كلمة بحق المرحوم الفريق أول الركن سلطان هاشم أحمد

                                         

              اللواء الركن المتقاعد فؤاد حسين علي

      

       

كلمة بحق المرحوم الفريق أول الركن سلطان هاشم أحمد

لم تعد الأيام كما هي ولم تكن الصداقات كما كانت في المعتاد، تغير الزمن، وذهب كل منا في اتجاه، وكان الاتجاه الذي ذهب فيه أو حتم القدر أن يذهب فيه الفريق أول الركن سلطان هاشم أحمد في آخر المطاف، سجيناً في ظروف يصعب التعرف خلالها عن الدوافع والأسباب. 

لقد تعرفت على سلطان ضابطاً في كلية الأركان حيث القبول معاً في الدورة (٤٢) عام ١٩٧٥ واستمرت علاقتنا عن قرب طوال سنتين، وجدته خلالها ضابطاً مجتهداً مجداً ذكياً لا يكل، هادئاً يخطو بحكمة، ومن بعد الكلية أخذت العسكرية كلانا باتجاه لنلتقي ثانية في ساحة الحرب العراقية الإيرانية التي سجل طوالها سلطان مواقف قيادية متميزة صبراً وتحملاً وقدرة عالية على الاقناع والمناورة يشهد لها الجميع. كان سلطان قائداً بحق، أحبه الضباط والمراتب العاملين بإمرته، وأثنى على قيادته الضباط الأعلى في سلم القيادة فارتقى في السلم آمر فوج جيد وآمر لواء ناجح وقائد فرقة شجاع، وقائد فيلق مقتدر ومعاون لرئيس أركان الجيش ثم رئيساً للأركان ومن بعدها وزيراً للدفاع، في مسيرة عسكرية مهنية طويلة يندر أن تسنح الفرص خلالها لأي عسكري أن يتدرج مثل تدرجه، ويندر أن يخرج من سني الخدمة الطويلة هذه نظيفاً في المواقف غير سلطان، إذ يشهد القريبون منه والبعيدين أنه وفي ظروف الحرب الصعبة كانت مواقفه مواقف خير لصالح المقاتل جندياً كان أم ضابطاً لم يطلب يوماً إعدام عسكري بإمرته مهما كانت الأخطاء. وكان رحمه الله انساناً ذا شخصية فذة، ودوداً صادقاً وأباً رحيماً ومخلصاً للعائلة التي أحب قريباً لها طوال سنين ليست قليلة.
إني وفي هذه اللحظات التي سمعت فيها خبر وفاته وقفت جانباً أستعرض تاريخاً طويلاً، تأسفت فيه على ماض انتهى سريعاً وحاضر كان مؤلماً لشخص مثل الفريق سلطان العسكري المهني والقائد الذكي، وعاتبت نفسي وجيلي وباقي الأجيال من العسكريين، إذ لا يفترض أن يموت القادة المخلصون لعسكريتهم هكذا بعيداً عن الأهل والمعارف والأصدقاء. وتذكرت أربعين عاماً أختزلها الموت المؤلم بلحظات حزن ستبقيني في دوامة وتبقي الفريق سلطان ذكرى قائد خدم جيشه، بذل جهداً متميزاً، اجتهد في حدود مسؤولياته، قدم ما رآه مناسباً دون تزلف في زمن كثر فيه التزلف.
لقد انتهى كل شيء بلحظات ومع هذا يبقى الفخر بالمسيرة المهنية الطويلة لك أبا أحمد فخراً لا يقتصر عليَّ وحدى لأني أعرفك عن قرب، بل ولكثير من ضباط الجيش العراقي الذين خدمت بإمرتهم وخدموا بإمرتك، وسمعوا عن انسانيتك وتلمسوها عن قرب. واليوم ونحن نودعك عن بعد، ونصلي لأجل روحك الطاهرة عن بعد، ستبقى صورتك ماثلة امامنا صفحة بيضاء وكفاح انسان كان متميزاً على طوال الطريق الذي سلكته في دنياك، وسلكنا بعضه معاً علي ذات الطريق.
نعاهدك أن نبقى من بعدك نكرر القول أنك قد دفعت ثمن أخطاء الغير، في زمن كان وما زال مليئاً بالأخطاء. زمن كان قاسياً، لم يدع لنا المجال في ان نبتعد عن قساوته، في سجن لم يكن لك، وفي موت تحتم أن يكون هكذا بعيداً عنا والأهل، وكان هذا الزمن بائساً لم يمنحنا فرصة وداع كما يفترض ان يكون. ونعاهدك أن نبقي وجودك الرمزي بيننا كما كنت ذاك الانسان الطاهر الوفي، بهدوئك المعهود وصوتك الحنين، كنبراس لنا في هذه الدنيا الى اليوم الذي يحل فيه أمر الله ونلتقيك عند رب رحيم.
وداعاً أيها العزيز المظلوم. سنتذكرك باستمرار ونتذكر أن العظام في بلدنا يدفعون الثمن دون انصاف.

اللواء الركن المتقاعد فؤاد حسين علي
٢٠ - ٧ - ٢٠٢٠

   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

943 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع