معجم حكام العراق - الحلقة الرابعة والعشرين الحلقة الاخيرة

بسام شكري

معجم حكام العراق - الحلقة الرابعة والعشرين الحلقة الاخيرة

ما أنجزته الحكومة المؤقتة

كانت الحكومة المؤقتة التي ألفها المعتمد السامي البريطاني برئاسة نقيب بغداد جسرا هزيلا بينه وبين الشعب العراقي الساخط على الانجليز وعلى صنائعهم وكان المعتمد المذكور يعتقد بأن هذه الحكومة ستعمل على إنهاء الثورة ( ثورة العشرين ) واستتباب الأمن في البلاد بيد أن الأيام لم تبرهن على صحة هذا الاعتقاد فاضطر لحشد القوات المسلحة الجرارة لإخمادها بالقوة وكانت عقيدة المعتمد أيضا أن العراقيين سيخدعون بمثل هذه الألاعيب ويتوهمون حكومته التي شكلها بل كان يظن أن تشكيل هذه الحكومة وما سيتبعها من دواوين سيخلق طبقة من الموظفين تربط حسابها بمصالح بريطانيا في العراق فتصبح اله داخلية تعمل على خدمة النفوذ الاستعماري ولكن الأيام التالية لتكوين هذه الحكومة المؤقتة لم تظهر انخداع العراقيين في حينه بهذه اللعبة الساذجة أما أعمال الحكومة المذكورة فقد اقتصرت على إنشاء الدواوين الرسمية وإشغال الوظائف الحكومية فقسمت العراق إلى عدد من الأولوية والألوية إلى الاقضية والاقضية الى نواح وقرى وعينت لكل لواء متصرفا وجعلت إلى جانب كل متصرف مشاورة بريطاني ولكل مشاور سكرتيره وكتبته ودائرته المستقلة وجعلت على رأس كل قضاء قائم مقاما وعلى رأس كل ناحية مديرا أما في بغداد فقد أقامت إلى جانب كل وزير مستشارا بريطانيا وإلى جانبه معاونا وسكرتيرا ومكتبا خاصا وأنشأت عدة مديريات عامة وجعلت على رأس كل مديرية مفتشا بريطانيا وإلى جانبه دائرته وكتبته وهكذا دواليك أما عدد الهنود والأرمن والإيرانيين الذين الحقوا بالخدمة في تلك الدواوين فيكاد لا يحصى ومن هنا نشأت الإدارة المزدوجة في البلاد وأخذ الأهلون يستقبلون نوعا جديدا من الحكم في بلادهم وصار معظم المراجعين يتقربون إلى رؤساء الدوائر البريطانيين اعتقدا ًمنهم بأن أشغالهم لا تقضى إلا على أيدي الانجليز وبهذا الاعتقاد ضربت الحكومة المؤقتة والوزارات التي أعقبتها ضربة قاضية أليمة وطبعت بنظر الشعب بطابع خاص بقى أثره في المملكة زمنا طويلا وأشار إليه بهذين البيتين :-
إلا بلغوا عنى الوزيــر مقالة له بينها لو كان يخجل توبيخ
أراك بحمام الوزارة نورة وأما جناب للمستشار فزرنيخ
أما الكتاب والمترجمون وصغار الموظفين فقد جرى اختيار معظمهم من الطبقات الوضيعة ممن لم تبرهن الأيام عن نزاهتهم وعزة نفوسهم ولم تكن لديهم المؤهلات العلمية والأخلاقية لأن الطبقة المتعلمة المعتزة بكرامتها المحافظة على سمعتها تستنكف الخدمة في الحكومة التي أنشئها صناديد الاحتلال فنما عند هؤلاء نموا مطردا وتقدموا في المناصب التي عينوا فيها تقدما محسوسا سريعا حتى صاروا يشغلون بعض الوظائف الكبرى وقرب اليهم ذويهم واقاربهم في الدوائر المختلفة فأصبحوا مصدر شؤوم على العراق جعل الآهلين يرددون قوله تعالى " أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون " واضطرت الوزارات المتعاقبة للتفكير في وجوب تطهير الجهاز الحكومي من هذه الأدران فأصدرت المراسيم وشرعت القوانين بيد إنها لم تأت أكلها بعد لفترة سنوات , يضاف إلى ذلك أن الحكومة تألفت على أساس منهار من الوجه المالية لأن الحكومة المحتلة سحبت كل ما موجود في الخزائن في المراكز والألوية وقيدته إيراد لحكومة الهند الشرقية مما أدى مباشرة الحكومة الوطنية باستلام مهامها بدون رصيد نقدي مدور أي بدون دراهم في الخزائن وكان بين هذه الموجودات أمانه للأوقاف قدرها 300,000 روبية سحبتها أيضا وارسلتها الى حكومة الهند الشرقية وألزمت الحكومة الجديدة تسديد الديون الخاصة التي ترتبت على العراق قبل أن يؤول أمره إليها .


طلاب العرش يتنافسون

لما قرر المؤتمر السوري في 8 أذار سنة 1920 م المناداة بالأمير فيصل ملكا على سوريا كان يقيم في الشام رهط من صفوة شباب العراق وكهولة يمثلون البلاد تمثيلا لا بأس به فاجتمعوا في اليوم المذكور وبقيت بيعة الأمير عبدالله في عالم الخيال إذا كان يصعب على العقل قبول قرار أو النزول على حكم قررته جمعية التأمت في بلاد غير بلادها بحق بلاد لا حول ولا قوة لها بها , فلما حدثت فاجعة ميسلون في 25 تموز من هذه السنة وأخُرج الأمير فيصل من دمشق عبس الدهر في وجه البيت الهاشمي وأفل نجم الدعوة له بصورة تاباها المروءة والوفاء .
فلما أعلنت الحكومة البريطانية عن عزمها على تأسيس حكومة عربية في العراق يرأسها أمير عربي كثر التنافس بين طلال العروش على هذه الرئاسة فأدى تنافسهم إلى عدم إيجاد المرشح اللائق , فالمتقاعدون العثمانيون في بغداد كانوا يرشحون الأمير برهان الدين نجل السلطان عبدا لحميد للعرش العراقي ويقولون أن الترك سيعودون إلى الحكم في العراق عن قريب

ونقيب البصرة السيد طالب باشا الذي لعب دورا مهما في القسم الجنوبي من العراق ودانت البصرة لإرهابه وكرمه في نفس الوقت , ثم قدر له أن يكون وزيرا للداخلية في الحكومة المؤقتة كان يرى نفسه أفضل مرشح لهذا الغرض والشيخ خزعل أمير المحمرة المعروف بجوده وكرمه وبثقة الانجليز فيه واعتمادهم عليه كان يصرف ألافا من الجنيهات الإنجليزية للفوز بهذه الرئاسة كما أنه كتب إلى المعتمد السامي البريطاني في العراق يطلب عضده في هذا الشأن وقد حذا حذوه أمير بيش كوة الإيراني غلام رضا خان وكان بين الانجليز المسئولين من يرى وجوب إستاد هذا العرش إلى ابن السعود ، واخرون يرون تقديمه إلى أغا خان زعيم الإسماعيلية في الهند وكانت مصالحه أصبحت أوربية أكثر منها أسيوية .

أما رئيس الوزراء السيد عبدا لرحمن النقيب فتقول مس بل في المذكرة التي رفعتها إلى الحكومة البريطانية في شباط 1919 م ونشرها أبى ز تي ز ولسن في كتابه أن النقيب صرح لها قائلا – أما بالنظر إلى الحكومة العراقية فإن مفتي الإدارة التركية الحالية معروف لديكم إلا أني أفضل عودة الترك ألف مرة على أن أرى الشريف أو أحد أنجاله يحكمون هذه البلاد فكان على الحكومة البريطانية أن تحسب لهذه المعارضة حسابها إلى بقية المعارضات والمنافسات التي جابهتها.
وكان مستر فلبي مستشار وزارة الداخلية يحث معارفه على لزوم الأخذ بالحياة الجمهورية للبلاد إذا أرادت أن ترتاح من الفتن والاضطرابات وقد استطاع أن يستميل بعض الشخصيات البارزة في بغداد وفي غيرها كالشيخ سالم الخيون وعبدا المجيد الشاوي وفخرالدين آل جميع والسيد محمود الكيلاني الذي ألف بعدئذ الحزب الحر العراقي في بغداد ليشد أزر والده السيد عبد الرحمن رئيس الوزراء وكتوفيق لخالدي وغيرهم من الذين كان يؤثر فيهم قلبه ، وقد أخمدت هذه الفكرة كل الإخماد بحمل صاحبها على اعتزال منصبه في وزارة الداخلية والخروج من العراق بصورة نهائية ولكنها عادت إلى الظهور مرتين الأولى في عام 1924 م حيث قتل بسببها توفيق الخالدي وزير الداخلية في الوزارة النقيبية الثانية والثالثة في عام 1931 م يوم اشتدت المعرضة لوزارة نورى سعيد التي كان الملك فيصل يسندها ويؤاثرها على أية وزارة أخرى حينذاك .


مؤتمر القاهرة يحل المشكلة
كانت الخزانة البريطانية العامة تئن من ثقل النفقات التي أوجبتها تكاليف الحرب العالمية الأولى ونتائجها فجاءت التدابير العسكرية التي اتخذت لإخماد الثورة العراقية ضعفا على ميزانية بريطانيا مما حمل الرأي العام البريطاني على المناداة بوجوب الجلاء عن العراق وحثت الحكومة البريطانية على التفكير في وجوب إنقاص نفقاتها الناجمة عن الالتزامات الخارجية إلى أدنى حد ممكن مع المحافظة على المصالح البريطانية العامة محافظة تامة..

فنقل مستر تشرشل من منصب وزارة الحربية إلى منصب وزارة المستعمرات في 14 شباط سنة 1921م وعهد إليه بالبحث عن أفضل السبل لإنقاص النفقات المذكورة وإيجاد أسهل الطرق فألف تشرشل دائرة خاصة في وزارة المستعمرات تتوحد فيها المصالح والمسؤوليات البريطانية فـي الشرق الأدنى ( رغبة في تخفيف عبء الضرائب على المكلف البريطاني بأسرع ما يمكن كما جاء في التقرير الرسمي وكانت المصالح والمسؤوليات المذكورة تدار قبل ذلك من قبل وزارة الهند ووزارة الخارجية ومن قبل وزارة الحرب) .

وكان مستر مونتاكو وزير حكومة الهند قد اقترح على الحكومة البريطانية في شهر مارس سنة 1920 م أن تعقد مع العراق معاهدة توضح الخطوط الأساسية للعلاقات بين الطرفين وتتضمن بنود الانتداب ومبادئه كما عهد به مجلس الحلفاء الأعلى قبل شهر لتقضى على الغموض الذي كان يكتنف هذه العلاقات وتؤسس حكما واضحا يدين لها بالولاء غير أن اللورد كرزن وزير الخارجية البريطانية لم يصغ أذا ذاك إلى هذا الاقتراح فأهمل فلما عهد منصب وزارة المستعمرات التي مستر تشرشل وانيطت به شؤون العراق بعث الاقتراح المذكور من مرقده معتقدا إن إدارة هذه البلاد من قبل حاكم عربي يكون مربوطا بعرفان الجميل وضامنا لعقد معاهدة تصاغ فيها بنود الانتداب صوغا ، وتؤمن فيها المصالح البريطانية العامة ويرعاها الحاكم العربي المذكور بنفسه أفضل كثيرا من أي تحكم حكما مباشرا يكلف دافع الضريبة كثيرا ويؤدى إلى انتشار روح الكراهة والعداء للسلطة الحاكمة فاتصل بالأمير فيصل وفاوضه بما يضنه ويعتقده جازما, وبعد أن أطلعه على مشروع الانتداب البريطاني على العراق ومسؤوليات الحكومة المنتدبة تجاه عصبة الأمم وعلى المصالح البريطانية فيه قال أنه يعده بعقد معاهدة بين بريطانيا والعراق تقوم مقام الانتداب إذا ما قدر له أن يكون الحاكم على العراق فاستحسن الأمير هذا الحل ووافق عليه .

ولأجل أن يحقق مستر تشرشل الآمال التي عقدت على خبرته وفطنته في معالجة القضايا التي ذكرناها أنفا , قرر دعوة الممثلين العسكريين والسياسيين البريطانيين في مناطق الشرق الأوسط والشرق الأدنى إلى الاجتماع به في مؤتمر يعقد في القاهرة في 13 آذار سنة 1921م فكانت مهمة المؤتمر أثناء عقده إنقاص النفقات البريطانية في المناطق المذكورة وإعادة النظر في السياسة المتبعة فيها وذلك بتقرير :
أ- علاقات الدولة الجديدة المقبلة ببريطانيا العظمي.
ب- شخصية من سيتولى الحكم في العراق.
ج- نوع وشكل قوات الدفاع في الدولة الجديدة التي ستتمتع بمسؤولية أوسع في الدفاع عن نفسها وقد بحث المؤتمر أيضا وضع المناطق الكردية وعلاقتها بالعراق.

وقد سافر الأمير فيصل إلى القاهرة ليرتقب الحوادث عن كتب وتألف الوفد العراقي إلى المؤتمر المذكور من سير برسي كوكس المعتمد السامي وجنرال ايلمرهولدن قائد القوات البريطانية في العراق وجعفر العسكري وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة وساسون حسقيل وزير المالية ومن مستشاري المالية والأشغال مستر سليتر واتكنسن ومستشار وزارة الدفاع بالوكالة ميجر ايدى ومس بل السكرتيرة الشرقية للمعتمد السامي.
فلما عرضت القضية العراقية على طاولة المناقشات قال السير برسي كوكس بعد مذاكرة جنرال هولدن وجعفر العسكري أن باستطاعة العراق أن يساهم بمدى واسع في المسؤوليات المترتبة على بريطاني في العراق وذلك بتأليف جيش محلي من خمسة عشر ألف محارب وتخصيص 15 بالمائة من إيرادات العراق العامة له على أن يزاد هذا المبلغ حتى يصل إلى 25 بالمائة وأن تزاد قوة الليفي المحلية التي ستقوم الحكومة البريطانية بإدارتها ونفقاتها من أربعة ألاف مقاتل إلى 7500 وأن يعزز ذلك كله بستة أسراب من الطائرات البريطانية ترابط في محلات إستراتيجية ، فتنسحب القوات الانجليزية من العراق بالتدريج ويحل التفاهم والوئام محل التشكي والخصام بين السلطة المنتدبة وأهل العراق الذين يستنكرون كل هيمنة أجنبية .
ارتاح تشرشل لاقتراح السير برسي كوكس ارتياحا كبيرا فوقف بعد أيام قليلة في مجلس العموم البريطاني معلنا إنقاص النفقات البريطانية في الشرقين الأوسط والأدنى من 35 مليون باوند إلى 5ر27 مليون في ميزانية السنة 1921 المالية ومؤكدا هبوط هذا إلى تسعة ملايين أو عشرة في ميزانية السنة التي تليها.

وفي مؤتمر القاهرة لما عرضت فكرة ترشيح أمير عربي يتولى شؤون العراق استعرضت أسماء طلاب العروش فالسيد عبدالرحمن النقيب رجل هرم ليس في عائلته من يصلح ليحل محله إذا انتقل إلى دار البقاء والسيد طالب النقيب وأن كان من الشخصيات التي تستطيع أن تؤدي خدمات ممتازة فإن خصومه في البصرة وبغداد في ازدياد مستمر والأمير برهان الدين العثماني لا يمكن أن يحظى برضي البريطانيين وابن سعود الذي رددت الدوائر الرسمية أسمه كثيرا يخلق ترشيحه خللا في التوازن في الجزيرة العربية..

وكذاك خلقت بعض الموانع للشيخ خزعل الكعبي شيخ المحمرة ولغلام رضا خان أمير بشت كوة وأغا خان زعيم الاسماعلية أما فكرة الجمهورية فقد قيل بصراحة أن درجة العراق من الرقي لا تمكنه أن يمارس هذا الضرب من الحكم , فلما عرض اسم الأمير فيصل علت ابتسامة مصطنعة على وجوه الحاضرين فقال تشرشل أن فيصلا من بيت رفيع وهو أبن الملك حسين (شريف مكة ) الذي وطد نفوذه بين عامة العرب وثبت شخصيته بين رجال الدين فهو خليق أن ينال تشجيع الحكومة البريطانية إذا انتخبه العراقيون فأومت الرؤوس أن نعم فهتف الناس ليحي الملك فيصل ملك العراق .
يقول كولونيل لورنس في هامش الصفحة 276 من كتابه أعمده الحكمة السبعة طبعه عام 1943 م (عهدت الوزارة البريطانية نية المتضايقة إلى مستر تشرشل تسوية قضايا الشرق الأوسط لاستطاع في بضعة أسابيع أن يذلل كل معضلة بواسطة مؤتمر القاهرة وأن يوجد حلولا تفي على ما أظن بوعودنا نصا وروحا على قدر ما يستطيع بشر دون أن يضحي بأية مصلحة لإمبراطوريتنا أو مصلحة للشعوب التي يهمها الأمر).
يقول الأستاذ هولمس ويتشر في كتابه مقاييس الكفاءة للاستقلال ص 19: وبعد مفاوضات كثيرة عرض العرش العراقي على الأمير فيصل الذي كان قد أخرج حديثا من الدولة العربية التي شكلها في سوريا ومع أن انتخاب الأمير قسم منه دون شك إلى النفوذ البريطاني فكانت ثمة أدلة كافية حتى قبل أن تعرف رغبة بريطانية على أن سموه كان المنتخب عن طيب نفس من العناصر المهمة في العراق.
أمـــا دار الاعتماد البريطانية في بغداد فتقول في تقريرها الخاص عن تقدم العراق : وفي الوقت نفسه كان الرأي العام العراقي يميل ميلا محسوسا إلى الملكية وأخذت الرغبة العامة تتجلي في أن يقدم الأمير فيصل نفسه الى الشعب العراقي كمرشح للعرش وقد كانت مكانته وخدماته الثمينة لقضية الحلفاء أبان الحرب تشفع له لدى الشعبين العراقي والبريطاني على السواء وبعد التأكد من أن سموه وقف تماما على المسؤوليات المترتبة على الحكومة صاحب الجلالة تجاه عصبة الأمم ، وأنه سيكون مستعدا إذا قدر له أن يصبح ملكا على العراق أن يتفاوض لعقد معاهدة انجليزية – عراقية على المنوال المشروح في صك الانتداب أعلنت حكومة بريطانيا موافقتها لترشيحه لعرش العراق .


قرارات أخرى لمؤتمر القاهرة

لم يكتف مؤتمر القاهرة بالقرارات التي اتخذها لإنقاص النفقات البريطانية في الشرقين الأدنى والأوسط أو لإيجاد الحل الملائم للقضية العراقية فقد وضع منهاجا خاصا لترويج فكرة ترشيح الأمير فيصل لعرش العراق هذا نصه على ما أثبتته مستر ايرلند في ص 317 – 318 كم كتابه
1- يصل المعتمد السامي إلى بغداد في 18 نيسان من سنة 1921 م بالطبع.
2- يصرح وزير المستعمرات بين 18-21 نيسان أن حكومة صاحب الجلالة البريطانية وافقت على ترشيح الأمير فيصل لعرش العراق وسيصحب هذا التصريح إعلان عفو عام من قبل المعتمد السامي.
3- يبرق الأمير فيصل إلى نوري باشا السعيد والى طالب باشا والى نقيب بغداد في الثالث والعشرين يعلنهم ترشيح نفسه لعرش العراق ويأمل أن ينال مساعدتهم.
4- يبرق نوري باشا وبعض العراقيين إلى الأمير فيصل بين 23 نيسان و8 مايس يدعونه للمجيء إلى العراق على أمل أن يصبح ملكه.
5- يقدم الأمير فيصل بن الحسين إلى العراق بين 8 مايس و8 حزيران أو يرسل ممثليه يكون الوصل حوالي منتصف مايو ويستقبله العراقيون أو يستقبلون ممثليه استقبالا حارا يدعو ان ينعقد المجلس التأسيسي في سبيل تصديق انتخابه ملكا أو تثبيت ذلك.
لقد طبق هذا المنهاج بحذافيره مع تحوير طفيف في التواريخ التي ورد ذكرها فيه فعاد الوفد العراقي إلى بغداد في 9 حزيران سنة 1921 م وأذاع المعتمد السامي بعد وصوله بثلاثة أيام بلاغا بأهم ما جرى في مؤتمر القاهرة دون أن يشير إلى قضية ترشيح الأمير فيصل قال في : كان السبب الأول الذي دعا إلى عقد المؤتمر الذي التأم في القاهرة رغبة وزير المملكة الجديدة في الاجتماع بالممثلين البريطانيين في المناطق الواقعة ضمن دائرة مسؤولية كالمندوبين الساميين للعراق وفلسطين وحاكمي عدن وبلاد الصومال وذلك لكي يطلع الوزير المذكور رأسا على مجرى الأمور في الأقطار المذكورة .
أما ما يختص بالعراق فكانت المسألة الموضوعة على بساط البحث ضرورة إنقاص المصروفات العسكرية إنقاصا كبيرا لكي تتمكن الحكومة البريطانية من القيام بأعباء المحافظة على حالة ثابتة الأركان في البلاد العراقية ريثما تتمكن الحكومة الوطنية ذاتها من أن تأخذ على علاقتها مسؤولية الدولة العربية التي ترمي الحكومة البريطانية إلى تأسيسها وتأييدها وقد تمكن فخامة المندوب السامي وجناب القائد العام من أن يقدموا إلى المؤتمر اقتراحات ترمي إلى اقتصاد بعضه عاجل وبعضه تدريجي مما جعل وزير الدولة شديد الآمال بأنها ستأتي مرضية لآراء حكومة جلالة الملك والرأي العام البريطاني والعربي .

من جانب اخر فان قادة ثورة العشرين الذين لجأوا الى الحجاز بحماية شريف مكة الحسين بن علي ومنهم محمد الصدر ويوسف السويدي وعلوان الياسري ومحسن ابو طبيخ ورايح العطية واخرين قد طالبوا الشريف الحسين بان يكون احد انجاله ملكا على العراق فتردد الشريف كثيرا في قبول ذلك ولم يعطيهم موافقته العلنية الا بعد ان خاض الأمير فيصل أياما وأسابيع لإقناع والده وفي نهاية المطاف وافق الشريف حسين على شرط ان تبقى عائلة الأمير فيصل في الحجاز ويذهب وحده الى العراق وذلك بعد ان قال كلمته الطويلة بحضور قادة ثورة العشرين واشراف مكة المكرمة والطائف مخاطبا ابنه الأمير فيصل : ان العراقيين قاتليك لا محال كما قتلوا جدك الحسين واني وان وافقت على ذهابك الى العراق فاني وافقت بشرط ان تبقى عائلتك هنا في مكة الى ما شاء الله , ويقصد الى الابد (وفعلا قد تم ذلك وبقيت عائلة الأمير فيصل في مكة سنوات والملك فيصل يعيش وحيدا في بغداد الى ان اجلى الشريف الحسين بن علي عن مكة المكرمة منفيا الى جزيرة قبرص حينها فقط سافرت عائلة الملك فيصل الأول الى بغداد والتحقت به) .

في الثاني عشر من شهر حزيران سافر الامير فيصل الى البصرة وانطلق من ميناء جدة بالباخرة الحربية البريطانية نورث بروك بصحبة قادة ثورة العشرين الذين كانوا ضيوفا على والده شريف مكة واصطحب معه الحاشية الملكية المكونة من تحسين قدري ورستم حيدر وإبراهيم كمال وعلي جودة الايوبي وصبيح نجيب وبعد احد عشر يوما وصلت الباخرة الى ميناء البصرة وقد استقبل في مدينة البصرة استقبلا رسميا وشعبيا كبيرا شارك فيه جعفر العسكري واحمد الصانع متصرف البصرة وشيوخ ووجهاء البصرة , واستقل الأمير فيصل القطار الى بغداد وقد توقف في زيارة الحلة والكوفة والنجف وكربلاء لزيارة أصدقائه هناك وأداء شعائر زيارة المراقد المقدسة .

وقد بايع العراقيين الملك فيصل ملكا على العراق وتم تتويجه في ساحة القشلة في بغداد في 23 اب 1921 بحضور المندوب السامي البريطاني السير برسي كوكس ورئيس الوزراء عبد الرحمن النقيب وكبار قادة العراق وعلى راسهم قادة ثورة العشرين.
لقد خاض المغفور له الملك فيصل الأول نضالا طويلا ومريرا لبناء الدولة العراقية وسن القوانين وتنظيم المدن والحصول على استقلال العراق وعلى عضوية عصبة الأمم وقد مرت عليه سنوات صعبة لتحقيق طموحات العراقيين تحت ضغط بريطانيا الذي أدى الى انتحار اعز أصدقائه رئيس وزرائه عبد المحسن السعدون وكان يخوض معارك عديدة وعلى جبهات متعددة منها معركته ضد بريطانيا في طريقة تسعير البترول العراقي والتي أدت الى منع بريطانيا أي منصب وزاري الى وزير ماليته حسقيل شاؤول الى ان مات بسبب إصرار حسقيل شاؤول على تسعير البترول العراقي بالذهب بدلا من الباون البريطاني , ومعركته الأخرى ضد تركيا للحفاظ على مدينة الموصل من مطالبة تركيا بضمها اليها ونجاحه في اجراء الاستفتاء على بقاء الموصل عراقية وقد نجح ذلك الاستفتاء وبقيت الموصل في العراق , وكان اخر معاركه والتي استمرت الى ما قبل وفاته بأيام واستمرت بعده بأشهر هي معركته ضد مطالب الاثوريين ( وهم مواطنين اتراك الذين نزحوا الى العراق بعد الحرب العالمية الأولى ) بسلخ شمال العراق وجعله وطنا قوميا لهم تنفيذا لتعهد بريطانيا لهم بان تعطيهم وطنا قوميا اذا ما دخلوا في الحرب ضد العثمانيين , وقد واجه الملك فيصل الأول بريطانيا بكل شجاعة وتصدى للرسائل التي كان المار شمعون (الرئيس الديني للاثوريين) يرسلها شهريا الى عصبة الأمم للمطالبة بعدم إعطاء العراق الاستقلال بحجة ان ذلك سيعرض الاثوريين الى الاضطهاد الديني وكان يكتب يرد بنفسه برسائل الى عصبة الأمم يفند رسائل المار شمعون الى عصبة الأمم ومن جانب اخر فقد تصدى بدبلوماسية فذه الى تظاهرات الاثوريين في أوروبا التي استمرت لأكثر من ثلاث سنوات ضد منح العراق الاستقلال ولم يفرط بشبر واحد من ارض العراق .

بعد وفاته المفاجأة في بيرن في سويسرا ولم يتجاوز الخمسين عاما وهو في تمام صحته، فقد انتشرت اشاعات عديدة عن دور بريطانيا في اغتياله خصوصا بعد صدور أوامر الوزير البريطاني المفوض في جنيف الى نوري السعيد الذي كان يرافقه بعدم تشريح جثة الملك فيصل الأول وتحنيطها بسرعة وارسالها الى العراق وما ان تم التحنيط حتى ضاعت الأدلة الجنائية.
ان ما قدمه المغفور له الملك فيصل الأول الى العراق بحاجة الى بحث واسع لكتابة تاريخ تلك المرحلة من تاريخ العراق بشفافية وحيادية بعيدا عن الضغوط البريطانية.

بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

https://www.algardenia.com/maqalat/62199-2024-02-11-16-43-11.html

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

787 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع