في مُقابلةٍ فريدة پابلو نيرودا، الشاعرُ العاشقُ والسياسيُّ المناضلُ يتحدّثُ عن الشِعرِ ومُهِمّةِ الشاعر

                                                    

         تقديم وترجمة (عن الإنگليزية): د. زكي الجابر

   

في مُقابلةٍ فريدة پابلو نيرودا، الشاعرُ العاشقُ والسياسيُّ المناضلُ يتحدّثُ عن الشِعرِ ومُهِمّةِ الشاعر

              إعداد وتعليق د. حياة جاسم محمد
القسم الأول

التقديم
في تشيلي، وتحديداً في ’’إيسلا نيگرا‘‘ (الجزيرة السوداء)، أَجرَتْ ’’ريتا گيبرت‘‘ Rita Guibert(1) مقابلةً فريدةً مع الشاعرِ ’’پابلو نيرودا‘‘ Pablo Neruda عَبرَ فتراتٍ قصيرةٍ امتدَّتْ ما بين 15 إلى 31 من كانون الثاني 1970. وقد نُشِرَتْ تلكَ المقابلةُ، مع مقابلاتٍ أخرَى أَجرَتْها ’’گيبرت‘‘ مع سِتَّةٍ من كبارِ كُتّابِ وشعراءِ أمريكا اللاتينية، في كتابٍ يحملُ عنوانَ ’’سَبعَةُ أصوات‘‘ (Seven Voices) (نيويورك، 1972). ومن بينِ أولئكَ المُبدِعين، بالإضافةِ إلى نيرودا، ’’ماركيز‘‘ Márquez(2) و’’بورخس‘‘ Borges(3) و’’باث‘‘ Paz(4).
والكِتابُ مُحاولةٌ مُتميِّزة لِرَدمِ الهُوَّةِ الحضاريّةِ القائمةِ بينَ القارّات. لقد أَشارَ ’’مونيگال‘‘ Monegal(5)، من جامعة ’’ييل‘‘ Yale، في مقدّمةِ الكِتابِ إلى أنّ كثيراً من أبناءِ أمريكا اللاتينيّةِ لا يتصوّرونَ الولاياتِ المتّحدةَ إلاّ بلادَ الامبيرياليّةِ وصانعي الدُولارِ والآلاتِ وجَيشَ البَحّارةِ ونُجومَ هوليوود. ولَدَى كثيرٍ من الأمريكيين الشِماليين تتشكَّلُ الأرضُ جَنوبَ الحدودِ من أقطارٍ تَعوزُها المَعالِمُ المتميِّزةُ ولكنّها تُعرفُ بِثَوراتِها التي لا تُعَدُّ وتَخَلُّفِها ومَوزِها وبِسُكّانٍ غيرِ أهلٍ لِلثقِةِ، لا يتحمّلونَ مسؤوليةً، ثَرثارينَ، شَهوَانيّينَ، ماهرينَ في عزف القيثارةِ والمُغازلة. وفي الوجه الثاني من العُملةِ فإنَّ أسماءً مثل ’’فولكنر‘‘ Faulkner(6) و’’همنگوي‘‘ Hemingway(7) معروفةٌ في أمريكا اللاتينيّةِ قبلَ أن تُعرَفَ في فرنسا. يقول ’’مونيگال‘‘ إنّه تحدّثَ يوماً مع رئيسِ إحدَى دُورِ النشرِ الكُبرَى المَعنِيَّةِ بالتَسجيلاتِ الصوتِيّةِ التَربَويَّةِ مُقترِحاً عليه مادّةً من إبداعِ ’’بورخس‘‘، فأجابه: ’’بورخس؟ من هو بورخس؟‘‘.
ولد ’’پابلو نيرودا‘‘ عام 1904 في ’’پارال‘‘، ’’تشيلي‘‘، وكان اسمُه الأصليُّ ’’نفتالي رييس‘‘، وقد غَيَّرَهُ إلى ’’پابلو نيرودا‘‘ انطلاقاً من موقفِ الدفاعِ عن نفسِهِ ضدَّ أبيهِ الذي عارَضَ طموحَه في أن يكونَ كاتباً شاعراً، اعتقاداً منه بأَنَّ الكتابةَ ستنتهي بإبنِه إلى تدميرِ نفسِه وأسرتِه. ولم يكنْ اختيارُه لاسمهِ الجديد إعجاباً بـ ’’يان نيرودا‘‘
Jan Neruda(8)، الشاعرُ التشيكيُّ، ولم يكنْ على دِرايةٍ بأن پابلو تعني بالعِبريّةِ الشخصَ الذي يقولُ أشياءَ جميلة!
عَمِلَ نيرودا في صفوفِ اليسارِ واحتلَّ مَنصِبَ سفيرِ بلادِه في فرنسا، ونال
عامَ 1971 جائزةَ ’’نوبل‘‘ للآدابِ التي سَبقَهُ إليها مُواطنُه الشاعر ’’گابرييل مارسيل‘‘
Gabriel Marcel(9). وقد تكون أبرزَ دواوينِه: ’’خمسون قصيدةِ حبّ‘‘، و ’’أكون‘‘، و ’’حَيثُ يُولَدُ المطر‘‘، و ’’القمرُ في المَتاهَة‘‘، و ’’النارُ الضاريةُ‘‘، و ’’صيّادُ الجذور‘‘.
نيرودا شاعرُ الحُبِّ والطبيعةِ والإنسانيةِ والسياسةِ، وهو إِنْ أُعجِبَ فترةً بـ ’’ستالين‘‘ ووَصَفَهُ بأنّه ’’سَمْتُ الضُحَى‘‘، فإنّه عادَ لِيَقرِنَهُ بالإرهابِ ويُدينَ ما اقترفتْ يداهُ وما خلّف لذُريَّتِهِ المُضَرَّجةِ بالدماء.
’’نيرودا‘‘ هو الذي نادَى عالياً: ’’لَسنا لِلبيعِ‘‘، وكيفَ ذهبتْ مكائِدُ الذين يَضعُونَ بَيْضَهُمْ الذهبيَّ في العَتمةِ‘‘، ذلك ’’أَنَّ قوانينَ الروحِ لا تَسمَحُ بِرواجِ العُملاتِ والمصارِف‘‘! ولقد تَنَحَّى عن التَرشيحِ لرئاسةِ البلادِ لصالحِ مُرَشَّحِ الحِزبِ الاشتراكيِّ ’’سلڤادور آيندي‘‘ Salvador Allende(10)، وحِينَ أَطاحَ الانقلابُ الرهيبُ، انقلاب ’’پينوشيه‘‘ Pinochet(11) ومجموعةُ العسكر بالحُكمِ الجديد، ومزَّقَ رصاصُ الفاشِست صدر ’’آيندي‘‘، تغلَّبتِ الهمومُ والعِلَلُ عليهِ، فتوفِّيَ الشاعرُ مَغموماً مُتأَلِّماً على سريرِ المرضِ في ’’سانتياگو‘‘ Santiago عام 1973. وبعد مُرورِ عشرينَ سنةً على وفاتِه نُقِلَ جُثمانُه وجُثمانُ رفيقتِه ’’ماتيلدا أوروتيا‘‘(12) لِيَرقُدا في ’’إيسلا نيگرا‘‘ (الجزيرة السوداء). ولم تَكُنْ بالسوداءِ، فهيَ مُنتَجَعٌ ساحِلِيٌّ يتمتَّعُ بِسحرِ الطبيعةِ وجمالِها الأخّاذ. أما ’’ماتيلدا‘‘ فهي زوجتُه الثالثةُ التي كتبَ فيها وأنشَدَها أحلَى القصائد. إنهما الآن يَرقُدانِ مُتقارِبَينِ الرقدةَ الأخيرةَ وفي المكانِ الذي أوصَى الشاعرُ أن يَستقرَّ فيه:
’’أمامَ البحرِ الذي أَعرِفْ
أمامَ القِمَمِ الحَجَريّةِ المُدَبَّبه
وهذه الأمواجِ العاتيةِ
التي لن تَعودَ عينايَ
المتعبتانِ الضائِعَتانِ لِرُؤيَتِهِما قَطّ‘‘
’’نيرودا‘‘، ذلك الشاعرُ الذي لم يتراجعْ عن ’’نَجمَتِه‘‘ بالرغمِ من كلِّ أولئكَ الذين انتظروا وُقوفَه عندَ المُنعَطَفِ بائعاً أسلحتَهُ وأفكارَهُ وآمالَهُ، مُستسلِماً للتهديداتِ وعُروضِ الرَشَاوَى وأعاصيرِ الغضبِ والأكاذيب. ومن حقِّكَ أن أضعَ بين يديكَ مُقتَطَفاتٍ فريدةً من تلك المُقابلةِ الفريدةِ التي أجَرتْها ’’ريتا گيبرت‘‘ مع الشاعرِ مُترجَمةً عن الانگليزية.*
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* لم يسبق نشر هذه الدراسة، وتنشر المقابلة قريباً في قسمٍ ثانٍ من الدراسة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر المعلومات عن الأعلام الوارد ذكرها هو ويكيپيديا.
1- ريتا گيبرت Rita Guibert، أرجنتينية، ولدت 1916 وتوفيت 2007 في نيويورك. مؤلفة وصحفية وباحثة ومترجمة.
2- گابريل گارسيا ماركيز Gabriel García Márquez (1927-2014). روائي، صحفي، وناشط سياسي كولومبي. حصل على نوبل 1982.
3- خورخيه لويس بورخس Jorge Luis Borges (1899-1986). أرجنتيني، كاتب قصة قصيرة وشاعر ومترجم.
4- أوكتافيو باث Octavio Paz، شاعر، ولد في مدينة المكسيك (1914)، حصل على نوبل 1990، أول مكسيكي يفوز بها. معارض للفاشية. عمل دبلوماسياً، وكتب دراسات نقدية وسياسية وتأريخية.
5- أمير رودريگس مونيگال Emir Rodríguez Monegal (1921-1985). أكاديمي وناقد أدبي من أوروگواي Uruguay، كان أستاذ الأدب اللاتيني المعاصر في الولايات المتحدة في جامعة ’’ييل‘‘ Yale.
6- ويليام فولكنر William Faulkner (1897-1962). أمريكي، حائز على نوبل. كتب في الرواية والقصة القصيرة والمسرحية.
7- إيرنست همنگواي Ernest Hemingway (1899-1961). أمريكي، حائز على نوبل في 1954 وجوائز أخرى.
8- يان نيرودا Jan Neruda (1834-1891). صحفي وكاتب وشاعر وناقد فنّي ’’تشيكي‘‘.
9- گابرييل مارسيل Gabriel Marcel (1889-1973). فيلسوف وجودي فرنسي وكاتب مسرحي وناقد موسيقي، كثير الإنتاج، دراسات ومسرحيات.
10- سلڤادور آيندي Salvador Allende (1908-1973). طبيب وسياسي من تشيلي، أول رئيس دولة في تشيلي ذو خلفية ماركسية.
11- أوگوستو پينوشيه Augusto Pinochet (1915-2006). المسؤول عن الانقلاب العسكري الذي أدى إلى مقتل الرئيس الشرعي المنتخب سلڤادور آيندي.
12- ماتيلده أوروتيا Matilde Urrutia (1912-1985). زوجة الشاعر نيرودا الثالثة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

534 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع