تهديدات الحاكم بأمره ومسار الانتفاضة في العراق

                                                

                           هيفاء زنگنة

تهديدات الحاكم بأمره ومسار الانتفاضة في العراق

إذا ما حدث ولجأ أحدنا إلى «غوغل»، بحثا عن الأنظمة التي تستهدف المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي والقناصة، لوجدنا أن الكيان الصهيوني يحتل مركزا متقدما في استهدافه أبناء الشعب الفلسطيني، ولوجدنا، أيضا، أن النظام العراقي، بات منافسا حقيقيا في استهدافه المتظاهرين السلميين، مما يؤكد، بما لا يقبل الشك، ما نعرفه جميعا، وهو أن أنظمة الاحتلال والقمع، تستنسخ الإرهاب والممارسات الاجرامية.

فالمنتفضون في العراق المحتل أمريكيا وإيرانيا، كما في فلسطين المحتلة من قبل الكيان الصهيوني، ومنذ الأول من تشرين/ أكتوبر، يواجهون وهم يحملون حياتهم على أكفهم، الموت الذي يزرعه القتلة خشية امتداد الحياة.
وإذا كانت المقاومة الفلسطينية قد علمتنا أنها الحياة، فإن مقاومة المحتل الأمريكي، في الأعوام التالية لغزو العرق، قد علمتنا أن المقاومة تعني أن تكون موجودا، أن تكون إنسانا. وها هي انتفاضة تشرين/ اكتوبر، تبين انها، بوحدة تمثيلها للشعب، ومطالبتها بإسقاط النظام الطائفي الفاسد، وإنهاء الاحتلالين الأمريكي والإيراني، قد وصلت مرحلة التغيير النوعي لتراكم ما سبقها من مقاومة وحراك شعبي.
لئلا ننسى: كيف أثبتت التظاهرات، عراقيتها ووطنيتها، منذ الشهر الأول للاحتلال، عام 2003، حين تظاهر عدد من سكان مدينة الفلوجة أمام مدرسة ابتدائية مطالبين قوات الاحتلال بمغادرتها، رافعين شعار «أيها المحتلون القتلة سنخرجكم إن آجلا أم عاجلا». فتعاون المحتل مع الحاكم المحلي على إبادة المدينة واتهام أهلها بالإرهاب. أثمرت المقاومة المسلحة، البطولية، الدامية، رغم تشويهها بالطائفية بـ«العمليات السوداء» المدارة من الاحتلال، بسحب المحتل أغلب قواته وإبقاء وجوه محلية بالنيابة مشاركاً هذه المرة خصمه إيران. واستمرت التظاهرات، بشكل متقطع في كافة أرجاء البلاد بمطالب مختلفة لتعود، بقوة في 25 شباط (فبراير) 2011، تزامنا مع ثورات الحرية في تونس ومصر. جوبهت التظاهرات بالرصاص الحي فاستشهد 27 متظاهرا وتم اعتقال وتعذيب عشرات المتظاهرين. لئلا ننسى، كانون الثاني/يناير 2013، كيف وصف نوري المالكي، رئيس وزراء نظام «حزب الدعوة»، التظاهرات الشعبية والاعتصامات التي ساهم فيها ما يزيد على المئة ألف مواطن، على مدى أسابيع، بأنها «نتنة» وطائفية وأنها «فقاعة»، وهي «عملية تواصل مع جهات أجنبية» وأن المحتجين هم «أصحاب أجندات خارجية» متوعدا إياهم، وهو يزم شفتيه، بقوله: ‘انتهوا قبل أن تنهوا».
وهي اتهامات أطلقها أمين عام حزب مذهبي دينيا / طائفي سياسيا، بامتياز. أما بالنسبة إلى تهمة «التواصل مع جهات اجنبية» أو وفق «أجندات أجنبية»، فليس هناك، في العالم كله، من لا يعرف أن حكام « العملية السياسية»، وصلوا الى سدة مناصبهم بدبابات الاحتلال الانكلو أمريكي؟ فاذا لم يكن هذا تواصلا مع جهات أجنبية فما هو معنى التواصل والأجندة الاجنبية؟

ولنتذكر أن الشعارات التي وصفها المالكي بأنها « نتنة» تضمنت المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ووضع حد للتعذيب والإهانات اليومية واحتقار الناس، والترويع بتهم الإرهاب الجاهزة، ومعاقبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان المنهجية التي فاقت كل تصور، بحيث بات العراق على رأس قائمة الدول المنفذة لأحكام الإعدام في غياب نظام قضائي نزيه، حسب تقارير الأمم المتحدة.
ولنتذكر، كما أثبتت، تظاهرات الأنبار، أنها كانت منظمة من قبل لجان شعبية، أشرفت كل لجنة منها على أحد الجوانب العملية كالمحافظة على أمن وسلامة المتظاهرين، وتحديد مداخل التظاهرة، ومراجعة الشعارات والكلمات الخطابية لئلا تتعارض مع الروح الوطنية، بالإضافة الى الاشراف على توفير اماكن التواصل الاجتماعي ووجبات الطعام والمحافظة على نظافة المكان، وعلى الندوات التثقيفية في خيم الاعتصام. أي انها كانت وسابقاتها، على مدى 16 عاما، الأرضية الخصبة التي مهدت للانتفاضة الحالية، بتنظيمها الرائع، وروحها العراقية الأصيلة، وجرأة شبابها ودماء شهدائها.
واجهت الاعتصامات السابقة محاولات اختطاف واحتواء وتشويه متعددة، يكررها المتشبثون بغنيمة السلطة حاليا تجاه المنتفضين. مقابل حيوية المنتفضين وتنظيمهم « مدن الساحات»، المزودة بالأساسيات التي فشل النظام بتزويد البلد بها على مدى 16 عاما وبميزانية سنوية بحدود 120 مليار دولار، يقوم النظام بالدفاع عن وجوده ومصالح أفراده، مسخرا مختلف الأساليب الجامعة بين القمع الوحشي ونعومة الخطاب. يشمل القمع الوحشي الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي والقناصة، بالإضافة الى اغتيال الناشطين واختطافهم، خاصة الشابات. دعائيا، لجأوا الى توليفة خطر المنتفضين على البلد ونشر الفوضى وحرق الممتلكات العامة وتعطيل الحياة اليومية والعمالة لقوى خارجية.
أما الشكل الناعم للاحتواء، فقد تبدى بظهور عادل عبد المهدي، محاطا بساسة النظام، وهو يعلن « تفهمه» لمطالب المتظاهرين في ذات الوقت الذي « يحذرهم» من الفراغ السياسي وإحداث الفوضى وتعطيل ميزانية الدولة، ومحملا إياهم حرمان الأطفال من التعليم بسبب مشاركة المدارس في المظاهرات. هكذا ألقى مسؤولية الخراب على عاتق المتظاهرين، وبالتالي وباعتباره القائد العام للقوات المسلحة أفسح المجال لشرعنة قتلهم. معه، احتل بقية الساسة من نواب ورؤساء أحزاب وقادة ميليشيات، شاشات الفضائيات ليعلنوا، جميعا، «تضامنهم» مع المنتفضين، و«حرصهم» على حياتهم، في ذات الوقت الذي تواصل فيه قوات الأمن والمليشيات استهدافها لهم، وسقوط الشهداء من الشباب بشكل يومي. ولا تخلو الساحة الدعائية الإعلامية من وجوه مسؤولين سابقين، يعاد تدويرهم، حاليا، كمحاولة لاستبدال وجه بآخر، تحايلا على المتظاهرين، وانعكاسا، في الوقت نفسه لمدى تمزق النظام وخوف قادة أحزاب «العملية السياسية»، مما سيحمله المستقبل. انطلاقا من هذا، أعلنوا ما أطلقوا عليه «وثيقة الشرف» التي قابلها المنتفضون بالتهكم والسخرية. كما سخروا من دعوات النظام، سواء بلسان رئيس مجلس النواب أو « مثقفي» النظام، الى ترتيب لقاء لعرض طلباتهم وتوجيه «النصائح» لهم بانتخاب من يمثلهم ويتحدث باسمهم بشكل علني. وهي «النصيحة» التي لا يكف مقدمو البرامج التلفزيونية العراقية، عن تكرارها ببلادة ببغائية، ويرفضها المنتفضون جملة وتفصيلا لأنهم يعرفون جيدا ما الذي سيكون عليه مصير من سيتم الإعلان عن أسمائهم وأن الوضع الحالي يقتضي العمل التنسيقي الجماعي خاصة بعد أن أدركت النقابات والاتحادات الوطنية أن عليها المشاركة بالانتفاضة قبل أن يفوت الأوان. ومن يتابع مسار الثورة التونسية، سيجد أن وقوف اتحاد الشغل الى جانب الشباب، على تأخره، بالإضافة الى عدم تدخل الجيش، أحدث تحولا كبيرا في انتصار الثورة.
ان مراجعة مسارات التظاهرات في العراق، على مدى حقبة الاحتلال ومواصلة ذات الوجوه والأحزاب الهيمنة على السلطة، وموارد النفط، وتخريب التعليم، والصحة، والصناعات المحلية، وإفراغ البلد من عقوله، سيبين بوضوح أن الانتفاضة الحالية ليست وليدة شهر تشرين/ أكتوبر بل استمرارية المقاومة ضد المحتل والنضال الذي دفع آلاف المواطنين حياتهم ثمنا للوصول اليها اليوم، وأن ادعاء النظام الحالي أنه ليس مسؤولا عن خراب 16 عاما، استهانة أخرى بعقول الناس وبحياة الشهداء. وهذا ما أثبت المنتفضون انهم لن يسكتوا عليه هذه المرة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

712 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع