فيلم “أين تغزو المرة القادمة” سخرية اجتماعية وسياسية للمؤسسة الحاكمة فى أمريكا!!

                                             

                           علي المسعود

    

فيلم “أين تغزو المرة القادمة” سخرية اجتماعية وسياسية للمؤسسة الحاكمة فى أمريكا!!

مايكل مور.. مخرج وصحفي ومؤلف وناشط سياسي أميركي؛ اشتهر بأفلامه الوثائقية المثيرة للجدل، وآرائه السياسية المناهضة للسياسة الأميركية محليا ودوليا، إضافة إلى مشاركته في عدة احتجاجات. قاد حملة عالمية للتضامن مع المسلمين ضد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ولد مايكل فرانسيس مور يوم 23 أبريل/نيسان 1954 في مدينة فلينت بولاية ميتشغان الأميركية، درس الصحافة في جامعة ميتشغان فلينت، وبدأ مسيرته الصحفية في جريدة الجامعة "ذا ميتشغان تايمز" لكنه انقطع عن مواصلة الدراسة، يوصف مور في وسائل الإعلام الأميركية بأنه يساري التوجه. وقد عُرف بجرأته وانتقاداته الحادة للقضايا الاجتماعية أو السياسية المحلية والدولية بأميركا، خصوصا معارضته للحرب الأميركية على العراق، وانتقاداته للعولمة وهيمنة الشركات الكبرى، بدأ مساره في المجال الصحفي حيث أسس عام 1976 مجلة "صوت ميتشغان" لتغطية أخبار الولاية، ثم اشتغل محررا في صحيفة "مادر جونز" وتحول لاحقا إلى إخراج أفلام وثائقية بدأها بفيلمه " روجر وأنا "، عام 1989 الذي تناول أوضاع مدينته فلينت بعد نقل شركة جنرال موتورز عدة وظائف من مصانعها إلى المكسيك، وقد لقي الفيلم نجاحا كبيرا، بعد ذلك، تخصص مايكل مور في إخراج ألافلام والمسلسلات التلفزيونية والتي ركزت على انتقاد فساد السياسيين وجشع المؤسسات الصناعية الكبرى، ومن أشهرها "لحم الخنزير الكندي ، عام 1995، وهو فيلم خيالي غير وثائقي تدور أحداثه حول رئيس أميركي متخيل يفتعل حربا وهمية مع كندا لتعزيز شعبيته المتدهورة. بعدها قدم"مايكل مور" في فيلمه "الكبير" عام 1997 رؤيته الناقدة والساخرة من سيطرة الشركات العملاقة والتسريح الجماعي للموظفين رغم أرباحها العملاقة والتسريح الجماعي للموظفين رغم أرباحها الكبيرة، إضافة إلى فيلم "بولينغ فور كولمبيان عام 2002 الذي وثق لمجزرة مدرسة كولمباين الثانوية التي وقعت عام 1999، وبعدها اخرج فيلم"سيكو" عام 2007 الذي انتقد فيه نظام الرعاية الصحة في أميركا. كما أنتج فيلم "الرأسمالية قصة حب" عام 2009، وتناول فيه الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها الإنسانية على الأسرة.

يحرص مور على الظهور بمظهر متواضع يعبر عن أفكاره "من خلال تشبثه بارتداء سراويل جينز وأحذية الرياضة في أغلب المناسبات، ويقول إنه أخرج فيلم "فهرنهايت 11/9" -الذي انتقد فيه تعامل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن مع هجمات 11 سبتمبر عام 2001- لأنه "يريد للعالم أن يتغير"، وأضاف أنه "عندما يشاهد الأميركيون الفيلم، فإنهم سيشاهدون أشياء لم يروها من قبل". انتقد سياسة بوش الابن ودعم انتخاب الرئيس باراك أوباما عام 2008، وفي أواخر 2015، نشر مور صورة له أمام فندق يملكه المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية 2016 دونالد ترامب حاملا لافتة كُتب عليها "كلنا مسلمون". ووجه صاحب "فهرنهايت 9/11" في تدوينة له انتقادا لترامب قائلا له "أنا تربيت على أننا جميعا إخوة بغض النظر عن العرق أو العقيدة أو اللون، وهذا يعني أنك إذا كنت ترغب في حظر دخول المسلمين، فيجب عليك أولا أن تحظر دخولي أنا والجميع، لأننا كلنا مسلمون"، وأضاف مخرج "الرأسمالية.. قصة حب" في معرض تفسيره لجملة "كلنا مسلمون"، "تماما مثلما أننا كلنا مكسيكيون، كاثوليك، يهود، بيض وسود، وكل درجة لون بينهما، كلنا أبناء الله". في فيلمه “أين تغزو المرة القادمة”، وهو الفيلم الذي جاء بعد ست سنوات من التوقف في إلانتاج. يعيد " مايكل مور" مخرج الأفلام الوثائقية صاحب الأسلوب المحرض والمشوق والمحفز للعقل والمثير للجدل إلى الساحة وبعد غياب ست سنوات، يعود ويواصل من خلاله أسلوبه التحريضى الساخر من الأغنياء وأصحاب النفوذ والمؤسسات الحاكمة فى أمريكا، حيث يهاجم المحاولات التى بذلتها الولايات المتحدة عقب هجمات الحادى عشر من سبتمبر للاضطلاع بدور شرطى العالم، وتبدو تنقلاته وكأنها “غزوات”، بعد أن زار أكثر من عشر دول فى أوروبا وإسكندنافيا وشمال أفريقيا ليصور الفيلم. فيلم “أين تغزو المرة القادمة” يستكمل فيه المخرج الشهير رؤيته التى قدمها من قبل فى فيلمه الوثائقى “سايكو”؛ الذى أنتج عام 2007، وتعرض من خلاله للرعاية الصحية فى الولايات المتحدة. حتي العنوان الذي اختاره( مايكل مور) لهذا الفيلم الوثائقي يحمل سخرية وهجاء سياسي ، لكن اسم العمل مضلل، فالفيلم لا يروج للنزعة الاستعمارية العسكرية. بل هو سخرية اجتماعية وسياسية حادة للمؤسسة الحاكمة فى أمريكا!!. في فيلمه "أين تغزو المرة القادمة؟"الذي بدأ اخراجه في 2015 وعرض بعدة لغات، الألمانية والنرويجية والعربية والفنلندية والبرتغالية والإنجليزية بالطبع، والإيطالية والفرنسية، وعُرض في افتتاح الدورة الحالية لمهرجان تورنتو السينمائي الدولي، لم يتم تصوير لقطة واحدة منه في الولايات المتحدة. يبدأ الفيلم مع "لقاء" مور برؤساء فروع الجيش الأمريكي ، وبعد أن لاحظوا عدم نجاحهم في كسب الحروب في العقود الأخيرة ، يقدم مور خدماته ، لغزو البلدان الأخرى ونقل التجارب والافكار الايجابية. بالطبع ، كل هذا كوميديا ​​وما يعنيه "أخذ" هي أفكار جيدة لحل المشكلات الداخلية للأمة - مثل المدارس الفاشلة ، وسوء التغذية في مرحلة الطفولة ، والافتقار إلى الرعاية الصحية ، وديون قروض الطلاب ، ونظام السجون المثقل بالأعباء ، وغيرها من القضايا، يبدأ الفيلم فى استعراض لاهث فى أقل من خمس ثوانٍ عن الحروب التى خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية فى جهات العالم الأربع بعد انتهاء الحرب العالمية الثالثة. فمن كوريا فى الخمسينيات مرورا بفيتنام فى الستينيات ولبنان فى الثمانينيات، ثم أفغانستان وحربى الخليج الأولى والثانية فى التسعينيات، وفى مفارقة صارخة بينما يعلن المسئولون الحكوميون عن دعمهم الكامل تجاه الجنود الأمريكيين المحاربين فى الخارج، يظهر شريط من إحدى القنوات الإخبارية الأمريكية وعليه خبر فحواه نهاية مأساوية لحياة جندى سابق فى فيتنام. الرجل وجد متجمدًا حتى الموت فى منزله بعد أن قامت شركة الطاقة بإغلاق تغذية الغاز الطبيعى عنه. تتابع اللقطات والمشاهد التسجيلية من أحاديث الرؤساء الأمريكيين ريجان، نيكسون، كلينتون، بوش وأوباما ينحصر فى أكاذيب عن ملاحقة الإرهابيين الذين يهددون البلاد حيثما كانوا، لن يكون لهم ملاذ آمن.وفى الخلفية أيضا مشاهد واضحة مباشرة لانتهاكات الشرطة الأمريكية ضد المواطنين الأمريكان خاصة من السود والاقليات الاخرى، في فيلمه «أين سنغزو في المرة القادمة؟ » يسافر مور في رحلات مكوكية لثمانية دول تشمل، إيطاليا وفرنسا وألمانيا وأيسلندا والبرتغال وسلوفانيا النرويج وتونس، لاكتشاف أفضل الممارسات التي تقوم بها مجتمعات هذه الدول من أجل تحسين نمط حياة مواطنيها، في إيطاليا، زار مور إحدى المصانع الكبيرة لإنتاج الدراجات البخارية الرياضية، ليكتشف أن جميع الموظفين يحظون بساعتي راحة للغداء يوميًا، لا يأكلون فيها في موقع العمل ، وإنما يذهبون لمنازلهم لقضاء هذا الوقت مع أسرهم، وليستمتعوا بوجبة منزلية ساخنة في صحبة أزواجهم أو زوجاتهم، وأبنائهم، ويأخذون كل الوقت اللازم لذلك، ثم يعودون لأعمالهم وقد شحنوا طاقتهم. المثير للاهتمام أن الإيطاليين يعملون ست ساعات يوميًا فقط. يسألهم مور: «وماذا تفعلون في باقي الوقت»، ليجيبوه بأنهم يفعلون كل شيء ممكن للاستمتاع بالوقت، كالاستماع للموسيقى، وممارسة الهوايات، أو تعلم أمور جديدة، أو ربما يكتفون فقط بالجلوس على المقاهي مع أصدقائهم. إلى جانب هذا، فمن حق الموظف الإيطالي أجازة سنوية مدفوعة لـ40 يومًا. يصدم مور عائلة إيطالية، عندما يُخبرها بأن عدد أيام الأجازة المدفوعة المتاحة للموظف الأمريكي «صفر)). في المقابل، تصدم العائلة الإيطالية، مور، عندما يُخبرونه أن القانون الإيطالي يفرض على أي شركة، منح الموظفة التي تلد، أجازة أمومة لخمسة أشهر. «إنها أهم فترة في حياة الرضيع»، هكذا تقول السيدة الإيطالية، ليرد عليهم مور بحسرة: «كل بلاد العالم تمنح أجازة أمومة، ما عدا بلدين: الولايات المتحدة وغينيا الجديدة)). يستأذن مايكل مور العائلة الصغيرة في غرس العلم الأمريكي في بيتهما الإيطالي الجميل، ويعلن لهما غزو أمريكا لإيطاليا رسميًا، وأنه غنم منها أفكار سينقلها معه للولايات المتحدة وهي (ساعتي الغداء في البيت، وساعات العمل الأقل مع بيئة عمل أفضل، وأجازة أمومة طويلة كافية). وفي غزوة " مايكل مور" لفرنسا يُذهل مور من طعام أطفال إحدى المدارس في مدينة فرنسية صغيرة ، حيث يقوم بزيارة «كافيتريا المدرسة». تقدم المدارس في الفرنسا وجبات صحية ولذيذة، يشرف عليها مجلس كامل يضم أعضاء من بلدية المدينة، وأخصائيي تغذية، وأعضاء من جهات تعليمية، لوضع برنامج غذائي صحي لطلاب المدارس يُراجع ويُقرّ أسبوعيًا. يجلس مور على طاولة طعام ليأكل مع أطفال في المرحلة الإبتدائية، حيث يُقدّم الطعام إليهم بنظام، شاملًا عدة أطباق متتالية تبدأ بفاتح الشهية، ثم أطباق رئيسية، ثم طبق للتحلية، يصطحب مور معه علبة كوكاكولا معه، ليكتشف أن الأطفال لم يتذوقوها في حياتهم. يسأل الشيف إذا ما كانوا يقدمون للأطفال شطائر «الهامبرجر»، فيجيبه الشيف: «نعم، مرة واحدة في السنة)). يُصدَم مور عندما يعلم أن الشيف لم يأكل شطيرة برجر واحدة في حياته. فجأة تبدو ثقافة الطعام الأمريكية في الفيلم غريبة ومنبوذة . كذلك يلقي بعض الضوء على النهج التنويري في تدريس الجنس للصغار على نحو علمي مستنير في المدارس الفرنسية. وفي جولته الى ألمانيا يصحبنا مور إلى مصنع( فابر كاستيل) الشهير لصناعة ألاقلام الرصاص. يجلس مور مع مدير المصنع في مكان جميل وسط المدينة ليتحدث إليه عن أحوال العمال، ثم يسأله: «أين يقع المصنع؟»، يشير الرجل إلى مبنى قريب أنيق، ويقول: «ها هو أمامك»، يصرخ مور: «ما هذا؟ لا يمكن، هذا مبنى به نوافذ كبيرة، ويدخل إليه الشمس؟»، يضحك الرجل ويخبره أن عليه إبقاء العمال أصحاء وسعداء، كلما فعل ذلك زادت إنتاجيتهم وقلت مشاكلهم ولم يعانون من أي ضغوط من نقاباتهم القوية، ؟). كما أن إرسال أي بريد إلكتروني للعاملين بعد ساعات العمل الرسمية أو في الإجازات أو عطل نهاية الأسبوع هو من قبيل المُحرمات، مهما كانت خطورة وفداحة الأمر. ومع ذلك، فالمصنع يعمل ويزدهر على نحو لافت، يفهم مور أن ألمانيا تهتم بتمكين الطبقة المتوسطة عبر ضمان تمثيلهم في النقابات ومجالس إدارات الشركات، حيث يحتوى أي مجلس إدارة لأي شركة – من بين ذلك مرسيدس بنز – على عمال يمثلون 50% من أفراد المجلس. ويفهم أن الإبقاء على طبقة متوسطة قوية وواسعة هو الضمان الحقيقي لاستقرار المجتمع، ولمنع استقطاب حاد بين طبقة فاحشة الثراء وطبقة مدقعة الفقر كما هو منتشر في دول عديدة، منها الولايات المتحدة نفسها، التي يعيش فيها 43 مليون مواطن مصنف تحت خط الفقر.المثير في ألمانيا أيضًا كم الأحداث الثقافية والتعليمية التي خصصتها الحكومة لدراسة الحقبة النازية من تاريخها، حيث قادت ألمانيا النازية دول المحور لتقتل ملايين البشر خلال الحرب العالمية الثانية، هذا إلى جانب جرائم التطهير العرقي التي قام بها نظام هتلر. يرى الألمان أن الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه وتعويض الضحايا وأهلهم هو سبيل عدم تكراره، وسبيل التصالح مع الذات من أجل التقدم الحقيقي. ويتساءل مور: «هل يمكن لأمريكا أن تفعل المثل، وتصارح شعبها بجرائمها في حق السكان الأصليين لأمريكا، أو جرائمها في حق السود. يتجه بعدها المخرج ( مور) في غزوته إلى بلد سلوفينيا، حيث الدراسة مجانية تمامًا، بما في ذلك الدراسة الجامعية حتى للأجانب، وفوق هذا أيضًا توفير دورات تدريبية لتعليم اللغة الإنجليزية للأجانب وغيرهم بالمجان. وبالطبع يقارن هذا بحال الطلاب بأمريكا، الذين لا يكملون مراحل تعليمهم العليا نظرًا للتكلفة الباهظة أو الذين يضطرون للعمل والاستدانة، وبعد ذلك يتخرجون وقد أثقلتهم الديون والأعباء المالية، التي يظلوا يسددونها حتى مراحل متقدمة من حياتهم العملية!.

يزور"مور" أيضأ فنلندا التي تتصدر دائمًا قائمة أفضل نظم تعليمية في العالم، رغم أن عدد ساعات الدوام في اليوم أربع ساعات فقط، بما فيها وقت الغداء. ولا يُعطى الطلاب أية فروض دراسية للمنزل. في فنلندا، يحضر التلاميذ بالمدارس لوقت قصير للغاية في اليوم، لأنهم في حاجة ماسة للاستمتاع بالحياة والعلاقات الاجتماعية والأسرية. ليست هناك مدارس خاصة في فنلندا. وليس ثمة ما يدعى بالواجبات المنزلية والامتحانات، فقد تخلصوا منها منذ سنوات بعيدة، وإن وجدت فهي نادرة للغاية. كما أن للتلاميذ الحرية في التعبير عن الطريقة التي يرغبون في أن تدار بها المدارس والعملية التعليمية. تقول له مديرة إحدى المدارس أنه «على الأطفال أن يعيشوا طفولتهم، ولا نكدسها لهم بمواد وواجبات لا تنتهي. بعد الدراسة سيذهبون ويمارسون هواياتهم ويتعرفون على أصدقاء جدد ويتواصلون مع أسرهم، هذه خبرات تعليمية في حد ذاتها، وفي اليوم التالي سيحضرون إلى المدرسة ويناقشون مع معلميهم وزملائهم تلك الأشياء. هذا هو التعليم الحقيقي)). ولذلك فإن فنلندا تحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم في جودة وتقدم العملية التعليمية بها، بينما تحتل الولايات المتحدة المركز التاسع والعشرين. وفي زيارته لسجون النرويج، نرى كيف يتم التعامل برحمة وحرية واحترام حتى مع أعتى المجرمين، بما في ذلك القتلة الخطرين. إنهم يعيشون فيما يشبه المنتجع الصحي، يمارسون حياتهم على نحو طبيعي للغاية، يرتدون ملابس عادية، يصيدون الأسماك ويمارسون الرياضات المختلفة ويأخذون حمامات شمس. يدخلون المطعم ويطهون ما لذ وطاب من الطعام، ويستخدمون ما يشاءون من الأسلحة البيضاء. ليس ثمة حراس في السجن، بالكاد أربعة بسجن بأكمله يوجد به ما يزيد عن مئة فرد، وهم يقيمون في مكان آخر ليتركوا السجناء يتمتعون بحريتهم وبرقابتهم لأنفسهم وتصرفاتهم دون اختراق لخصوصياتهم. يتحدث مدير السجن لمور قائلا: "لا أعرف لماذا تجدها فكرة غريبة؟ الفكرة الرئيسية للعقاب هي سلب الحرية، وتلك متوفرة بالفعل. بخلاف ذلك فنحن نساعدهم على العودة السوية إلى المجتمع". وبالطبع يقارن مورعبر اللقطات الأرشيفية، بين نظام السجون وطرق المعاملة في بلده وبين النظام في النرويج، كذلك ألغوا عقوبة الإعدام تمامًا لأنها من وجهة نظرهم عقوبة تسلب الكرامة الإنسانية من وجهة نظرهم. في حوار للمخرج " مايكل مور" مع والد شاب قتل في المذبحة التي نفذها نرويجي متطرف في 2011، عندما أطلق النار على معسكر طلابي قتل فيها 100 شاب ويسأله: «إذا سنحت لك الفرصة، هل ستقتل هذا الشخص؟»، يجيب الرجل: (لا بالطبع، لا يمكنني النزول لمستواه، واعتبار قتل نفس حقًا لي، إنه ليس من حقي في الأساس)، كذلك، يذكر لنا أن أقصى حكم يدان به أي مجرم لا يزيد، مهما كانت فداحة جرمه، عن 21 عامًا. يتوجه بعد ذلك إلى البرتغال ويتناول قضية السجون مرة أخرى، لكنه يركز بشكل أساسي هذه المرة على موضوع المخدرات وتعاطيه، ويوضح كيف أن الأمر ليس من المُحرمات أو المُجرمات هناك، وأن العلاج مُتاح لمن يريد الشفاء أوالإقلاع، تمامًا كغيره من الأمور الصحية المستوجبة العلاج. وباسوبه الساخر يسأل مور أحد الضباط :"لدي كوكائين في جيبي، ألن تعتقلني؟" ، فيضحك الضباط ولا يفعل شيئًا. يمضي بنا مور في فيلمه إلى عدة دول أخرى، في تونس التي توفر عيادات مجانية تمامًا للسيدات، وتقر لهم الحق في الإجهاض ما دام اختيارًا شخصيًا، ورغم مجيئ حكومة بخلفية إسلامية لسدة الحكم بعد ثورة 2011، إلا أن السيدات ضغطن لينلن حقوقًا متساوية مع الرجال وأن ينص الدستور الجديد على ذلك، وفي تونس يلقي الأضواء على ثورة الياسمين وتحية محمد بوعزيزي ويحاور زعيم الإسلام السياسي راشد الغنوشي، وهو حوار دبلوماسي لا يخرج منه بمعلومة مفيدة، على عكس لقاءه بريم التونسية التي تخبره بصراحة: " إننا نعرف عنكم كل شيء، نرتدي ملابسكم ونشاهد أفلامكم ونأكل طعامكم، ولكنكم لا تعرفون أي شيء عنا" ، وتركز الكاميرا على مسيرة المرأة غير الناجحة هناك بالرغم من وجود مركز حكومي يساعد على الإجهاض، وبعدها ينتقل إلى المسيرة النسائية في آيسلندا عام 1957 التي انتهت بانتخاب أول رئيسة للبلاد في 1980، يلتقيها مور ويجري معها حوار ثري ، وكذلك في أيسلندا التي تعمل على تمكين السيدات أيضًا وإدراجهن في الوظائف الحكومية المختلفة، وفي مجالس إدارات الشركات والبنوك، حيث تسبب العديد من المصرفيين في كوارث مالية، أدت إلى خراب الإقتصاد هناك بدلا من إصلاحه، وقد زج بهم في السجون، في حين تولت النساء الماهرات والخبيرات عمليات إصلاح اقتصاد البلاد وقطاع الأعمال والنهوض بهما. ولاحظ أن البنك الوحيد الذي لم ينهر في أيسلندا إثر الأزمة الاقتصادية في 2008، وهو بنك يدار بالكامل عن طريق سيدات ، وهذا يطرح العديد من الأسئلة التي على رأسها، كيف استفادت البلاد من إسنادها المناصب العليا والحساسة بها ليقودها النساء.

الفيلم عبرة عن خلاصة تنقلات مور نفسه، الذي “يغزو” أكثر من عشر دول في أوروبا و دول إسكندنافية وتونس في شمال أفريقيا؛ بلدا بعد الآخر. و يهدف المخرج لأن يتعرف خلال هذه “الغزوات” على أمثلة توضح الكيفية التي يتحكم بها في الأمور في تلك الدول، لكي يتمكن من “الاستحواذ” على الأفكار التي تتبع في هذا الإطار و تطبيقها في الولايات المتحدة الامريكية. تتشكل رسالة مور من فكرة أن المواطنين الأمريكيين يعيشون حياتهم و كل واحد يأخذ بخناق الآخر. وتتماسك الكثير من هذه الأفكار بالسياسات الحكومية في البلدان التي “يغزوها” مور؛ مثل العطلات مدفوعة الأجر التي يعتمدها القانون في إيطاليا، و إسباغ حق التعيلم المجاني في سلوفينيا وغيرها من الحقوق. و لكن مور يعتمد في واقع الموضوع على طابع ثقافي أكثر من كونه سياسيا. وفق الفيلم، ترتكز السبل التي تُدار بها الأمور في تلك البلدان إلى عقد اجتماعي أساسه الإيمان بأن هدف وجودنا جنبا إلى جنب هو حماية مصالح بعضنا البعض. و يقول مايكل مور إن الولايات المتحدة تعودت في الماضي التفكير على هذه الطريقة أيضا، و لكن ذلك لم يبقى قائما حاليا، و ذلك لأن ما ينعته المخرج بأيادي الشفقة و التعاطف أصبحت مُكبلة بقيود من الجشع و البيروقراطية. وتتبلور رسالة مور في أن المواطنين الأمريكيين أضحوا الآن يخضعون لنظام اجتماعي، وضعه رؤسائهم و شكلتّه تقاليدهم وساعد فيه ربما شيء ما باق في أعماق قلوبهم، يجعلهم يعيشون حياتهم حيث أن كل منهم يأخذ بخناق الآخر تقريبا.

ينشغل مايكل مور في "أين تغزو المرة القادمة" بسؤال الحروب الكثيرة الخاسرة، والأثر السلبي لها على استدراج معاداة الشعوب، لا يخرج الفيلم عن منهج مايكل مور الإخراجي، والذي تُسجل له زيادة اهتمام الجمهور السينمائي بهكذا نوع من الأفلام الوثائقية، والتي تختص بالشأن الاجتماعي السياسي، إلا أنه هذه المرة، وعلى الرغم من مقولات بعض المحللين عن عدم تطرقه للجانب السياسي، واهتمامه بالفروقات الحقوقية بين أوروبا وأمريكا، إلا أن الفيلم ومور لم يهملا الجانب السياسي، إذ إن الفيلم يُفتتح بسؤال الحروب الكثيرة الخاسرة، والأثر السلبي لها على استدراج معاداة الشعوب، أو على الأقل تبذير الطاقات والأموال في حروب عسكرية كان يجب أن تكون حروبًا ضد الانهيارات في الداخل الأمريكي، في جوانب لا تقل أهمية عن رغبة الانتصار على أعداء خارجيين. قبل أن يزور بعدسته ما تبقى من جدار برلين: "لم أكن أصدق أنني سأرى انهيارجدار برلين، أو سقوط الحكم العنصري في جنوب أفريقيا، لأم أكن أصدق أنني سأشهد الإفراج عن مانديلا". تلك الطريقة في اكتشاف أهمية كل ما هو خاص، والاحتفاظ –في الوقت نفسه- بكل ما هو غريب، لقد اعتبر الناس بأن هدم جدار برلين يعد من المستحيلات، لم نكن نعرف أن الأمر كان يحتاج لمطرقة وإزميل فقط ، بهذه الكلمات أنهى مايكل مور فيلمه الوثائقي ، عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، ضمن فعاليات الدورة الثامنة والثلاثين . حصل مايكل مور بجائزة الأوسكار عام 2003 لأفضل فيلم وثائقي عن فيلم "بولينغ فور كولومبين"، واختارته مجلة "تايم" الأميركية عام 2005 ضمن قائمة مائة شخصية هي الأكثر تأثيرا في العالم.

علي المسعود

المملكة المتحدة

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1008 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع