بئر الحداثة - هكذا إرتويت منه
مهداة للبروفسور شموئيل موريه
والدكتور سمير فوزي حاجّ
كتابة - إيمان البستاني
بئر الحداثة - كتابُ لو قُيض لي إنجاز مثيلً له بذات الفخامة في الطباعة حيث لون الورق عائد لزمن النعيم الفكري والتنضيد المتقن , والتغليف المختار بعناية وذوق , وثراء المحتوى وأكاديمية الطرح, سيكلفني أن أبيع حديقة داري الخلفية لما ترددتُ لحظةً واحدة حتى لو كان ألمالك الجديد الدب القطبي نفسه
الكتاب مُهدى من مؤلفه تتصدره كلمة إهداء بخط يده يقول فيها - الى المُبدعة إيمان بُستاني مع رحيق الابداع - سمير حاج ٢٣ شباط ٢٠١٢
الكتاب صادر عن المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر ب ( ٣٠٠ ) صفحة من الحجم الكبير صمم غلافه الأنيق الأستاذ زهير أبو شايب من عمّان بلون أخضر مزرق تتوسطه صورة لجبرا إبراهيم جبرا بتناسق هارموني للحواس لا يُخطئ
الكتاب دراسة رصينة يقدمها الدكتور سمير فوزي حاجّ , فيها تركيز على نواحٍ مهمة في كتابات جبرا غفل عنها كثير من الدارسين وهي توظيف الموسيقى في رواياته وقصصه من حيث تركيبها القائم على تعدّد الأصوات , واستعماله لألفاظ موسيقية في معانيها ومبانيها ومشاهدها الموحية بالانسجام والتناسق , وعشق شخوص رواياته للموسيقى وكيفية توظيف الموسيقى للرموز الدينية المسيحية في شعره ورواياته وقصصه بإيراده كلمات وأسماء فيها إيحاء بمضمون مسيحي يُثري المعنى
وقد مهّد الدكتور سمير حاجّ لهذا كله بفصول تاريخية لتعريف القارئ بالخلفية التي نشأ فيها جبرا وتأثر بها , الكتاب بخمسة فصول الأول منها عن الكلية العربية في القدس , نشؤها وتطورها ومناهج التعليم فيها والتي درس فيها جبرا قبل التحاقه بجامعة كمبردج في إنكلترا , والفصل الثاني فيه لمحة تاريخية عن المسيحين السريان في فلسطين , والفصل الثالث بعنوان ( جبرا مترجماً ) يتناول ترجماته عن قرب وتأثير تلك الترجمات على الرواية العربية الحديثة ويتناول هذه الترجمات بتسلسلها الزمني ويفيض في البحث أمام روايتين هما ترجمة جبرا لجزء من كتاب العالم الأنثروبولوجي ( جيمس فريزر ) يتعلق بأدونيس أو تموز , وترجمته لرواية الصخب والعنف لمؤلفها الأمريكي ( وليم فوكنر ) ويشرح أثر هاتين الترجمتين على ألادب العربي الحديث بتفصيل , ويتعمق في الفصل الرابع والأخير الرموز المسيحية ومكانتها في أعمال جبرا
الفصل الأول - الكليّة العربية في القدس
يطالعك الفصل الأول بالحديث عن الكلية العربية في القدس وفي نفس الوقت تتّعرف على أسلوب الدكتور سمير الحاجّ وهو يعّد لكتابه بأسلوب البحث المضني الدقيق وكأنه لم يكتف بالمصادر والوثائق بل كأنه لف و دار على كعب قدميه فلسطين بطولها وعرضها سائلاً المعمرين وكل ذي شأن عن التواريخ يوم وساعة ولم يهمل اسما لأي شخص مر اسمه على تاريخ الكلية وبهذا يزيد الهامش هوامش حتى تكاد تكون هوامش الكتاب , كتابًا أخراً بحد ذاته إن لم يكن أكثر من ذلك ,وتخيلته غاطسا حتى أرنبة أنفه بين أكوام الكتب والمصادر لايرضيه شيء حتى إستحق لقب ( باحث صعب إرضاؤه ) , عدا السرد التاريخي لتأثيرات المنطقة إبان أواخر الحكم العثماني وبدايات الانتداب البريطاني للمنطقة وكيفية انعكاساته على سياسات مناهج التعليم
تأسست الكلية العربية في آذار ١٩١٨ في القدس , تحت اسم ( دار المعلمين ) من قبل الإدارة العسكرية البريطانية في فلسطين لتدريب المعلمين للمدارس الابتدائية وبعض الصفوف الثانوية , بدأت ب ( ٢٣ ) طالباً
الشاعر معروف الرصافي
في أول عهدها , درّس فيها معلمون مصريون وإنكليز وعراقيون , منهم الشاعر العراقي معروف عبدالغني الرصافي
ومن حيث المنهاج والكتب التدريسية , فقد أستخدمت المناهج والكتب التي أعدّت لمصر في مواضيع اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا وكذلك اللغة الإنكليزية , التي وضعها مؤلفون إنكليز
والكلية هي أوّل مدرسة ثانوية داخلية , تنتقي أوائل الطلاب , خريجّي المدارس الابتدائية من المدن والقرى الفلسطينية , وتعدّهم ليصبحوا معلمين , حسب سياسة مرسومة مُسبقاً
درس جبرا إبراهيم جبرا ( ١٩٢٠ - ١٩٩٤ ) الصفين الإول والثاني الثانويين في الكلية الرشيدية ثم أنتقل الى الكلية العربية , إبان تأسيسها كان التعليم مجاناً وكذلك الاقامة , لكن فيما بعد فُرض على كل طالب دفع رسوم تعليمية بقيمة ( ٢٤) جنيهاً في السنة , بعد التخرج منها تهيئ الكلية خريجيها للتقدم لإمتحان ( المتريكوليشن ) للالتحاق بالجامعات البريطانية
الاستاذ خليل السكاكيني
تُرجح المصادر وبحث المؤلف كون ( خليل السكاكيني ) كان المدير الأول للكلية , لثقافته الإنكليزية ولكونه عضواً في هيئة المعارف الإنكليزية في فلسطين ولكنه أستقال بعد عام احتجاجاً على تعيين ( هربرت صموئيل ) أول مندوب سامي في فلسطين , عقبه ( خليل طوطح ) كمدير ثانٍ للكلية
كان منهج التعليم في المدارس الثانوية في فلسطين , إبان الانتداب البريطاني , مشابهاً للمنهج المتبع في المدارس الثانوية الإنكليزية , إذ كان يخصص للغة الإنكليزية ٢٥ % من الساعات الأسبوعية
وفي الأدب الإنكليزي , كان يدرس الطلاب مسرحيات ( شكسبير) , وفي الشعر ( جون ميلتون ) و ( جون درايدن ) و ( ألكسندر بوب ) وغيرهم
بعد تخرّج جبرا من الكلية العربية , أرسل العام ١٩٣٩ في بعثة دراسيّة إلى بريطانيا على متن سفينة وكان في التاسعة عشرة من عمره , وفي بريطانيا , درس جبرا الأدب الإنكليزي , حيث ألتحق بجامعة اكستر في السنة الدراسية الأولى ١٩٣٩-١٩٤٠
الشاعر عزرا باوند
كما درس جبرا أضافة للشعراء أعلاه , الشاعر الأمريكي ( عزرا باوند ) الذي يعتبر من أهم شعراء الحداثة وأحد مؤسسي الشعر الحر , وكذلك الشاعر ( ت. س. إليوت ) الذي جدّد في مبنى القصيدة وحرّرها من المقاطع المألوفة , ومن الشعراء العرب ( بدر شاكر السياب ) ونازك الملائكة , رائدي كتابة الشعر الحر , وقد ثارا على مبنى القصيدة العربية , بكتابتهما شعراً يحافظ على عروض الشعر العربي وفي الوقت نفسه يتحرر من قيد الطول في البيت , وعدد التفعيلات , إضافة الى اعتماد الرموز والأساطير والموسيقى في القصيدة
وفي مجال الرواية , يذكر جبرا تأثره من الأدباء ب ( د. ه . لورنس ) المنحدر من أصول عمالية والذي انتقد في أعماله الثورة الصناعية , لأنها أنشأت فجوة وتفرقة بين الطبقات , كما ورأى أن الإنسان المعاصر في خطر لأنه خسر جودة الحياة , كما عالج موضوع العلاقة بين النساء والرجال
كما يذكر تأثره ب ( جيمس جويس ) و ( فرجينيا وولف ) اللذين أتبعا أسلوباً جديداً في الفن الروائي يعرف باسم ( تيار الوعي ) حيث تقوم فيه الشخصية بسرد الأحداث , بشكل عفوي , دون تنسيق أو نظام
من خلال هذا الكم من الأسماء الأدبية والمذاهب والتيارات الفكرية التي تمثّلها , يتضّح أن جبرا كان منفتحًا على الحداثة الأوربية , وبالذات على التقنيّات الشعرية والروائية التي استُحدثت في أوروبا
الفصل الثاني - الطائفة السريانيَّة في القرنين التاسع عشر والعشرين
الفصل يستعرض تاريخ الطائفة السريانية بتفاصيلها , ولكني اقتطعت مايخص جبرا إبراهيم جبرا
ولد جبرا, في بيت لحم عام ١٩٢٠ لوالدين من المسيحيين السريان , ودرس في طفولته في مدرسة الروم الأورثوذكس والسريان الكاثوليك التلحمية . بعد حرب ١٩٤٨ سافر إلى العراق , وهناك أسلم بعد أن أحبّ فتاة عراقية مسلمة , هي ( لميعة بُرقي العسكري ) , التي تزوّجها عام ١٩٥٢ وعاش معها حتى وفاتها عام ١٩٩٢
وفي مقابلة أجراها الدكتور سمير حاجّ مع يوسف إبراهيم جبرا , الشقيق الأكبر لجبرا في بيت لحم عام ١٩٩٦, قال فيها إنّ أمّه أي والدة جبرا كانت متزوّجة من قبل , من رجل قُتلَ في مذابح السريان عام ١٩١٥ , كما قُتلَ معه أخوها يوسف , لذا سُمِيَ هو , يوسف على اسم خاله , ويرى أفراد عائلة جبرا , أنّ أصلها من تركيا , حيث قال يوسف في هذه المقابلة بأنّ والده إبراهيم أحضر أمّه على دابة من تركيا إلى القدس , وأسموه حَجَّي بِرْهم , أي الحاج إبراهيم , لأنه جاء فلسطين حاجّاً
في سيرة جبرا الذاتيّة , الخاصة بطفولته , تبرز تنشئته السريانية , خاصة في فترة دراسته الابتدائية في مدرسة الروم الأرثوذكس والسريان الكاثوليك , وأثناء صلاته في الكنيسة , إذ يقول " نحن أيضاً كنا نصلّي, فاللغة السريانية التي علمنا إياها المعّلم جريس , كانت في معظمها أناشيد وتراتيل تعود إلى أزمان سحيقة في القِدم , لحنها أباء الكنيسة الأوائل في أنطاكيا ودمشق والقدس ومدن وادي الرافدين , وفق مقامات كان الشماسة يتقونها , وقد لقننا المعلم , يساعده في ذلك أحياناً رهبان شباب من دير مار مرقس بالقدس , أو من الموصل , التنويعات السبعة لكل لحن أساسيّ , أي أنّ النغم الواحد له سبعة ألحان أخرى ينّوع بها , حسب أيام الأسبوع , ومواسم الصيام , والأعياد , وكان علينا أن نحفظ ذلك كله سماعاُ , بدون التدوين الموسيقي , الذي عرفته ألحان الكنائس فيما بعد , وكان المعلم يشرك منا من رَخِم صوته وحسنت أذنه في إنشاد الألحان في الكنيسة "
درس جبرا اللغة السريانية في مدرسة السريان , كما واظب على حضور الصلوات في كنيسة السريان , وكان والداه يواظبان على الصوم والصلاة , كما حرصا على انخراط جبرا في حياة الكنيسة , للصلاة ولحفظ التراتيل الدينية , بلغة أجداده , حتى أصبح يقرأها عن ظهر قلب
هذا يؤكد أن اللغة السريانية في نظر جبرا هي لغة طقوس دينية فقط , فجبرا لم يكتب نتاجاً أدبياً بالسريانية بل كتب بالعربيّة والأنكليزية لأن السريانية لغة دينية غير حيّة ومحصورة في أقلية صغيرة ومقتصر استعمالها على رجال الدين في دور العبادة
الفصل الثالث - جبرا مترجماً
يقول جبرا " إنّ الترجمة لغة قبل كل شيء , ولكنها قبل ذلك حب , إذا كان للترجمة أن تكون أمراً إبداعياَ , فإنّ المترجم يجب أن يستجيب لما يترجم بعمق ويعامله كأنه نصّ كتبه هو , وعليه الأن أن يسكبه في لغته
ترجم جبرا من الأنكليزية إلى العربية , ستّة وعشرين كتاباً ويراها المؤلف خمسة وعشرين كتاباً بالتأكيد , وقد أثرت ترجمات جبرا والمقدّمات والدراسات التي وضعها لها في تطوير الشعر العربي الحديث والرواية العربية الحديثة , من حيث التقنية والأسلوب , وكان لها أثر كبير على الحياة الفكرية والثقافية والأدبية , خاصة الشعرية , في العالم العربي من حيث استخدام الرموز الوثنية واليونانية والمسيحية وكذلك الأساطير
ومن أهمّ الكتب التي ترجمها جبرا , حسب تاريخ صدورها هي
فريزر , جيمس , أدونيس أو تموز : وهو ترجمة الجزء الأول من المجّلد الرابع لكتاب ( الغصن الذهبي ) للعالم الأنثروبولجي الأسكتلندي ( جيمس جورج فريزر ) وكما ترجم من المجّلد الجزء الخاص بأسطورة أدونيس , إله الإغريق , أو تموز إله البابليين والفينيقيين , حول البعث بعد الموت , ألذي أصبح عند الشعراء العرب , في نظر بروفيسور موريه , رمزاً لإحياء الحضارة العربية ويقظتها من سباتها الطويل , وكذلك استخدموا الأساطير السورية والإغريقية ورموز الكتاب المقدّس والرموز المسيحيّة , لنقل معاناتهم الذهنية والروحيّة والجسديّة , وتعبيراً عن غربتهم واضطهادهم في مجتمعهم , ومن أكثر الشعراء استخداماً لرمز السيّد المسيح , وحمل الصّليب والجلجلة , الشاعر ( بدر شاكر السياب ) فقد استخدمها في ديوانه ( أنشودة المطر ) حوالي ثلاثين مرّة
فرانكفورت , جون ولسن , ه.أ. فرانكفورت , توركيلد جاكوبسن , ماقبل الفلسفة الإنسان في مغامراته الفكرية الأولى - موضوع الكتاب هو طبيعة الكون ووظيفة الدولة وقّيم الحياة والأسطورة لدى شعبيّ مصر ووادي الرافدين , أكثر شعوب عصرهما في الأزمنة القديمة تمدناً , كما يتناول الكتاب الأساطير والمعتقدات لدى المصريين والبابليين
شكسبير , وليم , مأساة هاملت أمير الدنمارك - مسرحية تراجيدية , يغلب فيها الشّر على النفس البشرية , فترتكب جريمة , هذا ما حدث في هاملت إذ قام ( كلوديوس ) بقتل أخيه ( هاملت ) وتنصيب نفسه مكانه ملكاً على الدنمارك , والزواج من ( جرترود ) زوجته , وإن كانت المسرحية واعمال اخرى لشكسبير من ضمن منهاج دراسته ايام الكلية العربية في القدس
الشاعر الأمريكي روبرت فروست
طومبسون , روجر لورنس , روبرت فروست - موضوع الكتاب هو الشاعر الأمريكي ( روبرت فروست ) , الذي يعتبر من أكثر الشعراء الأمريكيين شعبية في القرن العشرين , لدمجه اللغة العامية مع التقليدية , فقد عُرف بأسلوبه البسيط والمباشر ووصفه المتميّز للطبيعة , ومعظم قصائده موزونه , بعكس أشعار صديقه ( عزرا باوند ) الذي ألتقاه في بريطانيا عام ١٩١٢
أوكونور , وليم فان , وليم فوكنر - الكتاب هو دراسة في أعمال الروائي الأمريكي صاحب رواية الصخب والعنف ( وليم فوكنر ) ويتناول فيه الباحث بروفيسور ( وليم فان أوكونور ) الذي عمل محاضراً آنذاك في جامعة مينيسوتا , أعمال فوكنر , وبالذات قصاصات الصحف التي تحكي عنه والمقالات التي كتبها فوكنر , والتي كتبت عنه , ورسائل الناشرين
كاودن , روي ( محرّر ), الأديب وصناعته - يشمل الكتاب عشر محاضرات ألقيت في جامعة ميتشغان بين ١٩٣٢- ١٩٥٢ , في حفلات توزيع منح سنوية للطلاب الموهوبين في نظم الشعر ,وكتابة المسرحية والقصة والمقالة . وموضوعات المحاضرات هي , الأدب والإيمان بالحياة , والأدب في عصر العلم , الأدب والرأي , الشعر كلغة بدائية , الطريقة الحديثة في الأدب , زيف الواقعية , مسؤولية الأديب , مسؤوليات الناقد , أهمية الشعر الممكنة , والفنّ الدرامي في الشعر
فوكنر , وليم, الصّخب والعنف - رواية للكاتب الأمريكي ( وليم فوكنر ) نشرت بالإنكليزية عام ١٩٢٩ وقام جبرا بترجمتها إلى العربية ونشرها عام ١٩٦٣ , وأحدثت ترجمته للرواية وقتها ثورة فنية في الرواية العربية المعاصرة خاصة تقنياتها من حيث اعتمادها تيار الوعي الذي يركّز على ارتياد مستويات ما قبل الكلام , من الوعي , بهدف الكشف , عن الكيان النفسي للشخصيات , من خلال تقنية المونولوج , كما بنيت هذه الرواية بطريقة ( الرواية البوليفونية ) ذات الأصوات المتعددّة والتي فيها يسمح الكاتب لمختلف الشخصيات , بالتعبير عن وجهات نظرها المتباينة , أي إنها لا تتّبع في أسلوب سردها صوتاً واحداً , كما هو متّبع في الرواية الكلاسيكيّة , التي تقتصر على صوت الراوي الأحادي , العليم بكل شيء
أما تأثيرات الرواية على الروائيين العرب فلقد استعرض الدكتور سمير حاجّ مطولاً هذا التأثير ودرجاته بسرد ممتع غزير الامثلة على امتداد ١٠ صفحات يستحق ان يكون قلب الكتاب ونبضه أثرت رواية فوكنر هذه التي ترجمها جبرا , من حيث البناء والتكنيك في أعمال روائية عربيّة كثيرة , مثل رواية ( الرجل الذي فقد ظله ) للروائي المصري فتحي غانم , و رواية ( رجال في الشمس ) و( ماتبقّى لكم ) للروائي الفلسطيني غسّان كنفاني , و( النخلة والجيران ) و( خمسة أصوات ) للروائي العراقي غائب طعمة فرمان , و ( موسم الهجرة الى الشمال ) للروائي السوداني الطيّب صالح , و( ميرامار ) للروائي المصري نجيب محفوظ , ( كانت السماء زرقاء ) للروائي العراقي المقيم في الكويت إسماعيل فهد إسماعيل , و( السفينة ) و( البحث عن وليد مسعود ) لجبرا إبراهيم جبرا , و( الأشجار واغتيال مرزوق ) للروائي السعودي عبدالرحمن منيف , و( كوابيس بيروت ) للروائية السورية غادة السمّان , و ( ألف ليلة وليلتان ) للروائي السورّي هاني الراهب , و ( الحرب في بّر مصر ) للروائي المصرّي يوسف القعيد , و( الرجع البعيد ) للروائي العراقّي فؤاد التكرلّي و ( تحريك القلب ) للروائي المصري عبده جبير
إنّ تأثير ( الصخب والعنف ) مازال مستمراً , حتى اليوم على الرواية العربية المعاصرة التي تحررّت من الاسلوب الأحادّي الصوت , وأتبعت تقنية الأصوات المتعددّة وتأثيرها موازياً لتأثير ( الأرض اليباب ) للشاعر الأمريكي الاصل ( ت. س. إليوت ) على الشعر العربي الحديث , الاستنتاج الذي يفضي إليه بحث الدكتور سمير حاجّ , أنّ ترجمة جبرا لهذه الرواية وإصدارها عام ١٩٦٣ وتضمين ترجمته دراسة مستفيضة وموّسعة عنها , والتعريف بكاتبها , ساهم مساهمة كبيرة في إدخال ( الأصوات المتعددّة ) وتقنيّات تيار الوعي إلى الرواية العربية الحديثة
إليوت , ألكسندر , آفاق الفنّ - يتناول الكتاب الفنّ والنحت وهو عبارة عن عدة مقالات , تدور حول هدف الفنّان , ورؤية الفنّان , وتصوّره , والفن واللانهاية , إن الكتاب يقدّس الفن , ويرى فيه كنوزاً وهدايا للآلهة
فورستر , نورمان وفوك , روبرت ( مُشرفان ) - الكتاب يقع في ثلاثة مجلدات ويحوي ١٠٠٨ صفحات , وهو ترجمة نصوص من الأدب الأمريكي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر , وهو دراسة نقدية في العصر الكلاسيكي الجديد , في الأدب الأمريكي , والحركة الرومانسية وروّادها شعراً ونثراً, والحرب الأهلية الأمريكية وما بعدها , والحركة الواقعية ونشوئها , وفنّ الرواية , والحركة الواقعية والاتجاهات الجديدة , وثورة المذهب الطبيعي
بيكيت , صموئيل , في انتظار غودو - هي مسرحية للكاتب الإيرلندي الأصل , الفرنسي الموطن ( صموئيل بيكيت ) كتبها ونشرها بالفرنسية عام ١٩٥٣ , ثم صدرت بالإنكليزية عام ١٩٥٥ , قام جبرا بترجمة هذه المسرحية إلى العربية , وإصدارها عام ١٩٦٧
وتعتبر هذه المسرحية نقطة تحّول في المسرح الأوربي الغربي ,لأنها تنتمي إلى ما اصطلح عليه بمسرح العبث أو اللامعقول , الذي يصف عزلة الإنسان , في عالم غير مُبالٍ وغير مفهوم , وفي نظر العبثيين , إنّ مجهود الإنسان لإدراك معنى الكون , ينتهي دوماً بالفشل , وكأنه يحدث في عالمٍ خالٍ من الأهداف
تتسم مسرحية في إنتظار غودو بالغموض الشديد , والرمزيّة , وعدم إعطاء الحلّ , ف ( غودو ) غائب ينتظره الجميع ولا يأتي , إنّها قصة إنتظار من لا يأتي , بكلمات أخرى , إنّ المسرحية تعطي رسالة مفادها , أنّ مصير الإنسانية غير معروف , فالمسرح العبثي موغل في التشاؤم , ويحكي اغتراب الإنسان وعزلته وضياعه
بري , جرمين , ألبير كامو - يتناول الكتاب حياة الكاتب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو ألذي توفي عام ١٩٦٠ , بعد سنتين من منحه جائزة نوبل للأداب ١٩٥٨ , وعلاقتها بأدبه , كذلك يشمل الكتاب دراسات في روايات ومسرحيات ومقالات ألبير كامو الذي يعتبر من ممثلي التيار العبثي في الأدب , ويدحض الكتاب إدراج كامو تحت تيار الوجودية بسبب نشر مقالته ( أسطورة سيزيف ) عام ١٩٤٢ ولأنه أستعار أحياناً بعض ألفاظ الوجودية
بنتلي , أريك , الحياة في الدراما - كتاب للناقد المسرحي والكاتب وأستاذ الأدب الدرامي , في جامعة كولومبيا ( أريك بنتلي ) وفيه يناقش حيوية المسرحية وإغراءها للإنسان , كما يتناول الكتّاب المسرحيين بدءاً بالشاعر التراجيدي اليوناني ( أسخيليوس ) إلى ( صموئيل بيكيت ) , ويحلل الكاتب عناصر المسرحية , وهي في نظره : العقدة , الشخصية , الحوار , الفكر , التمثيل ثم العلاقة بين المسرح والأدب . كذلك يعرّف بأقسام الدراما , وهي : الكوميديا ( الملهاة ) , والتراجيديا ( المأساة ) , والتراجيكوميدي , التي تقع بين الأثنين وتمتاز بالسخرية اللاذعة , هو كتاب مهم ومن مصادر دراسة المسرح
شكسبير , وليم , الملك لير - مسرحية تراجيدية كتبها شكسبير عام ١٦٠٥ وقدّمت على المسرح عام ١٦٠٦ وهي تحكي قصة لير , ملك بريطانيا الأسطوري , وبناته الثلاث , وفي المسرحية تغلب نوازع الشرّ ولاينسى أن يصوّر شكسبير ايضاً الجوانب الإنسانية للشخوص
سلوت , برنيس ( محررّة ) , الأسطورة والرمز دراسات نقدية - كتاب نقدي عن الأسطورة والرمز , من وجهات نظر مختلفة , لخمسة عشر ناقداً . وكما يقول جبرا في تقديمه لترجمة الكتاب ( طبعًا , ليس ثمة مدرسة متميّزة للأسطورة والرمز , ولذا فإنّ علينا أن نُقرّ من البداية , بأن معاني الكلمات الأساسية نفسها في مثل هذا النقد متعددّة ومتباينة . فالأسطورة تشير أحياناً إلى أقاصيص الأقدمين , وأحياناً إلى أشكال الإيمان المختلفة , أو أنّ له وظيفة الكتابة الخلاّقة أو الكتابة الرمزية
ويُعطي هذا الكتاب خُلاصة مفادُها , أنّ الأسطورة هي الشكل القصصيّ , لتلك الرموز الخطية العليا التي تعبّر عن معرفة الإنسان وإيمانه
شكسبير , وليم , كريولانس - تعتبر آخر مسرحية تراجيدية كتبها ( شكسبير ) , وقد طبعت عام ١٦٢٣ وكُتبت عام ١٦٠٨, تدور أحداثها حول قائد روماني شجاع يُدعى ( كايوس مارسيوس ) وقد سُمي ( كريولانس ) بعد أن استولى على مدينة كوريولي من أهلها الجبليين المعروفين ب ( الفولسيين ) , يرشحه الأشراف لمنصب قنصل , ولا بدّ من موافقة الشعب على الترشيح , لكن الشعب يكرهه لنزعته الأرستقراطية , تحدث مجاعة في روما , ويعترض كريولانس على توزيع الحبوب للعوّام إلا إذا تخلّى العوام عن حقّهم في انتخاب ممثّليهم , يرفض الشعب الغاضب , الموافقة على تعيين كريولانس قنصلاَ , ويرغم الشعب الأشراف على نفي كريولانس من روما , على إثر ذلك , يقوم كريولانس بالانتقام , حيث يذهب الى الفولسيين , أعدائه السابقين , ويقترح عليهم القيام بحملة عسكرية على روما , يرأس كريولانس جيشاً فولسياٌ , ويقترب من أبواب روما , يرسل الرومان إليه زوجته وأمّه لعقد الصلح مع سان روما , يوافق كريولانس على عقد الصلح ويعلم أنه بتراجعه عن روما , قد حكم على نفسه بالموت , يرى الفولسيون بتصرفه هذا خيانة لهم فيقومون بقتله , بيّن شكسبير في هذه المسرحية الصلة المعقدة بين الحاكم والمحكوم
ولسون, إدموند , قلعة إكْسل : دراسة في الأدب الإبداعي الذي ظهر بين عامي ١٨٧٠ - ١٩٣٠ - الكتاب من تأليف الناقد الأمريكي ( إدموند ولسون ) نشره عام ١٩٣١ , وهو دراسة في الحركة الرمزية التي أزدهرت في الأدب الفرنسي , وفي الشعر بشكلٍ خاص , بين ١٨٨٠- ١٨٩٥ كردّ فعل على الحركة الواقعية التي سادت في فرنسا في أواسط القرن التاسع عشر , وقد دعت الرمزية إلى شعر يستطيع أن يوحي بحياة الشاعر الداخلية ويجعل من مظاهر الحياة رمزاً للحالات النفسيّة , كما أهتمت بجمال الموسيقى في الشعر
يان , كوت , شكسبير معاصرنا - الكتاب يتناول مسرحيات شكسبير خاصة هاملت ومكبث والملك لير وكريولانس , كما يشمل الكتاب فصولاً من صورة شكسبير القاسية , وموقف شكسبير من أحداث العالم الأوربي
شكسبير , وليم , مأساة مكبث - كتب شكسبير هذه المسرحية المأساوية عام ١٦٠٦ وطبعت عام ١٦٣٢ وهي تحمل اسم مكبث ملك اسكتلندا وتتكون في خمسة فصول , موضوعها أن مكبث وصديقه بانكو كانا قائدين لدونكان ملك اسكتلندا , حين عودتها منتصرين في إحدى الحروب , التقيا في طريقهما ثلاث ساحرات , فتتنبأ الساحرات بأنّ مكبث وأبناء بانكو سيصبحون ملوكاً , وتحققت أقوال الساحرات , حين قامت زوجة مكبث بتحريض زوجها , فقتل مضيفه الملك دونكان , ثم قامت زوجة مكبث , بتلويث أصابع يديها بدم دونكان , وغمست أيدي أثنين من حُراس الملك بالدم , لإلصاق التهمة بهما , ثم قام مكبث باغتيال رفيقه بانكو , بعد هذه الجريمة , ندم مكبث , وبقي يعيش هو وزوجته في ندم وتأنيب ضمير , فأنتحرت زوجة مكبث , أما هو فقد قتله ابن دونكان , الذي ثأر لمقتل أبيه , تراجيديا تصوّر الشر المتأصل في الإنسان , من رؤية نظر شكسبير , حيث الغدر والقتل والانتحار
ولسون , جون دوفر , ما الذي يحدث في هاملت - الكتاب من تأليف الباحث الإنكليزي , المختص بأدب شكسبير , والمحاضر في جامعة إدنبرة بين الأعوام ١٩٣٥- ١٩٤٥ جون دوفر ولسون
لقد اشتهر ولسون بدراساته وأبحاثه في أعمال شكسبير , وقد نشر كتابه عام ١٩٣٥ , يبحث الكتاب تراجيدية هاملت , والشبح الذي رآه هاملت وواقعيّة شكسبير وروحانيات من العصر الإليزابيثي والخرافات , وشخصية هاملت , وأوفيليا ومشهد المسرحية , ومكياج هاملت , والدراما في المسرحيّة , وعودة هاملت وشخصية البطل
كوكس , سي , بي ( مُحررّ) , ديلان توماس : مجموعة مقالات نقدية - محرّر الكتاب هو بروفيسور وباحث بريطاني مختص بالأدب الإنكليزي , خريج جامعة كمبردج , وعمل محاضراً في جامعة مانشستر , وموضوع الكتاب هو مقالات نقدية , لأربعة عشر ناقداً إنكليزياً وأمريكياَ حول أعمال الشاعر الويلزيّ ( ثوماس ديلان ) الملقب بشاعر ويلز , والذي امتاز بأسلوبه الرومانسي العاطفي الجديد والمؤثر , وأعماله الشعرية تحمل عناوين بعدد قصائد الديوان, مثلاً : ثمان عشرة قصيدة , وخمس وعشرون قصيدة
شكسبير , وليم , السونيتات - يشمل الكتاب أربعين سونيت من سونيتات شكسبير , وقد ورد تعريف السونيت في الفصل الأول من هذه الدراسة , وهي شعر غنائي , وتعني ( أغنيّة قصيرة ) , وتتألف السونيتة الشكسبيرية من أربعة عشر بيتاَ , تؤلف ثلاث رباعيات , نمط قوافيها عادة
(abab,cdcd,efef,gg)
لقد قام جبرا نفسه باختيار هذه السونيتات من أصل ١٥٤ سونيتة , ألفها شكسبير ونشرها عام ١٦٠٩
شكسبير , وليم , مأساة عطيل - كتبت هذه المسرحية بين ١٦٠٢- ١٦٠٤ ونشرت عام ١٦٢٢ , تدور أحداثها حول أوتلو أو عطيل , وهو قائد عربي في حكومة البندقية , وفتاة حسناء تُدعى ديسدمونة , أعجبت بأوتلو وتزوجت منه , يقوم أحد ضباط أوتلو المقربين , ويُدعى إياغو بمحاولة إغوائها , لكنها ترّده , ثم يقوم إياغو بالدسّ بين أوتلو وزوجته , بادعاء أنّها تخونه مع الضابط كاسيو , فيقوم أوتلو على إثر ذلك بخنق زوجته وهي نائمة في سريرها , وحين يعرف طهارة زوجته , يندم على فعلته ويقتل نفسه , أن مأسي شكسبير تنتهي دوماً بالانتحار الذي يسبقه ندم على أقتراف جريمة
أيلول بلا مطر وقصص أخرى - صدر هذا الكتاب عام ١٩٥٥ تحت عنوان قصص من الأدب الإنكليزي , قام جبرا بإضافة قصتّين مترجمتين من الأدب الأمريكي , واحدة لإرنست همنغواي والثانية لوليم فوكنر , يتألف الكتاب من ١٢٥ صفحة , ويشمل تسع قصص قصيرة لإبرز الكتّاب منهم جورج مور , جيمس جويس , كاترين مانسفيلد , ود. ه. لورنس , سومرست موم , ألدوس هكسلي و فرجينيا وولف , هذه القصص تمثّل فنون أصحابها , ويؤكد جبرا أهمية القصّة القصيرة كوسيلة من وسائل استقصاء حالة الإنسان , والقلق على مصيره
جبرا إبراهيم جبرا - حكايات من لافونتين - كتب لافونتين هذه الحكايات شعراً , أما جبرا فقد ترجمها نثراً , لكنه طبعها على شكل قصائد وضمّنها الصور الموحية , ونٌشرت في مجلة ( العاملون في النفط ) العراقية عام ١٩٦٩ , هي حكايات مكتوبة على لسان الحيوانات , وتحوي الأمثال والحكم , ولها دلالات وأهداف أخلاقية , وهي شبيهة بقصص كليلة ودمنة التي ترجمها أبن المقفع عن الهندية
وايلد , أوسكار , الأمير السعيد وحكايات أخرى - الكتاب يتألف من قصص قصيرة أو حكايات للأطفال , كتبها الشاعر والمسرحي والروائي الأنجلوإيرلندي أوسكار لابنه , وتحمل نقداً اجتماعياً وكتبت على ألسنة الأمراء والأميرات ورجال الدين والفقراء والحيوانات
بترجمته جبرا لما تقدم أعلاه قد ترك بصمة واضحة على الآداب العالمّية بشكلٍ عام , وعلى الأدب العربي بشكلٍ خاص , كما عرّف جبرا بالتيارات والمذاهب الأدبية الأوربية , وقد استعرضتها جميعاً نقلاَ من الكتاب لذا استميح معذرة القارئ إن أطلت , شفاعتي هي أن الوقوف عندها مجدداً وتذكّرها متعة فكرية بعد أن ذابت من الذاكرة كالشمع
الفصل الرابع - الموسيقى ووظيفتها في أعمال جبرا
تمثّل السفينة والبحث عن وليد مسعود الرواية المتعدّدة الأصوات أو( البوليفونّية ) , والبوليفونية مصطلح موسيقي يعني تعدد النغمات المتآلفة وتقديم صوتين أو أكثر , ترتبط معاً بشكلٍ تام , وفي الوقت نفسه يحافظ كل صوت على أستقلاله النسبي , فثمّة صوت واحدّ مُميز عن الأصوات الأخرى , ويشد انتباه المستمع , يطلق عليه مصطلح ( الموضوع ) , وهذه النغمات المتعدّدة , التي تبدو بأنها مستقلة تكوّن توافقاً وانسجاماَ صوتياً
لقد أمتاز جبرا بالتكثيف في توظيف الموسيقى في أعماله , حتى ليعتبر من أوائل الكتّاب العرب الذين استخدموا الموسيقى في تقنية فنيّة و ثيمة في أعمالهم بدءاً من ( صراخ في ليل طويل ) التي كتبها بالإنكليزية عام ١٩٤٦ , ومجموعته القصصيّة ( عرق وبدايات من حرف الياء ) و ( صيّادون في شارع ضيق ) التي نشرها بالإنكليزية عام ١٩٦٠ و ( السفينة ) التي تمثّل ذروة التوظيف الموسيقي في الرواية العربية الحديثة
وهناك كتّاب عرب , عدا جبرا , وظفّوا الموسيقى في أعمالهم القصصيّة , منهم الكاتب المصريّ الراحل يوسف إدريس في قصتّه القصيرة ( مارش الغروب ) التي استخدم فيها دقّ الصّاجات , ارتفاعاً وانخفاضاً , من قِبل عجوز يبيع العرقسوس , وسط الكوبري , للتعبير عن نفسيته
في ( السفينة ) يستخدم جبرا ثلاثة أصوات بتبادل السّرد وفي ( البحث عن وليد مسعود ) يتبادل السرد ثمانية أصوات , والروايتين مبنيتان حسب تقانة ( وجهات النظّر ) التي أتبعها وليم فوكنر في ( الصخّب والعنف ) والتي تندرج ضمن مصطلح البوليفونيّة , وفي ( صراخ في ليل طويل ) توّظف الموسيقى كقطعة أثاث في بيوت سكّان المدن , والموسيقى في معظم اعمال جبرا تنبش الذاكرة وتدع الشخصية تسترجع ذكريات عذبة من ماضيها
والموسيقى التي تقدم للاسترجاعات , هي موسيقى هادئة وخافتة , وهي كما في اعمال جويس تسترجع الذكريات الجنسيّة
واستخدم جبرا الموسيقى ايضاَ في مجموعته القصصيّة ( عرق وبدايات من حرف الياء ) المكّونة من اثنتي عشرة قصّة , استخدم الموسيقى في ثماني قصص ولكن بتفاوت أحياناٌ يأتي استخداماً هامشياً من خلال كلام عابر على لسان إحدى الشخصيات
وفي قصّة ( المغنّون في الظلال ) , استعار جبرا عنوانها من رواية جويس ( صورة الفنان في شبابه ) حيث يستخدم جبرا الغناء الشعبي وبالذات أغنية ( على دلعونة وعلى دلعونة ) والموسيقى فيها مصحوبة بالمشروب الروحّي العرق للدلالة على الهوية المسيحية للمشاركين
كذلك وظّف جبرا الموسيقى في ( صياّدون في شارع ضيق ) في مشهد محاولة الأنتحار لعدنان وحسين في نهر دجلة وحتى بعد أن نجوا من الغرق , استخدم الموسيقى بايقاع هادئ هذه المرة دلالة على الفرح
في ( البحث عن وليد مسعود ) يستخدم جبرا موسيقى غربية بسبب التنشئة المسيحية للبطل التي تستخدم في الصّلاة طريقة عبادة , وعشق البطل للموسيقى لازمه من الطفولة في الدير وحتى اختفائه
أما في رواية ( الغرف الاخرى ) فقد استخدم جبرا الموسيقى هنا في الحفاظ على بقاء الإنسان في صراعه مع منغّصات الحياة , فهي من عوامل البقاء ومن محّفزات الحياة
أما الموسيقى الكنسيّة في اعمال جبرا , هناك علاقة وثيقة بين الشخصيات المسيحيّة في أعمال جبرا والموسيقى الكنسيّة , سواء الآلية أو الصوتية , وتبرز الموسيقى الكنسيّة بشكلٍ خاص في ( البحث عن وليد مسعود ) و ( السفينة ) , حيث إنَّ الشخصيتين الرئيسيتين فيهما مسيحيتان فلسطينيتان وهما وليد مسعود و وديع عسّاف
وهو دليل على جذور جبرا المسيحيّة بشكلٍ عام والسريانية بشكلٍ خاص , وفي سيرة جبرا الطفوليّة المدونّة في ( البئر الأولى ) إضاءات وشواهد على تعلّقه بالكنيسة السريانيّة حيث يقول جبرا ( صبيحة اليوم التالي أصعدني أبي مع أخي إلى الكنيسة مبكراً , وأوقفني في أحد صفّي الصبية المرتلين . ومع أنني لم أكن أعرف ما الذي يرتلّون بالسريانية , فقد جعلت أتمتّع بماأسمع , وأحاول أن أرفع صوتي معهم , كلّما رفعوا أصواتهم - كنت أرقب الوالد حامل المبخرة وهو يدنو بها من أبونا حنا , فيأخذ أبونا بملعقة صغيرة قليلاً من البخور من ( طاسة نحاسيّة في يد الولد , ويلقمها جمرات المبخرة , ويرسم عليها إشارات الصليب
الفصل الخامس - الرموز المسيحيّة ومكانتها في أعمال جبرا
إنّ توظيف الرموز والأساطير وأستخدام الرموز الدينيّة خاصة المسيحيّة , والأساطير المختلفة , داخل النصوص الأدبيّة , هو عملية بناء علائق بين الحاضر وجذوره , من أجل بعث الحاضر والنهوض به , ينمّ عن العولمة لما فيها من تبادل معرفّي وثقافّي , وربط الحاضر بالماضي
سعيد يقطين
يتأتّى استخدام الرموز الدينيّة بعدّة طرق , منها ألتناص ,أي الوجود الحرفيّ التامّ وغير التامّ , لنصّ سابق داخل النصّ الحاضر , أو من خلال الميتانصّ أي العلائق والتبعيات لنصّ آخر , دون استشهاد جمل أو تسميّة النصّ الآخر , ويسمّى أيضاً بالمتناصّ أي مكان لقاء النصّ , وفي نظر الناقد المغربي ( سعيد يقطين ) هو نوعان , متناصّ خارجيّ متّصل بنصوص خارجيّة عن النصّ الأصلي , ومتناصّ داخليّ يحيل إلى أبنية نصيّة داخليّة , أو عن طريق التعلق النصّي , ويعني إيراد نصّ لاحق من خلال نص سابق , بتغيير الشكل والمعنى للنصّ اللاحق , عن طريق المعارضة أو المحاكاة الساخرة للنصّ
والتناصّ يبرز بصورة حاّدة وقويّة في الرواية , وهو مكوّن من ثلاث درجات , الأولى تحوي حضوراَ تاماً للنصّ , والثانية تستحضر النصّ السابق من خلال التهجين الذي يعني تلّفظين ممتزجين , أو أسلوبين اثنين , أو لغتين , والثالثة تستحضر النصّ السابق من خلال الذاكرة كما هو الحال في الباروديا أي المحاكاة التهكمية
في خمسينيات القرن العشرين , بدأ الشّعراء والكتّاب العرب , يتهافتون على توظيف الأساطير والرموز الدينيّة خاصّة المسيحيّة , في أعمالهم الأدبية , وقد برزت هذه الظاهرة عند الشعراء التموزيين بدر شاكر السّياب وأدونيس وخليل حاوي ويوسف الخال وجبرا , ويعود ذلك إلى تأثرهم بكتاب الغصن الذهبيّ خاصّة جزء أدونيس أو تموز , الذي ترجمه جبرا إلى العربيّة
ويصّرح السيّاب , بأنه لجأ إلى استخدام الأساطير والرموز بدافع سياسيّ , احتيالاً على السلطة القمعيّة , كما أنه لم يكن أوّل الشعراء العرب , في استخدام الأسطورة فقد سبقه إلى ذلك شعراء أخرين أمثال إبراهيم عبدالقادر المازني وعباس محمود العقاد وإلياس أبو شبكة وأحمد زكي أبو شادي وعلي محمود طه كما استخدمها الشاعر عبدالوهاب البياتي حين يقول
وكأنِّ حلمت بأنني بالورد أفرش والدموع طريقكم
وكأنّ يسوع
معكم يعود إلى الجليل
بلا صليب
ويسوع عند البياتي , ذو مدلول سياسي واجتماعي وليس دينيّا , فهو يرمز إلى الشعب الفلسطيني , وهذه الظاهرة تتكررّ في شعر فدوى طوقان التي تستحضر وتقدّم لقصيدة إلى السيّد المسيح في عيده , قصّة الكرّامين القتلة المذكورين في الإنجيل
والرموز المسيحية المستقاة من العهد الجديد هي الأكثر استخداماً , لدى الشعراء العرب المحدثين , حتى المسلمين منهم , وينسحب هذا الأستنتاج على بدر شاكر السياب ومحمود درويش , ويرى البروفيسور موريه أنّ الرمز الأثير لدى الشعراء العرب هو المسيح , ويرى الدكتور سمير حاجّ إن الأسباب تعود إلى كون الديانة المسيحيّة أكثر استخداماً للرموز من الديانة الإسلامية , خاصة في موضوعات التضحيّة والفداء والخلاص والانبعاث
كما أنّ جبرا استخدم في أشعاره , تناصّات مسيحيْة , من صلوات وترنيمات ورموز لتصوير معاناة الشعب الفلسطيني كما في قصيدة ( يوميات من عام الوباء ) و ( مارجيروم في بيت لحم ) مستخدماً مفردات وتعابير من قاموس المسيحيّة أهمها الناصري , المصلوب , المسيح , والصخرة والجلجلة ,التي تعني الصخرة التي صلب عليها السيّد المسيح في أورشليم
وقد تبيّن للدكتور سمير حاجّ في بحثه أنّ الشعراء العرب المسيحيين أكثر نجاحاً في استخدام الرموز المسيحيّة في أشعارهم من الشعراء العرب المسلمين , فقد وظّفوا رموزاً متنوعّة بعمق وبوضوح تبعاً للمناسبة والدلالة التي وردت فيها في الإنجا , خير مثال على ذلك قصائد الشاعرة الفلسطينية المسيحيّة ( أسمى طوبي ) في ديوانها الوحيد حبّي الكبير , حيث وظفت الرموز المسيحيّة بكثافة بعد تفريغها من سياقها ومعناها الديني , للتعبير عن الإحباط واليأس من الواقع العربيّ ويستعرض الدكتور حاجّ أمثلة عديدة من قصائد أسمى , كما يرى الدكتور سمير حاجّ التشابه بين قصائد جبرا وأسمى طوبي وتوفيق صايغ , لأنهم عاشوا النكبة الفلسطينية عام ١٩٤٨ والغربة والشتات
الناقد العراقيّ سامي مهدي
ويرى الشاعر والناقد العراقيّ سامي مهدي أنّ توفيق صايغ هو الرائد الأول في كتابة شعر مسيحيّ في الشعر العربيّ , والمسيحيّة في أشعاره عقيدة و فكرة
واستخدام الرموز الدينيّة خاصّة المسيحيّة ليس مقصوراً على الشعر , ففي النثر العربي الحديث وبالذات في الأدب المهجريّ يوجد توظيف للرموز الدينيّة , فجبران خليل جبران وظّف في قصّة إرَم ذات العماد , رمزاَ إسلامياً وهو ما حدث لهذه المدينة . التي ورد ذكرها في القرآن الكريم
وفي مجال الرواية والقصّة الحديثة والمعاصرة يقتصر توظيف الرموز المسيحيّة واليهوديّة بشكلٍ عام على الروائيين العرب المسيحيّن , أمثال الكاتب المصري القبطي إدوار الخرّاط والكاتبين السوريين حليم إسبر بركات وحنا مينة والكاتب الفلسطيني إميل حبيبي
والرموز التي استخدمها جبرا كالصخرة ذات دلالات الشباب والقوة قد ذكرها ٧٤ مرة في السفينة و٦٣ مرة في البحث عن وليد مسعود , كما أنّ الصخرة ترمز إلى يسوع المسيح , وفي التوراة ترمز الصخرة إلى الله ( فإن الربّ هو صخرةُ الدهور ) كما أنها مأوى وخلاص للإنسان
وذكر جبرا البحر في رواية السفينة ١٥٠ مرّة والملفت للانتباه أن السفينة تبدأ بكلمة البحر , والبحث عن وليد مسعود تنتهي بها , وفي أعمال جبرا الروائية والقصصيّة هناك إحالات وإشارات عدّة إلى السيّد المسيح من قبل الشخصيات المسيحية والمسلمة تضرّعاً وإنشاداً للخلاص الاجتماعي والسياسيّ
أما يوحنا المعمدان ففي السفينة تناصّ , من سيرة يوحنا على لسان فايز صديق وديع وابن الرابعة عشرة ( كان يوحنا كما تعلم , يعيش في البادية , عند البحر الميت , يعيش على الجراد والعسل , شبه عارٍ وجهه ضامر , برزت فيه العظام ) هذه السمات من حيث الفقر والانتماء إلى الديار المقدّسة , تفرغ النصْ من مضمونه الدينيّ وتحيل إلى حياة الفلسطيني اللاجئ بعد نكبة العام ١٩٤٨
في صيّادون في شارع ضيقّ , يوظّف جبرا رمز يهوذا الإسخريوطي من خلال التلميح والإشارة رمزاً لخيانة - الأوروبيين لمسيحيي فلسطين
كما أورد رمز الابن الضال تلك القصة الواردة في الإنجيل والتي تحكي قصّة رجل كان له ولدان , قام الابن الأصغر بمطالبة أبيه بحصتّه من المال والسفر إلى بلد بعيد , وهناك صرف أمواله , وعاش في مجاعة وذل , واضطر للعودة إلى أبيه , والاعتذار له , فاستقبله الأب بحفاوة , وذبح له العجل المسمّن , احتفالاً بعودته ,وألبسه أفخر الثياب , مما أغضب الابن الأكبر . الذي عاتب أباه , على عمله هذا , لكن الأب أفهمه , أنّ أخاه , كان ميّتاً فعاش , وكان ضالاً فوُجد
وظّف جبرا هذه القصّة في روايته البحث عن وليد مسعود , رمزاً لعودة وليد من إيطاليا , صفر اليدين , رمزاَ لفشل الفلسطيني في تحقيق ذاته وبناء مستقبله
كما ظهرت مريم المجدلية وهي رمز للإنسان الخاطئ الذي يتوب , في رواية البحث عن وليد مسعود من قبل صديق وليد , العراقي كاظم إسماعيل , حين زار وليد في بيته , ورأى زوجته ريمة , المريضة نفسيّاَ , في غيبوبة ولباس فاضح , وشعر أهوج , عندها شَبّهها بصورة مريم المجدلية المرتسمة في مخيلته
كذلك في رواية جبرا , تأخذ السفينة , رمز هروب المثقفين , وترمز أيضاً إلى السجن ولكن سفينة جبرا لاتجلب خلاصاً لركابها
والصيّادون , كنية الرسل تلاميذ السيّد المسيح , وذلك لاصطيادهم الناس , وجميع الصيّادين في صيّادون في شارع ضيق يجمعهم الفلسطيني المسيحي جميل فران , المغترب في بغداد ليعمل مدرسّاً في إحدى كلياتها
ويتم ذكر القديس توما الأكويني , القسيس اللاهوتي الكاثوليكي من إيطاليا وأحد الفلاسفة الغربيين في العصور الوسطى , في رواية السفينة من قبل لمى عبدالغني , زوجة الدكتور فالح
أما القديس أوريل أوغسطين , الذي ولد في الجزائر , من أهم الشخصيات المؤثرة , في الكنيسة وفي الفكر الغربي , في موضوع الفلسفة وعلم ألبيان , ويوظّف ذكره في رواية البحث عن وليد مسعود , من خلال السيرة الذاتية لوليد مسعود الفلسطيني في بحثه المتواصل عن التغيير العميق , أثناء دراسته في إيطاليا , من أجل نفسه ووطنه والعالم
كلمة الختام
حنا مينة
هذا ويزيد ما ينهل القارئ من بئر الحداثة للدكتور سمير حاجّ , وقفة مختصة في الأدب العربي الحديث وتأثيرات جبرا بترجماتها ونتاجه على الرواية العربية , استعرض تقنية استخدام الرموز الدينية المسيحيّة والموسيقى في بناء النص , كتاب ممتع مفيد , تخرج منه وأنت لك متكأ في الذاكرة للأبداع الروائي العربي , ولم يشغلني شئ سوى لماذا غاب حنا مينة كمثل للروائيين الذين استخدموا الموسيقى في رواياتهم , وهو الذي
دق كعوب أقدام أبطاله برقصة الخنجر , ورقص في الياطر وأرقصّ أبطاله في المستنقع وشربوا وثملّوا
بدمنجانة العرق ينشدون أهازيج حزينة ( ياميجانا ياميجانا ...زهر القرنفل ياربيع بلادنا ) ؟
الجواب عند الدكتور سمير الحاجّ
في آمان الله
تعليق المؤلف الدكتور سمير فوزي حاجّ
أستاذي الكبير بروفيسور موريه
الصديقة المبدعة الفنانة إيمان البستانيّ
المبدعة في رسم اللوحات والكلمات ،وصاحبة الحروف المضيئة والدافئة رغم زمهرير طقس كندا
بوركت..! وطيّب الله الأنفاس ! ولا فضّ فوك ! وبلغتنا العاميّة لغة "الميجانا والعتابا" يسلّم تمّك !
المقال رائع وشامل ،لا يستطيع كتابته إلا موسوعيّ ومبدع وقارىء حصيف لبيب و ممحّص للكلمات لأنّ الكتابة عن دراسة هي بحدّ ذاتها دراسة
مرّة ثانيّة أحيّيك ،ولك كل جميل من زنابق وأزهار فوّاحة تزيّنين فيها محطات الوقوف بين صفحات كتبك المتعبة من حركات أناملك الجميلة
لك مواسم الفرح والجمال الدائم والعطاء المتواصل في ضفاف الإبداع
ها أنا أضمّن رسالتي مقالك الثمين والغالي عليّ مع بعد التصحيحات الطباعية التي سقطت سهوا لطول المقال وتعب الطباعة
لك حرية النشر والتصرّف والشرب من كلّ بئر مياهها مزن وسلسبيل كبئر ابن وطنك - عراق الحضارة والتاريخ - جبرا
لك الألق وإلى لقاء قريب
محبّتي وتقديري
المخلص
سمير حاجّ
420 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع