الجنسية البلجيكية وإسقاط العراقية عن يهودها

                                                   

                         سيف شمس/ بروكسل

الجنسية البلجيكية وإسقاط العراقية عن يهودها

تسلمت منذ أيام الجنسية البلجيكية وحصلت على حق المواطنة مما أفرحني هذا الشيء وأغبطني، لكن في الوقت ذاته كان هنالك ألم دفينًا قد توغل بمكنون قلبي. أنا أعتبر نفسي دائمًا من المحظوظين وأمتلك بدل الشيء شيئين، الشيء الذي جعلني أشعر بالألم هو كوني أمتلك الآن جنسيتين العراقية والبلجيكية مما تجعل من حياتي سهلة جدًا ربما حتى أسهل من الأوروبي نفسه، لكن ونحن في هذا العصر حيث تسود فيه لغة التسامح وتقبل الآخر نجد الكثير من القوميات تعيش على أرض ولا تمتلك الجنسية، وبكل بلد يُطلق عليهم تسمية، وبعض التسميات أشعر بالخجل إن سميتها كما هي في مقالي هذا.
يعيش مكون كامل لأجيال، جيل بعد جيل وهم يمتلكون بطاقة الإقامة أو ينظر إليهم كأجانب. أي لغة هذه وأي منطق يمكن للإنسان عيشه؟. وهذا الحدث يجرني للكلام عن موضوع في غاية الأهمية، لكن أود الكلام عن شروط الحصول على الجنسية البلجيكية والتي هي تشبه إلى حد ما بقية بلدان الاتحاد الأوروبي ومن ثم أعرج إلى الموضوع الذي أود التحدث عنه في هذا المقال.
عند إقامة الشخص خمس سنوات على هذه الأرض والمشاركة في دورة اندماج بين شهر وشهرين، هدف هذه الدورة هو تعريف الوافد أو المهاجر على أسلوب حياة وقوانين هذا البلد، مع توفير أيام للتجوال في البلد وزيارة الأماكن المهمة، فتكون علمية وثقافية وسياحية بالوقت نفسه، وشرط اللغة والذي لا يتطلب أكثر من مستويين إثنين وهذا مهم جدًا وعلى أي انسان تعلم لغة البلد الذي يعيش فيه، والشرط الأخير هو العمل فيتطلب من طالب الجنسية أن يثبت بأنه قد عمل خلال هذه الفترة ما لا يقل عن 468 يوم. لنتخيل من يقوم بهذه الاشياء البسيطة يكون مواطنًا معترف به بكل العالم وتتشرف الدولة أن يكون أحد أبنائها، فلا يُطلب منه جلب الأموال أو الخدمة العسكرية أو أي شيء آخر.
أردت الوصول إلى موضوع حق إعادة الجنسية العراقية لليهود العراقيين التي أُسقِطَت عنهم وتم تهجيرهم والحادثة معروفة جدًا. كيف يمكننا سحب تلك الجنسية وحرمان ذلك المكون من الصفة العراقية وهو قد عاش على أرضة لأكثر من خمسة وعشرين قرنًا. من المضحك مقارنة انجازاتي في بلجيكا مع إنجازات هذا المكون الكبير الذي شكل في يوم من الأيام في بغداد وحدها ثلث سكانها. هو أول من أنشأ المدارس الحديثة والاستعانة بالمدارس الغربية كالاليانس الفرنسية. وهو أول من وقف بوجه الاحتلال العثماني وقام بإنشاء أول صحيفة وهي صحيفة دورش توڤ والتي قام بتأسيسها داڤيد ساسون المعروف في عام 1855 أسسها في مومباي، هذه الشخصية المعروفة والتي أسست أكبر مجتمع يهودي عراقي في الهند وقام بتأسيس كنيس كبير لا يزال يحمل أسمه. هذه الصحيفة كانت تُطبع هناك وتكتب باللهجة اليهودية العراقية ومن ثم توزع في العراق بسبب منع طبع الصحف اليهودية بذلك الوقت من قبل الدولة العثمانية، وللأسف لا نملك أي نسخة منها. وفي العراق الحديث عند تأسيسه، لا ننس دورهم بتشكيل الحكومة وإنشاء البنك المركزي العراقي والعملة العراقية بعد أن كان يستعمل العراق الروبية الهندية، بفضل هذا أصبح قيمة الدينار العراقي عالية جدًا. الإنجازات كبيرة وكثيرة يصعب حصرها في كتاب وليس في مقال صغير كهذا.
لا يزال مكون يهود العراق يشكل شريحة مهمة من المجتمع العراقي حتى وإن هو خارجه، لكنهم لا يزالون مجتمعين مع بعضهم مشكلين مجتمعًا عراقيًا ومستذكرين تاريخه والمتحف الذي أنشأوه خير دليل والكتب التي لا تزال مستمرة برؤيتها للنور إثبات بأن هذا المكون لا يزال عراقيًا في الصميم ولا يزال يبني العراق كونه جزء منه وإن أُسقطت عنه جنسيته.
ما أتمناه هو الوصول إلى هذا الوعي من التسامح وإعادة الجنسية وإعادة الحق لهذا المكون للمشاركة ببناء العراق على كافة الأصعدة كالمشاركة في الصعيد السياسي والاقتصادي والعيش على أرضه كباقي المكونات الأخرى.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

791 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع