المكتبات ونشؤها، دور الوراقين في اغناء المكتبات في العصر العباسي، المكتبات وشارع المتنبي" - الجزء الثاني

سرور ميرزا

المكتبات ونشؤها، دور الوراقين في اغناء المكتبات في العصر العباسي، المكتبات وشارع المتنبي"الجزء الثاني

لقد بينا في الجزء الأول بأن بغداد منذ فجر تاريخها في العهد العباسي كانت تعنى بتأسيس المكتبات، التي كانت مركزا شعاع فكري وثقافي يعكس تاريخ الشعوب وأنماط حضارتها وموروثها الثقافي وانجازاتها على مر العصور في مختلف مجالات المعرفة، وكانت تؤدي دورا حيويا في تطوير قدرات المجتمع، ونشر القيم والوعي الثقافي، وتقدم خدماتها الى جميع شرائح المجتمع، في قلب بغداد القديمة ووسطها، بالمنطقة التي تضم باب المعظم وسوق السراي وريث (سوق الوراقين في العصر العباسي) وشارع المتنبي وانحائها من بناية القشلة وبناية المحاكم المدينة، وبجوار العديد من الازقة والمباني القديمة التي لطالما أعطت في التاريخ هويتها، وفي شارع صار الآن من أشهر أماكن بيع الكتب في العاصمة لطالما مشت عليه العربات والمشاة، التي ظلت على مر العقود تكتظ بأعرق المكتبات التي تعود نشأتها لبدايات القرن العشرين، ثم امتدت الى مناطق اخرى، في عام 1890 قام عبد الرحمن افندي ببيع الكتب في المزاد .. واستقيت هذا الخبر من جريدة الزوراء وهذا يعني ان المزاد في المتنبي له تاريخ طويل في العام 1900 كان الملا خضير يبيع الكتب والمجلات في هذا الشارع بعد وفاته جاء ابيه عبد الكريم خضير واسس مكتبة الشرق، ومع تكوين الدولة العراقية الحديثة زادت الحاجة إلى المكتبات؛ فبدأت دكاكين السوق تتحول إلى مكتبات على التوالي حتى صار سوق السراي مركزاً لبيع الكتب استعادت الروح المكتبية لدى وراقين وكتبين وهم رواد النهضة فلا بد وان نشيد بهم وهم الذين ساهموا وعملوا متفانين في نهضة الثقافة العراقية المكتبية وإظهار الدارسين والأدباء العراقيين برغم قلة الطباعة بالعراق، وإعادة الحياة لمكتبات العراق التي شكلت عبر التاريخ العراقي إحدى منارات البحث العلمي وملجأ معرفيا هاما لمحبي العلم بكل نشاطاته وافقه منهم عبد اللطيف ثنيان، ومحمد رشيد السعيدى، وداود صليوا ، ونعمان الاعظمي، وعبد الأمير الحيدري، وحسين الفلفلي وقاسم الرجب ومحمود حلمي ولا ننسى احمد كاظمية دلال الكتب والمنادي عليها في المزادات، وباقر الصراف ومجمود قالجي وإبراهيم السديري وآخرين.. ، ولكي نستكمل عنوان مقالتنا فلا بد وان نعطي الصورة الكاملة غير النمطية لاهم واقدم وأعرق وأشهر وأحدث مكتبات بغداد الخاصة والعامة التي تعد ملتقى الكتاب والأدباء والفنانين من مختلف أنحاء العراق منذ بداية القرن العشرين، وشارع المتنبي والى يومنا هذا.

المكتبة العربية:هي تعد من اقدم المكتبات في بغداد، ويعود الفضل بأنشائها الى نعمان الاعظمي وهو من أقدم الكُتُبيين بسوق السراي، وشيخ الكتبيين والمجلدين وأشهرهم، ولد في محلّة الشيوخ في الأعظمية (1888م) ودرس في كتاتيبها ومدارسها الابتدائية وكان من المتفوقين، وبعد وفاة والده فتح بسوق السراي في بغداد عام (1905م) محلًا للتجليد وهو في الوقت نفسه مكتبة لبيع الكتب، سماها بعد الاحتلال البريطاني: المكتبة العربية، حيث أصبحت أشهر مكتبة في العراق في حينها، وكانت أكبر مكتبة في سوق السراي والعراق، وكان يطبع الكتب على نفقته الخاصة بالمطبعة السلفية بمصر حيث كانت له حصة فيها أما في العراق فكان يطبع لدىٰ مطبعة الفرات قبل أن يؤسس المطبعة العربية عام 1948م.
كان يصب اهتمامه على إحياء ما يتعلق بتاريخ العراق لا سيما بغداد ولهذا يعد نعمان الأعظمي من أوائل الناشرين العراقيين ومن اشهر مطبوعاته، (تاريخ بغداد)، للخطيب البغدادي و (الحوادث الجامعة)، الذى نسبه محققه مصطفى جواد الى إبن الفوطى، ونشر أيضاً كتاب النور السافر في أعيان القرن العاشر للعيدروسي، والمفكرة العربية وهي من أشهر المفكرات وأوسعها انتشارًا، وكان ينظّمها أحد خطباء المساجد عبد الحميد الزيدي في مدينة بعقوبة، ومن مطبوعات المكتبة العربية أيضا كتاب "الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناشر" للعلامة المصلح السيد محمد شكري الالوسي وقد شرحه المرحوم محمد بهجت الاثري. كما طبع الاعظمي ايضا كتاب "أدب الكتاب" لابي بكر محمد بن يحيى الصولي، و"نزهة الانام في محاسن الشام" لابي البقاء عبد الله بن محمد البدري المصري الدمشقي، وكتاب " الأدب العصري في العراق العربي" لرفائيل بطي، كما انه نشر كثيراً من القصص المنتزعة من ألف ليلة وليلة أو من كتب أخرى، مثل قصة المياسة والمقداد وقصة مناجاة موسى وكان ينشر أدعية كثيرة مختلفة.
كان الوحيد الذي يستورد الكتب، وكانت له علاقات واسعة في تلك الفترة مع مكتبات خارج العراق في مصر، وتونس، والهند، وبرلين، ولندن، وباريس، وغيرها، ويتبين ذلك من خلال الرسائل والوثائق المتعلقة بالمكتبة.
كان الأعظمي في سفرته السنوية إلىٰ مصر يشحن معه ما جمعه من المطبوعات الحجرية، ومطبوعات بغداد، والنجف والمخطوطات الخطية ليعرضها بمصر والشام، أو يبدلها بمطبوعات، فقد كانت الكتب الخطية لا سوق لها في العراق، وكان الهاوي الوحيد لشراء المخطوطات في العراق آنذاك المحامي عباس العزاوي.

عمل عنده قاسم محمد الرجب عندما كان صبياً وهو من اقربائه، وتعلم منه ومن الشخصيات التي كانت تزور المكتبة افق واهمية الكتب وطريقة تداولها، ولهذا استقل بمكتبة أسسها في منصف الثلاثينيات، وسماها مكتبة المثنى، والتي أصبحت اشهر مكتبات العراق والمنطقة.

وكان اذا باع كتابا يتغزل به، ويطرق مجلدا بمجلد ليظهر له صوتا كما يفعل باعة الأحذية"، ويصيح: "كل الصيد في جوف الفرا"."
توفي نعمان الأعظمي بتاريخ 1/ 3/ 1950م، وتولىٰ إدارة المكتبة مِن بعده ابناه: سلمان ومنذر، وذلك إلىٰ بداية السبعينات، وبعد ذلك استمر ابنه سلمان في إدارة المطبعة، وتغير اسمها إلىٰ مطبعة سلمان الأعظمي، أما شقيقه منذر فاشترىٰ مطبعة الزوراء وتفرغ لها ونقل المكتبة من مكانها في رأس سوق السراي إلىٰ وسط سوق السراي.
المكتبة العصرية: أسسها الكتبي محمود حلمي سنة 1914، وكانت بمثابة امتداد لمكتبة والده التي كانت تسمى بالمكتبة الحسينية في محافظة كربلاء، انتقلت المكتبة الى شارع المتنبي عام 1948، تخصصت بالكتب القديمة والمستعملة التي يعود طباعة بعضها لعام 1898، وتميزت بوجود وكالة لها من أغلب دور النشر المصرية لاستيراد الكتب والمجلات، ثم انتقلت ملكية المكتبة سنة 1964 الى السيد محمد صادق القاموسي بعد وفاة حلمي، في الانفجار الذي حصل عام 2007 بشارع المتنبي أوقع ضررا كبيرا جدا بالمكتبة حيث دمرت فيه نوادر الكتب كلها انتهت، من بينها أهم نوادر الكتب الكردية.


دار الكتب والوثائق:
يعود الفضل بتأسيس الدار يعود للسيدة "جير ترود بيل" السكرتيرة الشرقية للمفوض السامي البريطاني في العراق التي لعبت الدور الواضح والاثر الكبير في تأسيسها، وبمبادرة من بعض الوجهاء والادباء والعلماء العراقيين في نهاية عام (1919)، أمثال يوسف غنيمة وعارف السويدي وكاظم الدجيلي، الى تكوين لجنة خاصة لجمع التبرعات من المال والكتب لتأسيس مكتبة عامة في بغداد، وفعلا تألفت تلك اللجنة من كبار العلماء والادباء العراقيين واخذت على عاتقها جمع التبرعات من المال والكتب للمكتبة والتي جرى افتتاحها في(16 نيسان1920) تحت اسم دار السلام تيمنا ببغداد مدينة السلام، في البداية كانت مكتبة اشتراك مدعومة فقط من خلال التبرعات المالية والكتب، وكان موقعها في ركن جانبي صغير في بناية كنيسة اللاتين في رأس القرية (في الشورجة)،

وأشرف على إدارتها الأب انستاس ماري الكرملي تحت اسم المكتبة الوطنية، بعد ان انفرط عقد اللجنة، وقلَّ حماسها، وعجز القائمون على ادارة مكتبة السلام في الاستمرار بتقديم الخدمات للقراء، اقترحت اللجنة تقديمها الى وزارة المعارف بعد مفاوضتها على ذلك وسلمت محتوياتها البالغة (4283) كتابا الى الوزارة المذكورة بتاريخ(22تموز1924) وسميت بالمكتبة العامة، ونقلت بعد ذلك الى جناح في المدرسة المأمونية بباب المعظم، وفي سنة (1929) وبأمر من الملك (فيصل الأول) أصبحت المكتبة الرسمية للبلاد بعد إن خصص لها بناية منفصلة في شارع قرب باب الأغا وقد أزيلت بناية المكتبة العامة في عام 1957 نتيجة افتتاح شارع الجمهورية فانتقلت المكتبة إلى دار في شارع الزهاوي، انتقلت ستة1977 الى البناية الواقعة في باب المعظم وسط بغداد، وفي عام 1987 صدر قرار جمهوري بدمج المكتبة الوطنية والمركز الوطني للوثائق تحت اسم دار الكتب والوثائق، تضم قاعتين: واحدة للمطالعة والثانية للكتب، ويقع خلف جدرانهما مخزن كبير مكون من خمسة طوابق يحوي مئات الشواخص الحديدية وزعت عليها الكتب حسب أرقام وفهارس معينة، وشهد ت هذه الدار نقلة نوعية ، حين صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بأن (تقوم سائر المؤسسات الرسمية في العراق بتزويد دار الكتب والوثائق بنسخ من وثائقها، لتقوم الدار بفهرستها وحفظها علي نحو يلبي حاجات الباحثين وطلاب الدراسات العليا والمستفيدين.
الدار التي تضمُ أمهات الكتب والمصادر المعرفية، إضافة الى المركز الوطني الذي يضم وثائق الدولة العراقية منذ العهد العثماني، فهي تقوم بمهمة ثقافية مزدوجة، فهي من جانب تمثل اكبر واهم مكتبة في العراق، حيث المكتبة الوطنية التي تضم في رفوفها اكثر من مليون كتاب من اللغات المختلفة التي تغطي في مجملها نفحات المعرفة الإنسانية، وهي من جانب آخر مركز للوثائق الحكومية تضم كنوزا مهمة من الوثائق العراقية في كل العهود السياسية التي تعاقبت علي حكم العراق، وبعض من الباحثين يعتبرها متحفاً عن تاريخ الثقافة العربية وأرشيفا كاملا عن الأحداث والتراثِ العراقي كي تستطيع الأجيال القادمة التعرف عليه في كل زمان.، كما ان الدار كانت توفر للباحثين وطلاب الدراسات العليا خدمة اضافية من خلال انشاء مجلس علمي يعقد جلساته اسبوعياً ويستضيف عدداً من الاساتذة والباحثين العلميين المتخصصين المعروفين في الجامعات ومراكز البحوث العراقية لتقديم المشورة والخبرة للمستفيدين الذين كانت اعدادهم تتزايد باستمرار.

تعرضت موجودات دار الكتب والوثائق خلال عمليات الغزو الأميركي للعراق عام 2003 ، وبدأ الحرق والسلب والنهب في 11/4 ، واسـتمرت الحرائـق تنـدلع بـين يـوم وآخـر ولفتـرة طويلـة، و مـا تـم إنقـاذه لا يزيـد عن 5% فقـط مـن الوثـائق و %25 مـن كتـب المكتبة التي تمت حمايتها بإغلاق الأبواب الحديدية، فقدت المكتبة %60 من الوثائق العثمانية والهاشمية (الملكية)، كما فقدت الكثير من وثائق حزب البعث، وان كثيرا من الكتب القديمة والوثائق والمخطوطات تـي نقلـت إلـى سرداب الطابق السفلي للهيئة العامة للسياحة ضاعت بسبب الإغراق المتعمد للطابق بالمياه، ومر المركز بحالة من التسيّب وتجاهل المؤسسات الرسمية، ما أدى إلى تعرّض العديد من المخطوطات إلى سوء التخزين نتيحة عدم توفر المعايير المناسبة لدرجة الحرارة والرطوبة والضوء، قبل أن يعاد النظر في هيكلة الدار وعمليات الترميم وآليات الاقتناء وغيره، انها خسارة كبيرة لا تعوض لإنها تمثل الذاكرة الوطنية العراقية والأرشيف الخاص بتاريخ العراق، ، وهي ثروة وطنية كبيرة، ان هذه المخطوطات والوثائق هي تراث إنساني أينما وجدت، إلا أن الحقيقة أنها تراث وتاريخ يخص العراق، انها محاولة لقتل العقل العراقي وطمس لتأريخه كليا والى الابد.

مكتبة مكنزي: تعتبر مكتبة “مكنزي” في بغداد، التي أسسها الأسكتلندي كينيث مكنزي عام 1920، أقدم مكتبة في العالم العربي، تليها مكتبة “لينرت ولاندروك” في القاهرة، اقترنت باسم مؤسسها "كينيث مكنزي” المهتم بتأريخ العراق،عندما ارادت الحكومة العراقية إبان الاحتلال البريطاني، آنذاك، توفير مكتبة تُقدّم إصدارات أجنبية تتنوّع بين الكتب المدرسية والعلمية، إضافة إلى الكتب المختصّة بالرحلات والتراث العربي وغيرها، تكفل بذلك المستشار الانكليزي لشؤون الثقافة والعدل همفري بومان الى لندن من بغداد لمراجعة الشؤون المتعلقة بالمكتبات والكتب ومحاولة فتح مكتبات في بغداد تماثل المكتبات الإنكليزية، وتعرف هناك على مكنزي واصطحبه الى بغداد للاطلاع ميدانيا على حاجة المدارس والمؤسسات التعليمية واصحاب الثقافة للكتب والمصادر واقترح مكنزي على المسؤول الانكليزي بعد مشاهدته الواقع الثقافي والتعليمي والعلمي والادبي في بغداد انشاء مكتبة حكومية واشترط مكنزي على ان تكون له الحرية المطلقة في ادارة المكتبة ووافقت الحكومة على تخصيص احدى غرف السراي في قشلة المتنبي وسميت بمكتبة الحكومة، وعاد مكنزي الى لندن لشراء الكتب وفعلا تولى جلب كثير من الكتب الى مكتبته في بغداد وكانت هذه المكتبة المركز الثقافي الوحيد في العراق وكانت على دوامين دوام صباحي ودوام مسائي وفي سنة 1925 تولت الحكومة العراقية بيع المكتبة بمزاد علني فاشتراها مكنزي ونقل محتوياتها من سراي الحكومة الى خارج السراي في شارع الرشيد ووضع على بابها لافتة (المكتبة لاصحابها مكنزي الى بناية النادي البريطاني الذي كان موقعه في قلب شارع الرشيد بجوار جامع السيّد سلطان علي، وبعد عدة سنوات انتقلت مرة اخرى بكامل محتوياتها الى بناية جديدة اخرى في احد محلات بناية (لينج) التابعة للبريطانيين وكان موقعها في شارع الرشيد ، واشتغل الرجل على هذا الاساس ليسدي للعراقيين خدماته الطيبة، وغدت منارة للعلم والثقافة والادب، فاعجب العراقيين بهذه المكتبة التي قدمت لهم الكتب الاجنبية اذ لا يمكن لطالب علم او محب للقراءة الا وان يجعلها مصدراُ للقراءة، وبهذا أصبحت مكتبة مكنزي المصدر الوحيد في العراق لتجهيز جميع الجامعات العراقية والمؤسسات التعليمية والمدارس بالكتب العلمية والأكاديمية من دور النشر العربية والعالمية وكان لها دورا بارزا في التحصيل العلمي لجميع شرائح المجتمع من اطباء ومهندسين وحقوقيين وصيادلة ومؤرخين وصحفيين وادباء وفنانين واكاديمي، وقد كانت المكتبة، الى جانب اخر ما تطرحه مؤسسات النشر الانكليزية من كتب الادب العالمي والروايات كما تقوم بخدمات الاشتراك في الجرائد والمجلات الغربية ليتم ايصالها في مواعيدها الى دور المشتركين في بغداد وخارجها.
توفي كينيث مكنزي في مساء يوم السبت 21 من شهر كانون الثاني سنة 1928، بعدما أصيب بالجلطة وهو يعمل في المكتبة، تم نقله الى المستشفى لكنه فارق الحياة ودفن في بغداد، استلم مهمة ادارتها دونالد مكنزي، شقيق زوجته، فاستمرت في رسم خطوط نجاحها البيانية المتصاعدة، حتى وفاته سنة 1946، حيث أدارها بعد ذلك أحد العراقيين الذين كانوا يشتغلون في المكتبة واسمه كريم، غير أنه اشتهر باسم “كريم مكنزي” وكان الأكثر نشاطاً والأوسع علاقات مع الكتاب والباحثين والأكاديميين والطلبة الجامعيين، وادارها بشكل جيد حتى وفاته في سبعينيات القرن العشرين، ليتسلمها منه مساعده اسكندر الذي أورثها لابنتيه.
اكتسبت المكتبة شهرة مرموقة عكست الجانب الثقافي والعلمي والحضاري على الصعيدين المحلي والعالمي في التعامل مع الكتب ذات المواضيع المتنوعة وفي المجالات العلمية والتعليمية والثقافية وبالعديد من اللغات وكانت مكتبة مكنزي المصدر الوحيد في العراق لتجهيز جميع الجامعات العراقية والمؤسسات التعليمية والمدارس بالكتب العلمية والأكاديمية من دور النشر العربية والعالمية وكان لها دورا بارزا في التحصيل العلمي لجميع شرائح المجتمع من اطباء ومهندسين وحقوقيين وصيادلة ومؤرخين وصحفيين وادباء وفنانين واكاديميين،
كانت ملتقى للكثير من مثقفي بغداد وسياسييها ومنهم:

نوري السعيد وجعفر العسكري أرشد العمري ونصرت الفارسي وحسين جميل وجبرا إبراهيم جبرا وإبراهيم كبة وطلعت الشيباني ورفعت الجادرجي ونهاد التكرلي وعبد المجيد الونداوي وعبد الملك نوري وعدد كبير من رجال الثقافة والسياسة وأساتذة اللغات الأجنبية في كليات بغداد قبيل تأسيس الجامعة مثل المستر بومان من كلية دار المعلمين العالية و المستر غوث من كلية الآداب ودزموند ستيوارت الذي درس في الكليتين، وكان صديقا حميما لجبرا وإبراهيم اليتيم وجميل حمودي وفاضل الجمالي ومحمد حديد وسعدون حمادي وطارق عزيز وشفيق الكمالي وحميد سعيد وسامي مهدي وعلي الحلي وتايه عبد الكريم وسعد قاسم حمودي ومحمد سعيد الصحاف وناجي صبري الحديثي وسواهم
تولت طبع كتب عديدة منها كتاب (المس بيل) عن العراق المطبوع سنة 1911 وفيه وصف لبغداد عند زيارتها سنة 1909 حيث تولت المكتبة اعادة طبع هذا الكتاب وحصلت المكتبة على كتب قيمة كــكتاب (دورثي مكاي) مدن العراق القديمة المطبوع سنة 1926 وكتاب (تشارلز هوبر) عن الدستور العراقي الملكي وطبعت في هذه المكتبة كتب الرحلات النادرة التي حصلت في القرن التاسع عشر منها رحلة (بورتر 1882)ورحلة (بيكنغ هام 1827) ولم تستطع اية مكتبة منافستها كما فعلت مكتبة (كورونيت) التي كانت تاخذ من عمارة مرجان في الباب الشرقي مكانا لها.
تراجعت مكانتها مع منتصف ثمانينات القرن الماضي تزامنا مع التقيد في مسألة الاستيراد ورقابة المطبوعات، وفي أواسط تسعينات القرن المذكور، كاد نشاطها يتوقف بفعل ظروف الحصار المفروض على العراق وتراجع الوضع الاقتصادي وضعف إدارتها، غير أنها لم تغلق أبوابها نهائيًّا، على أمل أن تتحسن الظروف لتعود إلى نشاطها، لكن الاحتلال الأميركي – الإيراني، وما نتج عنه من دمار وما عرفت فيه بغداد من تخريب، أنهى كل أمل بعودتها، واصبحت محلا لبيع الاحذية النسائية لتنتهي الى الابد اسطورة مكتبة ماكينزي التي صنفت عام 2000 تحت لائحة التراث العالمي، اندثرت وغابت اناقتها واغرائها المتسوقين وغابت عن المشهد الثقافي والاجتماعي والعلمي في العراق وانهار تاريخها الذي يمتد الى نحو 100، كما انتهت قبلها المقهى البرازيلية ومقهى البرلمان وسينما روكسي والمسارح التي غنت بها ام كلثوم وغيرها من رموز شارع الرشيد والذي يلخص تاريخ بلد وأزمة وطن لكثرة ما يروي عن نفسه من إرث وأناس مروا عليه.
ظهرت كتابات كثيرة، تذكِّر بها وبتاريخها ودورها الثقافي، دزموند ستيوارت الذي كتب رواية (الأنكليزي غير المرغوب فيه) التي ترجمت في الخمسينيات الى العربية قد كتب عن الانتلجنسيا العراقية وشارع الرشيد ايام الخمسينات ومكتبة مكنزي، كتب جبرا ابراهيم جبرا في كتاب سيرته الذاتية (شارع الاميرات):"في يوم من تلك الأيام الأولى من استقراري في الكلية، كنت في مكتبة مكنزي أستطلع آخر ما وصل إلى بغداد من كتب إنكليزية وأتحدث إلى صاحبها كريم وهو عراقي شديد اللطف ورث تلك المكتبة عن أصحابها الإنكليز لأنه كان يعمل معهم في إدارتها منذ أيام تأسيسها قبل الحرب العالمية الثانية وغدت له خبرة بما يستجد في عالم الكتب الأجنبية مضيفاً إلى ذلك تعامله مع بعض الكتب العربية التراثية منها والعراقية الحديثة. وقد أضحت مكتبته هذه ،في شارع الرشيد الشارع الأهم في بغداد يومئذ، ملتقى للمثقفين من عراقيين وأجانب، كلهم على صلة شخصية بصاحبها الذي يتابع اهتماماتهم الفكرية، ويحاول بعناية تلبية ما يطلبون من كتب... وبقيت المكتبة معلماً من معالم المدينة"، كتب الاديب والشاعر المبدع حميد سعيد: ستبقى هذه المكتبة حاضرة في تاريخ بغداد الثقافي والاجتماعي، كما سيبقى غيابها يمثل حالة وجع تضاف إلى أوجاع المثقفين العراقيين.
وفي العام 1920 اسس شمس الدين الحيدري المكتبة الاهلية واخذ ينشر كتب مؤسسة فرانكلين، ومكتبة عبد الحميد زاهد التي تأسست في الثلاثينات.
توالى عدد اخر من الناشرين اسهموا في نشر الثقافة في بلد وهم محمد جواد حيدر صاحب مكتبة المعار ف وعلي الخاقاني صاحب مكتبة البيان وابو نجاح عبد الرحمن حسن حياوي صاحب مكتبة النهضة.

مكتبة المثنى: قاسم محمد الرجب (1917-1974) ولد ونشاْ في الاعظمية، من ابرز المكتبين الرواد ألأديب والكاتب والمؤلف عراقي، شقيق الحاج هاشم الرجب خبير المقام العراقي، لم تتيسر له فرصة إكمال دراسته، فتوقف عن الدراسة بعد الصف السادس الابتدائي، في عام (1930م) عمل قاسم الرجب وهو في سن الثانية عشر بائعاً في المكتبة العربية التي يمتلكها قريبه الكتبي نعمان الأعظمي، لكنه كان نابهاً وذكيا ومحباً لمطالعة الكتب، ومستمعا الى زوار المكتبة ، تجاوز مرحلة البيع إلى بناء علاقة وثيقة مع الكتِاب والمثقفين واختلاطه اليومي بمرتادي السوق من العلماء والادباء امثال: طه الراوي الذي يعده اكبر مشجع ومرغب للكتاب في جميع مجالسه الرسمية والبيتية، وعباس العزاوي المحامي الذي كان اكبر زبون للسوق وللكتاب، وكان لكتاب الأغاني فضل في تحبيب القراءة إليه، وأكسبته التجربة خبرة في هذه التجارة الماتعة حتى أقدم وبمشاركة خاله فاكترى دكاناً وسط السراي لا تزيد مساحته عن مترين، واتخذ من أخشاب الصناديق رفوفاً غير جذابة وافتتح مكتبته في 05-07-1936م، وأسمى متجره مكتبة المعري، اذ كان يحب أبا العلاء المعري؛ لكن صديقه الأستاذ عبد الستار القره غولي أشار عليه بأن يغير الاسم إلى المثنى نسبة إلى المثنى بن حارثة الشيباني أحد المشاركين في فتح العراق، وكانت الروح الوطنية حينذاك في أوجها فامتثل الى إشارته وغير الاسم، وظل يتنقل بها من دكان إلى آخر حتى «اشترى بيت الدكتور صائب شوكت فحوّله إلى مكتبة في شارع المتنبي، توسعت المثنى شيئاً فشيئاً بمرور الوقت، وزاد عدد موظفي المكتبة من ثلاثة موظفين إلى خمسة وثلاثين، واتسعت المكتبة وانتقلت إلى بناية كبيرة، وبهذا أصبحت ذات كيان، وصارت الصحف والمجلات تعرض عليه التوكيلات، كما ابتدأ استيراد المجلات من مصر، وكانت ترسل إلى بغداد بالطائرة، حتى أصبحت المجلة التي تصدر في القاهرة يطلع عليها القارئ العراقي في بغداد يوم صدورها، ألف الأستاذ القره غولي كتاباً عن المثنى بن حارثة وأشار فيه لافتتاح المكتبة؛ ووضع على غلاف الكتاب: يطلب من مكتبة المثنى، وكان هذا أول كتاب يذكر عليه اسم قاسم الرجب..
استورد مجموعة من الكتب والموسوعات من المانيا وهولندا واستطاع بيعها بصورة غير نمطية، كما استطاع إدخال كتب غير موجودة في باقي الدول العربية، وتوجه صوب لبنان واتفق مع دور النشر هناك.
غدت “المثنى” في خمسينيات القرن المنصرم المكتبة الأولى في العراق، هي أيضا دار نشر ومطبعة واداة لتسهيل وصول الكتب الى ايدي محبيه، واعتبر كأحد اهم التجار وصناع الكتب في بغداد، وامتدت صلات مالكها بكبار الناشرين وخبراء المخطوطات في العالم العربي؛ حتى عده الدكتور محمود الطناحي من خبراء المخطوطات والتراث، وغدت المكتبة ندوة ثقافية مفتوحة، وكانت له مجلس ادبي أسبوعي شهير يقام في باحتها يحضره أدباء ومؤلفون وقادة فكر وسياسة، منهم: المحامي حسين جميل، والمحامي الأديب أحمد حامد الصراف، وجمال الدين الآلوسي، وفؤاد عباس، والعميد عبدالرحمن التكريتي مؤلف (جمهرة الأمثال البغدادية)، وعبدالقادر البراك صاحب جريدتي: (الأيام) و (البلد)، وكوركيس عواد مدير مكتبة المتحف العراقي، وغيرهم من الوزراء والمسؤولين، ومعلماً يقصده زوار بغداد من العلماء والأدباء، كما غدت مكتبة معتمدة لدى كبريات المكتبات التجارية والحكومية في العالم؛ لإنها مكتبة رصينة لا تهمل طلباً، ولا تتأخر في الرد على أي رسالة تصلها من أي مكان، ومن أعجب ما مر عليه رسائل من جامعات يابانية تطلب كتباً دينية وتاريخية ولغوية. وكانت المكتبة تضم أحدث الإصدارات وأنفسها مع صغر حجمها مما أحدث دوياً في الاوساط الثقافية، وأصبح قاسم أنشط كتبي يوزع الكتاب الممنوع.
في السبعينات أعاد قاسم الرجب طباعة النفائس النادرة، وتجليدها وفق أصولها دون إغفال بيانات الطبع؛ واسم الناشر الأول ومحققيها، وقد بلغ مجموع ماطبعه (250) كتاباً بعضها يقع في بضعة مجلدات، وأصدر مجلة "المكتبة"، التي تعنى بالكتاب علما وفنا وتجارة واصداراً، وهي مجلة مختصة بمهنة النشر والوراقة والكتبيين، وقد عبر صفوة المفكرين وعلماء المشرقيات عن فرحتهم بصدور المجلة وابدوا إعجابهم بها وأثنوا على خططها الثقافية، كما حظيت بتقدير أعلام الباحثين والمثقفين فى البلاد العربية، وأسهم فى تحريرها الدكتور صالح احمد العلى والدكتور يوسف عزالدين وعبد الرزاق الهلالى والدكتور مصطفى جواد وكوركيس عواد وفوْاد جميل والدكتور عماد عبد السلام روْوف وجليل العطية وعلاء الدين خروفه والدكتور على جواد الطاهر وغيرهم كثيرون، وكان يصدر قائمة بالكتب المتوفرة بشكل مطبوع ويوزعها على القراء والأساتذة والجامعات.
يعد الرجب من المؤسسين لجمعية منتدى الإمام أبي حنيفة، وأهدى إلى مكتبة الجمعية كثيرا من الكتب والمصادر التي تولى طبعها ونشرها.
كتب مقالات فيها ذكرياته ونشرها في صحف بغدادية وفي مجلة المكتبة، لكن د. عماد عبد السلام ظفر بدفتر يحتوي على مذكراته كاملة، وتشتمل على المقالات السالفة وغيرها؛ فاعتمد نشرها وتحت عنوان "مذكرات قاسم محمد الرجب صاحب مكتبة المثنى" لما في ذلك من فوائد موضوعية وزمانية، وقد أحسن غاية الإحسان، وحفظ لنا تاريخاً جميلاً، وسيرة عذبة من سير النضال الثقافي، وفيها يتكلم بأسلوب سهل وممتع عن كل ما يتعلق بالكتب وتجارتها ومؤلفيها والحياة الادبية في العراق ورموزها منذ مطلع القرن العشرين، وفيها يتكلم عن نعمان الأعظمي صاحب المكتبة العربية الرائدة في طباعة الكتب التاريخية.
في 1 نيسان 1974 توفي الكتبي قاسم الرجب في بيروت إثر نوبة قلبية مفاجئة بعد مسيرة طويلة من العطاء والبذل ونقل جثمانه لبغداد ودفن في مقبرة الإمام الأعظم، بجوار صديقه الخطاط المشهور هاشم محمد البغدادي قرب مرقد الشيخ أبي بكر الشبلي، وترك المكتبة لأولاده ومنهم الصديق أنس، الذي اضطلع بمهمة إدارة المكتبة الرئيسية وكان قبلها يدير فرع المكتبة في الباب الشرقي، إذ واصلوا مسيرة والدهم في نشر ثقافة العلم والمعرفة والكتاب.
في العشرين من آب/ 1999 نشب حريق هائل في مبنى المكتبة، محولاً آلاف الكتب والمطبوعات التي كانت تغص بها قاعات المكتبة الثلاث عشرة إلى عدم. يؤكد ابراهيم، الذي كان شاهداً على الحريق موثقاً إياه بالعديد من الصور، أن المبنى المؤلف من طابقين تضرر كثيراً بعد انتشار النيران واتساعها، وأنهم لم يتمكنوا من إنقاذ الكثير من الكتب، جراء النيران وإتلاف المياه لها، ومثّل الحدث فاجعة كبرى في عالم الثقافة والأدب والفن لما لمكتبة المثنى من أهمية باعتبارها إرثاً وطنياً وقومياً مهماً، وكتب الأستاذ كوركيس عواد في مقالته أن مكتبة قاسم الرجب تحوي كتباً نفيسة وطريفة، وهو من أعرف العارفين بالكتب العربية، وله ذاكرة عجيبة، ولم تكن مكتبته حين اتسعت متجراً فقط؛ بل ملتقى لمثقفي البلد، ولا غرو لديه بأن الرجب خدم الثقافة وسوق الكتاب في العراق، وفي المذكرات ثناء عاطر من صاحبها على مؤازرة كوركيس له ونهمه في اقتناء النفائس.

مكتبة الفلفلي "الزوراء": أسسها حسين الفلفلي "1914-1977" المولود في بغداد، لم يدخل المدارس الاعتيادية الا انه امتلك ثقافة طيبة من خلال مطالعة الكتب والمطبوعات، الكتبي من الرواد، من الظرفاء وصاحب نكتة اللاذع اللسان والطيب القلب متوقد الذكاء ، عمل في صغره بائعا جوالاً للصحف والمجلات، جاهد بفكرته، لينشئ إحدى أهم المكتبات في سوق السراي سنة 1930 وهي مكتبة صغيرة، فيها من الكتب والمطبوعات مكدسة وغير منظمة، يعتمد على ذاكرته المتألقة في معرفة موقع الكتاب المطلوب، تعتبر اول مكتبة تعمل على جمع المناهج المدرسية من الطلبة وبيعها بمبالغ زهيدة، كما تعد المكتبة الأولى كذلك في العراق باستيراد المناهج المدرسية الخاصة بالابتدائية من مصر إذ كان أول الكتب هو قواعد اللغة العربية الذي تقرر إدخاله الى المدارس العراقية سنة 1958، جرب الكتبي طباعة مؤلفات بعض الكتّاب العرب والعراقيين مثل سعد أطلس، وعبد الحميد الرشودي، وجواد علي، وغيرهم لكنه هجر ذلك، بعد ان خسر مبالغ كثيرة وفشل في مزاحمة دور النشر الاخرى التي كانت تبدي التسهيلات والمرونة في التعامل مع المؤلفين وفي توزيع الكتب ومن هذه الدور: مكتبة المثنى، اعتمد الكتبي على طباعة واستيراد الكتب العربية وحتى الأجنبية، في مطابع لبنان ومصر وحتى فلسطين، فيها نفائس الكتب التأريخية والتراثية والأدبية.
سنة 1949 طلب الفلفلي من الباشا نوري السعيد المساعدة في نصب هاتف للمكتبة، فاستجاب لطلبه وبذلك تحقق للفلفلي اجراء الاتصالات لتوفير أمهات الكتب والمطبوعات المصادر مقصد الطلاب والباحثين عن المعلومات أو الصور عن تاريخ العراق ، كما قام الفلفلي بطباعة مؤلفات بعض الكتّاب العرب والعراقيين مثل سعد أطلس، وعبد الحميد الرشودي، وجواد علي، وغيرهم،
كان للفلفلي علاقات طيبة مع المع الشخصيات العراقية من رجال الادب والفكر والقانون والفن وهو يحتفظ بذكريات وانطباعات عن الكثيرين، كان من رواد مكتبته معروف الرصافي ومصطفى جواد وجواد علي وامجد الزهاوي ونوري جعفر ومحمد رضا الشبيبي وتوفيق وهبي وعباس العزاوي وناحي محبوبة ويوسف عز الدين ومهدي مقلد واحمد حامد الصراف ومحمد القبانجي وعفيفة إسكندر وصادق الملائكة وابنته نازك الملائكة.
خلال فترة دراستي في الإعدادية المركزية كنت ازور مكتبة الفلفلي مع أصدقاء لي لشراء ملازم الرياضيات والفيزياء التي تحوي على الشروحات والكم الهائل من التمارين الخارجية وباسعار جيدة وكان يقول هذه الملازم هي مفتاح النجاح ، فعلا كانت تحوي على رصيد إضافي من العلم اضافة لما كنا نكتسبه من اساتذتنا الأكفاء.
توفى الكتبي حسين الفلفلي في أوائل الثمانينات من القرن الماضي ودفن في مقبرة النجف، استلم المكتبة احد أولاده "اكرم الفلفلي"، حافظ على هويتها وحضورها بما احتوته من مؤلّفات وكتب ومخطوطات، اتجهت المكتبة بعد الاحتلال الامريكي عام 2003 إلى نشر أرشيف العراق الصوري في كل مجالاته التراثية والسياسية والفنية والرياضية والاثارية وجمع الصور التي تخص التأريخ السياسي ولاجتماعي للدولة العراقية وارشفتها وصفها وطباعتها عرضها وبيعها على الزبائن، المكتبة أصبحت محلا لبيع الصور القديمة!!، يفتخر اكرم الكتبي بأن صوره معلقة في الآلاف من المطاعم والمقاهي والصالونات في العراق ومختلف بلدان العالم، كأوروبا والولايات المتحدة.
مكتبة الأوقاف العامة: تأسست في سنة 1938، في عهد وزير الاوقاف الشيخ احمد الداود، جمعت كتبها من خزائن الجوامع والمدارس والتكايا وهي : خزانة مدرسة نائلة خاتون، خزانة جامع الكهيا، خزانة المدرسة السليمانية، خزانة المرجانية، خزانة جامع الحيدر خانة، خزانة مسجد الرواس، خزانة جامع الامام الأعظم، خزانة جامع الباجه جي ، ومن اشراف بغداد وتجارها وعلمائها، وتتصف مخططاتها بالندرة والنفاسة من التراث العربي الخالد، وكان موضعها في البناية المشيدة على مسجد الخزرجي الكائن في رأس القرية في شارع الرشيد ببغداد، ثم انشئت لها بناية خاصة في منطقة باب المعظم افتتحت في 8 يناير (كانون الثاني) عام 1932 بقصيدة للشاعرالكبير معروف الرصافي: قد جمع الشيخ هذه الكتب
فانقذها من اكف العطب، بعد سنوات اضيف عدد من الخزائن الشخصية الى المكتبة العامة مثل: مكتبات عاصم الجلبي، محمد سعيد الطبقجلي، علي حيدر الباججي، عبد الحليم الحافاتي، حسن الانكرلي، منير القاضي، اسماعيل الصفار، المحامي مهدي الكاهجي، احمد زكي المدرس، مكي الجميل، جمال الدين الالوسي، الخزانة النعمانية في جامع مرجان : للشيخ نعمان خير الدين الالوسي و تعتبر هذه الخزانة اغنى خزائن العربية في العراق، خزانة جامع المصرف، خزانة جامع الاصفية. وفي بداية السبعين استقرت المكتبة في مبناها الجديد بباب المعظم، كانت المكتبة تضم نحو اربعين الف مجلد منها نحو الفي مخطوط وتولى الدكتور محمد اسعد طلس "من علماء سورية" صنع فهرس لها، ثم تولى الدكتور عبد الله بن احمد الجبوري صنع فهارس لها وقعت في اربعة مجلدات، كما الف كتابا تناول فيه تاريخها والتعريف بنوادر مخطوطاتها، كما نهض الباحث جاسم الجبوري بفهرسة طائفة من مخطوطات المكتبة، في نيسان 2003 قامت الدبابات الأمريكية بكسر الأبواب و إدخال اللصوص والمخربين بالقيام بالنهب والتدمير واشعال الحرائق الحرائق في مكتبة الأوقاف التي دمّرت بالكامل ولم يبق منها إلّا الجدران الخارجية
حتى ذاب من الحرق الحديد والزجاج فضلاً عن الأثاث.
مكتبة الآثار العامة: تأسست سنة 1973 في غرفة صغيرة في مديرية الآثار العامة وكان فيها حوالي 8000 كتاب بمرور الزمن بلغ المجموع الكلي لمحتويات المكتبة 50 الف مجلد منها حوالي 4000 مخطوط وهي من المكتبات المهمة التي تعنى بجمع المخطوطات الأثرية النفيسة والأصلية فهي تضم أكثر من أربعة آلاف مخطوط نادر، اما أهم اللغات التي كتبت فيها نلك الكتب فهي : العربية، التركية، السريانية، الصينية، اليابانية، الأردية، الهندية، الأرمنية، الأندنوسية، الكردية، الروسية، الهنكارية، الأنكليزية، الألمانية، الفرنسية، الأسبانية، الأيطالية، البولونية، اللاتينية، الهولندية، الرومانية، الجيكوسلوفاكية، اليوغسلافية ،الدانماركية، السويدية، النرويجية، اليونانية ولغات متفرقة أخرى، تواردت المخطوطات إلى المكتبة منذ عام 1940م كهدايا، وكان أول كتاب اقتني وسجل في سجل المخطوطات هو كتاب ( معجم البلدان ) لياقوت الحموي، وأضيفت بعده مجموعة مخطوطات: مكتبة المرحوم ناجي الأصيل، مكتبة المرحوم سليمان الفضي، مكتبة المرحوم الأب أنستاس ماري الكرملي عددها ( 435 ) مخطوطا، مكتبة المرحوم رشيد عالي الكيلاني، مؤسسة كلبنكيان .
تتناول هذه المخطوطات مواضيع علمية متنوعة منها : الطب والرياضيات والمنطق واللغة والتأريخ والجغرافيا والعلوم الشرعية كعلم الحديث والفقه والتفسير والعقائد..، انتقلت المكتبة من بنايتها القديمة في شارع المأمون إلى بنايتها الجديدة . تقع في مبنى المتحف الوطني العراقي في منطقة (علاوي الحلة) من جانب الكرخ في بغداد وهي من البنايات الجميلة بشكلها وهندسة بنائها.
وقد أصدر الأستاذ كوركيس عواد مدير مكتبة المتحف الوطني العراقيفي حينه فهارس عديدة لها نشرة في مجلة سومر التي كانت تصدرها مديرية الآثار العامة ببغداد، تناول فيها المخطوطات الطبية والأدبية والتاريخية،
قام الأستاذ أسامة ناصر النقشبندي بإعداد فهرست للمخطوطات اللغوية
(النحو والصرف والبلاغة والعروض والقوافي والمعاجم وفقه اللغة) وبلغ عدد تلك المخطوطات أكثر من ( 503 ) مخطوطات.
تعرض المتحف الوطني العراقي في نيسان 2003 على يد الاحتلال القوات الأمريكية وحلفائها إلى هجوم همجي استهدف جميع القطع الأثرية، فنهبت تلك الآثار، اما المخطوطات فإنها قد سلمت من السرقة!!.

مكتبات محافظة بغداد: عددها 19 مكتبة موزعة قي كافة مناطق العاصمة، تعرضت اغلب المكتبات للسرقة والنهب في 2003 بعد دخول قوات الاحتلال ، ماعد البعض اليسير ومنها مكتبة الكاظمية، حيث اسهم اهالي المنطقة في حماية هذه المكتبة من أعمال السرقة والتدمير.

شارع المتنبي.. رئة الثقافة العراقية وملاذ المثقفين في العراق:
هذا الشارع عرف في الماضي القريب بشارع (الاكمكخانه) أي شارع المخابز العسكرية العثمانية، شارع قصير يمتد لأقل من كيلو متر واحد، على الضفة الشرقية لنهر دجلة، يمتد تاريخ الشارع إلى العصر العباسي، إذ كان يسمى بدرب زاخا وهي عبارة آرامية، وكان مشهوراً بالمؤسسات الثقافية والدينية، وفي عام 1932 وتحديداً في عهد الملك فيصل الأول، سمّي بشارع المتنبي، يقع في قلب العاصمة بغداد، يحرسه تمثال للشارع العربي الشهير أبي الطيب المتنبي، وينتهي بقوس كتب فيه بيت شعر جميل للشاعر المتنبي، "الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والسيف والرمح والقرطاس والقلم"، وهو شارع ما زال يمتد على نحو مستقيم ومتعامد بين شاطئ دجلة وشارع الرشيد ويتصل به سوق السراي التراثية المتخصصة أيضاً ببيع الكتب والقرطاسية. المحاذي لنهر دجلة.
في أوائل التسعينات، ومع الحظر الدولي الذي فرض على العراق، تحول الشارع إلى ملتقى للمثقفين كل يوم جمعة حيث يجتمعون على المقاهي المنتشرة في الشارع، وهناك يتم عرض آلاف الكتب وتنتشر فيه مكتبات الرصيف، وتوالت السنين واصبح واحداً من أشهر الشوارع التي تحتضن وتبيع كتب لأسماء وذكريات وسِيَراً مرميةً على الأرض أو على خشب البسطيات التي تنتشر على الرصيف وفي المكتبات وسط العاصمة العراقيّة. وفي العالم العربي وربما في العالم كله، و يمثل هذا الشارع يوم الجمعة، واحة جميلة يلتقي بها المثقفون العراقيون كل يوم جمعة مع عامة الناس، إذ بإمكانك أن ترى اغلب نجوم العراق وفي مختلف المجالات، ووصلت شعبيته إلى خارج الحدود العراقية كمنارة ثقافية، تنير الطريق أمام الباحث عن الثقافة.
ففي كل يوم جمعة يجمع شارع المتنبي مرتاديه من المهتمين بالثقافة والأدب لتزدحم المناهج والمؤسسات الثقافية بالحوارات الثقافية حول الكتب والإصدارات الجديدة، وهذه النشاطات مشاهد ثابتة ودائمة في أركان شارع العلم، وتشعر كأنك في سوق الوراقين أيام الدولة العباسية حيث تكثر فيه الحوارات والقصائد التي تلقى ..

تعرّض هذا الشارع الثقافي الذي ينبض بالحياة، في الخامس من آذار 2007 لتفجير انتحاري بشاحنة أدى إلى مقتل 30 شخصاً وإصابة 60 بجروح.، ودمّر التفجير المحلات القديمة التاريخية والمكتبات من بينها مقهى الشابندر، وقتل أبناء مالكه الخمسة، تمت إعادة افتتاحه عام 2008، وبدأت طلبة الجامعة، والباحثين والشعراء والأدباء، والزائرين بالتوفد اليه يوم الافتتاح ، وهذا دليل كبير على أن هذا الشارع يمتلك خصوصيته عند العراقيين. لذلك حاول أعداء الحياة والجمال والثقافة والمعرفة قتله بمختلف الطرق، إلا أنهم لم يفلحوا لأن الحياة في هذا الشارع ترفض أن تموت، لانه في عقل وضمير كل مثقف عراقي، وبقى ويبقى شارع المتنبي بمكتباته العامرة وسوق الكتب التي تحوي أحياناً كثيراً من النفائس الثمينة، في أيام الجمع ومقهى الشابندر ومقهى الزهاوي حاضرا في عقول وضمير مرتاديه.



لقد زار وتجول في هذا الشارع العتيق الكثيرين نذكر بعضا منهم وهم: نوري باشا السعيد، الشاعر والناقد المصري احمد حسن الزيات، أم كلثوم، الشاعر الهندي طاغور ولويس ماسيون، والمستشرق الفرنسي جاك بيرك الذي يسمى صديق العرب، والرصافي والزهاوي ومحمد مهدي الجواهري ومصطفى جواد وغيرهم.
اعتاد رواد شارع المتنبي يوم الجمعة اثناء الاستراحة قضاء بعض الوقت في مقهى الشابندر او مقهى الزهاوي، واذا شعروا بالجوع فكبة السري او مطعم الإخلاص او اكل الكفتة وشربة زبيب زبالة.
المركز الثقافي البغدادي: يقع المركز الثقافي البغدادي على ضفاف نهر دجلة مع نهاية شارع المتنبي في بغداد، وقد افتتح عام 2011م بعد صيانته وإعماره من قبل محافظة بغداد ليكون ملتقى ثقافيًا وأدبيًا يجمع روّاد الأدب والثقافة حتى بات يسمى بـ «سوق عكاظ العراق»، نسبة إلى السوق المشهور في الحجاز، حيث كان يلتقي الأدباء والشعراء العرب في الماضي القديم.
ويُعد المركز أحد أكثر المراكز الثقافية في العاصمة العراقية زحامًا بالرواد، خاصة في أيام الجمعة، حيث تقام في قاعاته العديد من النشاطات المتعلّقة بالأدب والفكر والتراث البغدادي والأنساب والغناء التراثي، فضلًا عن معارض الكتب والبازارات الخاص بالأعمال اليدوية والمعارض التشكيلية والفوتوغرافية والفنية، ويحتوي المركز على قاعات عدة تحمل أسماء علماء وشعراء وفنانين عراقيين، مثل علي الوردي ومصطفى جواد ونازك الملائكة وجواد سليم وحسين محفوظ، إضافة إلى قاعة متخصصة بالفنون التشكيلية تحمل اسم النحات العراقي محمد غني حكمت، فضلًا عن قاعة «ألف ليلة وليلة» للسينما ومسرح الشناشيل للمقام العراقي ومسرح الفنان سامي عبدالحميد للمهرجانات الكبيرة، اقتنى المركز الثقافي «أهم المكتبات في بغداد» لشخصيات علمية، منها مكتبة ومتحف العلّامة د. أحمد سوسة والعلّامة ميخائيل عواد والعلّامة عبدالحميد الرشودي ود. عماد عبدالسلام ومكتبة المفكر عزيز السيد جاسم والعلّامة المرحوم عبدالرزاق الهلالي، وتحتوي هذه المكتبات على مخطوطات ونوادر ووثائق مهمة وكذلك مقتنيات شخصية أخرى، وأخيرًا تم اقتناء مكتبة الطبيب والفنان التشكيلي علاء بشير.

أن سوق السراي و شارع المتنبي وما يحويه من معالم ثقافية ومكتبات ومطابع ودور للنشر ومقاهي يمثل مناخاً جيداً ومتنفساً لكل الناس، الرئة التي يتنفس من خلالها مثقفو وفنانو وادباء وطلبة العراق ، ومعلم مهم من معالم الحضارة العراقية، الا يستحق رواد مكتباته ان تخلد أسمائهم في جدارية توضع بين سوق السراي وشارع المتنبي او عند مدخل المركز الثقافي البغدادي لانهم فرسان نشر الثقافة لبلدهم العراق ، ومن الله التوفيق.

للراغبين الأطلاع على الجزء الأول:

https://www.algardenia.com/maqalat/59419-2023-07-13-10-24-55.html#google_vignette

سرور ميرزا محمود

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

608 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع