اردوغان والمشروع التركي الطوراني لابادة الاكراد

                                               

                  المهندس هامبرسوم اغباشيان


اردوغان والمشروع التركي الطوراني لابادة الاكراد

   

     نفس النهج العثماني التركي في تصفية شعوب المنطقه

يتم في هذه الايام تداول الصوره اعلاه في مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المصادر الاخبارية، بعد ان قامت القوات التركيه باجتياح الشريط الحدودي مع سوريا وتوغلت في عدة مناطق حدودية ، اي في مناطق تواجد الاكراد في شمال سوريا بحجة ملاحقة مقاتلي (وحدات حماية الشعب) الكردية المنظوين حاليا تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والذين يعتبرهم الاتراك "جماعة إرهابية" وامتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يناضل في جنوب شرق وشرق تركيا من اجل حقوق الاكراد في تركيا. ولكن ما العلاقة بين الصورتين؟
الصورة الاولى تعود لعام 1915 ويظهر فيها الالاف من المدنيين الارمن العزل وبينهم النساء والاطفال والشيوخ الذين تم تهجيرهم بالقوة من ديارهم في الامبراطوريه العثمانيه وسيقوا الى الموت اثناء حملة الابادة العرقية الجماعية (Genocide) التي نفذها الاتراك العثمانيون خلال سنوات الحرب العالمية الاولى بحق الارمن في الامبراطورية العثمانية حيث تم ابادة مليون ونصف المليون من الارمن من الرعايا العثمانيين وانتشر الباقون في البلاد العربية وتم انقاذهم من الموت المحتم من قبل ابناء الامه العربيه وبالذات ابناء العشائر العربية الكرام.
والصورة الثانيه حديثه جدا ، وتعود للاسبوع الثاني من شهر تشرين الاول (اكتوبر) عام 2019 ، اي بعد اكثر من قرن من الصورة الاولى ويظهر فيها عشرات الاف من المدنيين الاكراد السوريون من الرجال والنساء والاطفال والشيوخ وهم يهربون من ديارهم نحو المجهول خوفا وهربا من بطش الجيش التركي الذي بدا باجتاح مناطقهم لخلق منطقة آمنه بالمفهوم التركي، اي افراغ هذه الاراضي من سكانها الاكراد الاصليين، ونشر قوات تركيه فيها ثم الادعاء بتوطين المعارضين السوريين ولكن في الحقيقه توطين الاتراك بدلا منهم ليدعوا بعدها باحقية الاتراك في هذه الاراضي.

ولكن ما العلاقة بين الصورتين؟
ان التاريخ يعيد نفسه. فالقاسم المشترك بين الصورتين هوالعنصر التركي العثماني الطوراني الذي يحاول ابادة كافة القوميات المتجذره في اوطانها وجعل جمهورية تركيا الحديثه التي هي وريثة الامبراطورية العثمانيه التي احتلت هذه الاراضي احادية العنصر والقومية (monoethnic) . لقد نفذوا ذلك مع اليونانيين في القرن الماضي حيث احرقوا مدينة ازمير باكملها بمن فيها من اليونانيين ودمروا كل ما يعود لليونانيين في العديد من المدن منها اسطنبول التي تعود بالاصل لليونانيين، فهي عاصمة الدوله البيزنطيه ، وابادوا مليون ونصف المليون من الارمن في عام 1915 وبعدها اثناء المذابح الارمنيه وكذلك السريان فيما يعرف بمذابح سيفو وحتى الايزديين لم ينجوا من السيف العثماني، واستولوا على اراضي هذه الشعوب ليصفى الجو لهم.
والان جاء دور الاكراد اخوتهم في الدين.
ان العقدة العنصرية الشوفينية عند الاتراك تنبع من كونهم اخر الاقوام التي استوطنت في هذه الارض. فلقد كان اليونانيين والارمن والاكراد في هذه الارض قبلهم بآلاف السنين ، وذلك قبل ان يصل اجدادهم الى تركيا الحاليه في القرن الثالث عشر، حيث استولوا بالسيف والدم على الارض ووسعوا رقعة سلطتهم واصبحوا هم اصحاب الارض، واسسوا الامبراطوريه العثمانيه التي قامت في القرن الاخير من تاريخها الاسود بافراغ الارض من سكانها الاصليين من اليونانيين والارمن والسريان وغيرهم وجاء اتاتورك من بعدهم ليكمل المشوار وبدأ بابادة الاكراد من ايام ثورة الشيخ سعيد بوران ثم ثورة جبل اغري (ارارات) بقيادة الجنرال احسان نوري باشا وثورة درسيم بقيادة سيد رضا وجاء الان دور اردوغان ليكمل عملية ابادة الاكراد، وهدفهم البعيد ليس خافيا على احد فالحكومه التركيه بقيادة اردوغان تريد تركيا خالية من غير الاتراك. هذا ويخطط اردوغان لاعادة امجاد الدولة العثمانيه ولقد تم تسريب خارطه تعبر عن ما في افكارهم المريضه.

             

هذه الخارطه التي تم تسريبها الى وسائل الاعلام تبين حلم الاتراك في التوسع على حساب الاخرين.
فمدينة حلب في سوريا والموصل وكركوك واربيل في العراق وباطوم في جورجيا وناخيتشفان في جنوب غرب ارمينيا واجزاء من بلغاريا ومن اليونان وكل جزيرة قبرص تم احتوائها في هذه الخارطه التي يحلم بها الاتراك.

لقد تعلم الاكراد من تاريخهم كثيرا وخصوصا التاريخ القريب وتعلموا من تاريخ الشعوب التي كانت معهم وكيف تمت ابادتهم ، واي تحرك من قبل الاتراك في هذا الاتجاه ينظر اليه من قبلهم بشك وحذر. فلقد تعرضوا للذبح والتهجير واحرقت قراهم على يد اتاتورك ولم يكن خلفاءه احسن منه، وعندما طفح الكيل اضطروا لحمل السلاح للدفاع عن انفسهم ، ولكن ومع الاسف بدلا من ان يتضامن معهم العالم المتدمن لينالوا ابسط حقوقهم في العيش الكريم، قلب عليهم هذا العالم المادي والمنافق وصنف المسلحين الاكراد كارهابيين. وبمراجعه بسيطه للاحداث التي وقعت في المناطق الكردية من قتل وتهجير وحرق القرى وحتى قصف المدن الكبيره مثل ديار بكر وغيرها نرى من هو الارهابي . هل هم الاكراد الذين يدافعون عن انفسهم ام اردوغان الذي يحاول ابادتهم ؟ فلماذا السكوت عن جرائم الاتراك ضد الاكراد في تركيا والان في شمال سوريا؟ لم نرى تقريرا عن الموضوع ولم ينشر مقالا عن المجازر ما عدا ما تم تسريبه من قبل الناشطين الاكراد. انها المصالح الاستعماريه للدول الكبرى والنفاق اللامحدود لهذه الدول وتلاعبها بمصير الشعوب الضعيفه.

اعتقد اردوغان انه اخمد الحركة الكرديه المسلحه في تركيا والتفت الى اكراد سوريا الذين يتهمهم بكونهم امتدادا لحزب العمال الكردستاني وبحجة اقامة منطقة عازله دخلت قواته سوريا لقتل الاكراد وتهجيرهم من مناطقهم خوفا من تواصلهم مع اكراد الداخل واعطاء زخم جديد لهم . وقبل ان يبدأ حملته العسكريه القى القبض على سبعة من رؤساء البلديات المنتخبون في المناطق الكرديه وزجهم في السجون وعين بدلهم اخرون موالون له ،ومع اجتاح الحدود الشماليه لسوريا بدأ البطش والقتل والترهيب وها هم اكثر من 300 الف كردي تركوا ديارهم في مدن شمال سوريا خوفا من بطش الجنود الاتراك. لقد جاء قرارالرئيس الامريكي بسحب القوات الامريكيه من شمال سوريا بمثابة ورقه خضراء للاتراك بغزو المنطقه، ولكن عندما استنكر العالم كله وحتى المسؤولون الامريكان انفسهم هذا العمل ، قام الرئيس الامريكي بفرض عقوبات على تركيا ، لخلط الاوراق والتهرب من المسؤولية التاريخيه لما حدث، وتحت الضغظ ارسل نائبه ووزير خارجيته الى انقره لتصحيح الخطأ الذي ارتكبه، فكانت خطوته هذه حبل الانقاذ بالنسبة لاردوغان الذي هدد وتوعد بالاستمرار في الغزو والعمليات العسكريه لحين الحصول على مبتغاه ، ولكنه بلع تصريحاته وامر بوقف الغزو بعد لقاء نائب الرئيس الامريكي مايك بنس ووزير الخارجيه جورج بومبيو. فاردوغان يعرف الرئيس ترامب جيدا ، فهو الذي اوصل الليره التركيه الى ادني سعر مقابل الدولار بسبب قس رفض اردوغان طلب اطلاق سراحه فكيف الحال والموضوع يتعلق بالرئيس ترامب الذي ادت سياسته الخاطئه الى ازمه انسانيه كبيره وادى ذلك الى قيام منافسيه واعداءه في الكونغرس استعمال هذه الورقه ضده.

ان اردوغان هذا البطل الكارتوني والاسد في بلاده رضي بما املى عليه مايك بنس واوقف عملياته الحربيه، وخرج وزير خارجيتة مولود تشاويش اوغلوا ليتبجح بانتصارات عمه اردوغان المتعالي، علما بانه اجبر على تغيير قراره بعدما وقف العالم باسره ليندد الغزو والمأساة الانسانيه التي سببها، وحتى ان الدول الناطقه بالتركيه في وسط اسيا لم تستجيب لطلب اردوغان للوقوف الى جانبه في محنته هذه . اردوغان الذي يعتبر نفسه قويا او هكذا يحاول ان يظهر امام شعبه ، صرح ابان الازمه مع روسيا بانه سوف لن يعتذر من الروس بسبب اسقاط الطائره الحربية الروسيه وقتل طيارها، ولكنه ذهب صاغرا الى موسكو واعتذر من بوتين وباللغة الروسيه كما ذكر احد الصحفيين العرب، واستبدل ثوب الصداقة الغربيه بصداقة روسيا والتي استفاد منها كثيرا في هذه الايام حيث راح مسرعا الى صديقة الجديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقاما بترتيب طبخة جديده ومخرج جديد للازمه التي ظهرت بسبب قراره الطائش بغزو شمال سوريا وقبل ان تنتهي مهلة الخمسة ايام للهدنه التي اعلنها مع مايك بنس ، اعلن اردوغان مع بوتين عن الوصول الى حل للازمه (على حساب الاكراد) والاتفاق على عدم الاستمرار بالعمليات العسكريه وبهذا سجل بوتين نصرا سياسيا على غريمه ترامب ، وخرجت وسائل الاعلام الامريكيه لتعلن بعدها ان اتفاقهم مع اردوغان قد نفذ وان البيت الابيض يؤكد بانسحاب الاكراد ولا داعي لاستمرار القتال. يا للنفاق السياسي فالروس والامريكان تسابقوا مع بعضهم البعض لانقاذ اردوغان من ورطته ومدوا له حبل النجاة من الازمه ، فلو قدرت للمعارك ان تستمر لعدة اسابيع لكان الشمال السوري وبالاخص المناطق الكرديه قد تحولت الى مستنقع لاردوغان لا يستطيع الخروج منه ولكان نزيف الدم والمال قد انهك هذا الدكتاتور ودفنه في رمال شمال سوريا، ولكنه بمساعدة الشرق والغرب تحول الى بطل بنظر مريديه كما قدمته وسائل الاعلام الخاضعه للسيطرة الحكوميه في تركيا.

   

الجزء الاخضر يدل على منطقة تواجد المسلحين الاكراد في شمال سوريا والجزء البني في اقصى يسار الخارطه منطقة تواجد المعارضة السوريه المدعومه من قبل تركيا والمنطقه الزرقاء هي تحت سيطرة الحكومة السوريه والمنطقه الخضراء المخططه بالاسود هي المنطقه العازله التي يحلم بانشائها اردوغان لتكون تحت سيطرته.

واخيرا سيسدل الستار عن اكبر مسرحية كذب ونفاق اسمها الغزو التركي لشمال سوريا. فمسرحيات المرحوم الفنان الكبير سليم البصري كانت منطقيه ومعقوله اكثر من هذه المسرحيه التي الفها ومثلها واخرجها رؤساء دول عديده. فالكل خرج رابحا من هذه المسرحيه ما عدا الاكراد فهم الضحيه الاولى والاخيره والحجر الاساس لبناء امجاد الاخرين. فالرئيس الامريكي ترامب اوقف الصرف على هذه الحرب التي ليس له فيها مصلحة كما يدعي ولكنه ظل مسيطرا على حقول النفط . نعم حقول النفط في دير الزور وغيرها متذرعا بحمايتها من داعش وقطع الطريق على الحكومه السوريه من الاستفادة من النفط وتعهد بتحويل الريع الى الاكراد للاستفاده منها وهذا فصل اخرمن النفاق.
اما بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين فهو زبون قديم في المنطقه وسمسار ناجح، فهو صديق الحكومة السورية والاكراد والاتراك وهومن الرابحين الكبار في هذه اللعبه، فلقد وصل الى الحدود التركيه دون اية تضحيات او حتى اطلاق طلقة واحدة، وهو اصلا كان قد حقق حلمه بالوصول الى المياه الدافئة في البحر المتوسط. اما اردوغان فهو ايضا من الرابحين الكبار وقد يكون الرابح الاكبر في هذه اللعبه، فلقد ظهر اما شعبه بصورة البطل الذي يدافع عن الوطن ولا يفرط بحقوقه، حيث غزا الاكراد وابعدهم عن الحدود ، ويحاول استثماركل ذلك لاقناع ابناء الشعب للوقوف الى جانبه ضد اعداءه السياسيين في الداخل من حزب الشعب الجمهوري (الكماليين) والمنشقين عن حزبه (علي باباجان واحمد داود اوغلو وغيرهم) الذين يحاولون اسقاطه.علما بانه نجح كذلك بتغطية الازمة الاقتصاديه التي تمر بها تركيا بسبب سياساته الحمقاء وفقدان الليره التركيه لقيمتها باستمراروالتضخم الذي يتعب ابناء الشعب.
وبالنسبة للحكومة السوريه فلا حول لها ولا قوة وسط هذا الكم الهائل من الازمات، وباتت الاحداث الاخيره بمثابة هدية لها حيث اضطر الاكراد للتفاهم معها والسماح لها بدخول مناطق سيطرتهم، وطوي ولو لفتره موضوع البحث في الحكم الذاتي الذي يطالبون به ، والمؤمل ان تتعامل الحكومة السورية بمنطق الشراكة مع الاكراد ويتضامن الاثنان للدفاع عن ارضهما ضد الاجني مهما كان لونه وشكله.
وبالنسبة لايران فلقد ارتأى المخرج الروسي ابعاده عن هذه المسرحيه كون وجوده يشكل حساسيه لاكثر من جهة وقد يؤدي الى الفشل.
واخيرا بقى موقف الاكراد والمشاكل المستجده، فبعد نضال وتضحيات كبيره لسنين طويله ضد داعش لايقاف انتشار الارهاب في الغرب، اصبح الكردي الخاسر الاكبر في كل ما جرى. فهناك مشكلة عشرات الالاف من المهجرين الذين يحتاجون الى المأوى والطعام، ومشكلة عشرات الالاف من المقاتلين الاشداء الذين غدر بهم اصدقاء الامس امريكا والغرب، وباعهم الروس بثمن بخس لاردوغان والحكومه السوريه ، وغيرها من المشاكل اللوجستيه والاجتماعيه واخيرا الصراع من اجل الوجود.
نعم الصراع من اجل الوجود. فقد يكون الوضع صعب جدا، ويبدوا هو بالفعل كذلك، ولكن يجب عدم السماح للياس ان يدخل في نفوس الناس البسطاء وكذلك المحاربين. ويعلم المحاربون جيدا انه لولا الدول الكبرى التي انقذت اردوغان من الازمه لكان اغرقوه في الوحل ودفنوه في رمال الصحراء. فمجرد محاوله طلب تاشيرة دخول الى امريكا من قبل بعض اعضاء الكونغرس الامريكي لقائد قوات سوريا الديمقراطيه مظلوم كوباني كي يتسنى له زيارة امريكا ويبحث الموقف في بلاده ، فجرت غضب اردوغان ، فكيف اذا تطورت الاحداث يوما ما وتم بحث قضيتهم في المحافل الدوليه؟
لم تهزم امريكا في فيتنام من قبل جيش فيتنامي معاصر بل بسبب حرب الميليشات . وقد يحتاج الاكراد لتنظيم صفوفهم وتغيير استراتيجيتهم في المرحلة الحاليه وخفض سقف المطالب في الوقت الحاضر، فالرياح قويه ضدهم ، وبالتاكيد سياتي اليوم الذي سينتصر فيه الاكراد على اعدائهم الاتراك مهما كانت قوة عدوهم. من كان يصدق ان الاتحاد السوفيتي سوف ينهار وتنفصل عنها هنغاريا بدون اراقة قطرة دم وهي التي تم سحق محاولتها الاولى عام 1956 بالدبابات ؟ وكذلك الحال بالنسبة لجيكوسلفاكيا التي لم تستطع الانفصال عن الاتحاد السوفيتي بالقوه عام 1968 ولكنها انفصلت بتوقيع على ورقه بعد انحلال الاتحاد السوفيتي، وعندما تدق ساعة الصفر بالنسبة للاكراد فلا يحتاج هؤلاء لتثبيت حقوقهم وحدودهم ، فكل ذلك موجود ومثبت في اتفاقية سيفرالتي وقعت في 10 آب 1920 بعد خسارة تركيا وحلفاؤها الحرب.
---------

لوس انجلس - كاليفورنيا
hampomg @ yahoo.com

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

899 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع