عندما تنزف الزهور- الجزء الثاني

 بقلم أحمد فخري

عندما تنزف الزهور- الجزء الثاني

من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط

https://www.algardenia.com/maqalat/62109-2024-02-04-10-44-17.html

بعد مرور اسبوعين انطلقت مديحة بسيارتها الفولكسواگن وبصحبتها زهور وعبدالحليم متجهين الى مبنى الادعاء العام. اوقفت سيارتها بالمراب ونزلوا سيراً على الاقدام بثقة عالية متسلحين بكل الادلة الدامغة التي تدعم قضيتهم والتي عملوا من اجلها بجد واجتهاد كبيرين لنصرة زهور واخذ الحق وترسيخ العدالة لها من تلك المجموعة الفاسقة. صعدوا الى الطابق الثالث فطرقت مديحة الباب ودخلوا خلافاً فوقف المدعي العام احتراماً لضيوفه ورحب بهم قائلاً،

المدعي رجب : اهلاً وسهلاً بكِ سيدة مديحة واهلاً بضيوفك الكرام، تفضلوا رجاءاً واجلسوا.

ضغط على زر ودخل الحاجب فقال له،

المدعي رجب : انظر الى طلبات الضيوف يا جبار.

مديحة : لا شيء شكراً. نحن على عجل من امرنا. سوف نطرح عليك قضية مهمة وننصرف لان مكتبي خال الآن وسوف يهل المراجعون بعد ساعة من الآن.

المدعي رجب : بالتأكيد سيدة مديحة. وكيف استطيع خدمتكِ؟

مديحة : بلغنا من مصدر موثوق ان لديك قضية لا زالت مفتوحة لشخص متوفى اثر حادث دهس بشوارع بغداد. اسم المتوفي ابو جميعة عبد الغفور.

المدعي رجب : اختي مديحة، كم من السنين ونحن نعرف بعضنا البعض؟ هل تتذكرين؟ الا تعلمين اني كمدعي عام لا يمكنني مناقشة اي تفاصيل عن اي قضية مفتوحة مازال التحقيق جارٍ فيها.

مديحة : نحن نعلم انكم وصلتم الى طريق مسدود بالبحث عن الجاني الذي دهس الرجل وهرب.

المدعي رجب : مع ذلك فالبحث ما زال قائماً ولا يمكنني ان...

هنا قاطعته مديحة حين قالت،

مديحة : ماذا لو قلت لك ان القضية التي جئتك من اجلها اليوم لديها ارتباط وثيق ومباشر بجريمة الدهس. وانت تعلم علم اليقين انها ليست دهساً عشوائياً وانما هي جريمة القتل العمد.

المدعي رجب : وكيف عرفتم كل هذه المعلومات؟ فتلك المعلومات سرية ولا بد من وجود تسريب من طرفنا.

مديحة : هذا لا يهم الآن يا استاذ رجب. المهم اننا على نفس الجانب وهدفنا واحد للاطاحة بالجناة وتقديمهم للعدالة اليس كذلك؟

المدعي رجب : وهل قلتِ جناة ام ربما تقصدين جانٍ واحد؟

مديحة : بل اقصد جناة. لان عدد العصابة هو 5 اشخاص والمجني عليه ابو جميعة عبد الغفور كان احد اصغر واتفه الاعضاء بهذه العصابة. فلقد قاموا بقتله لغرض تكميم فمه واسكاته.

المدعي رجب : لا، هذا كلام خطير يستحق قهوة عربية ما رأيكم؟

مديحة : كلنا نفضلها حلوة المذاق.

دق الجرس وطلب اربعة فناجين من القهوة ثم قال،

المدعي رجب : سيدة مديحة، لقد تمكنتِ من الحصول على كامل اهتمامي. تكلمي فانا كلي آذانٌ صاغية.

مديحة : دعني اعرفك على هذه الشابة الفتية. اسمها زهور حسين الصفار. هي الضحية الوحيدة والرئيسية في هذه القضية. اما عبد الحليم فانت تعرفه جيداً.

المدعي رجب : اجل اعرف عبد الحليم جل المعرفة. اهلاً بكِ ابنتي زهور تفضلي ما هي قصتك؟

حثتها مديحة قائلة،

مديحة : تكلمي يا زهور، ازيلي حجابك ولا تخجلي. قصي على السيد المدعي العام تفاصيل ما تعرضت له من البداية وحتى دخولنا الى هذا المكتب.

زهور : السلام عليكم استاذ رجب. انا اسمي زهور حسين الصفار، ولدت في النيل بالقرب من الحلة وكان لدي اسرة فقيرة محافظة. كنا نقتات على ما يرزقنا الله من جراء عمل والدي وشقائه. وفجأة دخل والدي السجن ...

بقيت زهور تتحدث لاكثر من نصف ساعة والمدعي العام يستمع اليها باهتمام وتركيز كبيرين. ولما وصلت الى نهاية قصتها الحزينة قال،

المدعي رجب : قصة رهيبة يا فتاة ولكن كلامك يلزمه الكثير من الدعم بالادلة والبراهين فانا لا استطيع ان اكتفي بقصة دراماتيكية محزنة. هل لديكم ادلة ملموسة؟

مديحة : حسناً، الآن سادع عبد الحليم يسرد عليك كل ملاحظاته والادلة التي جمعها اثر اجراء التحقيق في الآونة الاخيرة. سيزودك بكل الوثائق والصور التي تدعم ما تحصل عليه من جراء حملته لحصد الادلة. كذلك ارفقنا مع تقريرنا الرئيسي تقرير الطبيبة مادلين التي تعرفها انت جيداً والتي فحصت زهور باليوم التالي من الاعتداء بعد تمكنها من الهروب من حبسها.

هنا بدأ عبد الحليم بسرد عملية جمع المعلومات بدءاً من عثوره على ضابط الشرطة هيثم المدفعي المعار الى مركز شرطة الكاظمية وحتى المقابلة التي اجراها مع استاذ الاعدادية المركزية المخضرم وصولاً بموقع عمل علاء ولاء القيسي وفراس سالم الاحمر في بنك الرافدين وشركة سنام پروجيتّي الايطالية. بعدها تطرق لدخوله الى موقع الجريمة ببيت المتوفي ابو جميعة وتسجيل ملاحظاته من هناك دون ان يتسبب في اعاقة عملية البحث الجنائي. وهنا اوقفه المدعي العام ليسأله،

المدعي رجب : وكيف عرفت ان العصابة هي من نفذت جريمة الدهس؟

عبد الحليم : الطبيب الشرعي وجد بصمات عجلات لمركبة. البصمات معلمة على كامل جسده ومطبوعة على قميصه الابيض. ولما قمت بالبحث بهذا الموضوع وجدت ان هذه العجلات المطاطية هي من نوع يوكوهاما بحجم 315/70 R17 ولها نمط خاص ونقشة مميزة، استوردتها وزارة الداخلية حصرياً لمركبات الشرطة. لذلك فإن من دهسه واعاد دهسة لعدة مرات هو فرد من افراد الشرطة. وإذا ربطنا ذلك بالنقيب هيثم المدفعي سنجد انه هو الوحيد الذي له السلطة في استعمال تلك المركبات وله المصلحة المباشرة في اسكات المتوفي ابو جميعة والتخلص منه لانه انسان غير متعلم ودنيئ وقد يتفوه بكل شيء ويفضي بكل الاسرار من اول تحقيق واول صفعة بعد ان اكتشف ان سجينته قد هربت.

المدعي رجب : انا جداً مقتنع بكلامكَ ولكن يجب علي ان اتدارس القضية برمتها وبكل الادلة الضرفية والادلة الملموسة كي اكوّن فكرة شاملة حتى اتمكن من اشراككم في قضيتنا المفتوحة التي نبحث بها الآن.

مديحة : لاحظ ان احد المتهمين هو ضابط في الشرطة وبامكانه الحصول على تسريبات للمعلومات من عندكم. لذلك يجب عليكم ان تتوخوا الحذر فيمن تثق به وتتولى كل شيء بنفسك دون تكليف نائب عنك. اما عن شراكتنا فهذا يناسبنا سيد رجب. سوف نتركك الآن ونفسح لك المجال كي تتدارس الملف الذي اعددناه لك بتروي كبير، آملين ان نسمع منك رداً ايجابياً بالقريب العاجل.

خرج الثلاثة من مكتب المدعي العام وجلسوا بسيارة مديحة، ولما اغلقوا الابواب قالت،

زهور : انا لم افهم ما قاله السيد رجب. هل هو موافق كي يساعدنا ام لا؟ لقد قال انه سوف يكوّن فكرة، اي فكرة هذه؟ لقد بقي يحقق بقضية الدهس ولم يعثر عن اي دليل ونحن جئنا له بملف يحتوي على كل الادلة التي لا تقبل الشك ووضعناها امامه على طبق من فضة ثم يقول انه سوف يكوّن فكرة! اي فكرة سيكونها؟

مديحة : حبيبتي زهور، هذا كلام المدعي العام. انه يتكلم بهذه الطريقة لانه لا يستطيع الاعتراف باخفاقهم في العثور على الجاني بقضية الدهس. لكنني متأكدة من انه سعيد جداً بما قدمنا له وسوف يعيد النظر بموقفه ويتصل بنا ليستدعينا من جديد.

زهور : ان شاء الله. ولكن متى يا ترى؟

رجع الثلاثة الى المكتب فاتجهت زهور الى المطبخ وهي محبطة جداً لانها شعرت بان كل الجهود التي بذلوها حتى الآن قد بائت بالفشل وان المدعي العام صار يتملص من القضية بطريقة دبلوماسية. ربما لانه لا يريد ان يدين ضابط شرطة وقاضي محكمة او ربما لان ادانتهم ستتطلب منه المزيد من المجهود والوقت. جلست تبكي في المطبخ وتفكر بان قضيتها سوف لن تحل ابداً. وبعد مرور ساعتين تقريباً خمرت ابريق شاي، ووضعته على صينية صغيرة لتدخل به غرفة مديحة فتتفاجأ بمشاهدة المدعي العام جالساً امامها. ابتسمت وعلمت ان ذلك يبشر خيراً. يبدوا انه راجع نفسه وقرر التعاون معهم والاخذ بالادلة التي قدموها. عرضت قدحاً للمدعي العام وآخر لعبد الحليم ولما وصلت الى مديحة سمعتها تقول لها،

مديحة : حبيبتي زهور، لقد جاء السيد رجب الآن ليعرض علينا شراكة للاطاحة بالعصابة التي قامت بالاعتداء عليك. فقد هاله ما رأى من الادلة والصور التي شاهدها في التقرير الطبي للدكتورة مادلين وباقي المحادثات والتحقيقات والادلة التي جمعها عبدو.

زهور : هذا شيء مفرح جداً، كدت افقد الامل عندما خرجنا من مكتبه.

المدعي رجب : بحكم مركزي الحساس، يجب علي ان انظر الى القضية من كل الزوايا وادرس مدى نجاعتها كي لا نصاب بخيبة امل عندما تنعقد جلسات المحكمة فنسلط الضوء عليها. لا تنسي ان اثنان من المتهمين هم من سلك الشرطة وسلك القضاء وهذا ما يعقد المسألة كثيراً.

مديحة : على بركة الله.

عبد الحليم : يا سيد رجب، اود ان لا تتوانى في طلب اي خدمة يمكنني تقديمها. فانا لازلت يدك اليمنى كما كنت تقول في السنين السابقة.

المدعي رجب : وانا متأكد من ذلك. وانتِ يا زهور، ارجو ان تستمري بارتداء حجابك كي لا يتعرف عليك الخصم ولا تزيليه الى بالمحكمة. لا تنسي ان احدهم قد زار هذا المكتب في السابق وقد يزوره مراراً وتكراراً.

زهور : اجل بالتأكيد هذا ما نصحتني به امي مديحة، وللعلم فقد تعودت عليه واصبح شيئاً روتينياً كي اضعه فوق رأسي عندما ارتدي ملابسي كل يوم.

المدعي رجب : والآن اريد ان اطلب من الانسة زهور كي ترافقني لنذهب الى مسرح الجريمة فتعاينه رسمياً ويقيد بسجل الادعاء.

زهور : وانا جاهزة متى ما شئت يا استاذ رجب.

المدعي رجب : ممتاز جداً، ساخذك غداً صباحاً كي نذهب سوية وننتهي من تلك المهمة.

شكر المدعي العام مديحة وعبد الحليم وشد على رباطة جأش زهور ثم خرج ووعد في صب الملف بالمسالك القانونية الصحيحة كي يهيأ لمحاكمة قريبة.

بعد اسبوع اخذ المدعي العام قوة من 4 عناصر شرطة وتوجه بها الى محكمة الكرادة، طرق الباب على مكتب القاضي جميل السامرائي فاذن له بالدخول حين قال،

جميل : اهلاً رجب كيف حالك؟ ما سبب هذه الزيارة المفاجئة؟

المدعي رجب : سيد جميل السامرائي، انت متهم بجريمة قتل واختطاف. جئت اليوم لالقي القبض عليك.

جميل : هل هذه كذبة نيسان؟ هل انت جاد بما تقول؟

المدعي رجب : ايها الرجال قوموا بتكبيله ودعنا نعود ادراجنا.

جميل : يا رجب نحن اصدقاء، اليس الاجدر بك ان تتأكد من كل شيء قبل ان تقوم بعمل من هذا القبيل؟ انت تعلم انني ساقوم بملاحقتك قانونياً وسوف لن يهدأ لي بال حتى ازجك بالسجن.

المدعي رجب : من الآن وصاعداً، اي كلام تنطق به، بامكانه ان يستخدم ضدك بالمحكمة. وبامكانك توكيل محامٍ ينوب عنك وان لم تستطع فعل ذلك فسوف توكل المحكمة لك مدافع عام.

وُضِعَتْ الاصفاد على معصمي القاضي جميل السامرائي وأخرجوه الى المركبة الرسمية التي تنتظرهم بالخارج. بعدها توجهوا الى مركز شرطة الكرادة داخل وقاموا باعتقال هيثم المدفعي بنفس الطريقة ثم توجهوا الى مقر عمل المتهمين الباقين علاء ولاء القيسي وفراس سالم الاحمر واخذوهما معهم. وبذلك نقلوا جميعاً الى سجن مؤقت في مكان غير معلوم.

بقي الجميع ينتظر لاكثر من شهر حتى جائهم رد من المحكمة بتحديد موعد للدعوة وتوجيه التهمة الى الرجال الاربعة إذ تحدد يوم الثلاثاء الخامس من حزيران ليكون موعداً للجلسة الابتدائية للاستماع الى الاتهامات الموجهة من قبل الادعاء العام وتعيين القاضي صفاء الساعدي كرئيساً للمحكمة. في تلك الفترة كانت الاتصالات حثيثة ما بين المدعي العام والمحامية مديحة ومساعديها عبد الحليم والمجني عليها زهور حسين.

<<<<<<<<<<

التاريخ الثلاثاء 5/6/1973 انعقاد الجلسة الابتدائية

دخل فريق الادعاء وبصحبتهم مديحة بصفة مستشارة كي تجلس في الجهة اليمنى من القاعة اما المحقق عبد الحليم فجلس بين الجمهور في الصف الاول خلف الادعاء العام مباشرة. دخل الكثير من افراد الجمهور الى قاعة المحكمة لمتابعة القضية كونها تحمل اهمية كبرى ولانها حدث جلل باوساط القضاء في بغداد. وبعد ان امتلأت القاعة بالحضور، جلس المدعي العام الى جانب المحامية مديحة. دخل المتهمون الاربعة يرتدون ملابس مدنية وكان بصحبتهم محامي الدفاع فجلسوا الى الجهة اليسرى من القاعة. كانت القاعة متخمة بالصحفيين والمصورين الحاضرين بين الجمهور. ولما قعد الجميع في اماكنهم سمعوا الحاجب يصيح باعلى صوته،

"محــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــكمة"

ليقفوا وقفة واحدة فيعم الهدوء ويدخل القاضي صفاء الساعدي فيأخذ مكانه بالمنتصف بينما وقف الى جانبيه مستشاروه. جلس القاضي فجلس المستشارون وجلس باقي من في القاعة باماكنهم بكل هدوء. نادى المستشار عن رقم القضية واسماء المدعي والمدعى عليه. فوقف محامي الدفاع والمدعي العام فبدأ المدعي العام ليقول،

رجب عبد سلام : انا المدعي العام رجب عبد سلام عن المجني عليها زهور حسين الصفار والادعاء للحق العام للمجني عليه ابو جميعة عبد الغفور.

وقف محامي الدفاع واعلن،

محامي الدفاعي : انا المحامي فرهاد سليم نوري عن المتهمين، جميل السامرائي، هيثم المدفعي، علاء ولاء القيسي وفراس سالم الاحمر.

سأل رئيس المحكمة : واين هي المجني عليها إذاً؟

نادى الحاجب باعلى صوته،

"زهــــــــــــــــــــــــــور حسين العتبي"

هنا سمع باب المحكمة ينفرج بمصراعيه محدثاً طرقة مدوية تشبه الرعد سمع صداها بجميع ارجاء الصالة لتدخل امرأة في مقتبل العمر ترتدي حجاباً وتسير بالممر بوسط جموع الحضور فتنصب الانظار نحوها وهي تسير بخطى بطيئة ثابتة وثقة عالية بالنفس. وقفت امام القاضي لتنظر اليه وجهاً لوجه. هنا همس جميل السامرائي طليق مديحة باذن محامي الدفاع فرهاد فوقف المحامي امام القاضي وقال،

محامي الدفاع : اعتــــــــــراض سيادة القاضي، هذه السيدة دجالة ومحتالة وليست من تدعي. فهي موظفة لدى طليقة موكلي السيد جميل السامرائي. انها خادمة ومهمتها تقديم الشاي والقهوة والتقاط الفضلات بمكتب المحامية مديحة وليست المجني عليها المزعومة.

هنا استدارت زهور ليصبح وجهها امام الجمهور وامام المتهمين الاربعة ثم امسكت بحجابها بيدها اليمنى وازالته بسحبة واحدة لينسدل شعرها الاسود الحريري الطويل وراء ظهرها وتنظر مباشرة باعين المتهمين الاربعة نظرة تحدي وتصميم لتصيبهم بالذهول. امسك جميل بطرف بنطال محاميه وشده فانحنى ليسمع ما يقول فهمس باذنه فنظر المحامي للقاضي وقال،

محامي الدفاع : استسمحك عذراً سيادة الرئيس، انا اسحب اعتراضي.

ابتسمت زهور بوجه جلاديها وتبخطرت وهي تسير نحو يمين القاعة لتجلس الى جانب المحامية مديحة فيعلن القاضي ابتداء الجلسة الابتدائية وطلب من المدعي العام كي يبدأ بالافتتاحية.

وقف المدعي العام وقال،

سيدي رئيس المحكمة، السادة المستشارين، زميلي محامي الدفاع ، حضرات افراد الجمهور الكرام...

هنا وقف محامي الدفاعي وقاطعه ليقول،

محامي الدفاع : استسمحك عذراً سيادة الرئيس على المقاطعة من جديد ولكن الدفاع يطلب من عدالتكم الامر باخراج طواقم الصحافة والمصورين من القاعة اثناء جلسات هذه القضية وذلك للحفاظ على كرامة ومكانة المتهمين فكما تعرف عدالتكم ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته وان احدهم زميلك في القضاء.

في هذه اللحظة بدا وان رئيس المحكمة قد ضاق ذرعاً من مقاطعات واعتراضات محامي الدفاع فاجابه،

رئيس المحكمة : يا سيد فرهاد سليم نوري، اود ان اذكرك بحقيقة مهمة جداً قد تكون غابت عنك وهي: لا يوجد اي انسان فوق القانون لذلك سيخضع القاضي والشرطي وبياع اللبلبي والفلافل والفيترچي بوجل واحترام امام عدالة القانون، ولن يحضى اي شخص بمعاملة خاصة لثقل مكانته الوظيفية او الاجتماعية. الكل سواسية امام القانون. سوف يزاول المتهمون اعمالهم المعتادة إذا ما برأتهم المحكمة وليس قبل ذلك ابداً. مفهوم؟

محامي الدفاع : استسمحك عذراً سيدي الرئيس، اجل مفهوم وواضح جداً.

المدعي العام : سيدي الرئيس، بما اننا في هذه المرحلة من الاجراءات القضائية فانا اطالب من عدالتكم حبس المتهمين حتى تبدأ جلسات المحكمة دون تحديد اي كفالة مالية او عينية لانها جريمة جنائية تشمل القتل والاغتصاب والتعذيب الجسدي والنفسي.

صرخ محامي الدفاع باعلى صوته قال،

محامي الدفاع : انا اعتــــــرض على ذلك، فالمتهمين من خيرة رجالات المجتمع ولا يجوز حبسهم حتى تبدأ جلسات المحاكمة.

رئيس المحكمة : تؤيد المحكمة طلب الادعاء العام وسوف يبقى المتهمون على قيد توقيف لحين ابتداء المحاكمة.

هنا بدأت الخطوات الاولى في تحديد المحاكمة، حتى انتهت الجلسة الابتدائية بتحديد الجلسة الاولى من المحاكمة ليوم الاحد المصادف 1/7/1973 ثم رفعت الجلسة.

<<<<<<<<<<

الاحد 1/7/1973 الجلسة الاولى للمحكمة

بعد ان دخل الجميع قاعة المحكمة واخذوا اماكنهم. اعلن الحاجب عن بدئ الجلسة الاولى حين قال رئيس المحكمة،

رئيس المحكمة : أعلن بداية القضية الحق العام ضد المتهمين التالية اسمائهم: جميل السامرائي، هيثم المدفعي، علاء ولاء القيسي وفراس سالم الاحمر. ليتفضل السيد المدعي العام بمرافعته.

المدعي العام : سيدي رئيس المحكمة، السادة حضرات المستشارين الكرام، قضيتنا اليوم ليست ككل القضايا السابقة. فهي تحمل في طياتها خصوصية كبيرة بسبب فضاعة وبشاعة الجريمة بل الجرائم المرتكبة وطرق استغلال المتهمين لوظائفهم ومكانتهم الاجتماعية في تنفيذ جرائم يندى لها الجبين ارتُكِبَتْ على فرد من افراد الشعب المغلوب على امره. المتهمين الماثلين امام عدالتكم قاموا بابشع جريمة عرفها تاريخ القضاء العراقي إذ اختطفوا فتاة قروية فقيرة لا على التعيين فقط لانها جميلة المظهر بموقف الحافلات ببغداد وادخلوها منزلاً بعيداً عن الاعين ليعرّضوها لابشع انواع التعنيف الجسدي والنفسي ثم اكملوا فعلتهم القذرة تلك بخرق بكارتها والقيام باغتصابها مراراً وتكراراً، تاركين ورائهم رجلاً سيء السمعة ذو سوابق متعددة كي يحرسها ويعطيها الطعام والشراب ويفعل بها ما يشاء بنفسه وقت غيابهم فيغتصبها هو الآخر ويقوم بضربها واهانتها. لكن العناية الالاهية قد الهمت هذه الفتاة الامية البسيطة التي بالكاد اكملت عشرين ربيعاً كي تهرب من سجنها القاسي ببيت ذلك الحارس البغيض لتسير على حافية القدمين فتصل الى بر الامان. سنثبت للمحكمة بالكثير من الادلة والبراهين ان المتهمين الاربعة الماثلين امام عدالتكم قاموا بجرائمهم تلك، مستغلين مواقعهم الوظيفية لتوفر لهم كل السبل والحماية والاحاطة فيستمتعون بتدنيس شرف تلك الفتاة البريئة. وزادوا في الطين بلة حين سولت لهم أنفسهم بقتل احد شركائهم بالجريمة كي يمنعوه من التعرض للاستجواب حينما علموا بهربها من حبسها فقتلوا الحارس المقيم بالبيت. لقد قامت هيئة الادعاء العام بجمع الادلة الدامغة والتي لا ترقى لمستوى الشك كي تجرّمهم وتجعل منهم عدالتكم عبرة لمن اعتبر. وهذا وعلى الله قصد السبيل.

رئيس المحكمة : والآن محامي الدفاع يفتتح مرافعته.

وقف محامي الدفاعة، اغلق سترته، عدل من هندامه ثم سار الى الامام واستدار ليواجه الجمهور، بعدها اقترب من زهور ونظر بوجهها ثم ابتسم ابتسامة صفراء لها الكثير من الدلالات التي تحوي بطياتها انواع مزوقة من الاستعلاء الصامت، حرك حاجبيه بوجهها ثم عاد والتفت الى رئيس المحكمة قال،

محامي الدفاعة : سيدي الرئيس، السادة المستشارين، زميلي العزيز السيد رئيس الادعاء العام الموقر، قضيتنا اليوم تعتبر من اثقل واكبر القضيا من حيث الاتهام الجلل لنخبة من خيرة رجالات المجتمع العراقي التي تعني بامن الشعب وضمان عدالته والحفاظ على امواله واقتصاده. ماذا لدينا؟ قاضي محكمة مرموق، ضابط شرطة رفيع، موظف كبير بالبنك ومحاسب لدى احدى الشركات الاجنبية. هؤلاء اشخاص ضحوا بحياتهم في سبيل خدمة البلد وامنه واقتصاده الى ان جائت فتاة قروية امية تعاني من حسد النعمة وجوع مطبق ولهث مخزي للمال فتتهمهم بابشع الاتهامات التي لا تليق بمكانتهم وموقعهم الاجتماعي. سيدي الرئيس، سنثبت للمحكمة على برائة موكلي الاربعة كبرائة الذئب من دم يوسف حتى ينال الفاعل الحقيقي جزائه العادل ويعود الابرياء على رؤوس أعمالهم فيقدموا المزيد من التضحيات والخدمات للشعب. هذا وشكراً لعدالتكم على حسن الاستماع.

رئيس المحكمة : نادي على الشاهد الاول.

المدعي العام : الشاهد الاول المجني عليها زهور حسين الصفار.

انتفضت زهور من مقعدها ومشت متجهة نحو منصة الشهادة فجائها رجل بالقرآن الكريم ليشهّدها على اقوالها. وضعت يدها اليمنى على القرآن وقالت، (اشهد بالله العظيم ان اقول الحق كل الحق ولا شيء غير الحق، ليشهد الله على ما اقول).

المدعي العام : آنسة زهور، اخبري المحكمة بقصتك من اللحظة التي غادرت فيها منزلك بالنيل متجهة نحو بغداد وما وقع لك في بغداد بالتفصيل.

نظرت زهور الى الجمهور بوجل وصمت ثم نظرت بوجه القاضي وبقيت صامتة. هنا قال لها القاضي،

رئيس المحكمة : لا داعي للخوف يا ابنتي، تكلمي ارجوكِ. احكي لنا كل ما وقع لكِ.

هنا تشجعت زهور وبدأت تقص على المحكمة تفاصيل حياتها بداخل مدينتها (النيل) ثم كيف اقتيد والدها الى السجن، وقرار امها تزويجها من نجم الاعور ثم هروبها من النيل بحافلة المنشأة الى بغداد وفور وصولها بغداد سألت احد ضباط الشرطة عن الطريق، فادلها ثم امسك ذلك الضابط بها من الخلف ووضع قطعة قماش مبتلة فوق انفها وفمها لتفقد الوعي فتجد نفسها بعد ذلك بداخل ذلك السجن المهين اين بدأ الرجال الاربعة يتناوبون على اغتصابها المرة تلو الاخرى. وتحدثت كيف كان يغتصبها ذلك الحارس اللعين في غياب الرجال الاربعة. بعدها شرحت كيف تمكنت بغياب المتهمين الاربعة من ضرب الحارس بالصحن المعدني لتفقده الوعي وتهرب من حبسها ثم كيف مشت طويلاً وهي حافية القدمين حتى وصلت الى بيت المحامية مديحة عن طريق الصدفة وكيف مكنها الله من كشف ضلوع زوج مديحة بالجريمة النكراء حيث كان هو بنفسه واحداً من المعتدين عليها. كذلك ذكرت كيف ان السيدة مديحة كانت ترغب في التأكد من شخصية المعتدي لذلك البستها حجاباً وادخلتها صالة المحكمة كي تنظر الى القاضي جميل وجهاً لوجه اثناء ترؤسه المحكمة وتتأكد من شكله ومن نبرة صوته.

المدعي العام : شكراً لك آنسة زهور. والآن اسألك سؤالاً مهماً جداً واطلب منك التركيز على سؤالي جيداً: هل ترين الشخص او الاشخاص الذين اعتدوا عليك هنا بالمحكمة؟

نظرت زهور الى المتهمين الاربعة واشارت باصبعها اليهم قالت،

زهور : هؤلاء الاربعة الجالسين هناك هم من قاموا بالاعتداء عليّ.

نظر المدعي العام الى رئيس المحكمة وقال، لاحظ سيدي انها تعرفت على المتهمين الاربعة. والآن انتهيت من استجواب الشاهدة.

هنا وقف محامي الدفاع وتوجه الى زهور وهو يبتسم ابتسامة ملؤها الخبث والدنائة حين قال،

محامي الدفاع : اهلاً ومرحباً بك يا زهور حسين. قصتك كانت حقاً مؤثرة (حاچيني يا يمة، فهميني يا يمة). اريد ان اسألك سؤالاً مهماً يا زهور، من الذي لقنك هذه القصة؟ أهي السيدة مديحة المحامية لغرض الحصول على حكم الطلاق من زوجها؟

صرخ المدعي العام قائلاً،

المدعي العام : اعتـــــــــراض سيادة الرئيس، هذا تلميح شخصي يستفز الشاهدة.

رئيس المحكمة : سؤال محامي الدفاع مهم جداً وساسمح بذلك. دع الشاهدة تجيب على السؤال. وانت يا حضرة المحامي فرهاد اعد سؤالك على الشاهدة رجاءاً.

محامي الدفاع : يا زهور حسين، من الذي لقنك القصة التي حكيتيها لنا الآن؟ هل هي السيدة مديحة المحامية بغرض التمكن من الطلاق من زوجها؟

زهور : كلا لم يلقنني احد. انها الحقيقة كما وقعت معي بالضبط.

محامي الدفاع : قلتِ في شهادتكِ انكِ غادرت النيل لان والدتك ارادت تزويجك من رجل يدعى نجم الاعرج.

زهور : اسمه نجم الاعور سيدي.

محامي الدفاع : نجم الاعور، ولماذا رفضتيه يا زهور؟ هل لانه اعور حقاً ام لانه سيكتشف حقيقة كونك خبيرة بمعاشرة الرجال ولانك لم تكوني عذراء بذلك الحين؟

وقف المدعي العام وقال،

المدعي العام : اعتـــــــــراض سيادة الرئيس، انه تلميح شخصي لا يستند الى حقائق ملموسة وخارج عن نطاق القضية.

محامي الدفاع : سيدي الرئيس، اود ان اوضح لعدالتكم مدى عدم مصداقية شهادة وادعائات المجني عليها.

رئيس المحكمة : ساسمح بالسؤال، وعلى الشاهدة ان تجيب. اعد السؤال عليها.

محامي الدفاع : لماذا رفضتيه يا زهور؟ هل لانه اعور حقاً ام لانه سوف يكتشف انك كنت خبيرة بمضاجعة الرجال وانك لم تكوني عذراء بذلك الوقت؟

زهور : انا رفضت نجم الاعور لانه سيء السمعة وعليه شبهات اجرامية كثيرة اما عذريتي فيشهد الله ان اي رجل لن يمسسني حتى وصلت الى ذلك المعتقل اللعين.

محامي الدفاع : قلت بشهادتك انك جئت الى بغداد هرباً من الزواج من نجم الاعور، ولكن بغداد كبيرة ولم يسبق لك ان زرتيها من قبل، فاين كنت متجهة ومن الذي كان سيأويكِ؟

زهور : بالماضي كنا في النيل صديقات ثلاثة لا نفترق ابداً. انا وفاطمة ورجاء. وعندما تزوجت فاطمة وانتقلت الى بغداد. دعتنا كي نزورها الى بيتها في منطقة بغداد الجديدة. لكننا لم نكن نملك السبيل للذهاب اليها. ومع ذلك فقد احتفضتُ بعنوانها علّني احتاجه يوماً ما كي ازورها. وكان بيتها هو وجهتي.

محامي الدفاع : قصة جميلة ومؤثرة حقاً وانا اصدقك هاهاها. طيب زهور، تقولين انك تعرفت على جميع المتهمين الاربعة بغض النظر عن انك لم تعرفي اسمائهم في حين احتجازك. فهل تعرفين اسمائهم الآن؟

زهور : اجل اعرف اسمائهم الآن لانني اعمل بمكتب السيدة مديحة وهي التي تبنت البحث عنهم خلال الاشهر التي مضت.

محامي الدفاع : هل توقفت عن مزاولة الجنس بعد ان اصبحت تعيشين لدى السيدة مديحة ام انك مازلت...

هنا قاطعه المدعي العام بشدة قال،

المدعي العام : اعتـــــــــراض سيادة الرئيس، هذا تهجم شخصي على الشاهدة وتجريح صارخ يتعدى القيم والاخلاق.

رئيس المحكمة : يا سيد فرهاد، ارجوك حاول ان تتمسك ببنود القضية دون التجريح بالشاهدة. اطلب منك الالتزام بمعايير الاخلاق الحميدة.

محامي الدفاع : سافعل ذلك سيدي الرئيس.

التفت الى زهور وقال،

محامي الدفاع : يا زهور، تقولين في افادتك انك اغتصبت من قبل المتهمين الاربعة. فكيف كنت تعرفين انه كان اغتصاباً، لما كنت عذراء شريفة ابنة الحسب والنسب؟ اردت ان اعرف منك، ما هو دليلك على انه كان اغتصاباً؟ ارجوك اتحفينا برأيك.

زهور : سيدي لو كانوا قد اغتصبوكَ مراراً وتكراراً في الليل وفي النهار ليدخل عليك احدهم وينتهك عرضك ثم يخرج ليدخل سافل آخر فيفعل فعلته. ثم يأتون عليك باليوم التالي ليكرروا اغتصابك، لكنت ستعرف معنى الاغتصاب جيداً يا سيد فرهاد.

هنا ضج الجمهور بالضحك فشعر محامي الدفاع بالاحراج الكبير من اجابة زهور. نظر الى رئيس المحكمة وقال، ليس لدي المزيد من الاسئلة.

رئيس المحكمة : هل لدى المدعي العام المزيد من الاسئلة للشاهدة؟

المدعي العام : اجل سيدي الرئيس. يا آنسة زهور اريد منك التركيز هنا جيداً، عندما كنت بالمعتقل بذلك البيت، هل كان يأتي الرجال الاربعة سوية ام كانوا يأتون بمفردهم احياناً؟

زهور : احياناً كانوا يأتون سوية ويجلسون خارج غرفة الاعتقال ليقضوا امسية سكر وعربدة فيدخل علي الواحد تلو الآخر. واحياناً كان يأتي احدهم بالنهار لوحده حتى بغياب الحارس ويدخل ليفعل فعلته البشعة ثم يرحل.

المدعي العام : واين يذهب الحارس في تلك الاثناء؟

زهور : لا اعلم، لكنني كنت اسمعه وهو يفتح الباب الرئيسي للبيت ويخرج ثم اسمعه ثانية حين يعود. لا اعلم، ربما كان يذهب لشراء الطعام او ما شابه.

المدعي العام : إذاً، كان الرجال الاربعة يأتون بمفردهم احياناً ويدخلون البيت فيقومون بممارسة الاغتصاب بمفردهم ثم يخرجون قبل رجوع الحارس؟

زهور : نعم.

رئيس المحكمة : هل لدى المدعي العام المزيد من الاسئلة للشاهدة؟

المدعي العام : كلا سيدي الرئيس.

رئيس المحكمة : هل لدى الدفاع متابعة الاستجواب؟

محامي الدفاع : كلا سيدي الرئيس.

رئيس المحكمة : إذاً تعفى الشاهدة زهور حسين. نادي على الشاهد الثاني.

المدعي العام : انادي على السيد كمال الجميلي.

نظر جميع من في القاعة الى الوراء كي تنفرج باب المحكمة ويدخل منها رجل في عقده السابع طويل القامة نحيف البنية اصلع الرأس ولديه شعر كثيف ابيض الى جانبي رأسه. سار بخطى ثابتة في الممر بين الارائك التي يجلس عليها الجمهور متجهاً الى الامام مباشرة صوب رئيس المحكمة. تلقاه حاجب المحكمة حاملاً القرآن الكريم فادى القسم وجلس في منصة الشهادة. تقدم منه المدعي العام وقال،

المدعي العام : استاذ كمال، انت مدرس في الاعدادية المركزية منذ سنين طويلة. هل سبق لك والتقيت المتهمين الاربعة الجالسين امامك؟

كمال الجميلي : اجل اعرفهم جيداً. هم الاربعة كانوا طلابي.

المدعي العام : حدثنا عنهم لو سمحت.

كمال الجميلي : كان اداء الطلاب الدراسي دون المتوسط لكن اخلاقهم كانت في الحضيض. كان الجميع يطلق عليهم شلة الانس. يتصرفون بعدوانية تجاه زملائهم وتجاه الهيئة التدريسية وحتى تجاه الادارة.

المدعي العام : ولماذا لم تقم الادارة بطردهم؟

كمال الجميلي: لانهم كانوا مسنودين من الاعلى.

المدعي العام : ماذا تقصد بالاعلى؟

كمال الجميلي: اقصد الاعلى وحسب، حاول ان تفهمني.

المدعي العام : هل حاولت نصحهم يا استاذ كمال؟

كمال الجميلي: اجل حاولت مراراً عديدة لكنهم كانوا يستهزئون بنصائحي ويسخرون مني ولا ينصاعون لاي رادع.

المدعي العام : شكراً لك استاذ كمال.

التفت الى رئيس المحكمة وقال،

المدعي العام : ليس لدي المزيد من الاسئلة للشاهد.

هنا وقف محامي الدفاع وسار نحو الشاهد وقال له،

محامي الدفاع : استاذ كمال، انت مربي فاضل وقدير ولديك علمك الفائض والكل يشهد لك بذلك. دعني اسألك سؤالاً لو سمحت، هل تعلم ان شهادة الزور تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون؟

كمال الجميلي : اجل هذا صحيح. شهادة الزور تعتبر جريمة بكل المقاييس الدينية والاخلاقية والقانونية.

محامي الدفاع : قبل ان تعتلي كرسي الشهادة اقسمت على القرآن الكريم بانك ستقول الحق كل الحق ولا غير الا الحق. لكن الجميع يعلم انك شيوعياً ولا تؤمن بوجود الله. لذلك فإن قسمك هذا لا يعني لك شيئاً وبالامكان ان تكذب بكل ما تقوله.

كمال الجميلي : اولاً انا لست شيوعياً بل انا انسان يؤمن بالاشتراكية. فانا مسلم واقرأ القرآن كلما سنحت لي الفرصة. اما شهادتي فهي نابعة من الضمير الذي اصبح رخيصاً هذه الايام مع شديد الاسف.

محامي الدفاع : إذاً انت تؤمن بانك اشتراكي؟ التفت المحامي صوب رئيس المحكمة وقال، هل سمعت سيادة الرئيس يقول انه اشتراكي. ادار رأسه صوب الجمهور وقال، هل سمعتم حضرات الجمهور الكرام، يقول انه اشتراكي. وما فرق الاشتراكي بالشيوعي يا سيد كمال؟

كمال الجميلي : اليست الاشتراكية هي احدى المبادئ الثلاثة للحزب الحاكم اليوم؟

هنا علم محامي الدفاع ان هذا الانسان في غاية الذكاء ويملك الثقافة اللازمة كي يرد على محاولاته الفاشلة بالطعن بشهادته لذلك قال،

محامي الدفاع : ليس لدي المزيد من الاسئلة لهذا الشاهد.

نزل المربي الفاضل كمال الجميلي من منصة الشهادة وسار بالممر بكل هدوء حتى عثر على مقعد خال بين الجمهور ليجلس ويتابع مجريات القضية.

رئيس المحكمة : ترفع الجلسة ليوم الاربعاء 18/7/1973.

<<<<<<<<<<

بعد اسبوعين انعقدت الجلسة من جديد فسأل رئيس المحكمة، هل هناك المزيد من الشهود؟

محامي الدفاع : اجل سيد الرئيس، ادعو موكلي المتهم السيد جميل السامرائي بتقديم شهادته.

انتصب جميل من الكرسي وسار امام القاضي ليؤدي القسم ثم جلس في منصة الشهادة. اقترب منه المحامي فرهاد وقال،

محامي الدفاع : سيد جميل، ارجو اخبار المحكمة عن عملك؟

جميل : انا قاضي محكمة وامارس عملي منذ اكثر من 13 عاماً. كنت متزوجاً من السيدة مديحة سلمان المحامية التي تعمل بهذه المحكمة بصفة مستشارة للادعاء العام.

محامي الدفاع : هل لك ان تخبرنا إن كنت التقيت مسبقاً بالمجني عليها الآنسة زهور حسين والتي تتهمك بجرائم شنيعة؟

جميل : كلا، لم التقيها بحياتي قبل ان قابلتها وجهاً لوجه بمكتب طليقتي وهي تقدم الشاي للمراجعين وتزيل القمامة.

محامي الدفاع : ولماذا تعتقد انها اختارتك انت ورفاقك بالذات من دون 11 مليون عراقي؟

جميل : لا اعلم ابداً. فالقضاة مستهدفون دائماً من قبل الرعاع والمجرمين والعاهرات.

محامي الدفاع : شكراً لك سيدي القاضي جميل. ليس لدي المزيد من الاسئلة سيدي الرئيس.

هنا وقف المدعي العام واقترب من جميل ليسأله،

المدعي العام : سيد جميل، قلت في شهادتك انك لا تعرف المجني عليها زهور ولم ترها في حياتك قبل لقائك بها في مكتب طليقتك. هل هذا صحيح؟

جميل : هذا صحيح وهذا ما قلته قبل قليل.

المدعي العام : وهل سبق لك ان ذهبت الى منزل المدعو ابو جميعة عبد الغفور اين وقعت جريمة الاختطاف والاغتصاب؟

جميل : انا لا علم لي عن اي منزل تتحدث؟

المدعي العام : انا اتحدث عن منزل يقع بالعنوان 12/104 شارع صلاح الدين الايوبي، منطقة السيدية.

جميل : لا لم يسبق لي ان شاهدت او ذهبت الى ذلك المنزل بذلك العنوان ابداً.

المدعي العام : هل انت متأكد من ذلك؟ ربما تكون قد اشتبهت بالعنوان او شيء من هذا القبيل؟

جميل : قلت لك انني متأكد 100%.

المدعي العام : ليس لدي المزيد من الاسئلة لهذا الشاهد سيدي الرئيس.

انتصب جميل وعاد الى مكانه بجوار باقي المتهمين.

توالت الجلسات وبقي محامي الدفاع فرهاد يستدعي المتهمين الواحد تلو الآخر للشهادة فيطلق عليهم نفس السؤال بخصوص معرفتهم السابقة بزهور حسين فينكرون معرفتها ويكتفي المدعي العام بسؤال الشهود عن منزل الاعتقال والعنوان الذي وقعت فيه جريمة الاحتجاز والاغتصاب لزهور حسين فينكرون جميعاً معرفة ذلك البيت وذلك العنوان.

وعندما انتهوا من استدعاء آخر متهم للشهادة سأل رئيس المحكمة،

رئيس المحكمة : هل هناك المزيد من الشهود؟

محامي الدفاع : كلا سيدي، ليس لدينا المزيد من الشهود.

المدعي رجب : سيدي الرئيس، لدي شاهد اخير اريد استدعائه إذا سمحت عدالتكم وهو مفتاح.

رئيس المحكمة : ومن يكون السيد مفتاح هذا؟

المدعي رجب : ساوضح لعدالتكم بشكل مفصل. ارجو ان توسعوا صدوركم وتستمعوا اليّ جيداً.

رئيس المحكمة : تفضل ولكن بايجاز لو سمحت.

المدعي رجب : سيدي الرئيس، لقد لاحظنا من اجابات جميع المتهمين الاربعة بانهم انكرو معرفة الدار الذي اتهمتهم المجني عليها زهور حسين بانهم دخلوه ونفذوا مخططهم الماجن. وقد كررت انا السؤال على المتهمين الاربعة. وكل مرة ذكرت لهم العنوان كاملاً وهو 12/104 شارع صلاح الدين الايوبي، بمنطقة السيدية. لكنهم اجمعوا انهم لم يذهبوا الى ذلك العنوان ابداً وانكروا اجتماعهم بها لغرض اقتراف جريمة الخطف والاغتصاب. حتى ان آخر متهم وهو المدعو فراس سالم الاحمر اكد امام عدالتكم بكل صراحة انه لم يدخل منطقة السيدية بحياته فكيف يكون قد ذهب الى احد المنازل فيها؟.

رئيس المحكمة : السيد المدعي العام، انت تكرر على مسامعنا ما سمعناه من شهادات المتهمين. ارجوك انجز في كلامك.

المدعي رجب : سافعل سيدي سافعل. ولكن يجب ان اذكركم ان المجني عليها زهور، قالت بان الجناة كانوا يأتون اما سوية فيجلسون خارج غرفة الاعتقال ليتعاطوا الدخان والمسكرات فيدخل احدهم كي يغتصبها ويخرج ثم يدخل الآخر فيفعل ما فعله زميله الذي سبقه. (او) انهم يأتون احياناً بمفردهم الى البيت في النهار فيدخل غرفتها ويغتصبها ثم يخرج في غياب الحارس.

رئيس المحكمة : وهذا سمعناه ايضاً لاحظ انك تكرر مجريات المحكمة برمتها. والمحكمة قد ضاقت ذرعاً بما تقدمه. قلت لك اوجز رجاءاً.

المدعي رجب : انا اعتذر منك سيدي الرئيس واتمنى ان تمنحني الفرصة الكافية لكي اشرح نقطة معينة، تلك النقطة هي الفاصل بهذه القضية. ارجو منك ان تمنحني الوقت الكافي للشرح.

رئيس المحكمة : لاجل ارساء العدالة سامنحك الوقت الكافي للشرح، تفضل.

المدعي رجب : ايها السادة الكرام. المنزل المشار اليه موجود بمنطقة السيدية، وبمكان معزول عن الجيران وكما نقول بالعامية (بالچول) او نقول (بالمنگطعة). ولما كان بعض الجناة يأتون بمفردهم احياناً بالنهار فإن احتمالية وجود الحارس (ابو جميعة) غير وارد اي انه غائب لغرض ما، اما للتسوق او لقضاء حاجة معينة او ما شابه. فكيف كان يدخل الجناة عندما يأتون بمفردهم؟ اليس ذلك سؤال وجيه؟ فالمنطق يقول انهم حصلوا على نسخة من مفتاح لباب المنزل الخارجي ونسخة من مفتاح غرفة الاحتجاز لكل واحد منهم كي يأتون باوقات غير متفق عليها فيمارسون الاغتصاب مع المجني عليها ويرحلون. وإذا كانت تلك الفرضية صحيحة فعلينا ان نجد مفاتيح لدى المتهمين تتطابق مع مفتاح باب المنزل الخارجي للمنزل ومفتاح آخر لغرفة الاحتجاز. وبما ان المتهمين على قيد التوقيف المؤقت منذ بدئ فترة المحاكمة الابتدائية، فان مقتنياتهم الشخصية قد اخذت منهم جميعاً عند دخلوهم التوقيف ووضعت تلك المقتنيات بالامانات. لذلك قمت بالطلب من دائرة السجون ان تحضر المفاتيح من بين مقتنياتهم الشخصية كي نفحصها ونقارنها بالمفاتيح الاصلية للمنزل والغرفة الداخلية التي تم فيها الاعتقال والاغتصاب. وهذا هو الدليل المادي سيادة القاضي. فبهذا التقرير الذي قام مختبر البحث الجنائي بإعداده لعدالتكم. وباختصار اتضح في التقرير ان جميع المتهمين الاربعة كانوا يملكون نسخة مطابقة للاصل لمفتاح المنزل الخارجي ونسخة مطابقة للاصل لغرفة الاحتجاز. وهذا الدليل يرقى لمستوى الشك ويؤكد جرمهم بالدليل القاطع سيدي الرئيس.

هنا وضع المحامي فرهاد رأسه بين يديه وكأنه يريد ان يقول لقد خسرنا القضية. كان الضجيج بالمحكمة مرتفعاً وراح رئيس المحكمة يضرب بمطرقته يطلب الهدوء من الجميع. ثم اعلن،

رئيس المحكمة : استناداً الى ما تقدم من دليل ملموس، فسوف ترفع هذه الجلسة للنطق بالحكم.

هنا وقف احد المتهمين وصرخ باعلى صوته،

المتهم فراس سالم الاحمر : سيدي الرئيس، سيدي الرئيس، ارجوك سيدي الرئيس استمع اليّ. انا اعترف بالاغتصاب وضرب المجني عليها المسكينة زهور حسين لكنني لم اكن موافقاً على قتل الحارس ابو جميعة. الا ان القاضي جميل و النقيب هيثم المدفعي، هما الذان اصرّا على التخلص منه لغرض اسكاته. انا لم اوافق على القتل ابداً.

المتهم علاء ولاء القيسي : وانا كذلك سيدي الرئيس، لم اوافق على القتل لكنهم قتلوه دون ان يأخذوا موافقتي.

المدعي رجب : سيادة الرئيس، ارجو ان تأخذ اعترافات الشاهدين بنظر الاعتبار لادانة المتهمين جميل السامرائي وهيثم المدفعي.

رئيس المحكمة : رفعت الجلسة للنطق بالحكم.

<<<<<<<<<<

بعد مرور ثلاثة اسابيع جلس عبد الحليم وزهور ومديحة المحامية في مكتبها يتباحثون بمجريات القضية قال،

عبد الحليم : لم اكن اتخيل ان المتهمين الاربعة سينالون حكم الاعدام. لكن العدالة اخذت مجراها ونالوا الاعدام الذي يستحقونه. انه حقاً نصرٌ مؤزر لنا جميعاً.

زهور : ومتى سينفذ حكم الاعدام؟

مديحة : خلال ايام قليلة بداخل السجن المركزي.

عبد الحليم : المدعي العام لم يخبرنا بقصة المفاتيح. لقد كان ذكياً للغاية. اراد ان يستعمله كالخنجر المسلول واستعماله بالوقت المناسب بالنهاية.

زهور : ولكن لولا الادلة التي قمت انت وامي مديحة بجمعها لما تمكن من التوصل لتلك المرحلة. لذلك كان عمل جماعي او كما يسمى باللعب بروح الفريق الواحد.

مديحة : هذا صحيحي، كذلك رباطة جأش زهور وتحملها فضاضة ذلك المحامي عديم الاخلاق هو الذي ساعد بانجاح العملية.

زهور : بل بكرمك ووسع صدرك في احتضاني ودعمي وتعليمي القراءة والكتابة فانت قدمت لي حباً وحناناً لم اعهده حتى لدى امي التي ولدتني. انا احبك يا امي كثيراً.

مديحة : وانا احبك يا ابنتي زهور.

عبد الحليم : يا مديحة اريد ان اتحدث اليك على انفراد، هل هذا ممكن؟

نظر الى زهور وهو يقول كلماته تلك. علمت زهور انها يجب ان تغادر الغرفة ليتحدثوا على انفراد قالت،

زهور : ساعد لكما الشاي الآن.

غادرت مكتب مديحة واغلقت الباب ورائها.

وقف عبد الحليم امام مديحة وقال،

عبد الحليم : اردت ان اتحدث اليك بامر جداً مهم يا سيدة مديحة.

مديحة : انت تريد زيادة في مرتبك؟ اليس كذلك؟ والله انت تستحقه.

عبد الحليم : بالعكس فمرتبي يعادل ثلاثة اضعاف ما كنت اتقاضاه عندما كنت بالشرطة لكنني كنت اريد التحدث اليك بخصوص زهور.

مديحة : ما الامر؟ ماذا بها زهور؟ ماذا فعلت لك؟

عبد الحليم : في الاشهر التي مضت كنت انا وزهور نعمل سوية وقد لمست منها حنيناً كبيراً ومشاعر لا يمكن ان المسها باي امرأة اخرى في اي مكان او زمان. لذلك اردت ان استشيرك فيما لو طلبتها كي ترضى بي كزوج لها؟

مديحة : وهل ستتمكن من التغاضي عن مسألة اغتصابها؟ فانت اولاً وآخراً رجل شرقي ينظر الى تلك الامور بتعصب اعمى.

عبد الحليم : لقد تعلمت من زهور ان تلك الامور لا تهم ابداً وان ما وقع لها من اعتداء لم يكن لها فيه اي ذنب. لذلك اردت منك ان تتشاوري معها وتقفي على مدى تقبلها الاقتران برجل مثلي.

مديحة : اسمع مني جيداً يا عبدو. انت تعلم مدى معزتك عندي لانني اعتبرك اخ عزيز وصديق صدوق. كذلك انت تعلم مدى معزتي وحبي لزهور فهي فتاة رقيقة وشفافة ومهذبة في غاية الدماثة. وقد تقول الآن بانك سوف تتغاضى عما حدث لها من اعتداء لكنك قد تعيّرها وتنتقص منها باول خلاف يقع بينكما. سوف تنظر الى تلك الامور على انها مسألة اساسية ورئيسية.

عبد الحليم : اختي العزيزة السيدة مديحة، انت تعلمين جيداً انني كنت متزوجاً من امرأة من المفروض ان تكون ابنة الحسب والنسب و(عذراء نقية) كما يعرّفها المجتمع الشرقي. علماً بانها كانت خريجة كلية العلوم بالمقارنة بزهور الفتاة الامية التي اخرجت نفسها من حالة الجهل والامية لتتعلم القراءة والكتابة وراحت تقرأ كل ما خرج امامها من صحف ومجلات وحتى كتب القانون الجنائي. بالاضافة الى ذلك فقد رأيت من طليقتي الامرين خلال فترة زواجي منها ولم اشعر بالراحة والامان معها ابداً. فقد تخلت عني باول ازمة مررت بها. اما زهور فانا متأكد من انها ستتربع على عرش قلبي وسوف لن افكر بما وقع لها من اعتداء على انه امر سلبي بل كان فرصة ذهبية كبيرة مكنتني من الاجتماع بها لتمنحني الراحة النفسية والحنان اللا محدود.

مديحة : هناك امر آخر له صلة مباشرة بالموضوع. انت تعلم ان زوجي جميل تزوج عليّ لانني لم اتمكن من الانجاب. وتعلم كذلك ما قالته الدكتورة مادلين بخصوص الحمل...

هنا قاطعها عبدو وقال،

عبد الحليم : بالنسبة لي هذا امر غير مهم. واعلمي ان عدم حملها اثناء تعرضها للاعتداء كان رحمة من رب العالمين. فإن رزقنا الله بالاطفال او لم يرزقنا فانا لن اضع لذلك اعتباراً كبيراً. المهم عندي ان اعيش مع زهور باقي حياتي.

ابتسمت مديحة وقالت من باب المزاح،

مديحة : وغداً سنقرأ بالصحف ان عبد الحليم تزوج من زهور حسين وسيخلفون ام كلثوم.

ضحك عبد الحليم وعقب،

عبد الحليم : وفريد الاطرش، وسليمة مراد ويوسف عمر.

ضحك الاثنان بصوت عالي ثم اكملت،

مديحة : حسناً ساتحدث معها اليوم في البيت وسوف ارد لك الخبر.

عبد الحليم : لا لا لا ارجوك يا مديحة، تحدثي معها الآن فانا انتظر ردها بفارغ الصبر.

خرج عبدو من مكتب مديحة ليدخل المطبخ فيجد زهور منهمكة في تنظيف المطبخ قال،

عبد الحليم : السيدة مديحة تريد التحدث اليك.

دخلت زهور المكتب واغلقت الباب ورائها وصارا يتحدثان سوية لاكثر من نصف ساعة بعدها خرجت زهور وذهبت الى عبد الحليم لتسأله،

زهور : احقاً تريد ان تتزوج مني يا عبدو؟

عبد الحليم : اجل، سيكون ذلك امراً يسعدني لو قبلت الزواج مني. ساكون اسعد رجل بالعراق.

زهور : وانا موافقة.

<<<<<<<<<<

بعد مرور ثمانية اشهر دخلت زهور بصحبة زوجها عبد الحليم الى مكتب مديحة فوقفت امامها لتقول،

زهور : لقد اكملنا شراء كل شيء في غرفة الطفل. لم يبقى لنا سوى الحوض الذي سنحممه فيه.

مديحة : لا تشتريه فذلك سيكون هديتي.

زهور : لقد اثقلنا عليك كثيراً يا امي.

مديحة : اتريدين ان تحرميني من متعة تدليل حفيدي؟

عبد الحليم : والله انت انسانة اقرب الى الملاك يا سيدة مديحة.

مديحة : اسمعي يا زهور، لدي هدية اكبر واثمن من كل ما تقدم.

زهور : والله قد اثقلنا عليك يا امي. أهدية اكبر واثمن؟ ما هي؟

مديحة : هذه الهدية ستكون الاثمن والاغلى على الاطلاق.

هنا ابتسمت ونادت باعلى صوتها لتقول، مديحة : تعال يا سيد حسين.

فانفرج الباب ليدخل رجل ستيني ينظر الى زهور ويبتسم.

بدأت دموع زهور تنهمر وهي تنظر الى اباها وهو يتجه صوبها. احتظنته وصارت تبكي فابكت اباها معها وتبعهما عبد الحليم ومديحة بالبكاء. قالت مديحة وهي تمسح دموعها،

مديحة : لقد درست قضية والدك حسين وتبين لي انه كان ضحية مؤامرة وطمع لصاحب الارض التي كان يعمل بها فتحدثت مع المدعي العام. لذلك امر القاضي اليوم باصدار العفو عنه وتعويضه عن السنين التي قضاها بالسجن ظلماً. كذلك جاء ابوكِ ليبارك لكما زواجكما.

وضع والد زهور يده في جيبه واخرج بلحتين مصنوعتان من الذهب الخالص وقال،

حسين العتبي : هذه هديتي لكما بالزواج.

... تمت ...

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

938 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع