قصة قصيرة كاملة - شبح الموت

                                                 

                             بقلم أحمد فخري

قصة قصيرة كاملة - شبح الموت

اهدي هذه القصة الى روح صديق عمري المرحوم اياد زكي حنا الذي لو كان يعرف هذه المعلومة لما وافته المنية من اثر نوبة حادة للربو.

استيقظ فراس مبكراً يوم الجمعة وقفز من سريره متوجهاً الى غرفة نوم والدته. ومن دون ان يطرق الباب فتحها ودخل الغرفة ليجد والدته ما تزال غارقة بنومها. اقترب من سريرها وصار يهز وجهها ويقول،
فراس: استيقظي يا امي. اليوم الجمعة، لقد وعدتيني بالسفرة.
عائشة : الم تنسى شيئاً يا فارس؟
فراس: لقد طرقت الباب حتى كل متني يا امي.
عائشة : لا اقصد ذلك ولكن اقصد قبلتي. اين هي قبلتي؟
فراس: انا آسف يا امي دعيني اقبلك واحظنك ايضاً.
عائشة : وكيف استطيع ان ارفض مثل هذا العرض المغري، تعال لاحظنك حبيبي.
عانق فراس والدته وقبلها ثم قال،
فراس: هيا استيقظي يجب ان نتهيأ للذهاب الى سلمان پاك. ام انك غيرت رأيك مثل كل مرة!
عائشة : وانا لازلت عند وعدي ولكن ما هي الساعة الآن؟ دعني البس نظارتي واتفحص الساعة. يا الهي انها السادسة صباحاً. انت مبكر جداً يا حبيبي. بالامس قلت لك غداً صباحاً وكنت اقصد بعد ان نتناول افطارنا اي بحوالي الساعة الثامنة او التاسعة. لكني لم اقصد الفجر.
فراس: لا تنسي ان الطريق يتطلب عدة ساعات للوصول الى سلمان پاك.
عائشة : بل هو ساعة واحدة فقط على الاكثر، لا تبالغ، ان سلمان پاك في المدائن.
فراس: اجل ولكن علينا ان نجد مطعماً هناك كي نتناول وجبة الغداء، اليس كذلك؟
عائشة : كلا، سوف ناخذ طعامنا معنا ونجد مكاناً مناسباً كي نتناوله في الطبيعة.
فراس: يا سلام. ليت والدي كان معنا لكنا استمتعنا كثيراً.
عائشة : رحمه الله واسكنه الجنة. انه قضاء الله وقدره ولا يجب علينا ان نعترض عليه يا ولدي.
فراس: مع ذلك اتركي السرير الآن ارجوك يا امي.
عائشة : حسناً، دعني استحم اولاً يا فراس. وانت! هل غسلت وجهك واسنانك؟
فراس: ليس بعد.
عائشة : إذاً اسبقني الى الحمام كي تغتسل قبل ان آخذ حمامي.
فراس: هل ستعاونيني في تغسيل وجهي واسناني؟
عائشة : بلغت الآن الثامنة من عمرك وانت بالصف الرابع، ومن المخجل ان اقوم بذلك من اجلك فانت اصبحت رجلاً وعليك ان تغتسل لوحدك. هيا اذهب الآن ولا تتصرف كالاطفال.
خرج فراس من غرفة والدته متوجهاً الى الحمام بينما قامت هي بتعديل سريرها واحضار مستلزمات الحمام. وحالما خرج فارس، دخلت هي واستحمت ثم خرجت وصارت تعد وجبة الافطار. وبينما هم يتناولون الطعام سألت الام ولدها،
عائشة : يجب عليك ان تستعمل البخاخ الوردي الآن وان لا تنسى اخذ البخاخ الازرق معك في الرحلة.
فراس: ولماذا هناك لونان يا امي؟ لازلت لا اعرف!
عائشة : الوردي يستعمل للامد الطويل وهو يعينك على عدم التعرض لازمات الربو، اما الازرق فهو يستعمل بحالات الطوارئ عندما تشعر بضيق في التنفس. لقد سبق وان شرحت لك ذلك كما شرحه لنا الدكتور مازن.
فراس: ولماذا كل هذه الالوان؟
عائشة : في المجال الطبي تصنف الادوية الى عدة انواع والتي يهمنا الآن هو الازرق اي الذي يستعمل عند الحاجة او بحالات الطوارئ. لذلك في المستشفيات عندما يجابه احد الممرضين او الممرضات حالة طارئة تتطلب اسراع الطاقم الطبي فانهم ينادون بالهاتف الرمز ازرق وبالانكليزية code blue
فراس: انا لازلت اجهل سبب حصول نوبات الربو، الا شرحتيها لي؟
عائشة : حسناً ساشرحها الآن وامري الى الله. اسمع يا فراس ان كل انسان لديه قصبتين هوائيتين تسميان برونكي اليمنى واليسرى وكليهما يوصلان الهواء الى الرئة اليمنى واليسرى على التوالي. انظر الى هذه الرسمة التي اعطانا اياها الدكتور مازن.

    

انظر الى هذه القصبتين فان لديهما بطانة داخلية كما هو الحال في بطانة الملابس. فاذا ما دخل جسم غريب او دخان او قطرة ماء او ما شابه فانهما سينغلقان ويحثا الحجاب الحاجز كي يطلق زفيراً سريعاً نسميه السعال ليدفع الهواء من داخل الرئة الى القصبات الهوائية ثم يخرجه من الفم. وهذا في رئة الانسان السليم. اما مريض الربو فان ميكانيكية غلق بطانة القصبات عاطل نوعاً ما. اي انه يتأثر ببعض المؤثرات الخارجية مثل بذل الجهد الكبير او الغبار او شعر الحيوانات كالكلاب او القطط او ما شابه فينغلق ويصبح التنفس صعباً لاسباب غير معلومة احياناً.
فراس: ولماذا نسمع الصفير؟
عائشة : هل تتذكر اليوم الذي اتيت من المدرسة وقد علمك صديقك كيف تعمل صفارة، وذلك بدمج ورقتين مع بعضهما البعض ثم تضعهما بين اصابعك وتنفخ بينهما فيصدر صوت الصفير؟
فراس: اجل اذكر.
عائشة : وهذا ما يحدث بالقصبة الهوائية. لان الهواء سيخرج من مكان ضيق من القصبة الهوائية المنكمشة فيصدر صوتاً يشبه الصفير الذي تصدره الورقتين. والآن يا ولدي إذهب واستعمل البخاخ.
فراس: حسناً يا امي. ساستعمل البخاخ الوردي الآن قبل آن نبدأ بالرحلة وسأحمل الازرق معي في جيبي.
بعد ان فرغ فراس ووالدته من وجبة الافطار، صارت عائشة تغسل الصحون ثم قامت باعداد قارورة الترمس وملأتها بالقهوة ثم قامت باعداد الشطائر وسلقت البيض ووضعت بعض المستلزمات الاخرى مثل الخيار والطماطم والرشاد والطرشي والكبة ووضعت سكين ومناديل ورقية وثرمس ثاني به ماء بارد وبعض من علب الكولا والفانتا في حاوية فلينية اعدتها خصيصاً للرحلة. وعندما اكملت كل الاستعدادات جائها فراس حاملاً معه جهاز الآيپاد فقالت له،
عائشة : اترك الآيپاد بالبيت. انت ستخرج لرحلة جيدة وعليك ان تستمتع بها، لا ان تضع وجهك امام ذلك الجهاز اللعين. افهمت؟
فراس: إذاً دعيني اخذ الـ PSP
عائشة : كلا
فراس: ولكن يا امي...
قاطعته وقالت،
عائشة : اما ان تترك الالعاب الالكترونية او نلغي الرحلة برمتها . عليك ان تختار.
فراس: حسناً يا امي. لقد اثبت انك فعلاً دكتاتورة ومتسلطة. سيثور عليك الشعب يوماً وتعم الديمقراطية.
عائشة : اغلق فمك ودعنا نخرج الآن وبدون فلسفة. الآن علي ان اتأكد من ان جميع ابواب البيت محكمة الاغلاق وساقفل صنابير الماء والكهرباء.
ركب فراس وامه السيارة الزرقاء الصغيرة من نوع هاونداي گاتز وتوجها نحو جنوب بغداد كي يأخذا الطريق رقم 6. وعندما وصلا الى احد الجسور سأل بلال،
فراس: هل وصلنا يا امي؟
عائشة : نحن ما زلنا ببغداد يا حبيبي، هذا الجسر اسمه جسر الجمهورية. بعد ذلك سنتجه نحو شارع محمد القاسم.
سارت بهم السيارة لنصف ساعة اخرى فسأل فارس،
فراس: هل سنصل عن قريب؟
عائشة : ليس بعد ولكن دعني اخبرك بشيئ. عندما كنا صغار ونخرج لرحلة عائلية كنا نسأل ابي عن طريق الغناء ونقول، "وصلنا لو بعد؟" فيجيب والدنا، "بعد شوية للݘعب" وكنا نغني اغنية شائعة نقول فيها، هذا سايقنا الورد، هسة يوصلنا ويرد" ونعيد ونسأل، "وصلنا لو بعد؟" فيجيب والدنا، "بعد شوية للݘعب"
فراس: ولماذا كنتم تغنون هذه الاغاني؟ لماذا لم تأخذوا معكم العاب الكترونية كي تتسلوا بها؟
عائشة : لان الالعاب الالكترونية لم تكن متوفرة بزماننا. وكنا نستمتع بصحبة بعضنا البعض مع اخي واخواتي الثلاثة.
فراس: ان زمانكم كان مملاً حقاً.
بقيت السيارة تسير بهم حتى وصلا الى المدائن ومنه عرجت بالسيارة الى سلمان پاك. وهناك اوقفت السيارة وصارت تسير على الاقدام مع فراس نحو المعلم الاثري.
فراس: يا سلام انه فعلاً جميل. ولكن ماهو بالضبط؟ يبدو لي وكأنه قاعة.
عائشة : انه جزء من قصر كبير للملك كسرى. هذا الجزء يسمى الايوان، وهو قاعة كبيرة لاستقبال الضيوف.
فراس: ومن هو كسرى يا امي؟
عائشة : كان ملك الفرس اسمه (انوشروان). الفرس هم الشعب الذي كان يسكن ايران ويتكلم اللغة الفارسية. تسمى المدائن بـ (تيصفون) لكن العرب اطلقوا عليها اسم المدائن. لقد بني هذا القصر في القرن السادس الميلادي وبالتحديد عام 540 م.
فراس: هل كان ذلك قبل الرسول ام بعده.
عائشة : انه كان قبله بالتأكيد لان الرسول هاجر الى المدينة عام 622 ميلادية. اي ان القصر بني بحوالي 75 عام قبل ولادة الرسول (ص).
فراس: يا سلام. انه امر عجيب. وكيف استطاعوا ان يبنوا كل هذا البنيان وكيف رفعوا الاحجار دون ان يكون لديهم رافعات حديثة.
عائشة : صحيح لم يكن لديهم تقنيات اليوم ولكن كان لديهم ادمغة تعمل. فقد كانت تُحمَل الاحجار من قبل العبيد وقتها.
فراس: ان ذلك حقاً معجزة يا امي.
كانت عائشة تستخدم هاتفها النقال في تصوير كل اجزاء المعلم الاثري وكان فراس يقف امام المعلم فتقوم بتصويره معه. بقوا طوال النهار يتنقلون حول ذلك القصر الاثري ويلتقطون الصور التذكارية حتى نظرت الام الى ساعتها فوجدتها تشير الى الواحدة ظهراً فسألت ابنها،
عائشة : هل انت جائع؟
فراس: اكاد اموت من الجوع. دعنا نأكل في السيارة الآن.
عائشة : كلا يا فارس. سنذهب الى مكان بالقرب من النهر ونفرش طعامنا هناك ونستمتع بسفرة جميلة.
فراس: فكرة رائعة يا امي.
ركبت الام وابنها السيارة واتجهت بهم نحو الجنوب فعبروا منتزه كتب عليه (منتزه المدائن الكبير). لكنها ارادت لابنها ان يشاهد الطبيعة لذلك استمرت بالسير نحو الجنوب حتى وصلا الى منطقة هادئة وجميلة بالقرب من النهر. اوقفت السيارة ونزلا يستكشفان المنطقة.
عائشة : هل اعجبك المكان؟
فراس: انه منظر جميل جداً يا امي. اهو نهر الفرات؟
عائشة : بل انه نهر دجلة.
فراس: يبدو لي انه اعرض من نهر دجلة الذي نراه ببغداد. هل انت متأكدة انه نفس النهر؟
عائشة : انه نفس النهر ولكنه يعرض احياناً ويضيق احياناً اخرى. لكنه بالتأكيد نفس النهر. اتعرف انه من اكبر انهار العالم؟
فراس: اجل، اخبرنا عنه مدرسنا وقال انه يضاهي نهر النيل ونهر السند والكنج بالهند ونهر المسسپي بامريكا ونهر الراين الذي يمر بعدة دول اوروبية.
عائشة : انا جداً معجبة بمعلوماتك عن الانهار. والآن دعنا نجد بقعة ملائمة فيها ظلال نستطيع ان نفرش مائدتنا تحتها.
فراس: ماذا عن تلك الشجرة الكبيرة؟ انها توفر الظل وقريبة من النهر ايضاً.
عائشة : خيار موفق حبيبي. ساقوم باعداد السفرة الآن. انتظر بعض الوقت.
فراس: بينما تعدين السفرة، دعيني العب هناك بالقرب من النهر.
عائشة : حسناً ولكن لا تبتعد كثيراً.
فراس: حسناً. نادني عندما يجهز الطعام.
اخذ فراس كرته وركض بعيداً فنادته امه من بعيد وقالت،
عائشة : لا تركض يا فارس، الربو...
لكنه لم يستمع لما قالته وذهب بعيداً يلهو ويلعب بكرته. وبعد عشر دقائق انتهت عائشة من اعداد السفرة نادت على ابنها فراس باعلى صوتها فلم يسمعها. ثم كررت النداء بضع مرات وهي تنظر بالاتجاه الذي ذهب به بلال. وبعد بضع دقائق جاء فراس يركض حاملاً كرته ويغطي صدره ووجهه العرق،
فراس: هل الطعام جاهز؟
عائشة : اجل يا حبيبي. ان رائحتك كرائحة الخروف من كثر الركض، اجلس هنا، ساعد لك صحناً جيداً. ساضع كل الاشياء التي تحبها، البيض المسلوق، كبة حلب، سلطة، بطاطة مسلوقة.
فراس: لا تنسي علبة الكولا.
عائشة : علبة الكولا مازالت بالثلاجة الفلين بصندوق السيارة. الا ذهبت واحضرتها؟
فراس: حسناً. ساعود بعد ثوان لا تبدأي من دوني.
احضر فراس علبة الكولا وجلس ليتناول طعامه. وبعد ان انتهى من الطعام قال،
فراس: الطعام سائغٌ جداً يا امي. لماذا لا نأكل مثل هذا الطعام بالبيت؟ لماذا تعملين لنا طعاماً رديءً بالبيت؟
عائشة : انا اعمل طعاماً رديءً يا فارس؟ سامحك الله.
فراس: اجل، الم تعملي لنا مرقة قيسي قبل يومين؟ انها عبارة عن مربى مع اللحم.
عائشة : حسناً اعدك باني لن اطبخ القيسي مستقبلاً. هل رضي جلالتك عني؟
فراس: اجل يا حضرة ملكة.
ضحك الاثنان وعاد فراس للسيارة واحضر علبة كولا ثانية بينما صبت عائشة لنفسها فنجان قهوة مرة.
وعندما عاد حاملاً معه علبة الكولا كان يصدر اصوات صفير تدل على ان الربو قد بدأ بالهيجان.
عائشة : استعمل بخاخك الازرق يا ولدي. فصدرك بدأ بالصفير.
فراس: لا عليك يا امي. انه سيذهب تلقائياً.
عائشة : بل استعمل البخاخ الآن اتسمعني؟
فراس: ارجوك يا امي اتركيني بحالي. إن الامر ليس بهذه الخطورة.
عائشة : حسناً ولكن ارجوك استعمل ابخاخ إذا زادت حدة الصفير.
جلس فراس يشرب علبة الكولا وبقي الصفير يخرج من صدره بشكل مستمر. كان القلق يزداد لدى عائشة لكنها لم ترغب ان تضغط على ابنها لانها تعلم انه سيستعمل البخاخ متى ما استفحل الامر لديه. وبعد مرور عشر دقائق اخرى صار الصفير عالياً جداً فنظرت الى ابنها نظرة حادة وهي تتوقع منه ان يفهم قصدها، فقال لها
فراس: حسناً، حسناً ساستعمل البخاخ ولا تنظري الي وكأنني اقترفت جرماً كبيراً.
دس فراس يده بجيبه واخرج البخاخ الازرق ثم وضعه على فمه. لكنه عندما ضغط عليه لم يخرج منه اي رذاذ. اعاد الكرة ثانية لكن نفس الشيء تكرر لديه فقال وهو يتنفس بصعوبة وبصوت عال،
فراس: البخاخ نفذ يا امي ماذا اعمل؟
عائشة : استعمل بخاخاً جديداً يا فراس ولا تهلع.
فراس: لم اجلب معي سوى هذا البخاخ. انا خائف يا امي. ماذا افعل انقذيني فانا لا اريد ان اموت.
عائشة : يا الهي ماذا عساي ان افعل؟ حاول ان تسترخي يا ولدي.
استلقى فراس على ظهره لكن الاصوات التي كانت تخرج من صدره كانت مخيفة جداً لكليهما، فقد اصبح دويها اعلى من ذي قبل.
اخرجت عائشة هاتفها النقال وحاولت الاتصال بطبيب العائلة مازن لكن الهاتف لم يتمكن من ربط هاتفها لعدم تواجدهم داخل شبكة قريبة للهواتف. "ماذا افعل يا ربي؟ الولد سيضيع مني. دعني اتذكر ما قاله الدكتور مازن عن حالات الطوارئ. قال اولاً يجب ان يكون بحالة جلوس"
عائشة : قم يا حبيبي، يجب عليك ان تجلس.
فراس: لا اقوى على ذلك يا امي.
قالها وهو يصرخ. علمت انه يصرخ لصعوبة الحديث بحالات النوبات لذلك لم تبالي لصراخه ولم تعتبره تقليلاً من احترامها.
عائشة : يجب عليك ان تضغط على نفسك وتجلس وهو امر مهم في نوبات الربو يا ابني.
اعانت ابنها على الجلوس فجلس وهو يسحب الشهيق بصعوبة كبيرة.
"والآن علي ان اسقيه قهوة سوداء خالية من السكر كما اخبرني الطبيب"
صبت بعض القهوة من القارورة (الثرمس) ووضعته في كأس كبير ثم قربته من فم فراس كي تسقيه، لكنه ادار رأسه الى الجهة الثانية رافضاً ان يشرب القهوة فقالت له،
عائشة : يجب عليك تناول القهوة، انها ستعينك على نوبة الربو يا ولدي.
شرب فراس القهوة من يد والدته على مضض وكأنه يتجرع السم. بقي صوت الصفير الذي يصدر من صدره عالياً وبقيت تسقيه كؤوس القهوة الواحد تلو الآخر حتى نفذت قارورة القهوة. طلبت منه ان يغلق عينيه وان يحاول التنفس بهدوء وببطء شديد.
بعد مرور اكثر من نصف ساعة بدأ فراس يتنفس بشكل شبه طبيعي بالرغم من استمرار الصفير الصادر من صدره الا انه اصبح اقل بقليل من ذي قبل. بدأت عائشة تشعر بنوع من الاطمئنان وقالت،
عائشة : يبدو انك تحسنت قليلاً، اليس كذلك؟
اومأ برأسه بمعنى نعم. هنا ابتسمت وقالت له،
عائشة : سنبحث لك عن مستشفى قريبةً منا كي اعرضك على طبيب.
فاومأ برأسه ثانية وركبا السيارة.
ادارت اتجاه السيارة عائدة للمدائن. وعندما وصلت هناك صارت تسأل المارة عن المشفى فادلوها الى شارع مستشفى المدائن وبآخر الشارع وجدت المشفى. ادخلت ابنها وهو يسير ببطئ شديد فاتاها احد الاعوان وسألها ان كانت بحاجة الى كرسي نقال فقالت نعم.
ادخلوا فراس الى عيادة الطبيب ففحص صدره فحصاً دقيقاً ثم قام بإعطائه حقنة والبسه كمامة بلاستيكية شفافة ووضع فيها دواءاً سائلاً وربطها بانبوب موصل الى صنبور الاوكسجين ثم وضع كماشة صغيرة على اصبعه مرتبطة بجهاز آخر، هنا استفسرت عائشة،
عائشة : ما هذه الحقنة يا دكتور؟
الطبيب : انها كورتزون بجرعة 60 ملي. والكمامة هي لدواء (برونكو دايوليتر) يساعد على توسيع القصبات وهو اشبه بالڨنتولين الموجود بالبخاخ اليدوي. اما هذه الكماشة فهي تدلنا على كمية الاوكسجين الذي بدمه فالرقم الحالي هو 82 وهو اقل بكثير من الرقم الطبيعي.
عائشة : هل ستريحه هذه الاجرائات؟
الطبيب : اجل، مفعول الابرة والكمامة سريع جداً لان الابرة (انترا فينوس) بالدم والكمامة ستدخل موسع القصبات مباشرة وتهدئ الازمة.
عائشة : وهل يتطلب منه ان يبقى بالمشفى؟
الطبيب : لا، بامكانك اخذه للبيت بعد ان تستقر حالته لكن الافضل ان تعرضيه على طبيب امراض صدرية ببغداد كي يتابع حالته. والآن ساكتب لك حبوب اسمها برتنيزولون بجرعة 5 ملغ. تعطيه منها اربعة حبات صباح كل يوم لمدة ثلاثة ايام ثم تنصفين العدد الى حبتين لمدة ثلاثة ايام ثم حبة واحدة لمدة ثلاثة ايام ثم تتوقفين تماماً بعدها. هناك الكثير من الصيدليات بالمدائن بامكانك شراء الدواء منها. ساكتب لك الدواء بهذه الوصفة. خذي بخاخ الڨنتولين الازرق هذا معك لحالات الطوارئ. انه مجاني لانه عيّنة.
اعطى الطبيب وصفة الدواء لعائشة وانتضرت قليلاً حتى اذن لها بالخروج فاخذت ابنها فراس وخرجت من العيادة متوجهة الى مخرج المشفى. ركبا السيارة وصارت تسأل المارة عن اقرب صيدلية بالمنطقة فادلوها على صيدلية تدعى صيدلية الشفاء والتي تبعد كيلومتراً واحداً عن المشفى. دخلت الصيدلية وسألت الصيدلانية التي تقف خلف المنضدة،
عائشة : هل لديكم هذا الدواء يا اختي؟
الصيدلانية : اجل انه نوع من انواع الكورتزون. هل المريض ابنك؟
عائشة : اجل، وكيف عرفتِ؟
الصيدلانية : من الجرعة طبعاً. لان هذا الدواء يأتي بنوعين الـ 5 ملغ والـ 25 ملغ. هذا الدواء مهم جداً، عليك الالتزام بالجرعات التي حددها الطبيب.
عائشة : اجل اخبرني الطبيب بطريقة التنقيص. اعطيه الدواء صباح كل يوم ثم اقلص الجرعات الى النصف كل ثلاثة ايام.
الصيدلانية : هذا صحيح. بالشفاء إن شاء الله.
عائشة : بارك الله فيك يا اختي.
خرجت عائشة حاملة قارورة الدواء وركبت السيارة ثم تفحصت ابنها فوجدته يتنفس بحالة جيدة لكنه هادئ فقبلته وقادت سيارتها متجهة الى بغداد.
باليوم التالي اخذت عائشة ابنها الى الطبيب مازن واخبرته بما حصل بالمدائن فهنأها على التزامها بالتعليمات بخصوص نوبات الربو واخبرها ان استخدامها للقهوة كان سديداً جداً.
بعد اسبوع عاد فراس الى حالته الطبيعية وتوقف عن تناول الكورتزون وصار حريصاً على حمل بخاخ مليء بالدواء اينما ذهب.

معلومة طبية عامة
تعتبر مادة الكافايين الموجودة بالشاي والقهوة ومشروبات الكولا والكاكاو مادة علاجية لنوبات الربو وهي اشبه بمادة الثيوفايلين. الثيوفايلين (theophylline) هي مادة موسعة للقصبات وتستعمل لتوسيع المسارات الهوائية كالقصبات الهوائية لذلك هو يخفف من اعراض الربو المزمن كالصفير والسعال ونقص التنفس.
المصدر:
https://www.cochrane.org/CD001112/AIRWAYS_the-effect-of-caffeine-in-people-with-asthma

https://community.aafa.org/blog/aafa-explains-will-coffee-or-caffeinated-drinks-help-my-asthma

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

745 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع