69 عاماً على وفاة الكاتب الصحفي العراقي إبراهيم صالح شكر/ج1

                               

69 عاماً على وفاة الكاتب الصحفي العراقي إبراهيم صالح شكر

الدكتور: مليح صالح شكر/ نيويورك

          

  

تحل يوم الأربعاء 15 مايس 2013 الذكرى التاسعة والستون لوفاة الكاتب الصحفي العراقي إبراهيم صالح شكر. وبالرغم من السنوات الطويلة التي قضيتها في عملي الصحفي لم أنشر شيئاً لمناسبة الذكرى السنوية لوفاة الوالد
  

كتب إبراهيم صالح شكر ذات مرة في جريدته (الزمان) أنه ولد في 8 ذي القعدة عام 1310 هجرية . وقد إختلف الذين كتبوا عنه فيما بعد في تحديد تاريخ ميلاده بالتقويم الميلادي، وإستعنت بالجداول المدرجة في كتاب ( التقويمان الهجري والميلادي) ترجمة حسام محي الدين الآلوسي ، لتحويل التاريخ الهجري الى الميلادي ، فكانت النتيجة 24 حزيران 1892، علماً بأن الوالد بنفسه قد ذكر عدة تواريخ لسنة ميلاده ،منها 1892 و1896، وتوضح صورة جواز سفره المنشورة في هذا الكتاب ، انه ثبت تاريخ الميلاد بعام 1893 .

  نسبه العائلي

ينتسب إبراهيم صالح شكر الى أسرة عراقية عريقة من عشيرة الكروية العتيقة التي تعود الى قبيلة قيس العدنانية. وكان والده أحمد صالح الملا شكر، مختاراً لمحلة قهوة شكر، وأمه أمينة ، قد حرصا على ولدهما الوحيد (إبراهيم ) بعد ان فقدا أربعة أبناء من قبله، وأبقت أمه على ضفيرة شعره حتى أصبح بعمر 11 عاماً فقصت الضفيرة لكي يتمكن من الالتحاق بمدرسة

الملا جمعة في جامع قهوة شكر،التي كانت تسمى(الكتاتيب) في مساجد بغداد المشهورة، وتعلم فيها دروس اللغة العربية والقرآن الكريم، وتلقى أول دروسه عند الملا جمعة ، ثم انتقل الى الدروس في مساجد أخرى ، فتعلم عند العلامة محمود شكري الآلوسي بجامع الحيدرخانه، وعند عبد الوهاب النائب في جامع الفضل ، وفي هذا الجامع كان عبد الكريم العلاف زميلاً له في تلقي العلم ، وعند عبد الجليل آل جميل في جامع العاقولية، وعند نجم الدين الواعظ في جامع العادلية ، وكان يتلقى العلم في هذا الجامع سوية مع ناجي القشطيني ، وتعلم فيها كلها مبادئ النحو والأجرومية والفقه والأدب والبلاغة والقرآن الكريم .

وقبل ان يبلغ عامه العشرين ، إجتاح وباء الطاعون بغداد ،وقيل انه كان وباء الكوليرا، فأصاب بيته ، وأودى بحياة الكثير، ومنهم ثلاثة من أهل داره ، هم والده ووالدته وجدته لأمه، ولم يبق إلا هو وشقيقته الصغيرة زبيدة .

وفي عام 1915 تعرض لتعسف العثمانيين بسبب حماسته وكفاحه من أجل الإستقلال العربي مما أثار ضغينة شفيق بك والي بغداد الذي أقنع قائد الجيش العثماني بالقبض على ستين ناشطاً في ليلة 3 تشرين الثاني 1915 ،وتقرر نفيهم الى الأناضول في تركيا ، ونقلوهم بالقطار تحت الحراسة الى سامراء ، ومنها الى الموصل على ظهر الدواب. لكن المجلس العرفي العثماني استبدل القرار لعدد من المنفيين ، الى النفي في الموصل ، وقضى إبراهيم فيها أربعة شهور ، كان خلالها يكتب لأقربائه ببغداد يطلب مالاً لسد إحتياجاته ، وقد وثق إبراهيم صالح شكر فترة النفي هذه في سلسلة مقالاته بعنوان ( حتروش) ، وهو صاحب الحمير الذي إستخدمه العثمانيون لنقل المنفيين من سامراء إلى الموصل.

وبعد عودته من المنفى، وكان ما يزال يرتدي العمامة والجبة ، إختاره أهالي محلة قهوة شكر مختاراً ، خلفا لوالده ، وهي المحلة المنسوبة إلى إسم جده ، شكر ، واشتهر بأنه كان يقدم خدمات المختارية للأهالي دون مقابل ، ويرفض أية هدايا ، ومنها هدية رفضها كانت قطعة ارض في لواء ديالى عرضها أحدهم عليه مقابل معاملة تحتاج لتوقيع المختار وتدخله لتخليصه من دعوى قضائية مقامة ضده .

                                                    

يقول روفائيل بطي فـي رثـاء نشره بمجلة ( الأسبوع ) العدد 20 عام 1953: ( في الموصل رأيت الأستاذ صالح شكر أول مرة وأنا يافع أقرمز الشعر المنثور وبين يدي الريحانيات ، وقد نثرت أحزاني على صديقي في مرثاة عنونتها ( دموع الإخلاص).

ثم يقول في وصفه لإبراهيم ( ان الرجل تتقد في ذهنه جذوة التحرر، ويتناثر من لسانه شرر الثورة ، ومن تلك الأيام السود تعارفنا وربطت الصداقة بيننا). وقد تعرف الرجلان على بعضهما في عام 1915 داخل مكتبة صغيرة في الموصل حينما كان إبراهيم يقضي عقوبة النفي هناك .

وكان أول عهد الوالد بالصحافة في جريدة( بين النهرين ) التي صدرت لأول مرة في 6 كانون الأول عام 1909،لصاحبها محمد كامل الطبقجه لي ، وعاشت حوالي ثلاث سنوات، وجريدة( النوادر) التي أصدرها محمود الوهيب عام 1911 ، وكتب فيهما موضوعات أدبية. وأصدرإبراهيم منيب الباجه جي ، في 25 نيسان1913 (1332هجرية) ، مجلة (الرياحين) الأدبية ، وأصبح إبراهيم صالح شكر محررها، وأصدر لوحده في نيسان 1913 مجلة أدبية هـي ( شمس المعارف)التي ظهرمنها 18 عدد.

وكان الباحث عبد الحميد العلوجي، الذي تقلد عدة مناصب ثقافية في عقد السبعينيات من القرن العشرين ، ومنها المدير العام لدار الكتب العراقية، يحتفظ بخمسة أعداد من ( الرياحين) ، كما يحتفظ ناجي القشطيني بالعدد الثاني من( شمس المعارف) الذي أهداه فيما بعد الى مكتبة المجمع العلمي العراقي.

                  

                 

  وأصدر إبراهيم صالح شكر أيضاً، عام 1921 مجلة شهرية جامعة ( الناشئة) مكرساً صفحاتها للأدب العراقي ، وكتب فيها عدد من الأدباء المعروفين ، أبرزهم محمد رضا الشبيبي ،وحسين البياتي ،ومحمد بهجة الأثري، وعبد المسيح وزير ، ورفائيل بطي، ومحمد الشماع ،وسلمان الشيخ داود، وشكري الفضلي، ومحمد رؤوف الكواز، وعبد الحسين الازري، ومحمود محمد، ونشرت شعراً لجميل صدقي الزهاوي، ومقالات جبران خليل جبران، والمنفلوطي . وأصدرمنها ثلاثة أعداد فقط قبل أن تعطلها الحكومة، وأحتفظ بالأعداد الثلاثة منها سليمة في مقتنياتي الخاصة ،وتحتفظ المكتبة الوطنية ببغداد بالعددين الاول والثاني .

وعاد عام 1922 ليصدر ( الناشئة الجديدة ) ، جريدة أسبوعية جامعة، بدلاً عنها ، وبدأ فيها أولى كتاباته السياسية ، وتعرضت للتعطيل عدة مرات ، إحداها بقرار شخصي منه إثر تعرضه لاعتداء مقابل بيت لنج في شارع الرشيد ، قيل انه كانت بتحريض من بعض السياسيين. وفي 2 أيار 1924 شارك روفائيل بطي في إصدار جريدة ( الربيع) ، وعمل فيها رئيساً للتحرير، لكن الحكومة عطلتها بعد عددها الأول.

وإشترك في الكتابة لجريدة( الأدب) التي أصدرها محمد باقر الحلي في 7 أيلول 1924، وصدر منها ثلاث أعداد وتوقفت، ثم أعاد كامل السامرائي إصدارها في 6 شباط 1925 ، وأحتجبت ، وأعدادها محفوظة لدى مكتبة المتحف العراقي ببغداد. كما كاتب جريدة( الفضيلة) التي أصدرها عبد الرزاق الحسني عام 1925 ، وجريدة ( التجدد) لمحمود الملاح عام 1930 ، وأعدادها وأعداد (الفضيلة) متوفرة في مكتبة المتحف أيضاً.

    

وفي 11 تموز 1927، دخل إبراهيم صالح شكر معترك الصحافة السياسية ، وأصدر جريدته الأسبوعية ( الزمان)، وقال في صدر صفحتها الأولى أنها( يومية أدبية سياسية إجتماعية إنتقادية)، وكان هو صاحبها ورئيس تحريرها في آن واحد. وهوأول من أصدر في تاريخ العراق جريدة بهذا الاسم. وعاشت 44 عدداً، تخللها تعطيل لعدة مرات ، مرة بقرار من حكومة جعفر العسكري ، وأخرى بقرار من حكومة عبد المحسن السعدون ، ومرات أخرى بطلب المندوب السامي البريطاني.

وفي 1960-1961 قابلت فائق بطي عدة مرات في مكتبه بجريدة( البلاد) في حي إرخيتة ببغداد، وقدم لي بسخاء الكثير مما كان المرحوم والده رفائيل بطي قد جمعه من صحف، أو قام بتوثيقه، دونت بعضها وأعدت أصولها اليه، ولن أنسى أبداً أن فائقاً أهداني آنذاك مشكوراً المجموعة الكاملة لجريدة والدي ( الزمان) مجلدة في مجلد واحد ضم الأعداد الاربعة والاربعين .

وفي ( الزمان) شن إبراهيم صالح شكر حملته السياسية ضد الإنتداب البريطاني ومعاهداته وأذناب الإنكليز في العراق، ودعا الى حرية التعبير والصحافة والتجنيد الإجباري وطرد الأجانب من الوظائف العراقية، وندد بزيارة الصهيوني الفرد موند لبغداد ، منتصراً للطلبة الذين تظاهروا احتجاجاً على هذه الزيارة.

وإنتقد في مقالاته ، المربي المعروف ساطع الحصري ، لأنه جاء بمدرسين أجانب ( ليدرسوا تلامذة العراق جغرافية فرنسا ويتركوا جغرافية العراق ، ويحدثونهم عن انهار السين والتايمس ، ويتركوا دجلة والفرات ، ويرون لهم تاريخ نابليون وبسمارك ، ويدعون تاريخ عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص).

وفي 29 كانون الأول عام 1929 إشترك مع صديقه عبد القادر إسماعيل البستاني في إصدار جريدة( المستقبل) ، وأخبرني البستاني، فيما بعد، بأنهما أصدرا تسعة أعداد فقط، كان البستاني صاحب الامتياز لأعدادها الثلاثة الأولى، وأصبح إبراهيم صاحب الامتياز لأعدادها الستة الأخيرة.

وفي عام 1930 كتب مقالات مجلة ( الوميض) التي أصدرها لطفي بكر صدقي في 28 تشرين الأول 1930، ثم أصبح رئيساً لتحرير جريدة( الأماني القومية) التي أصدرها عبد الوهاب محمود ، وكان عبد الرزاق شبيب مديرها المسؤول، ولم يصدر منها سوى عددها الأول في 30 تشرين الأول 1931، وعطلتها الحكومة، وأصبح كلا من محمود وشبيب في فترات لاحقة من تاريخ العراق نقيباً للمحامين.

وبشكل عام كتب إبراهيم صالح شكر في صحف ، أصدرها بنفسه ، أو ترأس تحريرها ، وهي حسب تواريخ صدورها، شمس المعارف 1913، والرياحين نفس العام، ومجلة الناشئة 1921، وجريدة الناشئة الجديدة 1922 ، والربيع لرفائيل بطي 1924، والزمان 1927 ، والمستقبل لعبد القادر إسماعيل البستاني 1929، واليقظة لسلمان الصفواني 1932، والتجدد لمحمود الملاح 1930 ، والأماني القومية لعبد الوهاب محمود 1931 . وبعضها لم يصدر منها سوى العدد الاول لتعالجها الحكومة بالتعطيل .

وبلغ مجموع ما أصدره من الصحف للفترة من بداية الحكم الوطني 1921 وحتى انتهاء الانتداب البريطاني 1931 ، حوالي تسعين عدداً من جميع الصحف التي حاول إصدارها، وكانت( الزمان) أطولها عمراً ، وصدر منها 44 عدداً في فترات بين تعطيل وآخر.

وكتب في صحف أخرى، أشهرها( الإستقلال) لعبد الغفور البدري ، ومجلة (الوميض) للطفي بكر صدقي ، و(البلاد) لروفائيل بطي ، وغيرها .

وكان يهاجم بإستمرار وجود غير العراقيين في الوظائف الحكومية الجديدة ، ويدعو الى إستبدالهم بالعراقيين ، ويعيب على غيرهم بأنهم كانوا من مناصري الطورانية وجمعية الاتحاد والترقي ، وإستبدلوا جلودهم عندما قامت الدولة العراقية واصبحوا يدعون بأنهم عرب أٌقحاح. ولعله عاش حتى يومنا هذا ، لما بعد 2003 ليرى من تسلق على أكتاف العراق وهم من غير العراقيين ، ويزعمون بأنهم عرب أقحاح!!

وكتب في العدد الأول من ( الزمان) خطته الصحفية قائلا( لست مضللاً يتخذ من الوطن أحبولة لتضليل السذج ، شأن المضللين من حملة الأقلام ، ولست دجالاً يستهوي الحمقى باسم الأمة ليقودهم وإياها الى الدمار، شأن الدجالين من حملة القصبات المرضوضة ، ولست نصاباً يغري البسطاء بالألوان الزاهية لينهب منهم ما يسد به جشعه، شأن النصابين من ذوي الصحف الملطخة بالسواد ، وانما أنا رجل أصارح الناس بالواقع وأخاطبهم على المكشوف).

ويضيف ( في المجتمع مضللون لهم صحف يضيق لها الحصر، وفي البلاد دجالون ماهرون لا يحصى لهم عد ، وفي الوطن نصابون بارعون في النصب والإحتيال ، إذن فالجمهور لا يحتاج لأن أجعل هذه الجريدة وسيلة الى التضليل أو التدجيل أو الإحتيال، ما دمت لست ماهراً في هذه " الأخلاق المألوفة" ، وإذن فأنا معذور إذا لم أنشر في هذه الجريدة ما إعتاد الناس مطالعته في الصحف المرتزقة) .

وندد بشدة بالمعاهدات البريطانية – العراقية ، وقال أنها مكنت المندوب السامي البريطاني من التدخل في شؤون العراق الداخلية ، وألزمت الحكومة بالرجوع الى وزارة المستعمرات

البريطانية في لندن في حالة الخلاف بينها وبين المندوب السامي ، وان البلاد لا ترى لإستقلالها قيمة إذا كانت الكلمة النافذة في سياستها لوزارة المستعمرات .

وذكر خالد الدرّة في مقالة له نشرها في العدد 14 لمجلته ( الوادي) بتاريخ 16 مايس عام 1948 ، انه يتذكر بأن الوالد كان يجلس في مقهى أبو علي ، على أحد ( التخوت) ممسكاً بيده اليسرى ورقة طويلة يسندها على ركبته اليسرى ويشهر بيده اليمنى قلم الرصاص ، ولا يقربه أحد من أصدقاءه ، فيبدأ يكتب ببطء شديد وإذا به يسرع بالكتابة وهو يصفر لحناً مبهماً.

ويضيف ، كان أكثر الناس عناية بإسلوبه وإنتقاء لإلفاظه ، وهو تواق لإستحداث العبارات الرنانة التي لم يسبقه إليها أحد، وإني لأذكر انه قرأ قصة( الشيخ حسن) الذي ترجمه عن الفرنسية إسكندر الرياش عشرات المرات ، وكان يعدها أعلى نموذج للأدب الرفيع ، ولا أغالي إذا قلت إن شخصية بطل الرواية قد أثرت على نفسيته إلى حد بعيد. وكان الدرة ، الكاتب الوحيد تقريباً الذي يشير الى هذه المسألة.

ويضيف الدرّة بأن إبراهيم كتب ذات مرة مقالاً بعنوان ( لنا وطن ولنا أمل ولنا زعيم ) وهو يقصد ياسين الهاشمي ،وقد إستغربت منه هذا الإتجاه الذي لم أعهده فيه ، ولما إستفسرت منه عن سر هذه المبادرة الجديدة أجابني بأن هذه الكلمة جواب على ما قاله لي نوري السعيد حيث طلب مني بالأمس أن أشتم الهاشمي كما أشتمه هو حتى لا يغلق جريدتي.

ورشح إبراهيم صالح شكر، ذات مرة للنيابة في 30 آذار 1928 عن منطقة باب الشيخ، ودعـا في منهاجـه الانتخابي إلى ( الإستقلال التام للعراق بحدوده الطبيعية بلا حماية ولا وصاية ولا إنتداب ) والى إلغاء الإنتداب البريطاني ، وان لا تبقى في العراق أية سلطة عسكرية لغير الجيش العراقي، والى وضع قوانين لحماية حقوق الفلاحين ، والعمال ، فيؤخذ بتوزيع الأراضي وتقسيمها تقسيماً عادلاً على من يريد ان يكد ويعمل ، والى ان يتمتع الشعب بحرية القول

والكتابة وتنقيح قانون المطبوعات ليواكب القرن العشرين ، ومنح التعليم حرية ، وحصانة المدارس العالية والكليات من التدخل السياسي ، ومراقبة المدارس الأجنبية لتكون مناهجها وطنية عراقية.

وفاز إبراهيم صالح شكر في المرحلة الأولى للانتخابات ، التي كانت تجري على مرحلتين ، لكن تدخلات الحكومة أحبطت فوزه في المرحلة الثانية ولم يصبح عضواًً في مجلس النواب، ولم يكرر المحاولة بعد ذلك.

                                        

وعطلت الحكومات ، صحفه الواحدة تلو الأخرى ، فإضطر الى مشاركة أصدقاء له في إصدار صحفهم ،وتبادل إبراهيم صالح شكر مع رفائيل بطي التنازل عن حقهما في إصدار صحيفة ،لأحدهما، فقد تنازل رفائيل بطي عام 1924 عن إمتياز صحيفته ( الربيع) لصديقه إبراهيم صالح شكر الذي عطل قرار حكومي صحيفته ( الناشئة الجديدة ).

وفي 1930 تبرع إبراهيم صالح شكر بإمتياز صحيفته( الزمان) لصديقه رفائيل بطي الذي تعرضت صحيفته ( البلاد) للتعطيل. وجاءت هذه الإعارة عام 1930 وإبراهيم صالح شكر موجود في العراق حيث عاد من سفرته الوحيدة الى خارج العراق اواخر 1928 ، وليس صحيحاً ما قاله فائق بطي في الموسوعة الصحفية من أن إبراهيم صالح شكر سلم إدارة ( الزمان) لرفائيل بطي بعد أن ترك البلاد إلى الخارج.

وعندما شغل إبراهيم صالح شكر مهمة رئيس التحرير في جريدة (الأماني القومية) لصاحبها عبد الوهاب محمود عام 1931 ، عطلتها الحكومة بعد عددها الأول الذي حمل مقالاً بعنـوان ( حفنة تراب على مرقد الباجه جي مزاحم الأمين ) وزير الداخلية آنذاك الذي رفع دعوى قذف قضائية ضد كاتب المقال إبراهيم صالح شكر، والمدير المسؤول عبد الرزاق شبيب

، فحكمت المحكمة عليهما بسنة لإبراهيم وستة اشهر لعبد الرزاق . وبعد الإستئناف خفض الحكم الى أربعة شهور للأول وشهرين للثاني قضوها في سجن بغداد المركزي بباب المعظم.

     

إبراهيم صالح شكر وعبد الرزاق شبيب بحراسة الشرطة بعد الحكم عليهما بالحبس بسبب مقال جريدة الأماني القومية ( حفنة تراب على مرقد الباجه جي مزاحم الأمين)

وبين كل صحيفة يصدرها وأخرى ، يكتب للصحف الأخرى ، وأتفق مع سلمان الصفواني على التصرف في جريدته ( اليقظة) ،وسرقت داره ودار الصفواني ، مع ان الجميع كان يعرف ان دار إبراهيم خالية من ما يطمع إليه اللصوص ، لكنهم سرقوا حتى الحصيرة، كما ابلغي الصفواني وهو يستعيد لي ذكرياته في منزله ببغداد، ، وإعتبرت الصحف أن السرقة كانت بدافع سياسي ومدبرة لإرهاب إبراهيم .

وكتب إبراهيم في الصفحة الأولى للعدد رقم 17 من ( اليقظة)، وهو من مقتنياتي الشخصية في مكتبتي في العراق، مقالاً تحت عنوان ( للوطن نحيا وللوطن نموت) قال فيه:

( تفضل الكاتب المفضال الأستاذ سلمان أفندي الصفواني فأباح لنا التصرف في جريدته ( اليقظة) ، فهي الآن تحل محل ( المستقبل) التي عطلتها وزارة ( الماضي المجيد)، فللأستاذ وافر الشكر والثناء، ولوزارة ( الاستقلال الأعرج) أن تعلم أننا للوطن نحيا وللوطن نموت).

                                                           

                          سلمان الصفواني

لكنه لم يستطع مواجهة قرارات الحكومة في تعطيل صحفه أو الصحف التي يكتب بها ، فلجأ لسد رمق العيش من الوظيفة التي كان يدخلها بين تعطيل وآخر لصحفه، مضطراً للسكون الى الوظيفة التي بقي فيها حتى أقصته الحكومة بسبب تأييده للثورة العراقية ضد الإنكليز عام 1941 .

          

وكان أول عهده بالوظيفة في 12 تموز 1924 حينما تم تعينه مديراً لتحريرات لواء الحلة ( محافظة بابل) فيما بعد ،خلفاً لكامل الجادرجي ، وكان صديقه ،علي جودت الأيوبي متصرفاً للواء:

العدد: 10578

التاريخ 24 تموز 1924

سعادة متصرف لواء الحلة المحترم

بعد التحية، ولاحقة لكتابنا المرقم 9715 والمؤرخ في 3 تموز 1924

بناء على استقالة كامل أفندي الجادرجي من مديرية تحريرات لواء الحلة قد عينا إبراهيم أفندي صالح شكر مديرا لتحريرات لواءكم براتب 250 روبية شهرياً . نرجو إنبائنا تاريخ مباشرته بالوظيفة المذكورة وحسن إستخدامه.

ولسعادتكم الاحترام

توقيع وزير الداخلية

   

ولم يبق الوالد في الحلة سوى 80 يوماً ، أي حتى 12 تشرين الأول 1924 فإستقـال منـها ليعـود لإصدار جريدته( الناشئة الجديدة) بعد إمتعاض وكيل المتصرف محمود نديم

الطبقجلي الذي تولى المتصرفية عقب نقل الأيوبي الى لواء ديالى ، من علاقاته الصحفية ، فقدم في 4 تشرين الأول إستقالته، وغادر الحلة بعد عدة أيام، دون ان ينتظر قبولها رسمياً .

وفي العاصمة إلتقى وزير الداخلية عبد المحسن السعدون الذي أبلغه بأن لا سبيل لقبول إستقالته ، وإستحالة إعادة صحيفته ( الناشئة الجديدة ) الى الصدور ، لكنه ترك له الخيار الوظيفي في أي لواء من ألوية العراق يرغب بالإنتقال إليه بدلاً من الحلة ، فإختار إبراهيم لواء ديالى على مقربة من صديقه المتصرف على جودت الأيوبي، وإعتبرت وزارة الداخلية مغادرته الحلة نقلاً وليس إستقالة.

لكن الوالد عاد مرة ثانية الى مغادرة الوظيفة فكتب في 6 حزيران 1925 استقالته من وظيفة مدير تحريرات لواء ديالى بحجة ان لديه ظروفاً تمنع عليه القيام بالوظيفة ، وقبلت وزارة الداخلية الإستقالة ، ليقوم في اليوم التالي 7 حزيران بإصدار العدد رقم 30 من ( الناشئة الجديدة ) بالرغم من أن قبول إستقالته لم يكن قد صدر رسمياً بعد، وملأ هذا العدد بمقالات كتبها كلها بنفسه ، ومنها مقاله المشهور ( ثلثمئة وثلاثون يوماً ) ليتحدث فيه عن أيام اشتغاله موظفاً حكومياً، ومقالات أخرى هاجم فيها توظيف غير العراقيين في الدوائر الحكومية ، ومنهم بحوشي في وزارة المالية، وساطع الحصري في وزارة المعارف ، وغيرهم من الأتراك والهنود والأرمن . وكان هذا العدد من صحيفة ( الناشئة الجديدة) آخر عدد لها، فعطلتها الحكومة .

الرقم : 177

التاريخ : 6/6/1925

إلى وزير الداخلية

م / إبراهيم أفندي صالح شكر

تبجيلاً وتفخيماً

وبعد، فقد رفع إلينا إبراهيم أفندي صالح شكر إستقالته من مديرية تحريرات اللواء لأسباب خاصة تمنعه من القيام بهذه الوظيفة، وطياً نقدم لمعاليكم صورة هذه الإستقالة ، ونحن أسفون لإصرار الموما إليه على ذلك ، فقد كان من خيرة الموظفين في سلوكه وأخلاقه وقيامه بواجبات الوظيفة التي عهدت إليه.

وبما أنه إنفصل من وظيفته بعد ظهر يوم السادس من حزيران 1925 فإننا نرجو أن تتفضلوا بإرسال من ترونه قديراً على القيام بشؤون مديرية تحريرات اللواء. فإن هذه الوظيفة تتطلب عقلية وحذقاً لما لها من صلة كلية بمعظم المخابرات التي تجري بين اللواء والوزارات ورؤوساء الدوائر الكبرى. هذا عدا كون مدير التحرير من الوظائف البارزة في اللواء التي يجب أن يتلقدها موظف له من شخصيته ما يجعله مرعباً في نظر الأهلين الذين يقيسون الأشياء بالظواهر.

هذا من نقترحه بهذه المناسبة

متصرف لواء ديالى

ووافقت وزارة الداخلية بكتابها رقم 15424 بتاريخ 14 حزيران 1925 على الإستقالة، وكان إبراهيم قد عاد في نفس يوم إستقالته 6 حزيران إلى بغداد ، وتمكن من إصدار عدد جديد من جريدته ( الناشئة الجديدة) ، فأصدر في 7 حزيران 1925 حرر مقالاته كلها ، كما ذكرنا آنفاً ،ومنها مقاله ( ثلثمئة وثلاثون يوماً) التي قضاها موظفاً في بداية حياته الوظيفية.

ونشر في الصفحة الثانية حقله ( المعلوم والمجهول)، وبتوقيع ( عدو الباطل)، هاجم فيه الحكومة لترفيع الموظف الأجنبي المستر بحوشي الى الدرجة الممتازة ، وفي حقل (رؤس حراب) ، وبتوقيع (محارب) هاجم ساطع الحصري لأنه أحد الأجانب في الوظيفة العراقية.

وفي الصفحة الثالثة كتب ( نظرات سريعة) وبتوقيع ( مستعجل) لام وزارة المعارف على إستمرارها في بقاء الحصري وغيره من الأجانب ، وكتب تحت عنوان ( جناية السياسة على السياسة) للمقارنة بين جريدة (السياسة) العراقية آنذاك، وجنايتها على جريدة( السياسة المصرية).

وربما إستخدم إبراهيم صالح شكر اسم ولده رياض لتوقيع إحدى مقالاته، فنشر بتوقيع رياض مقالة في الصفحة الرابعة ( في ظل الدستور) ، وفي حقل سماه ( حقل رياض) ، وكان رياض في حينه قد ولد تواً !

وفي الصفحة الرابعة نشر أيضاً ( على المكشوف) ووقعه بإسمه الصريح، إبراهيم صالح شكر، حمل فيه بشدة على ما كان يسميهم ( الدخلاء الثلاثة )، وهم الأرمني ، المفتش العام بوزارة المالية، والتركي ، المدير العام في المحاسبات العمومية، والهندي، معاون سكرتير بوزارة المالية ، وعاب عليهم عدم معرفتهم باللغة العربية ، إلا بالقدر معرفته هو باللغة الأرمنية ! وكان الوالد لا يعرف شيئاً على الإطلاق من اللغة الأرمنية.

كما هاجم في الصفحة الرابعة عبد الحسين الجلبي وزير المعارف في وزارة عبد المحسن السعدون المستقيلة . والمعروف أن الجلبي ،إشترك في جميع الوزارات التي ترأسها

عبد المحسن السعدون ، ففي الوزارة الأولى كان وزيراً للمعارف، وفي الوزارة الثانية أصبح وزيراً للأشغال والمواصلات ، ثم وزيراً للمعارف مرة أخرى في الوزارتين الثالثة والرابعة.

                                          

وتعدّدت وظائفه بعد ذلك ، وكذلك المدن التي عمل فيها في وسط العراق وجنوبه، ومنها مدير تحريرات لواء بغداد، ولواء ديالى ، ومدير ناحية شهربان( المقدادية حالياً) وناحية قزلرباط (السعدية حالياً) وناحية تكريت ،( قضاء حالياً) ، ثم قائمقاماً في أقضية شهربان بعد ان أصبحت قضاءً ، وقلعة صالح والهاشمية والصويرة وسامراء وخانقين والمحمودية والفلوجة والكاظمية، ووكيل متصرف لواء ديالى ، ولواء الدليم ، وملاحظ ، ثم سكرتير المكتب الخاص بوزارة الداخلية . وسافر إلى مدن وبلدات في أنحاء العراق بحكم وظيفته أو للزيارة ، منها الموصل وكركوك والبصرة والعمارة والرمادي ومندلي ، وكتب إنطباعاته عنها في الصحف .

وقضى إبراهيم صالح شكر في الوظيفة بشكل عام، فترة 13 سنة و28 يوماً ، قدم خلالها ثلاث إستقالات ، وحصل على 634 يوماً إجازات( أي سنة وعشرة أشهر) ، منها 238 إجازات مرضية و21 يوماً إجازات بدون راتب ، ولم توجه له خلالها أية عقوبة.

   

ملاحظة: نظرا لطول المادة جزأت الى جزئين..تابعوا معنا الجزء الثاني على الرابط:

http://www.algardenia.com/maqalat/4404-69-2.html

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

816 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع