سبعة من حكام بغداد المماليك كانت نهايتهم القتل

                                                    

                             قاسم محمد داود

سبعة من حكام بغداد المماليك كانت نهايتهم القتل

حكم العراق وقد أصبح في القرن الثامن عشر مقاطعة مهملة من مقاطعات السلطنة العثمانية سلسلة من الولاة المماليك (مفردها مملوك) منذ منتصف القرن إلى الربع الأول من القرن التاسع عشر أي ما يقارب 82 عاماً حيث تولوا المناصب العليا في الإدارة العثمانية في بغداد، منها والي بغداد وكهيتها أي معاون الوالي والوظائف العليا الأخرى وهي المناصب التي حرم منها العراقيين ليس فقط في فترة حكم المماليك وإنما طيلة الحكم العثماني في العراق. بدأ حكمهم بولاية سليمان باشا المكنى بـ (أبو ليلة) سنة 1749م وهو أول مملوك جورجي يحكم العراق وانتهى بعزل الوالي داود باشا سنة 1831م. وتعود أصول الغالبية العظمى منهم إلى جورجيا وبلاد الشركس وداغستان وبلاد جبال القوقاز الأخرى. وقد تميز عهد الولاة المماليك في العراق عما قبله من عهود غيرهم من الولاة العثمانيين الذين حكموا العراق بشدة التنافس والتنازع على الحكم، فقد كان الولاة قبلهم يعينون بفرمان سلطاني (أمر من السلطان العثماني ممهور بتوقيعه)، لكن الحال تغير في عهد المماليك وصار الفرمان يصدر بعد تغلب أحد المماليك على منافسيه وحصوله على منصب والي بغداد أو الوزارة كما كانوا يسمونها بالقوة واجتماع اعيان ورجال الدين في بغداد حوله ثم يكتبون طلب (عريضة) إلى السلطان العثماني يسترحمون منه أن يصدر فرمانه بمنح الوزارة إلى المملوك الغالب، لذلك كانت نهاية سبعة ولاة من مجموع الثلاثة عشر والياً مملوكياً حكموا العراق هي القتل. كيف قتل كل والي من هؤلاء السبعة اليكم ما حدث:

أول الولاة المقتولين كان علي باشا الذي صار والياً على بغداد بعد وفاة سليمان باشا أبو ليلة في سنة 1762م وبعد وفاته تنافس سبعة مرشحين لتولي منصب الوالي وكانوا كلهم من المماليك وخوفاً من تحول هذا التنافس الى حرب بين المرشحين بادر الأعيان ورجال الدين في بغداد إلى تسكين الفتنة وترك الأمر لسلطنة إسطنبول لكي تختار أحد هؤلاء المماليك السبعة بعد ان أُرسلت الأسماء إلى هناك. عاد الجواب من إسطنبول باختيار متسلم البصرة علي باشا ذو الأصول الفارسية وليس القفقاسية مثل بقية المماليك والياً على بغداد، لذلك صار هذا الوالي هدفاً لمؤامرات المماليك الآخرين فخلع من منصبه بعد سنتين من توليه منصب الوالي إثر ثورة قادها المملوك عمر باشا عديل سليمان الكبير وأحد المرشحين السبعة لخلافته، وعلى أثر ذلك اجتمع الأعيان ورجال الدين في بغداد وأرسلوا طلباً إلى السلطان في إسطنبول يسترحمونه بتولي عمر باشا والياً على بغداد وأن الوالي علي باشا كان يريد تسليم العراق لبلاد فارس، وعندما جاء الفرمان بالموافقة على عمر باشا والياً لم يجد الوالي السابق علي باشا إلا الهروب متنكراً بزي أمرأه عندما وجد نفسه وحيداً بعد ان أنفض الجميع من حوله والتجأ دخيلاً إلى أحد الدور القريبة من السراي الحكومي ولكن صاحب الدار أخبر جنود الوالي الجديد عنه فألقوا القبض علية ثم قتلوه.
لم يسلم عمر باشا من القتل ففي عام 1776 أمر السلطان العثماني عبد الحميد الأول بأرسال ثلاث جيوش مع ثلاث قادة، مصطفى باشا الإسبيناخجي (بائع السبانخ) والي الرقة الذي أسند له منصب والي بغداد بدل عمر باشا وأوزون عبد الله باشا والي ديار بكر وسليمان باشا الجليلي والي الموصل إلى بغداد بحجة فك الحصار الذي يفرضه كريم خان الزند شاه أيران على البصرة، أما الهدف الحقيقي فقد كان عزل الوالي عمر باشا بالقوة وقتله إن أمتنع عن تسليم الولاية للوالي الجديد لاعتقاد السلطان أن سبب حصار البصرة هو الوالي عمر باشا وأنه لابد من عزله لكي ينتهي هذا الحصار و الصراع بين الدولتين، وعند اجتماع الأسبيناخجي بعمر باشا وعرض عليه الفرمان السلطاني بعزله وتولية مصطفى باشا لم يبد عمر باشا أي اعتراض وغادر بغداد دون وقوع أي مشاكل لكن الحاكم الجديد مصطفى باشا أعتقد أن في الأمر مكيدة مدبرة له من قبل عمر باشا فأرسل قوة من الجند ليهاجموه ليلاً إلا أنه تمكن من الهرب غير ان فرسه سقطت على الأرض وكسرت رقبته وعندما عثر عليه أحد الجنود قام بقطع رأسه وحملها إلى الحاكم الجديد والذي قام بدوره بأرسالها إلى إسطنبول تأكيداً للقتل.
تسعة أشهر فقط دام حكم الأسبيناخجي في بغداد حيث عزل بفرمان من السلطان العثماني عبد الحميد الأول وتم تولية زعيم المماليك عبد الله باشا والذي كان قد ثار ضد مصطفى باشا بعد كثرة الشكاوى عليه، وسيق مخفوراً إلى مدينة ديار بكر وكان مصيره كمصير سابقه فقد قطع رأسه هناك بأمر السلطان.
رابع الولاة المقتولين كان علي باشا الكهية (نائب الوالي) الذي تولى الحكم في بغداد منذ عام 1802 لغاية 1807 بعد وفاة صهره الوالي سليمان باشا الكبير (دام حكمه 22 عاماً بين عام 1780 إلى عام 1802 وكان العصر الذهبي لدولة المماليك في العراق) الذي أوصى بأن يعهد له منصب الوالي وألا يختلفوا عليه لكن الخلافات سرعان ما ظهرت بين عائلة سليمان الكبير على المنصب وكان الفوز من نصيب علي باشا وصار والياً على العراق. دام حكم علي باشا خمس سنوات مليئة بالمشاكل والصراعات بين المماليك الطامعين بالزعامة والنفوذ وفي عام 1807 وبينما كان الباشا يصلي الفجر مع عدد من المقربين منه وكان أحدهم ويدعى مدد بك يصلي بجانبه وأثناء السجود أغمد خنجره في خاصرة الوالي الذي خر صريعاً على الفور. صار منصب الوالي بعد مقتل علي باشا من نصيب أبن أخته ونائبه ويدعى سليمان باشا ولكي يتميز عن سلفه سليمان باشا الكبير لقب بعد توليه الولاية في بغداد بـ (سليمان الصغير). لم يدم حكم الصغير سوى ما يقارب ثلاث سنوات، فقد أستاء السلطان العثماني محمود الثاني منه وتم انهاء حكمه لأسباب عديدة منها عدم دفع الأموال المترتبة عليه لخزينة السلطان، فقرر الباب العالي خلعه من المنصب فأرسل جيشاً بقيادة حالت أفندي عام 1810 لتنفيذ أمر السلطان، وخلع الوالي سليمان باشا الصغير الذي هرب من مطارديه في بغداد ولجأ إلى شيخ عشيرة تسكن قرب نهر ديالى جنوب بغداد لكن الشيخ قطع رأسه ليلاً عندما كان نائماً وأرسله إلى حالت أفندي الذي أرسله بدوره إلى اسطنبول.
أما الوالي الآخر الذي كانت نهايته القتل فهو عبد الله آغا التوتنجي الذي حكم العراق من 1810 لغاية 1813 أي ما يقارب سنتين ونصف وقد قضى تلك السنوات في صراع وخوف دائم من منافسه سعيد بك الطامع بمنصب الوالي والذي يتمتع بتأييد الكثير من المماليك وفاء لذكرى أبيه سليمان الكبير وعاونه في هذا الصراع شيخ قبائل المنتفق حمود الثامر، وعندما كان الوالي التوتنجي يقود حملة عسكرية ضد هذه القبائل في بلدة سوق الشيوخ جنوب العراق بعد أن كان سعيد باشا قد لجأ إليها طلباً للحماية، انتهت الحملة بهزيمته وأسره مع معاونه (الكهية) وقتلهم تحت أقدام سعيد باشا الذي دخل بغداد بعد ذلك مع حمود الثامر في 16 أيار 1813.
وكأن لعنة حلت على حكام بغداد، فلم ينج سعيد باشا من القتل فالصراع داخل الأوساط المملوكية أستمر وكان للنساء دورهن في صراعهم الدموي هذا، فقد كانت نابي خانم أم الوالي الجديد تبغض زوج أبنتها داود باشا وتضمر له الشر واستطاعت أن تعزله عن منصبه الكهية فأصبح زعيماً لمعارضي الوالي وبعد محاولات عديدة تمكن من نيل فرمان سلطاني بعزل الوالي سعيد باشا وتوليته المنصب. لم يذعن سعيد باشا للأمر، وبدأ بخوض حرب ضد داود باشا وأتباعه يعاونه في ذلك حليفه القديم شيخ المنتفق إلا أن الغلبة كانت من نصيب داود باشا الذي دخل بغداد في شباط 1817 وكسابقيه ظل سعيد باشا وحيدا بعد أنً تخلى الجميع عنه فهرب إلى دار إمه ملتجئاً وطالباً حمايتها لكنها لم تستطيع حمايته فقد قتل أمامها بضربة من فأس سيد عليوي آغا (رئيس) الإنكشارية. وكان آخر الولاة المماليك المقتولين كما صار داود باشا آخر حكام بغداد المخلوعين من الولاة المماليك.

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1085 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع