خاطرة العدد ..

د.عدنان هاشم

خاطرة العدد:

كانت الأعوام الأخيرة من حكم داود باشا في بغداد أعواما عجافا، فقد دمر الفيضان كثيرا من مباني بغداد وفتك المرض بكثير من أهلها وكثرت غارات الأعراب من قبائل شمر على بغداد لغرض السلب والنهب. كان هناك رجل في بغداد من السلالة العلوية يسمى هاشم أبو الورد، وكان يسكن محلة الذهب في الكرخ من بغداد وكان يتعاطى تقطير الورد واستخراج ماء الورد ثم بيعه في الأسواق. فرأى فيما يرى النائم كأن ملك الموت يدور على بيوت بغداد ويختم أبواب البيوت بأرقام مختلفة، وقد ختم على باب دار هاشم أبي الورد رقم 13. فكان حلما مروعا له ولكنه تعوذ بالله من الشيطان ومضى في عمله متناسيا ذلك الحلم المروع,
ولم يلبث قليلا حتى انتشر مرض الطاعون في بغداد وأخذ يحصد الألوف، ولم يخل بيت من بيوت بغداد إلا وخيم عليه شبح الموت. وإذا بقاطني دار أبي الورد يتخطفهم الموت الواحد تلو الآخر حتى بلغ عدد الذين حصدهم الطاعون اثني عشر. وهناك أيقن هاشم أبو الورد بالموت حيث أنه كان رقم 13 في ذلك الحلم المخيف. فما كان منه إلا أن ترك باب البيت مفتوحا قليلا ليدع الناس أن يدخلوا ويحملوا جثته في حال موته، ثم اغتسل وكفن نفسه وتلا بعض آيات القرآن الكريم ونطق الشهادتين، واضطجع في باحة الدار بانتظار الموت؛ ذلك الزائر الثقيل على النفوس.
نظر لص من لصوص بغداد من فتحة الباب فرأى البيت خاليا وجثة ملفوفة بالكفن فأيقن بالغنيمة السهلة تأتيه بغير عناء. فدخل الدار وأخذ يبحث في الأمتعة عما خف حمله وغلا ثمنه، فلم يستطع أبو الورد صبرا فانتفض من كفنه صارخا
" ولك شعندك جاي وشتسوي هنا". وهنا ظن اللص أن الميت بعث من عالم الأموات فسقط ميتا من الخوف والفزع، فكان رقم 13 كما أخبر الحلم.. عند ذاك قرر هاشم أبو الورد مغادرة بغداد حيث استقر في مدينة بلد التي تقع جنوبي سامراء فتكاثرت ذريته هناك، ثم هاجر قسم منهم بعد ذلك واستقروا في مدينة الكاظمية. حيث اتخذوا لقب الوردي بدلا عن أبو الورد الذي كان لقب جدهم.
يرجع نسب آل الوردي إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي استشهد في الكوفة في آواخر خلافة هشام بن عبد الملك الأموي. وقد برز في هذه العائلة الكثير من الفنانين وأصحاب الحرف الدقيقة كالصياغة فكان منهم من صاغ تاج الملك فيصل رحمه الله، ومنهم خليل الوردي الرسام والنحات الشهير، وكنت أزوره في بيته الذي كان بمثابة متحف للتحف النادرة، وفد أبدع في النحت على الخشب. ومنهم الأستاذ علي الوردي عالم الاجتماع الشهير الذي أغنى مكتبتنا العربية بكتبه القيمة حول المجتمع العراقي وسلسلة لمحات من تاريخ العراق الحديث وأسطورة الأدب الرفيع، ومنهم الخطيب البارع السيد لطيف الوردي رحمه الله الذي اغتالته أيد أثيمة في أوائل الستينات من القرن الماضي؛ فلم تراعي فيه ضعف بدنه وتقدم سنه. ومنهم أيضا الأديب الفنان عبد الأمير الوردي الذي اشتهر بعلمه الواسع باللغة العربية وعزوفه عن اللهجة العامية فكان لا يتخاطب إلا بالفصحي وكتب عددا من المسرحيات، وبرع أيضا في التمثيل المسرحي. وأخيرا وليس آخرا لا بد لي من ذكر المرحوم الدكتور بهاء الدين الوردي الذي كان طبييا وفي الوقت نفسه رساما وفنانا وأقام عدة معارض في المغرب وباريس. كانت إقامته في المغرب وتوفي فيها فكان المغرب وطنه الثاني.
ولولا خشية الإطالة لاسترسلت في الحديث، فقد أنجبت هذه الأسرة العلوية الكثير من النوابغ ولا شك أن في جنباتها الكثير الذين سوف يجود بهم الزمان.. وإذا أردت أن ألخص صفات هذه الأسرة فإن أبناءها تميزوا بالفكر والفن والأدب وقد جمعوا إلى كل ذلك اللطف وخفة الدم وروح الفكاهة.
أما القصة أعلاه فقد روتها لي في زيارتي الأخيرة للعراق ابنة الفنان والنحات الراحل خليل الوردي الذي كان أحد أساتذتي قبل دخولي الجامعة، وقد أرسلت السيدة المذكورة فيديو للمرحوم الدكتور علي الوردي ذاكرا تلك الحادثة الطريفة والتي كان بطلها رقم 13.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

809 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع