنبول, حلب, الموصل) بخفي حنين!
وفي منتصف السنة الدراسية 1970 , أستأجر مشتمل في منطقة راقية في بغداد, وأكمل تأثيثه, عاقداً العزم على التوجه الى موسكو, لأطحاب زوجته, ولكنه نسى "حظه",.. مضرب الأمثال!  
وهكذا فـ "النحس" و"أمحيسن" صنوان او قل وجهان لعملة واحدة, فقد  استلم في شهرمايس , وثائق الطلاق من زوجته, أستناداً الى أدعائها بعدم اللقاء معها, ولا مراسلتها منذ أكثر من ثلاثة سنوات!
وبَلغَتهُ جامعة بغداد بالقرارعن طريق وزارة الخارجية العراقية‍‍‍‍ !
تلقى " أمحيسن" تلك الضربة الموجعة وهو في حالة من الذهول, فقد تهدم الهيكل على من فيه, وطار الخيط والعصفور,..وكل ما بناه خلال ـسبعة أعوام!, فلا قيمة لمركزه العلمي بدون زوجته وأبنه؟  ولكن ما العمل,.. فقد وقع الفأس بالرأس!

                                         

ففي أبريل (نيسان) 1970 زار قسم الكيمياء بكلية التربية بجامعة بغداد وفـداً من الجامعة الليبية, وبعد أن أطلعوا على أبحاث الدكتور  "أمحيسن" ,..أعجبَ احدهم بإنجازاته العلمية,.. وعرض عليه العمل في ليبيا, لقاء راتب يعادل أكثر من ألف دولار أضافة للسكن وسفرة للوطن مع عائلته على حساب الجامعة,..بينما كان يتقاضى آنذاك من جامعة بغداد 50 دينار أي بحدود 150 دولار من دون اي محفزات أخرى البته!,.. ولذا وافق" أمحيسن" على العرض فوراً !
بدأ "أمحيسن", بإجراءات السفر وفق الطرق  الرسمية وبمساعدة زميله عميد كلية العلوم الذي صدر أمر تعينه وأمحيسن جالس بغرفته يشكو له من مماطلة الوزارة في الموافقة على ايفاده,..فقال له "فرجت" أنا الآن عميد الكلية, وفهم أمحيسن ما قصده زميله,..ولذا  غادرالوطن في الثامن والعشرين   من أغسطس (آب), سنة 1970 وفي الاول من سبتمبروصل إلى طرابلس.
لقى " أمحيسن" ترحاباً حاراً, حيث هَبَ العديد من أعضاء هيئة التدريس لمساعدته، وشعرَ بغبطة وامتنان، وما أن استقر في عمله وسكنه حتى راسل زميله في موسكو، لمعرفة وضع زوجته وأبنه,
فجاءه الجواب:
" لا أمل من عودتها البته , فقد تزوجت!"
أترك تصور الحالة التي ألمت بالدكتور"أمحيسن" لفراسة القارئ, فما من أحد لم يكتوي بمحنة "أمحيسن" يستطيع أن يلم بما أعتراه في تلك اللحظات التي قرأ فيها برقية زميله,وهكذا بكي بصمت وقال:
" حظ أمحيسن , من المسـتحيل أتصيرلي جارهّ "!
ومنذ ذلك الوقت و" أمحيسن" موشح برداء " اللامبالاة " وبعد أشهرهدأ بعض الشيء,..وراح أصدقاؤه يرشحون من يرونها زوجة صالحة له !.. إلا أنه أبى أن يقترن بأية امرأة أجنبية ,..بسبب الثمن الغالي الذي دفعه عندما فقد ولده في بلاد تختلف قوانينها عن قوانين بلده، بحيث غير أهل زوجته اسم ابنه ولقبه وسُجل الطفل بأسم جدَّه لأمه, وكل ذلك باسمك يا قانون!, واستمر" أمحيسن" يتجرع  الصبر وراح يستمع من المسجل أغنية," أين ياليل صباباتي للمطربة نهاوند:

اين يا ليل صباباتي واحلامي وكأسي
اين يا سمار نجواي وأحبابي وعرسي
ذهب السمار والكأس وآمالي ونفسي
وتأسيت فلم يرضى فؤادي بالتأسي
أسال الليل عن الماضي وحلو الذكريات
أسال النجم عن النادي وعهد النغمات
اسال الاحلام عن تلك الليالي الحالمات
اين يا ليل نداماي ومجلى الصبوات
اين مني طيفك اذا ما الليل أمسى
وسقاني الشوق الام الهوى كأسا فكأسا

                           

وضع "أمحيسن" خطة للحد من معاناته ، وفق نظرية:
"يمكن أزالة أجمل صورة بوضع صورة اخرى عليها"
ونتيجة لأختلاطه بالعديد من الطلبة وزملاء المهنة ممن سبقوه في العمل في ليبيا,وعلم منهم استحالة الزواج من ليبية, فهناك خطوط حُمر تحول دون زواج المزركي (الغريب) من أبنة الوطن!,..ولذا سافر إلى العراق في عطلة نصف السنة الدراسية1971، والتقى بالعديد من الأقارب والأصدقاء،... وعرضوا عليه المرشحات وفق العرف السائد آنذاك, إلا أن الحظ أو قل ما شئت من مسميات, هي التي لعبت دوراً في الاختيار، فوقع النصيب على شابة هي أخت زميله أيام الدراسة في موسكو, وبسرعة قياسية, أكمل كل معاملات الزواج والحجزوعاد خلال عشرة أيام الى عمله في ليبيا!

   

بدأت مسيرة "أمحيسن" الجديدة ، محاولاً النسيان وتجاوز السلبيات السابقة التي كادت أن تمزقه. ودارت الأيام،.. وإذا بالزوجة الروسية ترسل رسالة لـ"أمحيسن" تعترف فيها بذنبها، وتطلب منه السماح والعودة ، وان الله قد انتقم منها بما فيه الكفاية ،..وتطلب مقابل ذلك طلاق زوجتة الجديدة !,., فكتب لها:
القطارلا يتوقف لمن لا يجيد الصعود فيه!
لم يَخفي "أمحيسن" قصته السابقة عن عروسته ، وكان صريحاً معها إلى أبعد الحدود،..وكانت امرأة بمواصفات رائعة, استوعبت كل ما ذكره لها عن حياته الماضية ولم تكترث لها،... ووفرت له الجو الأسري الذي كان تواقاً له ، وأنساه بعضاً من الماضي وبدأ يشعر بالاستقرار العاطفي والنفسي وخاصة عندما رزق بولد أسماه "عوض", ليعوض به الفراغ الذي عاشه بأختفاء ولده الأول ,..الا أنه ما أنفك يتذكره كلما سمع المطرب وديع الصافي وهو يغني:

على الله تعود على الله
يا ضايع في ديار الله
من بعدك أنت يا غالي
ما لي أحباب غير الله
يلي مرمرت زماني
كانك بطلت تهواني
يا أبو الأحباب لاقيني
من بعد غياب هنيني
حاجي من دموعي تسقيني
نشفت دموعي اي والله
على الله تعود بهجتنا والفراح
وتغمر دارنا البسمة والفراح
قضينا العمر ولف ضل وولف راح
وضاع العمر هجران وغياب
لو جاني يوم مرسالك
و طمني يوم عن حالك
لطرب الفؤاد كرمالك
وسـجد على أبواب الله
                            
ويدور الفلك الدوار دورته = وتقدرون وتضحك الأقدارُ

يتبع في الحلقة / عشرين

للراغبين الأطلاع على الحلقة/ الثامنة عشر

http://www.algardenia.com/maqalat/9620-2014-03-24-19-04-01.html

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

954 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع