معركة تاج المعارك

                                                      

                        المؤرخ أزهر العبيدي

معركة تاج المعارك

تعد مذكرات القادة والآمرين مصدراً مهماً في توثيق تاريخ الجيوش والمعارك الحربية ورجالاتها، وبخاصة إن كتبت بصدق وحيادية دون تحيّز ومحاباة من قبل كاتبها. وقد اطلعت على الكثير من مذكرات القادة والآمرين حول معركة (تاج المعارك) التي خاضها الجيش العراقي سنة 1985 بوصفها من المعارك الناجحة التي انتصر فيها العراقيون دون أن يفقدوا الأرض التي حاول العدو الإيراني احتلالها. وقد اطلعت مؤخراً على مذكرات العقيد الركن أزهر سعدالله خليل عن هذه المعركة فوجدتها أدق ما ذكر عنها وتتمتع بالمصداقية والمهنية وتحوي المعلومات التي يحتاجها المؤرخ لتدوين تاريخ هذه المعركة وغيرها من معارك الجيش العراقي الباسل، وفيما يلي اقدم هذه المذكرات على حلقات وهي تتألف من 12 صفحة:

معركة تاج المعارك
كنت عام 1985 آمراً للواء المشاة 702 من معركة نظام فرقة المشاة 18 الفيلق الرابع في العمارة، وكان اللواء قد استقرّ بعد معارك وتنقلات عديدة في موضع دفاعي في الفكّة على جبهة فق آلية 1 وبإمرة فق4 التي مسكت نصف القاطع تحسباً للتهديدات المؤكدة التي حصلت عليها مديرية الاستخبارات العسكرية من مصادرها، لكنّ العدو باغت قاطع عمليات شرق دجلة بعد عملية مخادعة ناجحة واخترق مواضع القوات وقطع الطريق العام بغداد - البصرة.
ففي يوم 13 آذار 1985 ليلاً كنتُ في مرصد الفوج الثالث لواء 702 أشرف على خروج دورية استطلاع لسرية مغاوير اللواء إلى الساتر المعادي أمام القاطع الدفاعي للفرقة الأولى، عندما تم إخباري بهجوم العدو على قاطع عمليات شرق دجلة، وتحرك مقر فق4 في الليلة نفسها مع اللواء الخامس من العمارة إلى القاطع المذكور. وهكذا تمكن العدو من خداعنا وهجم من الاتجاه الغير متوقّع بعد أن كان التحسّب منصباً على قاطعنا في العمارة. وتألفت قوة العدو من حوالي (8) فرق حرس خميني واللواء المظلي 55، وأعداد كبيرة من المعدات الهندسية والراجمات الخفيفة والهاونات وأسلحة مقاومة الدبابات.
بدأت المعركة ليلة 13/14 آذار 1985 بهجوم واسع للعدو على منطقة الترابة والبيضة والصخرة ولسان عجيردة وعقدة أرشيدة وعقدة الروطة وهمايون والقرنة، وأسقط مواضع اللواء 429 الذي كان آمره العميد أنور العساف في الاجازة الدورية، واللواء 93 الذي استشهد آمره العميد الركن إبراهيم محمد جاسم رحمه الله، واللواء 94 بإمرة العقيد رافع حمدون وكان مجازاً أيضاً وقطعات من الجيش الشعبي.
شرعت قيادة قوات الدفاع عن البصرة بالهجوم المقابل بلواء المغاوير الأول فل4 بإمرة العقيد هاشم محمد عبدالرحمن، واللواء 65 ق خ واستشهد آمره العميد الركن عباس مزعل. ولم تتمكن من إزاحة العدو الذي استمر في التعزيز بعد حصوله على موطئ قدم، واندفع إلى نهر دجلة وعبر قسم من أفراده النهر إلى الطريق العام بصرة – عمارة - بغداد، وتم احتلال وتدمير المرافق الحكومية كافة في القرى الكائنة في المنطقة واعتدى على أهاليها من الشيعة العراقيين.
تم تكليف فق مع6 بالتقدم من الجنوب، وفق4 وفق مع10 بالتقدم من الشمال، لتطهير المنطقة المحصورة بين هور الحويزة ونهر دجلة وتدمير وإزاحة العدو منها. فتقدمتْ قطعات فق مع10 وطهّرتْ الصخرة والبيضة بالألوية: لمع24 بإمرة العميد الركن ناطق جاسم منذور، ولمع17 بإمرة العقيد الركن ياسين فليح المعيني، واللواء 27 الآلي بإمرة المقدم الركن سعد ردام، واللواء الثالث ق خ بإمرة العقيد الركن عبداللطيف محمد سعيد، ولواء 66 ق خ بإمرة العقيد الركن وعدالله مصطفى حنوش، واللواء الخامس بإمرة العقيد الركن سالم جميل ذنون ابليش، واللواء 29 بإمرة العقيد محمد راكان الشمري.
لم تتمكن القطعات من تطهير لسان عجيردة بكامله وهو سدة ترابية تمتد داخل الهور باتجاه حقل مجنون بطول أكثر من (5) كم، وأشرف على التطهير اللواء الركن هشام صباح فخري معاون رئيس أركان الجيش للعمليات، وكان يدفع الألوية الواحد بعد الآخر إلى محرقة الموت إذ كان العدو يمسك اللسان بقوة كبيرة وينتشر في الهور على جانبي اللسان، وعند هجوم قواتنا يطبق عليها من الأمام والجانبين ويوقع فيها خسائر كبيرة. وعلى الرغم من ذلك فقد كان يدفع آمري الألوية للهجوم مع قطعاتهم مما تسبب في إصابة العقيد الركن وعدالله حنوش إصابة بليغة، وإصابة العقيد الركن سالم ابليش آمر اللواء الخامس واستشهاد آمر الفوج العقيد نزار المختار، واستشهاد المقدم الركن حسين علي سعيد آمر اللواء 68 قوات خاصة.
صمد فوج من لواء 429 الذي كان يمسك نهاية اللسان داخل الهور صموداً بطولياً لمدة أربعة أيام، وأسروا بعد أن يئسوا من وصول قطعاتنا. وتم الإيعاز إلى فق مع10 بترك اللسان والتعاون مع فق4 لإزاحة العدو جنوباً، فتقدمت الألوية لمع17 ول5 بإمرة مقدم اللواء المقدم الركن جلال محمود ول4ح ج بإمرة العميد الركن خضر العامري، وأحرزت بعض التقدم على الرغم من مقاومة العدو الشديدة حتى خط التشميل (62)، وشنّ العدو هجوماً مقابلاً في الليل أدى إلى انسحاب ل4ح ج ول5 إلى الخلف.
ومن الجنوب قامت فق مع6 بتطهير القرنة وهمايون بقيادة العميد الركن أياد فتيح خليفة حتى نهر الروطة وتوقفت كالعادة بحجة وجود نهر الروطة. وكانت ألويتها لمع16 بإمرة العقيد الركن سردار عبدالمجيد، ولمع30 بإمرة العقيد الركن قيس عبدالرزاق، واللواء 25 الآلي بإمرة المقدم منذر أحمد محمد، وبإمرتها اللواء 18 بإمرة العقيد الركن صباح عجيل داؤد، واللواء 19 بإمرة العقيد فوزي جواد.
صدرت الأوامر بحركة لوائنا 702 إلى قاطع عمليات شرق دجلة يوم 14 آذار 1985 وتسليم قاطعنا إلى لمع 34، وتم تسليم القاطع بالساعة 1700 وتحركنا إلى العمارة ثم إلى العزير، ووصلنا بالساعة 0200 ليلاً وسط أصوات المدافع المدوية والراجمات. وراجعتُ قيادة العمليات في بناية قرب جسر العزير، ولاحظتُ الارتباك وحركة المراتب لتعزيز الحماية حول مقر القيادة خوفاً من المتسللين.
دخلتُ غرفة العمليات وكان فيها العميد الركن نبيل عبدالقادر حسين رئيس الأركان، والعميد الركن مازن الشابندر ضابط الركن الأول، والعقيد الركن عدنان أديب رسام، والعقيد الركن غانم العزاوي الذي حصل على شارة الركن حديثاً، وصديقي القديم العقيد الركن سنان عبدالجبار ضابط الركن الثاني استخبارات وعدد آخر من الضباط. وبعد أن سلّمتُ عليهم لاحظتُ أنهم منهمكون في متابعة موقف فق4 التي تتعرض حالياً إلى هجوم للعدو، واستفسرتُ من العقيد الركن سنان عن الموقف فتم شرحه لي وأوضح الحدود التي وصلتها قوات الهجوم المقابل من فق4 وفق مع10 وتراجعها تحت ضغط العدو.
بعد قليل دخل الفريق الركن هشام صباح والإنهاك بادٍ على وجهه، فأخبروه بموقف فق4 فأجابهم بأن الموقف مطمئن ولا يستوجب القلق. وحضر معه العميد الركن محمد عبدالقادر قائد عمليات شرق دجلة، وعندما علم بالتحاق لوائي طلب مني إرسال فوج إلى جنوب العزير بـ(1) كم ومسك خط صد لمنع العدو من مهاجمة المدينة ومقر القيادة، والاحتفاظ بفوجين في منطقة الكسارة بين العزير وقلعة صالح.
فعدتُ إلى اللواء وكلّفتُ الفوج الثاني بمهمة الدفاع عن العزير حتى صباح اليوم التالي. وكانت فرقة الحرس الجمهوري تتنقل على طريق القرنة - العزير، واصطدمت بمقاومات معادية على الطريق وقاتلت للوصول إلى العزير صباحاً، وجرح قائد الفرقة العميد الركن حسين رشيد محمد خلال التنقل. ثم قام لواء 19 وقطعات مدرعة بتطهير الطريق لاحقاً من قاطع فق مع6.
استيقظتُ صباح يوم 15 آذار 1985 بعد نوم متقطع في السيارة وسط أصوات المدافع، وزرتُ أفواج اللواء موضحاً الموقف للضباط لاحتمال إشراكنا في الهجوم المقابل، وطلبتُ منهم سبق النظر والتهيؤ للواجب المقبل. وفعلاً استدعيتُ بعد قليل إلى مقر القيادة وطلب مني الاتجاه إلى المرصد التعبوي للفيلق عبر جسر العزير حيث يتواجد مقر فق4 هناك، فاتجهتُ بعجلة جيب مصري مكشوفة مع الحماية.
وكان في المرصد العميد الركن رمزي محمود عبدالله رئيس أركان فق4، وطلب مني انتظار العميد الركن طالع الدوري قائد فرقة الحرس الجمهوري وكالة. وعلمتُ بأن فرقة الحرس كلّفتْ بقيادة التقدم بعد تأخر فق مع10 وفق4 في حسم الموقف، ووجدتُ هناك العميد الركن حافظ حبيب رئيس أركان فرقة الحرس الجمهوري، والعقيد الركن إبراهيم عبدالستار آمر لمع10ح ج، والعقيد الركن أحمد إبراهيم حماش آمر لمع2ح ج، والعقيد الركن موحان حافظ فهد آمر لمع42، والعقيد الركن ناصر سعيد توفيق آمر قوة الطوارئ، والمقدم الركن صبار صالح خلف الدليمي آمر مدفعية الحرس الجمهوري.
بعد قليل وصل قائد الفرقة الذي أخبرنا بأنه كلّف من قبل القائد العام للقوات المسلحة الذي وصل القاطع يوم 14 آذار 1985 بالهجوم المقابل وتطهير المنطقة المحصورة بين خط التشميل (60) ونهر الروطة، وأن القيادة والشعب قد علّقا علينا آمالاً كبيرةً وهم بانتظار البشرى وحسم المعركة لصالحنا. وعلينا أن ندمّر العدو بأسرع ما يمكن لأن بقاءه يعرّض العراق أجمعه للخطر، وعلى كل واحد منّا أن يعتبر أن الحرب قد بدأت منذ اليوم إن لم يتم طرد العدو وتدميره.
بدأ العميد الركن حافظ في شرح الموقف وإصدار الأوامر على الخريطة المفروشة على الأرض ونحن حولها، وتضمنت مهمة الفرقة التقدم على محور تل الحمر - نهر الرويف - نهر الروطة بأسرع ما يمكن وتدمير العدو والتواصل مع فق مع6. ويتم التنفيذ بتقدم لمع10 في أقصى اليسار بموازاة سدة الهور وبإمرته الفوج الرابع طوارئ، ويتقدم لمع42 على الجهة اليمنى وبإمرته الفوج الثاني لوائنا، ويبقى لمع2ح ج بالاحتياط وبإمرته فوج طوارئ. أما مهمة لوائنا فكانت تعقيب لمع10 على الجناح الأيسر وعلى سدة الهور ومسك القواعد التي يتم تطهيرها وبقوة. وأن تكون ساعة (س) للشروع الساعة 1300 يوم 15 آذار 1985.
كانت ساعتي تشير إلى الساعة 1200 والوقت المتاح لحركة اللواء من الكسارة إلى خط الشروع هو ساعة واحدة فقط، فاتصلتُ بمقدم اللواء بالجهاز اللاسلكي وطلبتُ منه جلب اللواء إلى المقر الجوال لفق4، وأرسلتُ عجلتي مع نائب الضابط الشجاع باسم غانم للإسراع بجلب الأفواج. وبعد جهد جهيد وصلتْ الأفواج إلى الجسر، وتأخرتْ هناك بسبب عبور قطعات الحرس الجمهوري.
فطلبتُ من مقدم اللواء وآمري الأفواج العبور بأسرع ما يمكن مهما كلّف الأمر، فاندفع عند ذلك آمرو الأفواج وتداخلوا مع قطعات الحرس وتم عبورهم معها. وكنتُ أتجنب أن يكون اللواء موضع انتقاد بسبب تأخره، وقد يعيق ذلك الشروع في تنفيذ الخطة. ووصل أول آمر فوج وهو الرائد محمد غيدان آمر الفوج الثاني، فطلبتُ منه أن يكون بإمرة لمع42 على الجناح الأيمن. وراجعني خلال توقفي العقيد أكرم حسين العلي آمر كتيبة الإسناد المباشر إلى لمع42، فوصفتُ له مكان اللواء ولكنّه استشهد أثناء تنقله إلى المكان رحمه الله.
وبعد وصول عدد من عجلات اللواء تم قيادتهم من قبلي إلى خط الشروع بالساعة 1400 تقريباً، وفي الطريق سقطتْ علينا آلاف القنابل وبخاصة على الطريق المؤدي إلى لسان عجيردة في مفرق طريق التعاون، وعبرتْ عجلات اللواء كافة والحمد لله بدون خسائر بأعجوبة. وكانت سدة التعاون توازي سدة الهور وتبعد عنها مسافة (1) كم، وكانت تتعرّض للقصف المركز المعادي والرمي المباشر من اتجاه الهور، وشاهدنا قطعات لمع 17 ول5 منتشرة بعد المفرق بمسافة (1) كم على خط التشميل (62)، أي أنها لم تصل بعد إلى خط التشميل (60) بينما تدّعي في مواقفها المبالغ فيها وصوله. (راجع المخطط)
تم فتح مقر اللواء الجوال في خط الشروع وعلى سدة التعاون، وشرع لمع10 بالتقدم باتجاه الجنوب يطهّر ويدمّر المقاومات المعادية. ووصل الفوج الثالث لوائنا فتم توجيهه من قبلي إلى سدة الهور على الجناح الأيسر، وطلبتُ من آمر الفوج العقيد فاضل عبد الحسن التقدم بقفزات بموازاة لمع10، وتأمين الدفاع من جميع الجهات لوحداته وبخاصة في الليل. وكنتُ خلال المعركة أتنقل في سيارة الجيب المصري المكشوفة وسط سيل منهمر من القنابل والقنابر والصواريخ برعاية الله وحفظه.
التحق وكيل آمر كتيبة الإسناد المباشر الرائد يونس عيدان مساعد كتيبة مدفعية الميدان 120 التي وضعت بإسنادنا، وتم إلحاق ضباط الرصد مع الأفواج. واستمر لمع10 ولمع42 في التقدم ببطء، ووصل لمع42 الساتر المعادي على نهر الرويف. وكان هذا الساتر موضعاً دفاعياً جيداً للعدو لم أتوصّل إلى الجهة التي أنشأته، وعلى الأغلب أنه موضع كسر جناح للفرق التي كانت متواجدة في القاطع وهي فق35 وقيادة قوات الدفاع عن البصرة.
وأمام الساتر خندق ضد الدبابات حُسّن بالاستفادة من نهر الرويف، وأمام الخندق حقل ألغام ضد الدبابات زرعه العدو لمنع تقدم الدبابات، وعبأ على الساتر أسلحة مقاومة الدبابات والصواريخ الموجهة. وتمكن العدو من تدمير عدد كبير من دبابات وناقلات لمع42، وشنّ اللواء عدة صولات بالمشاة الآلي على الساتر ولم يتمكن من الوصول إليه، وجرح آمر اللواء جرحاً خفيفاً وتم إخلاؤه، فانهارت معنوية اللواء ولم يعد يقاتل بجدية وتكبد خسائر إضافية جراء توقفه أمام الساتر المعادي.
أما لمع10 فكان يتحجج برخاوة الأرض وعدم إمكان تقدم الدبابات عليها في حين قاتل لمع 17 قبله في الصخرة وسط الأوحال، وكان قائد الفرقة يلحّ عليهم للتقدم ويقول لهم أن الدبابة التي تتوقف أمام العدو تعطي نفسها هدفاً له، وكانت السرعة في حسم الموقف مطلوبة إذ يكلّفنا التوقف ثمناً غالياً. وبدأ الظلام يخيم وكان لابد من تأمين الحماية للدرع ليلاً ضدّ الهجوم المعادي، فطلب مني قائد الفرقة إفراز الفوج الأول لتأمين الحماية أمام لمع10.
اعتذر الرائد مطلك آمر الفوج الأول بعدم معرفته مكان اللواء العاشر، فتم قيادته وفوجه كسباً للوقت من قبلي إلى المكان، والتقيتُ هناك العقيد الركن ضياء ماهر آمر كتيبة دبابات المنصور الذي كان بدون رتبة، وطلبتُ منه إيصال الفوج إلى مقر اللواء، فأجابني بأنه لا يعرف مكان مقر اللواء!! فاستغربتُ من إجابته وطلبتُ منه الاتصال بلوائه ليرسل له دليلاً لأخذ الفوج، وأن يطلب من مقر اللواء إخبار الفرقة بوصول الفوج إليهم مع آمر اللواء.
وفي الجناح الأيمن أمّن الفوج الثاني من لوائنا الحماية إلى لمع42 ليلاً بالانتشار أمام الدبابات إلى مسافة (500) متر. وأمسك الفوج الثالث لوائنا سدة الهور من خط التشميل (62) وحتى القاعدة مع الفوج الرابع طوارئ في (6137) وتداخل مع فوج الطوارئ. وجرح آمر الفوج العقيد فاضل بشظية في قدمه وأخلي بعد أن راجعني معتذراً، وطلبتُ من النقيب طلال يونس مرعي مساعد الفوج وهو ضابط احتياط بأن يقود الفوج (أستشهد فيما بعد في معركة لاحقة رحمه الله).
نمتُ نوما متقطعاً ليلاً وأنا في وضع الجلوس في السيارة، وحفر البعض حفراً مثل القبور للنوم فيها ومنهم مقدم اللواء وضابط التوجيه السياسي، وأمنتْ سرية المغاوير حماية مقر اللواء طيلة الليل. وفي الصباح الباكر عقد قائد فرقة الحرس الجمهوري بالساعة 0600 يوم 16 آذار 1985 مؤتمراً لإصدار الأوامر، وتم تبديل لمع42 في المحور الأيمن بلمع2ح ج. وحضر العميد زيدان قدوري آمر مدفعية عمليات شرق دجلة القدير، وأوضح أنّ بإسناد الهجوم (18) كتيبة مدفعية وهذا عدد لا يحلم به أحد في الإسناد المدفعي، وستصب المدفعية ناراً سعيراً على رؤوس أفراد العدو في الساتر. وطلب قائد الفرقة الشروع في التقدم بالساعة 0900 بكل سرعة واندفاع وعدم التوقف مطلقاً، وأشاد بدور لوائي لعدم حدوث خسائر في العجلات أثناء التنقل.
بالساعة 0900 شرعتْ الألوية بالهجوم ولاقت مقاومة عنيفة وقصفاً مدفعياً مركزاً، وكان التقدم بطيئاً جداً ووضع الفوج الأول من لوائنا بإمرة لمع10 لغرض الصولة على الساتر المعادي، واندفعتُ مع آمر لمع10 إلى مقر آمر ك دب المنصور الذي أخبر آمر لوائه بأن معظم الدبابات والناقلات دمرت بالألغام وأسلحة م/دب الموجهة. فأصبح آمر اللواء في موقف حرج وصعب للغاية وقال لي لكوني أقدم منه بعدة دورات: ماذا أفعل؟ في هذا الموقف العصيب؟ فأجبته لديك فوج المشاة ويمكنك استخدامه في الصولة على الساتر تحت إسناد مدفعي كثيف ورمي مباشر للدبابات.
عدتُ إلى مقر اللواء على سدة التعاون وبقيتُ في السيارة لبعض الوقت، وفجأة سقطتْ قنبلة معادية خلف السيارة، وشعرتُ وكأنّ حفنة من تراب ضربت رأسي من الخلف، فمددتُ يدي لأتحسس رأسي فشعرتُ بوجود دم ينزف إذ أصبتُ بشظية في فروة الرأس. فلم أبدِ شيئاً وترجلتُ من السيارة وأنا أبتسم، وتم تضميد رأسي من قبل الملازم سداد آمر فصيل في سرية المغاوير بضماد الميدان وارتديتُ غطاء الرأس الذي لا أحبه (الكليتة) الصوفية فوقه.
وسقط شهيداً بالقنبلة نفسها العريف خلف المسئول الحزبي لمقر اللواء رحمه الله، وكان يقف خلف سيارتي وأصيب عدد من المراتب بجروح. ولم أوافق على إخلائي خوفاً من انتشار الخبر ضمن وحدات اللواء مما يؤدي إلى هبوط المعنويات، ومن المعلوم أنّ العديد من الألوية انتكستْ بعد إصابة آمريها. لذلك تحمّلتُ بعض الألم واسترقتُ بعض الوقت للذهاب إلى وحدة الميدان الطبية 45 للعلاج وصنّفت اصابتي بالمتوسطة، وأخذتُ حبوباً مهدئة ورفضت الاخلاء للمستشفى وعدتُ فوراً دون أن يشعر أحد بغيابي.
وأصيب في اليوم نفسه الملازم خالد محمد عمر آمر فصيل الدفاع والواجبات في مقر اللواء في قدمه وأخفى إصابته، ولكنّه أصيب في اليوم التالي بإصابة شديدة وأخلي. وكان الملازم خالد يقوم بواجبات السيطرة على المراتب المتسربين بحجة الإصابة، بدلاً من الرائد خالد ضابط التوجيه السياسي المكلف بهذا الواجب والذي لم يترك الخندق إلاّ بعد تنبيهي له لعدة مرات، وبقي في الخندق هو ومقدم اللواء المقدم الركن ثابت طيلة فترة المعركة.
توقف الهجوم على الساتر المعادي بالساعة 1900 يوم 16 آذار 1985 وانتشر الفوج الأول من لوائنا للدفاع عن الدبابات ليلاً، وحاول العدو التقرب بمجموعات صغيرة إلى دبابات لمع10، ولكنّ الفوج الأول كان لها بالمرصاد وأوقع بها خسائر وأجبرها على التراجع. وأنهك الهجوم المدرع والرمي المستمر بكثافة للمدفعية قوات العدو وتعزيزاته التي دفع بها، ووجد العدو أنّ من المستحيل بقاءه تحت هذا الضغط الشديد في المنطقة.
بالساعة 0100 ليلاً اتصل بي قائد فرقة الحرس الجمهوري وأخبرني بوجود تعرض على الفوج الرابع طوارئ، وطلب مني الذهاب إلى هناك ومعالجة الموقف بنفسي. فتوجهتُ على الفور إلى القاعدة أمام الفوج الثالث لوائنا على سدة الهور، فوجدتُ هناك الفوج الثالث لوائنا فقط، وقد انسحب فوج الطوارئ إلى الخلف والموقف مستقر ولا يوجد أي هجوم.
فعدتُ إلى مقر فرقة الحرس الجمهوري الجوال وكان القائد طالع نائماً وأخبرتُ رئيس الأركان بالموقف المطمئن، واقترحتُ تخويل الضابط الراصد للفوج الثالث من لوائنا بصب نيران كثيفة على (عقدة أرشيدة) التي كان يستخدمها العدو رأس جسر لتموين وإدامة وتعزيز قطعاته وإخلاء الخسائر، إذ شاهدتُ بعيني العجلات تتنقل من الساتر إلى العقدة وهي تحمل ضوء الإسعاف الأحمر، فوافق على ذلك. وتبين فيما بعد أنّ العدو شرع بترقيق قطعاته منذ تلك الليلة.

احتلال عقدة أرشيدة
بالساعة 0900 يوم 17 آذار 1985 استمرتْ الألوية بالضغط على مواضع العدو على نهر الرويف، ووصل لمع2ح ج إلى جناح العدو الأيمن واحتل معبراً على النهر، وطُلِبَ منه الاندفاع إلى اليسار لاحتلال بقية الساتر أمام لمع 10. وعزز بلواء المغاوير الثاني فل4 بإمرة العقيد علي حسين كاظم لتطهير الساتر المعادي.
بالساعة 0930 زار اللواء الركن سلطان هاشم أحمد الذي منح رتبة لواء وعيّن بمنصب قائد قوات شرق دجلة مقر فرقة الحرس الجمهوري الجوال، والتقى اللواء الركن طالع الدوري الذي منح رتبة لواء أيضاً ومعه اللواء الركن هشام صباح فخري، وبعد الاطلاع على الموقف طلب من قائد فرقة الحرس الجمهوري أن يكلّف لواءنا باحتلال عقدة أرشيدة المهمة الكائنة خلف الجناح الأيسر للساتر المعادي، وبذلك تُقطع خطوط إمداد العدو ويُهدد جناحه الأيمن.
وبالساعة 1000 اتصل بي قائد قوات الحرس الجمهوري بالجهاز اللاسلكي وطلب مني التقدم بأسرع ما يمكن واحتلال عقدة أرشيدة بالفوج الثالث والأول وبإمرتي سرية دبابات من ك دب البعث. فاستدعيتُ وكيل آمر الفوج الثالث النقيب طلال يونس وأوجزته بالخطة، وطلبتُ منه التقدم بأسرع ما يمكن على سدة الهور، وستقوم المدفعية بالرمي أمامه باستمرار لتدمير مقاومات العدو أمامه، وتسند التقدم أيضاً سرية الدبابات بالنار المباشرة، وسيعقب تقدمه الفوج الأول من لوائنا.
بالساعة 1100 شرع الفوج الثالث من لوائنا بالتقدم نحو عقدة أرشيدة تحت إسناد نيران المدفعية والدبابات، وتمت السيطرة على النيران من قبل مقري الجوال وآمر الكتيبة الذي كان يتنقل على الجناح الأيمن لسدة الهور خلف الفوج، وكانت النار تنقل بكفاءة أمام الفوج بمسافة (500) متر. وعالج الفوج الألغام المبعثرة التي زرعها العدو على عجل، واندفع خلف قطعات العدو التي بدأت بالانسحاب مذعورة. وكان الفوج الأول يعقب التقدم ويحتل سدة الهور المطهرة، وحاولت سمتيات العدو إسناد تراجعه فتصدتْ لها أسلحة م/ط وأجبرتها على الفرار.
اتّصل بي قائد فرقة الحرس الجمهوري ومعه معاون رئيس أركان الجيش وطلب مني الإسراع في احتلال عقدة أرشيدة قبل الساعة 1430، فطمأنته أني سوف أزف إليه البشرى قبل هذا الوقت إن شاء الله. وفي هذه اللحظة أخبر آمر لمع10 بأن الفوج الرابع طوارئ احتل العقدة وأسقط طائرة سمتية معادية فوقها، فضحكتُ للموقف الكاذب واستمريتُ في متابعة هجوم الفوج الثالث الذي أكّد لي أنّه يتقدم في الأمام ولا يوجد أحد أمامه من الطوارئ أو غيرهم.
بالساعة 1400 صال أبطال الفوج الثالث على عقدة أرشيدة وتم تدمير العدو فيها، وتم إخبار قائد فرقة الحرس الجمهوري من قبلي بعد رمي قنبلة تنوير فوق العقدة التي تجاوزها الفوج. واستقبل قائد الفرقة الخبر بفرح غامر وأخذ يشكرني بقوله: (أنت آمر لواء ممتاز قولاً وفعلاً وإني سوف لن أنسى موقفك هذا). وباحتلال عقدة أرشيدة انتهت فعالية العدو في القاطع وانطفأت نيران المدفعية والراجمات المعادية، واستولى الفوج الثالث على كميات كبيرة من الأسلحة والتجهيزات، وأسر عدداً كبيراً من أفراد العدو الذي ترك جثث قتلاه وهرب.
اندفعتُ إلى الأمام على طريق التعاون حيث التقيتُ مع آمر لواء المغاوير فل4، وكان قد أنهى تطهير ساتر الرويف إلى طريق التعاون، واندفع لمع2ح ج ولمع10ح ج خلف الساتر إلى خط التشميل (53). وكان العدو قد زرع الطرق قرب الساتر بألغام ضدّ الدبابات، والطريق إلى سدة الهور كذلك وعمل قطع في سدة الهور.
فذهبتُ إلى عقدة أرشيدة سيراً على الأقدام وقبلتُ ضباط الفوج وهنأتهم بالنصر، وكانوا جميعاً فرحين وبأعلى درجات المعنوية. وأصدرتُ أوامري بترتيب الموضع الدفاعي والتهيؤ لهجوم العدو المقابل ليلاً، وتم تنسيق الحدود الفاصلة بين الفوجين وسد الفجوات. ثم جاء المقدم الركن محمد من اللواء الرابع حرس جمهوري واستلم جناحنا الأيسر، وأصبح لواء المغاوير الثاني فل4 في جناحنا الأيمن.
عدتُ إلى مقر اللواء فوجدتُ العميد الركن خضر العامري آمر اللواء الرابع ح ج في انتظاري، فقبلني وهو يقول: (أهلاً بالبطل بارك الله فيك فقد رفعت رؤوسنا عالياً)، واصطحبني معه إلى مقر لوائه لتناول العشاء سوية. ووضع الفوج الثاني لوائنا بإمرة لمع10 لحماية الدبابات ليلاً. وأكمل العدو انسحابه ليلة 17/18 آذار 1985 عدا من أضاع الطريق.
بالساعة 0700 يوم 18 آذار 1985 اندفعتْ فرقة الحرس الجمهوري بسرعة (60) كم/ساعة نحو نهر الروطة، ورفع العلم العراقي من قبل القائد بالساعة 0815 فوق الروطة. وأذيع البيان رقم (1775) في 18 آذار 1985 من القيادة العامة للقوات المسلحة متضمناً لأول مرة أسماء القيادات والتشكيلات والقادة والآمرين الذين شاركوا في المعركة التي سمّيت بـ(تاج المعارك)، وأضيف لقب (المقاتل البطل) إلى أسماء الضباط الذين استشهدوا في المعركة، ومما جاء في البيان:
قاد المعركة ميدانياً وأشرف عليها الفريق الأول الركن عدنان خيرالله طلفاح نائب القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع وعاونه في إدارة المعركة ميدانياً الفريق الركن عبدالجواد ذنون رئيس أركان الجيش، وأشرف على جناح الميسرة وشارك بإدارة العمليات القتالية اللواء الركن هشام صباح الفخري معاون رئيس أركان الجيش للعمليات، أما جناح الميمنة فقد أشرف عليه وشارك في عملياته القتالية اللواء الركن سعدي طعمة عباس معاون رئيس أركان الجيش للتدريب. وقاد الجحافل لقاطع عمليات شرق دجلة اللواء الركن سلطان هاشم أحمد. أما القوات التي قامت بإنجاز المهمات القتالية فهي:
1. فرقة الحرس الجمهوري بقيادة اللواء الركن طالع خليل الدوري طهّرت المنطقة من لسان عجيردة شمالاً وحتى منطقة الروطة جنوباً. وبإمرتها التشكيلات البطلة: اللواء المدرع العاشر بإمرة العقيد الركن إبراهيم عبدالستار، اللواء المدرع الثاني بإمرة العقيد الركن أحمد حماش، اللواء المدرع 42 بإمرة العقيد الركن موحان حافظ فهد، لواء المشاة 702 بإمرة العقيد الركن أزهر سعدالله خليل، اللواء الرابع بإمرة العميد الركن خضر علي نصار، قوة طوارئ الحرس الجمهوري بإمرة العقيد الركن ناصر سعيد توفيق، لواء المغاوير الثاني فل4 بإمرة العقيد علي حسين كاظم.
2. الفرقة المدرعة السادسة بقيادة العميد الركن أياد فتيح الراوي طهّرت المنطقة من لسان هويدي وحتى منطقة الروطة. وبإمرتها التشكيلات البطلة: اللواء المدرع 16 بإمرة العقيد الركن سردار عبدالمجيد رشيد، لواء المشاة الآلي 25 بإمرة المقدم منذر أحمد محمد، لواء المشاة 18 بإمرة العقيد الركن صباح عجيل داؤد.
3. قيادة قوات الدفاع عن البصرة بقيادة العميد الركن إحسان كامل شبيب طهّرت همايون مع فق مع6 وبإمرتها: اللواء 65 ق خ بإمرة المقاتل البطل العميد الركن عباس مزعل، لواء المغاوير الأول فل4 بإمرة العقيد هاشم محمد عبدالرحمن، لواء المشاة 93 بإمرة المقاتل البطل العميد الركن إبراهيم محمد جاسم.
4. قيادة الفرقة المدرعة العاشرة بقيادة اللواء الركن صبيح عمران الطرفة طهّرت المنطقة من لسان عجيردة حتى الصخرة، وبإمرتها: اللواء المدرع 17 بإمرة العقيد الركن ياسين فليح خلف، اللواء المشاة الآلي 24 بإمرة العميد الركن ناطق جاسم منذور، اللواء الثالث ق خ بإمرة العقيد الركن عبداللطيف محمد سعيد، اللواء 68 ق خ بإمرة المقاتل البطل العقيد الركن حسين علي سعيد، اللواء الآلي 27 بإمرة المقاتل البطل المقدم الركن سعد ردام، اللواء 29 بإمرة العقيد محمد راكان عبدالعزيز، اللواء الخامس بإمرة العقيد الركن سالم جميل ذنون، اللواء 66 ق خ بإمرة العقيد الركن وعدالله مصطفى حنوش.
5. الفرقة الخامسة والثلاثون بقيادة العميد الركن فيصل مشعان الفيصل طهّرت منطقة البيضة، وبإمرتها اللواء 429 بإمرة العميد أنور عبدالحميد موسى.
6. الفرقة الخامسة بقيادة العميد الركن علي جاسم محمد الحياني، دحرت قوات العدو غرب دجلة وبإمرتها: اللواء 20 بإمرة العقيد الركن مؤيد أحمد المهدي، اللواء 19 بإمرة العقيد فوزي جواد هادي، اللواء المدرع 30 بإمرة العقيد الركن قيس عبدالرزاق جواد الأعظمي.
7. الفرقة الرابعة بقيادة العميد الركن عبدالكريم محمد العيثاوي طهّرت مناطق مهمة على حافة الهور.
غنم اللواء (263) بندقية آلية، و(96) قاذفة خفيفة، و(5) هاون 82ملم، و(9) رشاشة خفيفة، و(17) رشاشة متوسطة، و(7) رشاشة م/ط، و(6) بندقية قنص، و(9) هاون 60 ملم، و(3) هاون 120ملم، و(3) راجمة أنبوبية 107ملم، و(3) مدفع م/ط، و(16) جهاز مخابرة، و(15) دراجة آلية، وعدداً كبيراً من العجلات والزوارق وتجهيزات الوقاية الكيمياوية، وتجمعتْ لدى اللواء أكداس من الأعتدة تقدر بأكثر من (10) عجلات حمل.
وتم العثور على خريطة قائد العملية ومؤشر عليها الأهداف والمقتربات المائية التي سلكها العدو من جزيرة مجنون واليابسة الإيرانية إلى غرب هور الحويزة، وأخذتُ الخريطة بيدي إلى مقر عمليات شرق دجلة وسلّمتها إلى اللواء الركن سلطان هاشم، وقبلته وهنأته بالنصر الذي تحقق بقدومه وبمنصبه الجديد والترقية. وجاء إلى هناك أيضاً اللواء الركن طالع خليل قائد فرقة الحرس الجمهوري فهنأته بالنصر والرتبة الجديدة. لقد كان صدام يتفاءل بحظ سلطان هاشم فيرسله لقيادة المعارك المتعثرة، وكان سلطان يعرف كيف يتعامل مع صدام ويوصل إليه المواقف المؤلمة بأسلوب سلس وهادئ لا يعكّر مزاجه. وكان الضباط والجنود كافة يحبّون سلطان ويثقون به لتواضعه ودماثة خلقه وعدم نسيانه لزملائه مهما علت به الرتب والمناصب.
استدعيتُ يوم 19 آذار 1985 إلى مقر فق ح ج لتناول طعام الغداء، وطلب قائد الفرقة حساب تضحيات المعركة، وتهيئة أسماء المتميزين ومن ضمنهم الشهداء والجرحى والمفقودين، وتهيئة تحليل المعركة لمناقشته يوم 23 آذار 1985. وعلى الرغم من انتهاء المعركة إلاّ أنّ الأعصاب ظلّتْ مشدودة إلى فترة طويلة، واستلمتْ فق4 مسؤولية فرقة الحرس الجمهوري يوم 20 آذار، ووضع اللواء الخامس في جناحنا الأيسر، واللواء 18 في جناحنا الأيمن.
وبدأنا في حفر خندق مواصلات داخل سدة الهور، وبناء خنادق النار والملاجئ للأشخاص أمام وخلف خندق المواصلات مع إخفاء مرتسم الخنادق، على عكس المواضع السابقة التي كانت فوق الأرض ودمّرها العدو بالقاذفات في الدقائق الأولى من الهجوم.
ظلّ العميد الركن خضر العامري آمر اللواء الرابع حرس جمهوري يرافقني بعد المعركة، وارتاح كثيراً للعلاقات الطيبة التي ربطتنا وانسجم معي كثيراً، وكنا نتنقل في القاطع سوية ونذهب إلى مقره الرئيسي في الخلف لتناول وجبات الطعام. وكان خلوقاً طيب المعشر رحمه الله إذ فقدناه في معركة مهران فيما بعد.
حضرتُ مع آمري الأفواج يوم 23 آذار 1985 في مقر فرقة الحرس الجمهوري لمناقشة تحليل المعركة الذي أداره قائد الفرقة، وتم شرح دور كل تشكيل في المعركة من قبل آمري الألوية. وعند قيامي بشرح دور اللواء في المعركة تم إيقافي عند دور اللواء في احتلال عقدة أرشيدة بناء على اتفاق مسبق ضمن الفرقة، ونفى القائد بكل صلافة تكليفه لي بهذا الدور أمام فرقته.
فجلستُ وأنا غاضب من سوء تصرفه الذي انتقد عليه، وكانت غايته طمس دور اللواء في المعركة وإبراز دور فرقة الحرس الجمهوري لوحدها. واستمرتْ المناقشة في محاولة لإعطاء دور احتلال عقدة أرشيدة إلى فوج الطوارئ الرابع، ولكنّي دافعتُ بقوة وناقشتُ آمر لمع10 وحاججته حول كذب موقف لوائه، وقلت له لقد ذكرت في الموقف أن الفوج أسقط طائرة سمتية فوق العقدة فأين هي الطائرة ؟ وتدخل القائد لحسم الموضوع بعد اعتراف آمر فوج الطوارئ (وهو من أقارب صدام) بانسحاب الفوج نتيجة الخسائر، وقال نعم إن الفوج الثالث لواء 702 هو أول فوج دخل العقدة بعد تخطيها من قبل فوج الطوارئ الرابع.
وفي نهاية المناقشة وعدنا قائد الفرقة بأن أي تكريم يعطى لفرقته سنحصل على مثله تماماً، وأن عملنا هذا ليس لأجل الحصول على التكريم بل لتنفيذ الواجب المقدس. ولكنّي لم أطمئن من تصرف القائد فما أدرانا بما سيكتب في تحليل المعركة الذي لم نزود بنسخة منه!! فأرسلتُ رسالة إلى قائد الفيلق الرابع اللواء الركن ثابت سلطان وأخرى إلى قائد عمليات شرق دجلة، وذكرتُ لهما دور اللواء بالتفصيل كي لا يطمس حق أبطال اللواء أثناء مناقشة تحليل المعركة في القيادة العامة للقوات المسلحة.
واتصل بي بعد أيام اللواء الركن سلطان ليخبرني أن دور اللواء برز واضحاً أثناء تحليل المعركة أمام الرئيس صدام يوم 25 آذار 1985 عندما نوقشت المعركة في اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة لمدة تسع ساعات ونصف، وأن صداماً سأل طالع الدوري عن طبيعة أداء اللواء 702 في المعركة، فأجاب بأن دوره كان جيداً. وكنت واثقاً ثقة تامة من أنه لم يشر إلى دوره في احتلال عقدة أرشيدة فللنصر ألف أب والهزيمة يتيمة، لكنّ حفاظنا على أرض العراق العزيزة وصد قوى العدوان كان من أسمى أهدافنا التي حصلنا عليها بعون الله سبحانه وتعالى.

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

612 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع