قصة قصيرة - العنكبوت -الجزء الاول

                                                 

                               بقلم أحمد فخري

قصة قصيرة -العنكبوت -الجزء الاول

وقفت ديلارا يوم الجمعة على باب محطة اسطنبول الرئيسية للقطارات وهي في غاية التوتر تنتظر صديقتها ورفيقة الدراسة مريم "يا الهي! اين ذهبت هذه المعتوهة؟ قالت انها ستكون بالمحطة تمام الساعة الحادية عشر والنصف صباحاً. الآن هي الحادية عشرة وخمسون دقيقة وليس لها اي اثر. اين انت يا مريم؟"

وما ان اكملت جملتها حتى وقفت سيارة اجرة صفراء امام باب المحطة ونزلت منها صديقتها مريم حاملة حقيبة وردية صغيرة خلف ظهرها وسارت نحو ديلارا وهي تبتسم.
ديلارا : لماذا تأخرت يا مريم؟ لم يبقى لدينا وقت. القطار سيتحرك قريباً.
مريم : استرخي يا ديلارا وتمهلي. مازال هناك ربع ساعة على موعد القطار.
ديلارا : بل عشرة دقائق فقط. علينا ان نهرول أفهمت؟
مريم : حسناً، حسناً سنهرول وسنلحق القطار، لا تتوتري حبيبتي مازال لدينا المزيد من الوقت. دعيني ادفع اجرة التاكسي.
وبينما هما يهرولان قالت ديلارا،
ديلارا : انت دائماً تفعلين بنا تلك المصائب لانك لا تكترثين للاشياء ولا تأخذين الامور بجدية كما ينبغي. احمدي الله انني قمت بشراء التذاكر مسبقاً والا لاضطررنا ان نقف الآن في الصف على شباك التذاكر.
مريم : قلت لك لا تتوتري يا عزيزتي، سوف نلحق بالقطار. هل هو بالرصيف رقم 7؟
ديلارا : كلا، انه الرصيف 16 اي قبل الاخير بواحد وهذا ما سيزيد بالطين بلة لانه بآخر المحطة.
مريم : لا تهتمي يا عزيزتي سنبلغ القطار قبل ان يتحرك.
في مكان ليس بعيد عن الفتاتين وقف رجل نحيف طويل القامة في عقده الرابع ينظر الى الفتاتين ويتحدث بهاتفه النقال قائلاً، "ستستقل ديلارا القطار بعد قليل" سكت قليلاً ثم قال، اجل، اجل ساكون بالقطار معها وساقوم بالمهمة حالما يتحرك القطار".
وصلت ديلارا ومريم القطار المطلوب على الرصيف 16 بالوقت الذي ابتدأت عجلاته تدور. ركبتا القطار واغلقتا الباب باحكام ورائهما بينما ركب الرجل الذي كان يتحدث بالهاتف ويدعى امره في عربة ثانية من نفس القطار واغلق الباب ورائه هو الآخر. سار بداخل العربات الواحدة تلو الاخرى حتى عثر على القمرة التي تجلس بها ديلارا فسحب مسدسه وهم بفتح الباب لكنه بآخر لحظة تنبه لوجود رجل يجلس بنفس القمرة مع الفتاتين فتوقف وتراجع الى الوراء. "من اين جاء هذا الساقط؟ يجب علي ان اتأنى حتى يخرج من القمرة فادخل بعدها لاخلّص على هذه الفتاة اللعينة"
جلست مريم وديلارا بقمرتهما فقالت ديلارا،
ديلارا : بالكاد لحقنا القطار وهذا بفضل برودك.
مريم : لا تكوني متوترة لهذه الدرجة يا ديلارا. اخبرتك بان لدينا وقت وفير.
ديلارا : اجل، ولولا اننا ركضنا لما لحقناه ابداً وبذلك كنا سنضطر لانتظار ساعتين اخرى كي يخرج القطار الذي يليه.
مريم : لا اعلم سبب توترك هذا! يجب على والدك اصلان بيك ان يعرضك على طبيب نفسي فانت مجنونة بامتياز وبشهادة تقدير.
ديلارا : كفي عنك هذا الهراء، انت التي تحتاجين الى طبيب نفسي لانك تعانين من تجمد الاعصاب المزمن.
مريم : حبيبتي ديلارا، تجمد الاعصاب يأتي من المهنة. فبعد سنة من الآن ساتخرج مهندسة ميكانيك وهذه المهنة مبنية على برود الاعصاب. عمرك شاهدت مهندساً ميكانيكياً متوتراً؟
ضحكت الفتاتين وجلستا بداخل كابينتهما بينما تشارك معهما راكب آخر بالكابينة وكان جالساً امام مريم مباشرةً. كان يرتدي بدلة رمادية اكل الدهر عليها وشرب ويضع نظارة طبية ثخينة تدل على ان بصره ضعيفٌ للغاية. كان لديه شارباً رفيعاً جداً يشبه ذيل الفأر مما يشير الى انه من الزمن الغابر مع انه لم يتعدى 30 عاماً. اما الفتاتين فكانتا ببداية العشرينات. بقي الراكب يبحلق بهما وكأنه يريد ان يأكلهما بنظراته الوقحة. همست مريم باذن صاحبتها قائلةً،
مريم : هل لاحظت ذلك الفضولي وهو يبحلق بنا؟
ديلارا : بل انه ينظر الى ساقيك العاريتين يا فتاة. كان الاجدر بك ان تلبسي فستاناً اطول من ذلك، فملابسك الداخلية تكاد تظهر للعيان.
مريم : ماذا افعل يا روحي؟ الجو شديد الحرارة هذه الايام والموضة تتطلب ملابس قصيرة.
ديلارا : إذاً لا تشتكي من المضايقات وتقبلي نظرات الرجال لسيقانك العارية.
وبتلك اللحظة انفتح باب الكبينة ودخل رجل كبير السن ذو كرش متدلي الى الامام قصير القامة يحمل بيده آلة لقطع التذاكر قال،
"ابرزوا تذاكركم لو سمحتم"
اخرجت ديلارا تذكرتين من حقيبتها وسلمتها للرجل. قام بقطعها بآلته اليدوية ثم ارجعها لديلارا. نظر الى الراكب الآخر وقال، "تذكرتك لو سمحت؟"
قام الرجل بدس يده في جيب معطفه الخارجي فلم يجدها ثم فتش عن التذكرة بجيوبه الداخلية ثم وقف وصار يفتش عن التذكرة بجيب سرواله حتى صرخ قائلاً، "ها هي، ها هي، انا اعرف اني وضعتها بجيبي لكني لم اتذكر باي جيب كانت"
قطع الرجل تذكرة الراكب ثم غادر الكبينة وهو يهز برأسه.
كان امره يراقب كل ذلك من نافذة الباب الزجاجية وقال لنفسه، "ربما الاجدر بي الدخول الى القمرة الآن والتخلص من الجميع بآن واحد وبذلك اكون قد نفذت المهمة". لكنه تراجع بآخر لحظة وتذكر ان سيده سيغضب منه كثيراً لو انه قتل ثلاثة اشخاص بدلاً من الهدف. صبّر نفسه وتأنى قائلاً، "ليس لدي خيار سوى ان انتظر ذلك الحمار كي يخرج الى خارج القمرة فانقض على هدفي وانهي مهمتي، وقتها ساضطر لقتل زميلتها معها لاني لا اريد شهود عيان ولا اعتقد ان الفتاتين سيقاومان. اما الحمار الجالس بالكبينة فقد يقاوم وقد يتغلب عليّ. فانا ضعيف بالقتال اليدوي ولا اقوى سوى القتل بالسلاح. حتى عندما كنت بالجيش. كنت اتجنب القتال بالايدي"
وبينما هو يفكر طويلاً بطرق متعددة للتخلص من هدفه توقف القطار فجأة فاهتزت العربة بعنف ففقد امره توازنه وكاد ان يسقط على الارض ولكن من دون سابق انذار امتدت له يد فأمسكت به واسندته، رفع رأسه للاعلى ليجد مريم تمسك به وتقول له،
مريم : هل انت بخير سيدي؟ هل اصابك مكروه؟
لكنه رمق زميلتها ديلارا بنظرة ولم يتفوه بكلمة واحدة. علم وقتها ان الفتاتين ارادتا السير بالقطار نحو عربة المطعم ففكر مع نفسه، "هذه فرصتك يا امره، لقد ابتعدت الفتاتان عن الراكب الذي كان في قمرتهما. ساطلق النار عليهما هنا بالممر اثناء سيرهما نحو عربة المطعم". دس يده بجيبه الداخلي ماسكاً المسدس بيده وهمّ باخراجه لكن قبل ان يخرجه من جيبه تماماً لمح رجلاً مقبلاً فارجع المسدس الى مكانه وقرر ان ينتظر حتى يمر ويبتعد. وما ان ابتعد الرجل خلفهم عاد ودس يده بجيبه ثانية كي يعيد الكرة وينفذ المهمة الا ان الفتاتين فتحا باب العربة التالية ثم اغلقاه ورائهما فتبعهما الى العربة الموالية بعد ان اخفى المسدس من جديد. وعندما همّ مرة ثالثة باخراج المسدس، وصلا الى عربة المطعم فارجعه الى جيبه وقرر ان يصبر قليلاً علّه يحصل على فرصة افضل، فالتهور بمثل هذه المواقف يؤدي الى عواقب وخيمة. هنا سمع احداهما تقول للاخرى،
مريم : ماذا ستشربين يا ديلارا؟
ديلارا : اريد قهوة يا مريم فنسبة الكافايين قد هبطت بدمي لمستوى خطير جداً وعلي ان اتدارك الامر.
مريم : الا تريدين ان تأكلي شيئاً معها؟
ديلارا : كلا، القهوة ثم القهوة ولا شيء سوى القهوة.
مريم : من يسمعك يعتقد انك بمحكمة تؤدين القسم القانوني.
ديلارا : انها محكمة العدل الجسدية. هاهاها
ابتسم امره لما قالته ديلارا ثم قال لنفسه، "يبدو ان لهدفي روح نكتة طريفة، من المؤسف انها ستموت بعد قليل. بالمستقبل سابحث عن زوجة لها روح نكتة تشبه هذه الفتاة الجميلة"
حافظ امره على المسافة بينه وبين الفتاتين كي لا يشعرا بوجوده وهو يتتبع اثرهما فجلس على طاولة بعيدة وادار ظهره لهما. لكنه كان متأهباً تماماً كي يطلق النار عليهما متى ما سنحت له الظروف.
مريم : كم تستغرق رحلة القطار الى انقرة؟
ديلارا : عادة 5 ساعات لكن قطارنا هذا سوف لن يقف بمحطات في الطريق لذا فانها ستستغرق 4 ساعات فقط.
مريم : وهل سيستقبلنا سائق والدك بانقرة؟
ديلارا : كلا، انا لم اخبر والدي عن زيارتي له. اردت ان اعمل منها مفاجئة. فهو سيفرح كثيراً بمجيئي.
مريم : وهل تعتقدين انه سيمانع من مصاحبتي لك؟ اقصد البقاء معكم بالبيت.
ديلارا : بالعكس، ستلاحظين ان والدي لطيف جداً وسيرحب بك بحرارة لانه يفعل ذلك مع جميع صديقاتي. يجب ان تأخذي حذرك منه لانه يتكلم كلاماً معسولاً مع الفتيات الجميلات مثلك.
مريم : حبذا لو يتزوجني ابوك فاصبح مليونيرة، وقتها ستناديني يا امي هاهاها. لماذا لا نأخذ القهوة معنا ونعود للكبينة؟
ديلارا : دعك من هذا يا فتاة، هل تريدين ان يبحلق ذلك الوغد بفخذك بينما تشربين قهوتك؟ انا افضل ان نشربها هنا.
وبهذه الاثناء دخل ثلاثة شبان الى عربة المطعم واوصوا على قهوة وشاي وشطائر. نظر احدهم صوب الفتاتين وسأل،
الشاب الاول : هل انتما ذاهبتان الى انقرة؟
ديلارا : كلا نحن ذاهبتان الى باريس.
فضحك الشابان الآخران وقال احدهما، "هذا اسلوب غبي في مبادرة الحديث. كيف تسأل فتاة عن وجهتها وهي راكبة القطار معك بنفس الاتجاه؟ كم انت ساذج"
الشاب الاول : وهل تتوقع مني ان اسألها عن الدروس؟
الشاب الثاني : لا، ولكن يجب عليك ان تختار موضوعاً يناسب الحالة التي انت فيها. فمثلاً تسأل عن المسافة ما بين انقرة واسطنبول. او تسأل عما اذا كانت القهوة التي تشربها جيدة ام سيئة. او تسأل إذا كان بامكانك ان تتسلف هاتفها كي تتحدث مع والدتك المريضة بالسرطان. شيء من هذا القبيل.
الشاب الاول : لكن والدتي ليست مصابة بالسرطان.
الشاب الثالث : انا اقترح عليك ان تنسى مغازلة الفتيات وتركز على تربية القطط.
ضحك الشابان على زميلهما ثم اخذوا مشروباتهم وشطائرهم وخرجوا من عربة المطعم. علم امره ان هذا هو انسب وقت لينفذ مهمته لانه سوف لن يجد فرصة افضل من ذلك فالفتاتان وحيدتان في المطعم الآن. ادخل يده في جيبه الداخلي ومسك بمسدسه وهم باخراجه لكن بتلك اللحظة الحرجة رن هاتفه المحمول فارجع المسدس الى مكانه ورد على الهاتف قائلاً،
امره : الو، من المتصل؟
المتصل : اخبرني ايها البغل، هل قتلتها؟
امره : كلا ليس بعد. كنت سافعلها قبل ثوان لكنك قمت بالاتصال بي فتراجعت عن ذلك.
المتصل : اعلم انك إذا اخفقت فسوف تكون نهايتك لانك اخبرتني ان الفتات ستموت اليوم.
وبينما هو يتحدث بالهاتف، مرت الفتاتين من جانبه باتجاه كابينتهن.
امره : اعلم ذلك. اطمئن سوف انفذ المهمة اليوم.
المتصل : هيا اتصل بي حالما تخلصنا منها.
امره : سافعل، سافعل لا تقلق.
المتصل : كل مرة تقول لي لا تقلق لكنك تخفق في مهمتك. لماذا لم تقتلها عندما كانت في محطة اسطنبول؟
امره : قلت لك اني لم اتمكن من ذلك لان الاكتظاظ بالمحطة كان كبيراً وقتها.
المتصل : ومتى لا يوجد اكتظاظ بمحطة اسطنبول ايها الحمار الاعرج.
امره : انا سانفذ المهمة اطمأن. ساغلق الخط الآن.
اغلق الخط مع المتصل وعاد مسرعاً باتجاه العربة التي تجلس فيها الفتاتان. وعندما وصلها نظر من نافذة الباب فوجد الفتاتين منهمكتان في نقاش مع المسافر الذي معهما في الكبينة. فتراجع الى الوراء وقرر تأجيل المهمة حتى يجد فرصة افضل.
قالت ديلارا،
ديلارا : ان رجب طيب اردغان هو افضل رئيس للدولة في تاريخ تركيا منذ ان رحل مصطفى كمال اتاتورك وحتى الآن.
مريم : انه فعلَ ويَفعلُ الكثير للبلاد منذ توليه الحكم. لقد انتشل البلاد من التخلف وبث الثقافة والديمقراطية والتقدم العلمي.
المسافر : ولماذا ادخل الحجاب للجامعات والمدارس إذاً ؟ اليس ذلك مدعاة للتخلف في نظركم؟
ديلارا : قد يكون ذلك تخلفاً في نظرك. لكن في نظر البعض الآخر تعزيزاً للحرية الشخصية.
مريم : كل انسان له مطلق الحرية كي يرتدي اي لباس يراه مناسباً له. وليس لاي احد الحق التدخل بذلك.
المسافر : وهل تعتقدين ان لباسك مناسباً لمجتمعنا ومواكباً لعاداتنا وتقاليدنا؟
مريم : هذا ينطوي تحت بند الحرية الشخصية. انا ارتدي ما اراه مناسباً لشخصيتي.
ديلارا : اردغان لم يمنع اللباس الغربي لكنه حرر اللباس الاسلامي للنساء.
المسافر : لو كنا في زمن الخلافة لما استطعتن ان ترتدين ملابس مفضوحة مثل التي ترتدينها اليوم.
ديلارا : يبدو انك انسان متخلف ومن الصعب النقاش معك. ارجوك اغلق فمك واتركنا نستمتع بالمنظر من الشباك.
سحبت مريم فستانها قليلاً الى الخلف فصارت ملابسها الداخلية واضحة للعيان. كانت تلك الحركة تحدياً سافراً لذلك المسافر الذي عكر مزاجهن. ثم نظر ت الى صاحبتها وبصوت مرتفع سألت،
مريم : اخبريني يا ديلارا، كم حبيب صار عندك؟
ديلارا : اثنان فقط.
مريم : لماذا يا عزيزتي؟ انا عندي 3 الآن وانا اضاجعهم جميعاً بآن واحد وعلى نفس السرير.
شعر المسافر انه لا يمكن ان يربح النقاش مع هاتين الفتاتين المتسيبتين المتحررتين التين لم يبقى لهن اي احترام للشرف والحياء. وضع رأسه على طرف الكرسي الذي يجلس عليه واغمض عينيه. همست مريم باذن صاحبتها وقالت،
مريم : لو علم هذا البغل اننا عذراوات لانتحر من اكاذيبنا. هاهاها
سار القطار لثلاث ساعات متتالية ولم يخرج احد من الكبينة. بينما بقي امره مرابطاً بالقرب من الباب. استمرت الفتاتين بالتحدث فيما بينهن وصرنَ يضحكنَ بصوت عالٍ كي يتعمدن ازعاج المسافر الذي يتشارك معهن الكبينة بينما استمر هو بنوم عميق بعد ان اغضبه كلام ديلارا ومريم.
مريم : اخبريني يا ديلارا، كم بقي من الوقت؟
ديلارا : ربما بضع دقائق ونصل الى انقرة. تأكدي من جميع امتعتك ولا تنسي شيئاً خلفك.
وقفت الفتاتان كي يخرجا الى الممر استعداداً للهبوط من القطار فتراجع امره الى الوراء وتوارى كي لا يراه احد. وبنفس الوقت صار الممر مكتضاً بالركاب الذين تجمعوا في الممرات كي يغادروا القطار على عجل. قرر امره تأجيل التنفيذ بسبب كثرة الشهود وقرر ان يتبعهما علّه يجد فرصة افضل. ترجلت الفتاتين من القطار بعد ان توقف تماماً بمحطة انقرة وصارت ديلارا تجر حقيبتها ورائها بينما سارت مريم الى جانبها وخرجتا الى خارج مبنى المحطة فوجدتا طابوراً طويلاً على سيارات الاجرة. هنا قالت مريم،
مريم : الطابور طويل جداً على سيارات الاجرة فلماذا لا نستقل الحافلة اليس ذلك افضل؟
ديلارا : هل جننت يا مريم؟ انت تعلمين ان الحافلة لا تأخذنا الى بيتي مباشرة بل يجب علينا ان ننزل في محطة انقرة المركزية ثم نأخذ حافلة اخرى كي تنقلنا الى منطقة (رزا شاه بهلڨي). وعندما نصل هناك علينا ان نسير ما يزيد عن ربع ساعة. هل يعجبك كل ذلك؟
مريم : كلا طبعاً. دعينا إذاً نقف بالطابور ونركب سيارة اجرة.
سمع امره حديثهما فترك مسافة بينه وبينهما كي لا يشعرن به وبقي يتابعهما حتى وصلا الى طابور سيارات الاجرة فوقف هو الآخر بالطابور بعد ان ترك عدداً كبيرة من الركاب بينهما. بقي الطابور يتحرك ببطيء شديد وممل جداً وبقيت الفتاتين يتأففان حتى وصل الدور اليهما فركبا سيارة اجرة انطلقت بهما متجهة صوب المنزل. اما امره فلن يتمكن من ان ينتظر دوره فخالف النظام وركض مباشرة نحو السيارة الموالية واخرج ورقة بالف ليرة وقال وسط اعتراض الناس الذين يقفون بالطابور،
امره : ساعطيك هذه الورقة اذا تغاضيت عن الطابور. انها مسألة حياة او موت يا اخي.
السائق : لكنك ستخلق مشكلة ما بيني وبين ادارة سيارات الاجرة.
امره : ساعطيك الف ليرة اخرى عندما نصل الى وجهتنا، ما رأيك؟
السائق : حسناً اركب وامري الى الله.
سارت سيارة الاجرة بامره فسأله السائق،
السائق : الى اين؟
امره : اتبع تلك السيارة بسرعة ولكن اترك مسافة بينك وبينها.
تتبعت سيارة امره سيارة الفتاتين حتى وسط مدينة انقرة ثم خرجتا من زحمة المدينة وصارت تسير بالضواحي. في السيارة سألت ديلارا صديقتها،
ديلارا : لماذا لا ترتدين حزام الامان يا مريم؟
مريم : اشعر وكانه يخنقني.
ديلارا : لكنه لمصلحتك.
مريم : دعك من هذا الكلام. انظري، حتى السائق لا يرتدي الحزام فلماذا ارتديه انا؟
ديلارا : انت حرة.
وبعد مرور ربع ساعة كانت سيارة الفتاتين تسير بسرعة عالية جداً، قابلتها حافلة كادت ان تصطدم بهم وجهاً لوجه، فادار السائق عجلة السيارة يميناً كي يتفادى الاصطدام لكنه كان يسير بسرعة مفرطة فبدأت السيارة تتدحرج حول نفسها. وبينما هي تتدحرج ارتمت مريم خارج السيارة واصبحت بعيدة عن موقع الحادث بمئة متر او اكثر. بعد ذلك استقرت السيارة على عجلاتها الاربعة. راقب امره وسائقه منظر السيارة وهي تتدحرج دون ان يرى مريم وهي ترتمي من السيارة فاوقف السيارة ونزل منها امره ثم قال للسائق،
امره : خذ الالف ليرة هذه وارحل من هنا فوراً.
اخذ السائق المال من امره ورحل من المكان دون ان يعترض. سار امره صوب السيارة المنكوبة كي يستطلع الامر ويتأكد من موت ديلارا. وبهذ الاثناء حاولت مريم ان تقف على ساقيها لكنها فقدت توازنها وهوت على الارض ثانية بوسط مجموعة كثيفة من الاعشاب والاشجار، رفعت رأسها كي تستكشف الامر فاصابها الذهول. شاهدت امره يقترب من السيارة المنكوبة ويتفحص السائق ثم ينظر الى الكراسي الخلفية فيرى ديلارا بداخل السيارة. نظر الى السائق فوجده قد فارق الحياة ثم تفحص ديلارا فوجدها ما زالت حية لذا قرر ان ينفذ مهمته بلا تردد. اخرج مسدسه ووجهه صوب ديلارا فهال مريم ذلك المنظر وقالت بسرها "ماذا يجري؟ ماذا تفعل ايها المجرم؟ هل انا احلم ام انه سيطلق النار على ديلارا؟ يا الهي ماذا يجب ان افعل؟ هل اصرخ عليه فيعرف مكاني ويأتي الى عندي كي يقتلني بعد ان يقتل ديلارا؟ ام التزم الصمت حتى ينال عقابه على جريمته؟
وبتلك اللحظة قاطع سلسلة افكارها صوت طلقات نارية. نظرت باتجاه القاتل فوجدته يطلق رصاصتين الى داخل السيارة باتجاه صديقتها ديلارا. وضعت يدها على فمها كي لا تصرخ وصارت الدموع تسيل من عينيها تلقائياً. بقيت مريم مشدوهة لما شاهدت لفترة من الزمن. فكل ذلك لم يستغرق سوى ثوانٍ معدودات حيث تسارعت الاحداث امامها كما لو كان فيلماً تشهاده في السينما. ايعقل ذلك؟ ايعقل ان تنقلب سيارتهم وترتمي هي الى خارج السيارة فلا يصيبها مكروه بينما يطلق رجل مجهول الرصاص على رفيقتها المقربة ديلارا؟ هل نحن في تكساس او في شيكاغو؟ ماذا يجري؟ انتبهت مريم ان القاتل بدأ يسير صوبها فاستدارت وهربت بالاتجاه المعاكس. بقيت تركض دون ان تعلم الى اين تتجه لكنها على يقين ان حياتها اصبحت الآن في خطر وان الرجل الذي قتل ديلارا قبل قليل سوف لن يهدأ له بال حتى يتخلص منها لانها شاهدة على جريمته البشعة.
اما الرجل فلم يري مريم بتاتاً، فقط اراد ان يترك موقع الجريمة قبل ان يأتي احد هناك فيضطر الى قتله هو الآخر. لذا قرر ان يبحث عن صديقتها التي ركبت معها سيارة الاجرة لاحقاً. حالما لمح سيارة اجرة تمر بجانبه استقلها وانطلقت به حتى توارت عن الانظار. اما مريم فقد بقيت تجري دون ان تعلم الى اين تسير ظناً منها ان القاتل مازال يتبعها فهي غير ملمة بالمنطقة فكيف تتنقل بمثل هذه الظروف وبمثل هذه المدينة الغريبة؟ اجل، يجب عليها ان تعود الى مدينتها اسطنبول ولكن كيف؟ هي فقدت حقيبتها بداخل السيارة المنكوبة والتي تحتوي على 500 ليرة كانت قد اخذتها معها لحالات الطوارئ. وماذا عن ذلك المجرم الذي يتبعها؟ سوف يلحق بها اذا ما توقفت عن السير. بقيت تسير لساعات طوال فاحيانا تركض واحياناً تسير ببطء والارهاق صار يأخذ منها منحىً كبير. ماذا ستفعل؟ ما هي خطتها هل تذهب الى الشرطة مباشرة وتخبرهم بما شاهدت؟ ام تذهب الى منزل المليونير اصلان بهجت وتخبره عن الحادث ثم تدعه يتصرف بمعرفته؟ امر محير جداً وهي قليلة الخبرة بمثل هذه الامور، فلم يسبق لها ان واجهت حالة خطيرة مثل هذه الحالة التي تمر بها الآن.
بقت تسير طوال اليوم حتى وصلت الى حديقة عمومية كبيرة كتب على يافطة فوق بوابتها (متنزه جنشليك). دخلت المتنزه وصارت تسير بممراته المتعددة التي تحيط بها الزهور الجميلة المنسقة بكلا الجانبين على نمط انيق دون ان تنتبه لجمالها. وما ان رأت اريكة خشبية خضراء حتى اسرعت اليها وجلست في امل ان تأخذ قسطاً من الراحة لبضع دقائق قبل ان تواصل السير خوفاً من بلوغ القاتل اليها. كانت تشعر وكأن الاريكة تسحب جسدها كالمغناطيس. قاومت كثيراً من ان تستلقي عليها حتى شعرت ان جسدها ثقيل جداً وانها ستخر على الاريكة كالشمعة بدون رغبة منها فاستلقت فوراً وغرقت بسبات عميق. فتحت عينيها على صوت رجل يقول لها "استيقظي يا انسة. هيا استيقظي". ادارت رأسها وتفحصت الجهة التي يأتي منها الصوت فوجدت اثنان من اعوان الشرطة يقفان بجانب اريكتها. احدهم كان طويلاً في عقده الرابع اما الثاني فقد كان شاباً وسيماً لا يتعدى العشرين سنة بقليل. استعدلت مريم بجسدها وجلست على الاريكة. نظرت الى الرجلين وقالت،
مريم : ما الامر يا حضرة الشرطي؟
الشرطي : الا تعلمين ان النوم بالمتنزه ممنوع؟ اليس لديك منزل تأوينه؟
مريم : انا يا حضرة الشرطي كنت هاربة من شخص كان يطاردني كي يقتلني، هربت منه لساعات طويلة حتى جئت الى هنا وغلبني النعاس على هذه الاريكة فنمت قليلاً ما هي المشكلة؟
الشرطي : تقولين قليلاً؟ الوقت هو السابعة صباحاً من يوم السبت. يبدو انك هنا منذ الامس، اليس كذلك؟
مريم : يا الهي. نمت كل هذه المدة هنا بهذا المتنزه ولم يبلغني القاتل؟ يبدو انه فقد اثري! هذا جيد والحمد لله، اريدك ان تأخذني الى المركز كي اقدم بلاغاً بحقه.
الشرطي : قاتل؟ اي قاتل هذا؟ هيا تكلمي.
مريم : ساخبركم بكل شيء بالتفصيل في مركز الشرطة ارجوكم خذوني الى هناك فانا في خطر هنا.
اخرج الشرطي جهاز اللاسلكي من حزامه واخبر المركز بما قالته مريم فابلغوهما بان يحضرا الفتاة معهما فوراً.
بعد نصف ساعة دخل الشرطيان مركز الشرطة ومعهما مريم واخبرا رجل الاستعلامات بذلك فامرهما بادخالها مكتب ضابط التحقيق فوراً وتركها هناك. اودعا مريم بداخل المكتب وخرجا غالقين الباب خلفهما. بقيت مريم واقفة بمكتب الضابط اكثر من نصف ساعة حتى دخل عليها رجل وسيم بعقده الرابع وطلب منها ان تجلس ثم بادر الحديث بالقول،
الضابط ارطغرل : اسمي الملازم اول ارطغرل دميريل، دعنا نبدأ باسمكِ الكامل والعنوان وتأريخ الميلاد.
مريم : الاسم مريم نعمان آيدن، اسكن منطقة اكبابا، شارع الاناضول رقم 81. تاريخ ميلادي 19/02/1998
الضابط ارطغرل : واين هي بطاقتك الوطنية؟
مريم : لقد فقدتها على ما يبدو وساخبرك عنها في القصة التي ساسردها الآن. بالامس كنت راكبة سيارة اجرة مع صديقتي
ووقع معنا حادث سير بعد وصولنا انقرة مباشرة في...
قاطعها الضابط ارطغرل وقال،
الضابط ارطغرل : قبل ان تكملي حديثك، لقد عثرنا على حقيبتك بداخل سيارة الاجرة التي عَمَلَتْ الحادث وبها محفظتك التي تحتوي على بطاقتك الشخصية وبعض المال وهاتفك النقال لقد عرفتك من الصورة التي بالبطاقة.
اعطاها الضابط حقيبتها وبها جميع مستمسكاتها ثم قال،
الضابط ارطغرل : اكملي كلامك وحدثيني عن البلاغ الذي تودين ان تقدميه بالتفصيل.
بدأت مريم بقصتها عن علاقتها الحميمة مع ديلارا وعن دراستهما بالجامعة وسكنهما مع بعضهما باسطنبول ثم عرجت على دعوة صاحبتها لها كي يزورا والد ديلارا المليونير اصلان في انقرة. اوقفها الضابط وسألها،
الضابط ارطغرل: هل تقصدين المليونير اصلان بهجت؟
مريم : اجل انه هو بالتأكيد. هل تعرفه؟
الضابط ارطغرل : انا الذي يطرح الاسئلة، والآن أخبريني هل شاهدت عملية قتل ابنته ديلارا في شارع السلطان محمد الفاتح؟
مريم : لا اعلم اسم الشارع ولكن نعم كنت شاهدة على عملية القتل.
الضابط ارطغرل: نحن في حيرة من امرنا. فسيارة الاجرة تبدو وكأنها تعرضت لحادث سير اعتيادي لكننا وجدنا ديلارا مصابة بطلق ناري ادى الى وفاتها. فكيف حصل ذلك؟ هل قُتِلَتْ قبل ان تركب سيارة الاجرة ام بعد؟
مريم : كلا، ركبنا سيارة الاجرة من محطة انقرة وسارت بنا اكثر من 20 دقيقة وفجأة تعرضنا لحادث سير مروري حين صارت السيارة تتدحرج حول نفسها. ارتميت انا خارج السيارة دون ان اصاب باذى لكن السيارة استمرت تتقلب حتى استقرت على عجلاتها الاربعة.
الضابط ارطغرل : وماذا حصل بعد ذلك؟
مريم : حاولت ان اتمالك نفسي وان اقف لارى ما قد حصل فرأيت سيارة اجرة ثانية تتوقف بجانب سيارتنا المحطمة وكانت على ما يبدو تتبع سيارتنا، فخرج منها رجل توجه نحو سيارتنا التي عملت الحادث وبدأ باطلاق النار على الكرسي الخلفي حيث كانت تجلس ديلارا.
الضابط ارطغرل : هل تذكرين شكل ذلك القاتل؟ هل سبق لك ان شاهدت وجهه؟ هل تستطيعين ان تعطينا اوصافه؟
مريم : لا اعتقد ذلك سيدي. فقد رأيته من مسافة 100 او 150 متر ولم اتمكن من التأكد من شكله.
الضابط ارطغرل : هل بامكانك ان تحددي إن كان نحيفاً ام بديناً. شاباً ام كهلاً. لديه شنب ام بلا شنب. ملتحي ام بلا لحية.
مريم : انه كان نحيفاً طويل القامة في عقده الرابع اجل كان سنه في اواخر الثلاثينات لا اذكر ان كان لديه شنب او لحية. لا اعلم ففكري كان مشوش وخائفة جداً يا حضرة الضابط.
الضابط ارطغرل : على العموم يجب عليك ان توقعي على اقوالك ثم تتعرفي على جثة زميلتك الآن.
مريم : ارجو ان تعفيني من هذه المهمة لان هذا امر صعب علي يا حضرة الضابط.
الضابط ارطغرل : يجب عليك فعل ذلك.
مريم : حسناً، امري الى الله.
اسطحبها الضابط ارطغرل الى الطب العدلي ثم صعدا الى الطابق الثاني وهناك سارا بممر طويل حتى بلغا يافطة كتب عليها (المشرحة). دخل الاثنان فوجداً طبيباً يرتدي صدرية بيضاء ملطخة بالدماء. طلب منه الضابط ارطغرل كي يكشف عن وجه الجثة لتتعرف عليها مريم فكشف الطبيب عن وجه الجثة. نظرت مريم الى وجه صديقتها فخرت فاقدةً بذلك الوعي ولكن قبل ان تسقط على الارض التقطها الضابط ارطغرل واحتضنها على صدره لثوانٍ معدودات. استعادت وعيها بعد ذلك وصارت تبكي بحرقة وتصرخ بصوت هستيري عالٍ. هدأ الضابط من روعها ثم سألها،
الضابط ارطغرل : هل انت متأكدة ان هذه هي صديقتك ديلارا؟
مريم : اجل انها هي. انا متاكدة من ذلك.
الضابط : تعالي معي الآن يا مريم.
بينما خرجت مريم مع الضابط ارطغرل الى خارج المشرحة قابلهما رجل سبعيني طويل القامة نحيف البنية لديه شارب ثخين يملأ وجهه. حياه الضابط ارطغرل وقال،
الضابط ارطغرل : البقاء لله سيدي اصلان بيك.
اصلان بهجت : انا لا اتقبل التعازي بابنتي المغدورة حتى تمسكوا بالجاني.
الضابط ارطغرل : سامحني سيدي، اوعدك باننا سنمسك به وسينال جزائه. والآن دعني اقدم لك السيدة مريم زميلة المرحومة ديلارا والتي جائت معها من اسطنبول.
اصلان بهجت : اهلاً بك يا ابنتي مريم.
مريم : ارجو ان تتقبل تعازيي سيدي ان ديلارا كانت اختاً لي اكثر مما كانت صديقة.
اصلان بهجت : هل كنت زميلتها بالجامعة؟
مريم : اجل سيدي ولكن كنا ندرس مادتين مختلفتين. المرحومة كانت تدرس الهندسة الكهربائية بينما ادرس انا هندسة الميكانيك.
الضابط ارطغرل : سامحاني على المقاطعة ولكن يجب على السيد اصلان ان يدخل ليتعرف على جثة القتيلة.
اصلان بهجت : طبيعي يا حضرة الضابط، دعنا ندخل. تشرفت بمعرفتك يا ابنتي مريم، انتظريني في الخارج كي نذهب سوية فيما بعد، فانا اريد التحدث معك بموضوع مهم.
مريم : حسناً يا عمي سانتظرك بالممر.
بعد ان مكث حوالي ربع ساعة بداخل غرفة المشرحة، خرج اصلان بيك والد ديلارا فوجد صديقتها مريم بانتظاره. اشار اليها بكف يده بمعنى تفضلي فسارت امامه متوجهين الى المصعد ومنه الى الطابق الارضي ثم الى مراب السيارات حيث وقف سائق السيد اصلان الشخصي بجانب سيارة سوداء ذات الدفع الرباعي من نوع جي ام سي. فتح السائق الباب للسيد اصلان فدخلها بينما فتحت مريم لنفسها الباب من الجهة اليسرى وجلست الى جانب والد صديقتها. خرجت السيارة مسرعة الى خارج مراب السيارات وانطلقت بهما الى جهة تجهلها مريم. بعد مرور 10 دقائق من السير بشوارع انقرة سألت مريم،
مريم : اين نحن ذاهبون يا عمي؟
اصلان بهجت : الى فندق.
مريم : اي فندق هذا ولماذا؟
اصلان بهجت : ساخبرك بكل شيء عندما نصل هناك ارجو منك ان تصبري.
فكرت مريم مع نفسها، "لماذا يأخذني اصلان بيك الى الفندق؟ فمنزله بالتأكيد كبير كما اخبرتني ديلارا عنه. هل يستحي من وجودي معه بنفس البيت؟ ام ربما لديه حبيبة تشاركه المنزل؟ ومن الذي سيدفع اجرة الفندق فكل ملكيتي 500 ليرة وهي لا تكفي للفنادق. دعنا نرى"
بعد ان اجتازوا زحمة السير وصلت بهم السيارة الى فندق كبير شامخ، نزل اصلان بيك ومريم من السيارة ودخلا الى بهو الفندق فهرع جميع الموظفين كي يحيوه ويعزوه بابنته. بقيت مريم فاتحة فمها لانها لم تكن تعلم مدى اهمية والد صاحبتها.
مريم : الكل يعرفك هنا يا عمي يبدو انك زبون دائم.
اشار اصلان بيده لاحد الموظفين ممن يرتدون بدلة سوداء ويبدو عليه انه مدير الفندق فجائه يجري فقال له،
الموظف : اوامرك اصلان بيك؟
اصلان بهجت : اريدك ان تهيء لي قاعة اتاتورك للاجتماعات فوراً ولا اريد اي مضايقات مفهوم؟
الموظف : كما تأمر سيدي.
نظر اصلان بيك الى مريم وقال، "تعالي نجلس في ذلك المقهى قليلاً حتى يُعِدّوا لنا القاعة"
لم تنبس مريم باي كلمة بل تبعته بكل طاعة بينما كانا يسيران نحو مقهى الفندق بالطابق الارضي. تفحصت مريم الفندق جيداً وقالت لنفسها، "ان فندقاً بمثل هذه الفخامة لا تقل الليلة فيه عن 250 ليرة. فكيف ساستطيع ان اسكن به؟ او ربما سيدفع اصلان بيك الفاتورة! دعني لا اتسرع وانتضر. بامكاني ان ارفض إن طلب مني ان اسكن هنا على نفقتي فانا لا املك اكثر من 500 ليرة"
حضر النادل مباشرةً فسأل اصلان بيك ضيفته قائلاً،
اصلان بهجت : ماذا تشربين؟
مريم : شاي احمر بالقدح لو سمحت.
اصلان بهجت : احضر لنا شاي احمر بالاستكان وقهوة تركية.
مريم : ماذا كنت تريد مني يا اصلان بيك؟
اصلان بهجت : تمهلي يا ابنتي سنتحدث بحرية تامة ولكن ليس هنا بل في القاعة التي سنذهب اليها بعد قليل.
لم تمر سوى دقيقتان حتى احضر النادل الشاي والقهوة وصارا يشربانها بوجوم تام. وبعد بضع دقائق اخرى جاء مدير الفندق وقال،
المدير : القاعة جاهزة يا بيك. تفضلا.
وقف اصلان بيك ودعى مريم كي ترافقه فقالت،
مريم : لحظة واحدة يا اصلان بيك، لم ندفع ثمن الشاي والقهوة بعد.
نظر اصلان بيك بوجه مريم وتبسم ثم قال،
اصلان بهجت : انا املك هذا الفندق يا مريم، لا تقلقي.
مريم : لم اكن اعرف ذلك سامحني.
سارا باحدى الممرات حتى وصلا الى باب خشبي ذو درفتين، فتحها المدير لهما واذا بها صالة متوسطة الحجم تسع لـ 100 شخص او اقل بقليل. جلس اصلان بيك ومريم على احدى الطاولات فاصدر اصلان بيك اوامره،
اصلان بهجت : لا اريد اي مضايقات او ازعاجات. اخرج واغلق الباب ورائك.
خرج المدير بكل طاعة واغلق الباب ورائه فنظر اصلان بيك الى مريم وقال،
اصلان بهجت : الآن بامكاننا ان نتحدث بحرية. فهذه القاعة محصنة ضد التنصت والتجسس من كل الانواع.
مريم : هذا شيء مريح ومطمئنٌ يا اصلان بيك.
اصلان بهجت : نادني عمي. اسمعي يا مريم انا اعرف الجهة التي قامت بقتل ابنتي ديلارا.
مريم : ولكن لماذا؟ انها فتات رائعة ولا تؤذي اي مخلوق. انا اعرفها منذ زمن بعيد ولم اجد فيها سوى الانسانة الطيبة التي تحب الجميع وتساعد الجميع وهي لا تحمل حقداً او عداءاً لاحد.
اصلان بهجت : الذي قتلها هو نفسه الذي قتل والدتها گلبهار خانم رحمها الله.
مريم : ولماذا كل هذا القتل؟ ما الداعي لذلك؟ هل يكرهك احد؟ الديك اعداء كُثُر؟
اصلان بهجت : السبب هو هذا الفندق الذي نحن جالسون فيه.
مريم : وما علاقة الفندق بديلارا وامها؟
اصلان بهجت : قبل 7 سنوات كان صاحب هذا الفندق رجل يدعى (علي ايدن) وكان اسم الفندق وقتها (ستاد اوتيله). لكن علي ايدن كان متهوراً بكل شيء في حياته وقد خسر الفندق وكل امواله لي على طاولة القمار. وحالما اخذت منه الفندق وجدته بحالة يرثى لها. فغُرَفُ الفندق كانت غالبيتها تحتاج لدهان وصيانة كاملة وثلاثة من مصاعده الاربعة لا تعمل. لم يكن للفندق زبائن دائمين ابداً. وكلما سكن احد فيه كتب عنه تقريراً سيئاً في مواقع التواصل الاجتماعي حتى كاد الفندق يقع تحت طائلة الافلاس. كان الموظفون جميعاً يتذمرون لانهم لم يقبضوا رواتبهم منذ زمن طويل، البعض لم يستلم مرتبه منذ ستة اشهر او ما يزيد.
مريم : أكمل.
اصلان بهجت : حالما استلمت ملكية الفندق قمت بتغيير اسمه الى (راديسان الازرق) حيث عقدت اتفاقيات مع شركات فندقية كبرى ثم دفعت للموظفين كل اجورهم المستحقة وقمت بصرف نصف مليون ليرة للصيانة فقط وبعد ذلك قمت بصرف 190 الف ليرة اخرى للدعاية والنشر وقمت باجراء اتفاقيات مع شركات مروجة كبيرة مثل بوكنگ دوت كوم وهوتيلز دوت كوم وتريفاگو دوت كوم. اليوم اصبح من افضل فنادق انقرة ذات الاربع نجوم. اما علي ايدن فقد دخل السجن لقضايا اختلاس ورشوة.

    

                        فندق راديسان الازرق

مريم : كل هذا جميل، ولكن مازلت لا اعلم اين المشكلة؟
اصلان بهجت : المشكلة ان علي ايدن جاء لزيارة الفندق بعد خروجه من السجن وطلب مني ان اعيد له الفندق. عرض علي 180 الف ليرة وهو المبلغ الذي خسره امامي على طاولة القمار.
مريم : هذا مستحيل. كيف يتجرأ ان يعرض لك ذلك المبلغ؟ انت صرفت عليه الكثير من المال والمجهود والخبرة والاتفاقيات والصيانة.
اصلان بهجت : هذا صحيح وهددني بان ينتقم مني إن لم ارجع له ملكية الفندق. بالواقع لم اعر اهمية كبيرة لتهديده بل طردته من الفندق وطلبت من الومظفين عدم السماح له بالدخول ثانية.
مريم : وماذا فعل بعد ذلك؟
اصلان بهجت : قام بارسال قاتل مأجور قام بقتل زوجتى والدة ديلارا عندما كانت تسير باحدى مولات انقرة.
مريم : يا الهي انا اسفة، البقية بحياتك عمي. وهل بلّغت عنه الشرطة؟
اصلان بهجت : بالطبع بلغت عنه. قامت الشرطة بتحرياتها ولم يلقوا القبض على القاتل ولم يربطوا الجريمة بعلي ايدن لانه كان في بورصة ساعة وقوع الجريمة فبقي حراً طليقاً.
مريم : وبعد ذلك؟
اصلان بهجت : وبعد ذلك وصلتني رسالة تهديد من مصدر مجهول يخبرني بان ابنتي ستنال مصيراً مأساوياً إن لم ارجع الفندق لاصحابه. لذلك ارسلت رجالي كي يراقبوا ويحموا ابنتي في اسطنبول ويمنعوها من المجيء الى انقرة. لكن يبدو انها تمكنت من ان تراوغهم وتأتي الى هنا دون ان تعي كمية الخطر الذي عرضت نفسها اليه.
مريم : ولكن كيف عرفوا اننا سنأتي الى انقرة؟ بحسب علمي فان ديلارا لم تخبرك بقدومها لانها ارادت ان تعملها مفاجئة.
اصلان بهجت : يبدو انهم كانوا يراقبون كل تحركاتها باسطنبول ويتحيزون الفرصة كي ينفذوا تهديدهم.
مريم : يا الهي، كل ذلك كان يجري حول المسكينة ديلارا وهي لا تعلم!
اصلان بهجت : لذلك يا مريم انت مهمة جداً في هذه القضية. ومن خلالك يجب ان نعرف المدبرين الحقيقيين للجريمة كي يقع علي ايدن وزمرته بيد العدالة وانتقم لزوجتي وابنتي.
مريم : لا اعلم كيف استطيع ان اساعدك سيدي فانا اخبرت الشرطة بكل ما اعرفه وليس لدي ما اضيف.
اصلان بهجت : انا لا اثق بالشرطة ابداً. بل لدي محقق خاص اعتمد عليه كثيراً يدعى فؤاد أسكلݘ اريدكِ ان تتعاوني معه لانه افضل من كل شرطة انقرة مجتمعة.
مريم : بالتأكيد عمي، إذا كان ذلك سيجلب قتلة ديلارا ووالدتها للعدالة فانا مستعدة من الآن.
اصلان بهجت : عظيم جداً. لقد حجزت لك جناح خاص بالطابق 12 وهو جناح مؤمن تماماً وليس فيه اي مجال للتصنت او المراقبة. وسوف يكون لديك حارس شخصي خارج الغرفة يقوم بحمايتك على مدار الساعة. وسيكون لديك سائق وسيارة مضادة للرصاص تتنقلين بها متى ما شئت. ارجوكِ تعاوني مع المحقق فؤاد واخبريه بكل ما يريد معرفته.
مريم : بالتأكيد يا عمي، هذا واجبي. وماذا عن تكاليف الفندق و...
اصلان بهجت : كل شيء سيكون مدفوع الثمن، خذي هذه البطاقة الائتمانية. بامكانك شراء اي شيء تحبينه مهما كان ثمنه.
مريم : انا لا احتاج للمال يا عمي. كل ما اريده هو ان اقدم خدماتي اليكم وفاءاً مني لصاحبتي ديلارا رحمها الله فهي جزيلة بالعناء وبعد ذلك ارجع الى الجامعة باسطنبول كي اكمل دراستي.
اصلان بهجت : مع ذلك، خذي هذه البطاقة يا ابنتي ولا تترددي باستعمالها. مفهوم؟
مريم : مفهوم يا عمي.
اصلان بهجت : وخذي هذه البطاقة الالكترونية التي تفتحين بها باب الجناح. لقد تركت لك ارقام الهواتف التي بامكانك الاتصال بهم على الطاولة بجانب سريرك. بامكانك الاتصال بها 24/7 مفهوم؟
مريم : مفهوم افندم.
خرج اصلان بيك من قاعة اتاتورك ومعه مريم. اوصلها الى المصعد فركبته وانغلق الباب ورائها بينما خرج اصلان بيك متجهاً الى خارج الفندق.
صعدت مريم الى الطابق الـ 12 فوجدت شاباً وسيماً يقف عند باب المصعد حياها وقال، "تفضلي مريم خانم"
علمت وقتها انه احد الحراس المكلفين بحراستها. دخلت الجناح فاصيبت بالذهول. انه جناح يصلح للملوك والامراء. فيه غرفة كبيرة للاستقبال وغرفة اخرى للنوم وحمام بداخله حوض ودوش. كان كل شيء بذلك الجناح يصرخ بالرفاهية والراحة. "يا سلام يا مريم ستعيشين يومين جميلين تتنعمين بالعز والدلال. حبذا لو كانت المرحومة ديلارا معي"
دخلت غرفة النوم فوجدت سريراً وثيراً لم تشاهد له مثيل. وضعت حقيبة ظهرها الوردية على السرير وارتمت عليه فلم تشعر الا وغلبها النوم بشكل تلقائي مترف. بعد ان خرجت من سبات عميق دام بضع ساعات فتحت عينيها فلم تستطع ان ترى شيئاً لان الغرفة صار يغشيها الظلام. مدت يدها وضغطت على زر الضوء الرئيسي فتوهجت الانوار بالجناح بشكل جميل وخافت وانيق دون ان يؤذي العيون. قامت من السرير وبدأت تقشر ملابسها الواحدة تلو الاخرى كما يقشر الموز حتى اصبحت ربي كما خلقتني. خطت نحو الحمام بدلع وقامت بملئ الحوض بماء دافيء وعندما امتلأ الى سطحه غطست فيه فصار الماء يتساقط على الارض من الاطراف فاستلقت فيه على ظهرها وشعرت وكأن عظامها اصبحت تتراقص مع الموج من شدة الاسترخاء. "يا سلام يا مريم، تمتعي بهذا العز فسوف لن تنالي منه بعد ذلك متى ما حييت"
بقيت مستلقية بالحوض لوقت طويل حتى بدأ الماء يبرد فوقفت وتناولت رداءاً ابيضاً معلقاً على الحائط كتب عليه اسم الفندق بخط ازرق بارز. نظرت الى نفسها بالمرآة المعلقة على حائط الحمام فبدت لها كالاميرات بذلك الرداء. خرجت من الحمام وخزرت من الشرفة ليبهرها منظرٌ ساحرٌ آسر. انه متنزه قريب من الفندق. خرجت الى الشرفة كي تعاين المنظر بشكل افضل فراق لها ما رأت. يبدو انه متنزه ومدينة العاب بآن واحد.

    

"كم هي جميلة هذه البحيرة التي تبدو كالمرآة وهذا القرص الكبير المتوهج وذلك المسرح الذي اسمع منه اغاني تركية جميلة. الله انهم يعزفون اغنية تركية قديمة جداً تدعى (صاندام باشكا)، يا سلام على الذوق الرفيع"
بقيت مريم تتأمل وتتفحص المتنزه حتى صرخت عن دون وعي، "يا الهي انه هو، انه نفس المتنزه الذي كنت نائمة فيه بالامس. ايعقل ذلك؟ هل انا احلم؟ كلا، لا اصدق ذلك. دعني انظر جيداً لاتأكد. بل انه هو بعينه، هذا هو الباب الذي دخلت منه. كلا، كلا انها الجهة الثانية اجل. دخلت من ذلك الباب هناك وسرت بالممر الذي امامه ثم جلست على تلك الاريكة. اجل الآن استطيع ان ارى الاريكة التي نمت عليها بالامس. ما هذه الصدفة العجيبة؟ بالامس انام على اريكةً كالمتسولين واليوم انام على مقربة منها في جناح الملوك والامراء"
شعرت بالجوع يقرص بطنها فالتقطت الكتيب الذي على الطاولة وقرأت بالانكليزية العنوان (خدمات الغرفة) وقد كُتِبَ تحتها بانه متوفر للزبائن 24 ساعة. "دعني اطلب وجبة دسمة". بقيت تقلب الاوراق والكاتالوجات فجذب انتباهها صورة المطعم وقد كتبت فيه مواعيد المطعم كالتالي:
الافطار من (6 - 10)
الغداء من (13 - 15)
العشاء من (19 - 22).
المطعم في الطابق الرابع.
نظرت الى ساعتها فوجدتها تشير الى الثامنة مساءاً. هنا قالت، "لما لا اذهب للمطعم؟ لماذا اجلس وحدي هنا واتناول الطعام كالبومة؟ سارتدي ملابسي وانزل". تذكرت وقتها انها لا تملك ملابس تليق بمطعم من هذا العيار. رجعت الى الكاتالوجات كي تتفحصها فوجدت ان طابق الميزانين يحتوي على بوتيكات ومتاجر كثيرة للملابس والعطور. ابتسمت ومسكت البطاقة الائتمانية قائلةً، "دعنا نتسوق يا عمي اصلان" فتحت الباب فوجدت الحارس واقفاً خلف الباب حيته بقولها (ياكشالماز) بمعنى مساء الخير فرد عليها بنفس العبارة. نزلت الى طابق الميزانين فوجدت حوانيت كثيرة احداها كان متجراً للملابس يعرض اجمل واحلى الملابس التي تشكل آخر الصيحات في صالات الموضا بباريس والتي لم تكن تشاهد مثلها الا بمجلات الازياء فقط.
اصيبت بالحيرة وهي تتفحص كل تلك الفساتين الجميلة المعروضة والدهشة كانت اكبر عندما صدمتها اسعارها الخيالية لكنها قالت، "اصلان بيك سيدفع هو الذي طلب مني التسوق" وكان الخيار صعباً جداً لكنها رست على فستان سهرة احمر طويل مصنوع من القطن الياباني الرهيف بحثت عن حجمها 32 فوجدت واحداً فقط فسحبته من الرف. اعطت بطاقة الائتمان للبائعة واشترته ثم خرجت من هذا المحل ودخلت محلاً ثانياً للعطور وباتت تتفحص تلك العطور التي لم تكن تعرف اسماء الغالبية العظمى منها. حملت قنينة عطر كتب عليها دولݘي اند گبانا وجربته فاعجبها كثيراً ثم جربت عطر آخر اسمه توم فورد وعطر ماركة كريد وآخر ماركة هرميز وآخر ماركة مايكل كورس ثم حملت قنينة اختبار وضغطت على زرها فخرج عطراً زكياً سحرها تماماً "يا الهي، كم هو زكي واخّاذ. ما هو هذا الاسم الغريب elie saab يبدو لي وكأنه اسم تركي. دعني اسأل البائعة"
مريم : لو سمحت، هل هذا عطر تركي؟
البائعة : كلا يا آنسة ان مصمم هذا العطر هو السيد ايلي صعب لبناني الاصل، يعيش بباريس ولديه واحد من اكبر معارض الازياء والعطورهناك. يعتبر عطره الذي بين يديك واحد من افضل واشهر العطور الباريسية.
مريم : يا سلام انه رائع للغاية. لو سمحتِ اريد شراء قنينة بحجم الـ 100 ملي مع هذه المجموعة من ادوات المكياج.
البائعة : ليس هناك 100 ملي. هذا العطر يأتي بـ 30 و 50 و 90 ملّي فقط.

     

مريم : إذاً ساشتري الكبيرة ذات الـ 90 ملّي.
قامت بشراء بعض ادوات المكياج من نفس المحل ثم خرجت من المتجر حاملة معها اكياسها ودخلت متجراً آخر للاحذية فاشترت منه حذاءاً ذو كعب عالٍ جداً يضيف الى طولها 10 سم.
عادت بعد ذلك الى جناحها في الطابق 12 كي تجرب مقتنياتها الجديدة.

     

نظرت الى نفسها بالمرآة وهي تستعرض الفستان الاحمر فعلمت انها سوف لم ولن تبدو اجمل من ذلك بحياتها فقالت، "من المؤسف ان تمتلكين كل هذا الجمال يا فتاة وليس هناك من يعشقك ويقدر فتنتك. طبعاً هذا ذنبك يا مجنونة لقد الهيت نفسك برياضة الكراتيه وحصلت على الحزام الاسود بدلاً من ان تحصلين على زوج وسيم اسود هاهاها"
طلت وجهها ببعض المكياج الخفيف وعيناها بالشادو وخدودها بالفاونديشن ثم نظرت بالمرآت وقالت، "تبدين كممثلات السينما يا حلوة"
خرجت ثانيةً واستقلت المصعد ليأخذها الى الطابق الرابع فدخلت قاعة المطعم الكبيرة التي صفت فيها طاولات كثيرة بشكل معيني منمق، البعض منها كان كبيراً يصلح للعوائل والبعض كان صغيراً يفي لشخصين فقط، فاختارت واحدة منها بعيدة عن باب المصعد وجلست على الكرسي. فور جلوسها جائها النادل متبسماً وقال،
النادل : اسعدت مساءاً يا مريم خانم.
مريم : أوتعرف اسمي؟
النادل : انت ضيفة شرف لاصلان بيك والكل هنا في خدمتك.
مريم : شكراً لك، ماذا يمكنني ان اتناول؟
النادل : هناك بوفيا مفتوحة بامكانك الاختيار منها او بامكاني ان احضر لك ما تختارين من قائمة الطعام.
نظرت مريم الى القائمة ثم بدأت باختيار اكلات ثمينة لم تكن تشم رائحتها لولا هذه الفرصة الذهبية. فاثمانها تساوي مبالغ خيالية.
مريم : احضر معها زجاجة كوكا كولا لو سمحت.
النادل : امرك سيدتي.
مريم : لحظة واحدة لو سمحت لقد غيرت رأيي. الغي كل ما طلبته منك. لقد قررت ان اتناول الطعام من البوفية المفتوحة.
النادل : امرك سيدتي.
توجهت نحو البوفية وتفحصتها جيداً فاصابها الذهول. اخذت صينية خشبية ووضعت عليها صحناً ثم سارت بالطابور فوضعت القليل من شرائح لحم البقر المشوية ثم القليل من سمك الروبيان ثم القليل من مرق لحم الضان ثم القليل من الرز الابيض ثم القليل من الرز الاصفر مع المكسرات والبازلاء. نظرت الى صحنها فوجدت فيه جبل من الطعام. قالت، "هذا يكفي الآن. بامكاني الرجوع ثانية إن اردت المزيد"
بعد ان تناولت طعامها وشربت قنينتي كوكا كولا بعدها. تركت طاولتها ورجعت الى جناحها بالطابق 12. فتحت الباب ودخلت الجناح لتسمع الهاتف يرن بالحاح، رفعت السماعة واذا بموظف الاستعلامات يقول،
لديك مكالمة هاتفية يا سيدتي،
مريم : حسناً اوصلها لو سمحت.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

822 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع