انهيار دولة

                                             

                              بسام شكري

انهيار دولة

في بداية نهاية شهر شباط 2019 كنت في مؤتمر لمجموعة من الاختصاصيين والكفاءات العراقيين في تركيا وقبل المؤتمر بيوم قام صديقي أبو عبد الله بدعوتي الى طاولة واحد من اهم الإعلاميين العراقيين المتخصصين في التاريخ وجلسنا نتبادل وجهات النظر حول الوضع العراقي وسألني عن رؤيتي للوضع في العراق وما هو الحل للخروج من دوامة الفساد باعتباري مخطط استراتيجي فأعطيته عدة خيارات يمكن اعتمادها كاستراتيجية للوصول للحل بداتها بالكفاح المسلح او وضع العراق تحت الوصاية الدولية او التظاهرات التي سوف تسقط النظام وكان الرجل في قمة اليأس والضجر فسألني عن توقعاتي الشخصية فقلت له من خلال قراءتي للواقع الحالي ان الشباب سيقومون بثورة وسوف تبدا بالاحتجاجات السلمية فزمجر غاضبا في وجهي وقال جملة واحدة فقط : ما هذا الكلام الغير منطقي ان الميليشيات التي تحكم العراق تمسك بالنظام بأسنانها وتقاتل دفاعا عنه الى اخر قطرة دم لان النظام مصدر الثروة والميليشيات طائفية وتمسك الشعب من الطرف الطائفي ومرتبطة بإيران وتحت حماية أمريكية وانهم لن يسمحون لاي معارضة لهم باي حال من الأحوال فكيف ان المظاهرات السلمية ستغير النظام ؟ فأجبته بان لعمليات النهب نهاية عندما يزداد النهب عن الحد المعقول في المقابل يزداد عدد الفقراء في العراق وتبدا عندها المواجهة بين الشعب الفقير واللصوص وان المستفيدين من نظام المنطقة الخضراء لا يمثلون اكثر من 5% من مجموع الشعب العراقي وهم الميليشيات وموظفي التشكيلات الميليشياوية وموظفي العتبات المقدسة والرفحاويين وبعض من موظفي الدولة والسفارات العراقية ولن يبقى احد يتمكن من الدفاع عن ذلك النظام وكلامي هذا هو قراءة للواقع وليس تنبأ , فما ان سمع كلامي حتى غضب مني وقال كلمات لم افهمها واشاح بوجهه عني وكأني قد قلت كفرا مما حدا بصديقي أبو عبد الله الى تدارك الموقف وبوجهه المبتسم واخلاقه العالية قام بتغيير موضوع الكلام وخرجنا سالمين بعدها من المطعم .
بعد تلك الحادثة بثمانية أشهر بدأت التظاهرات الاحتجاجية في العراق حسب توقعاتي وعندها سمعت ان صاحبي الإعلامي الخبير في التاريخ ما ان علم بالتظاهرات السلمية حتى رفع شعار الكفاح المسلح وهاج وماج وتشاجر مع الجميع يريد ان يستثمر فرصة التظاهرات الذهبية وتحويلها الى حمام دم لانه لم يستوعب بعد الدرس التاريخي المهم وهو الفقر هو الذي دفع الشباب للتظاهر عفويا وليس هناك أي تنظيمات عقائدية تقود التظاهرات , ذلك الاتجاه تبناه الكثيرين من المثقفين العراقيين في بداية التظاهرات لانهم لم يعتادوا على حركات الاحتجاجات السلمية .
لقد مرت الاحتجاجات السلمية بعدة منعطفات وبقيت في نفس مستوى المطالبات منذ اليوم الأول لغاية الان تبدا بتشكيل حكومة وطنية من خارج أحزاب الميليشيات وانتخابات مبكرة وتغيير الدستور وإلغاء القوانين الجائرة وغيرها من المطالب المعروفة ومن جانب اخر استمرت حكومة المنطقة الخضراء بنفس النهج وقد طرحت اكثر من 15 مرشح لرئاسة الوزراء جميعهم من نفس الطبقة السياسية التي شاركت بسرقة الشعب وتدمير العراق وكان شباب التظاهرات يرفضون الجميع الى ان جاءت جائحة كورونا التي انقذت الموقف للطبقة السياسية – الدينية وخفت حدة الاحتجاجات وظهر الكاظمي كرئيس وزراء يحمل الجواز الأمريكي ويدين بالولاء لإيران وهو الشخص المناسب جدا للتحالف الأمريكي الإيراني الذي يحتل العراق.
ان انهيار الدولة العراقية كدولة مؤسسات وهروب كافة الطبقة السياسية خلال فترة أقصاها شهرين ونصف من الان هو من الأكثر التوقعات الان وفق قراءتي للواقع المحلي والعالمي، لكن كيف ستكون عملية الانهيار ولماذا ؟ بعد انهيار أسعار البترول في السوق العالمية فان ميزانية العراق سوف تصبح خالية لان عائدات البترول والتي هي المصدر الوحيد للدخل القومي في العراق ولا توجد أي صناعات حيث تم تدمير كافة مصانع القطاعين العام والخاص من اجل الاستيراد من ايران لإنقاذ اقتصادها المحاصر من الانهيار والزراعة في العراق ليست احسن حالا من الصناعة فقد تم تدمير الزراعة والري بعد ان قامت تركيا وايران بسرقة وتحويل انهار وروافد كثيرة كانت تغذي العراق وتدمير الزراعة كان بشكل ممنهج وحتى لو قام الفلاحين بزراعة أراضيهم بالحبوب فان الميليشيات الإيرانية تقوم بحرق المحصول قبل حصاده و موارد الدولة المتمثلة بإيرادات المنافذ الحدودية والضرائب والجمارك والبلديات وبقية دوائر الدولة المختلفة تأخذ معظمها الميليشيات ولا يصل الى خزينة الدولة الا ما ندر وهذه الحقيقة يعرفها الجميع والنظام الذي اسسه بول بريمر بعد الغزو على أساس نهب الموارد وليس على أساس جمع الموارد وقوانين نظام الحكم الحالي معروفة للجميع ومنشورة في معظم وسائل الاعلام ويمكن الاطلاع عليها.
وبما ان مصروفات حكومة المنطقة الخضراء في العراق اكثر من إيراداتها خصوصا خلال السنتين الماضيتين وعمليات بيع الدولار الأمريكي الأسبوعية في البنك المركزي بطريقة المزايدات العلنية وشراء أي كمية دولارات تدخل الخزينة من قبل تجار إيرانيين او وكلاء عراقيين لهم من داخل العراق فان الاحتياطي النقدي قد نفذ وأصاب العجز الميزانية وبناء على ذلك الإفلاس فقد استدانت حكومة المنطقة الخضراء رواتب هذا الشهر من المملكة العربية السعودية , واذا كانت المملكة العربية السعودية دفعت رواتب العراقيين هذا الشهر فمن سيدفع رواتب الشهر القادم ؟ سوف لن يدفع احد رواتب الشهر القادم وعلى كافة العراقيين معرفة ذلك من الان والمحافظة على ما لديهم من نقد وعدم صرفه الا للغذاء والدواء
ولو افترضنا ان هناك مساعدة دولية ستصل للعراق لدفع رواتب الشهر القادم فهل ان إدارة دولة يكون بدفع رواتب فقط؟ وكما يقول المثل الشعبي : ان الحياة ليس اكل وشرب فقط وليس هناك انسان يموت من الجوع. لقد اصابت كورونا اقتصاديات دول عظمى فما سيحل بالعراق الذي يعيش على بيع البترول ؟ ماذا عن الانهيارات الاقتصادية العراقية والعالمية بسبب فيروس كورونا من سيقوم بدعم الاقتصاد الهزيل أساسا وسعر تخزين او نقل البترول أصبح اعلى من سعر البترول نفسه؟
سوف لن تتمكن الحكومة العراقية من تسديد رواتب موظفيها الشهر القادم وستعلن افلاسها وستطلب الاستدانة من البنك الدولي تحت أي شروط يضعها البنك الدولي وسوف يرفض البنك الدولي طبعا تقديم أي مساعدة لان ليس هناك ضمانات يمكن للعراق يمكن ان يقدمها فالبلد بدون ذهب ولا عملات اجنبية ومصدر ثروته الوحيد البترول اصبح ارخص من الماء ومن الممكن ان تحاول حكومة المنطقة الخضراء بيع أراضي عراقية لسداد رواتب الشهر القادم فليس في العراق شيء يمكن بيعه وتحويله الى نقد الا الأرض لكن العالم اجمع لا يخاطر بشراء ارض يسكنها الشعب العراقي لما عرف عن العراقيين من شراسة وقوة بأس وهم الذين بدا بهم تاريخ الإنسانية من ابونا إبراهيم (ع) مرورا بحضارات بابل واشور واكد وسومر والفتح الإسلامي وقيادة الحجاج ابن يوسف الثقفي الذي وصل بجيوش العراقيين الى الصين وفتح كل اسيا بهم ومرورا بالعباسيين الذين حكموا من بغداد ربع الكرة الأرضية في ذلك الزمان , اذن حتى لو عرضت المنطقة الخضراء نصف العراق للبيع مقابل دفع رواتب شهر واحد فليس هناك من يشتري.

لماذا تبقى الطبقة السياسية – الدينية في داخل العراق
الشهر القادم سوف تعجز الدولة عن سداد رواتب الموظفين لعدم وجود مبالغ في الخزينة بسبب عدم وجود مردود مالي من بيع البترول وبما ان سبب وجود الطبقة السياسية – الدينية في العراق هو نهب المال فان مبرر وجودها سوف ينتهي فكل واحد منهم لديه جنسية اجنبية ويملك قصر في بلده وعائلته تعيش هناك فما الذي يبقيه في العراق غير الآمن والمفلس والقذر وتسوده التظاهرات والذي تصل درجات الحرارة فيه الى الستين درجة؟ وبما ان تلك الطبقة تتصرف بشكل عملي واقعي وتحسب حسابات المافيا فأنها سترحل وتأخذ ما تبقى مما خف حمله وغلا ثمنه وتترك ورائها ميليشيات مسلحة معظمها إيرانية وبدون قيادة محلية.

مرحلة الانهيار الأولى
بعد هروب الطبقة السياسية – الدينية من العراق ستبدأ عمليات نهب وسلب واسعة النطاق وبشكل منظم مثلما حصل بعد انهيار النظام الوطني سنة 2003 عقب الغزو الأمريكي لكن هذه المرة سوف تختلف الحالة لان الذين سيقومون بنهب ما تبقى من أجهزة الدولة ومعداتها هم الميليشيات العراقية التابعة للطبقة السياسية – الدينية والتابعة لإيران و التي تحكم السيطرة على الشارع العراقي منذ 3002 وتعززت سيطرتها اكثر منذ تأسيس الحشد الشعبي بحجة تحرير العراق من داعش وسيتم نقل كل المواد المسروقة لإيران لان ايران تريد الاستفادة من كل شيء داخل العراق ومن جانب اخر فان الميليشيات ستفقد مبرر وجودها في العراق بعد هروب قيادتها للخارج وقد تركتها لقمة سائغة للجماهير للانتقام منها مما فعلته تلك الميليشيات بالشعب من مجازر وظلم وسوف تهب الجماهير من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب بعد هروب سجانيها حكام المنطقة الخضراء للخارج , عند ذلك فقط أتوقع ان ينهار التحالف الأمريكي الإيراني الذي يحتل العراق وتبقى أمريكا وحدها في قواعدها الثلاثة المحصنة في العراق وفيما بعد سوف لن يبقى لها مبرر للوجود أيضا لعدم وجود بترول في العراق أولا ولهروب الطبقة السياسية – الدينية التي نصبتها أمريكا كسجان للشعب العراقي ولان العراق لن يبقى فيه شيء يخيف أمريكا وإسرائيل .
لقد حاول المحتلين للعراق خلال الشهرين الماضيين إعادة نشاط داعش بهدف مشاغلة العراقيين والهائهم عن التظاهرات الاحتجاجية وهذه خطة مخابراتية غبية لم تستند للواقع والتطورات الأخيرة في عالم كورونا وعالم انهيار أسعار البترول واتوقع في المرحلة القريبة القادمة سوف تنتهي لعبة داعش للابد لأنها كانت اللعبة التي يتم خلالها اشغال العراقيين بين فترة وأخرى من اجل نهب ثرواتهم وقتل اكبر عدد منهم , الرئيس ترامب نفسه صرح لوسائل الاعلام مرتين خلال حملته الانتخابية وثلاث مرات خلال فترة رئاسته بان الرئيس السابق باراك أوباما وهيلاري كلنتون من صنع داعش اذن فداعش جزء من الجيش الأمريكي فلماذا يقاتل الجيش الأمريكي جزء منه ؟ لقد أصبحت داعش لعبة مكشوفة مملة وسخيفة وحتى الطفل في الشارع العراقي يعرفها مثلها مثل التحالف الأمريكي الإيراني الذي يحتل العراق.
من خلال قراءتي للواقع الحالي الذي سيتمخض عنه ذلك المستقبل فاني أتوقع ان يعيد العراقيين ترتيب أوضاعهم وتظهر من بينهم قيادات جديدة تعيد بناء العراق بالدم والعرق والجهد البدني بعد ان يفقد العالم الكثير من الموارد ويشرق عالم جديد عالم ما بعد كورونا عالم بدون بترول وسوف تظهر قوى وأحزاب جديدة من بين شباب التظاهرات وتقوم بتشكيل أحزاب متطورة على النمط الأوروبي وتضع الجميع ورائها. ان الظروف خدمت العراقيين عندما قامت التظاهرات الاحتجاجية فقد كانت فترة التظاهرات بمثابة تدريب للشباب العراقي على الحراك والاحتكاك بقوات القمع والميليشيات والتجمعات الليلية التي كانت في جميع ساحات الاعتصامات لمناقشة الأوضاع السياسية وسيكونون مؤهلين لقيادة الدولة حال هروب اللصوص.
لقد أخطأت الطبقة السياسية – الدينية خلال 17 عاما خطأ جسيما عندما تصورت انها ممكن ان تسيطر على العراقيين وتنهب ثرواتهم بتفرقتهم قوميا ودينيا وطائفيا وتبقيهم في سجن كبير ونسيت تلك الطبقة ان الانترنيت الذي ربط العالم في شبكة واحدة وقد وفرت وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة للشباب العراقيين معلومات هائلة عن العالم والتطورات العلمية والتكنلوجية والتعرف على الأحزاب العالمية وأنظمة الحكم المختلفة وقد شاهد العراقيين كيف انهم يملكون ثالث احتياطي بترول في العالم وهم محرومين من ابسط حقوقهم الأساسية مثل الماء والكهرباء والبنية التحتية والمستشفيات والمدارس والعمل ويأكلون طعامهم بالذل والدم والمهانة وامام اعينهم يسرق السياسيين ورجال الدين أموالهم ويسمعون ويرون على التلفزيون يوميا اعترافات اللصوص وصراعاتهم على الأموال والمكاسب والمناصب وشاهد الشباب العراقي المحروم كيف ان أبناء عمومتهم وجيرانهم دول الخليج العربي التي هي اقل ثروة منهم تعيش في قمة الرفاه والتطور والامن والاستقرار حيث يقضي شباب الخليج عطلاتهم في ارقى المنتجعات السياحية في أوروبا ويتسوقون من اغلى وارقى المحلات التجارية وشباب العراق لا يجدون لقمة عيشهم وبدون كهرباء وماء صحي في درجات حرارة صيف العراق اللاهب , ان ذلك التواصل العالمي للشباب العراقي من خلال ما وفرته تكنلوجيا الاتصالات إضافة الى انكشاف اللعبة الطائفية التي شغلت العراقيين خلال الفترة السابقة كل تلك العوامل من قلب الموازين وفجر التظاهرات وما سيحصل من انهيار الدولة وهروب الطبقة السياسية – الدينية الفاسدة من العراق سيعطي الفرصة الذهبية للشباب المتظاهر لقيادة العراق الجديد عراق ما بعد كورونا عراق بدون الاعتماد على البترول كمصدر وحيد للدخل القومي .
انصح الشباب الذين قادوا وشاركوا في التظاهرات الاحتجاجية ان يخططوا من الان لتشكيل وحدات حماية ذاتية من بينهم لحماية انفسهم واعراضهم وممتلكاتهم وممتلكات الدولة من نهب الميليشيات واغلاق منافذ الهروب بوجه اللصوص وميليشياتها وان لا يلتفتون للخلف ابدا ويعملون من اجل المستقبل لان الزمن اغلى من التحسر على الماضي وكما عهدناهم في حراكهم السلمي موحدين غير طائفيين وان لا يرفعون أي راية طائفية او قومية وان يقف الجميع موحدين متماسكين تحت راية العراق وان لا ينتقمون من قتلتهم بشكل شخصي وانما يحاكمون من اساء اليهم محاكمة عادلة لكي يثبتوا انهم ارقى من اللصوص الهمج وميليشياتهم القذرة.
فان يك صدر هذا اليوم ولى فان غدا لناظره قريب

الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

834 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع