مرفأ النداء / انطباعات استرالية حول البصرة في سنة الكوليرا ١٩٣١

                                         

              ترجمة واعداد : محمد سهيل احمد

    

مرفأ النداء - انطباعات استرالية حول البصرة في سنة الكوليرا 1931

        

في السطور التالية الواردة في احدى الصحف الاسترالية الصادرة عام 1931 تكتب المعاونة الطبية الانجليزية الاصل ايثيل اوزبورن انطباعاتها غير الدقيقة عن البصرة وكانت في الحقيقة انطباعات تتعلق بمحيط مطار القوة الجوية الملكية الكائن في الشعيبة ـ الواحة الصحراوية التي شهدت معارك طاحنة بين العثمانيين والانكليز كمحتلين سنة 1915.

         

لقد حسبت ايثيل ان البصرة لم تكن سوى صحراء رملية وان الواحة المريحة الوحيدة كانت تابعة للسلاح الجوي البريطاني ! ومع ذلك فأهمية ما كتبته يمثل توثيقا لفترة صحية عصيبة كانت البصرة تمر بها بتأثير وباء الكوليرا الذي قدم برفقة اثنين من حمالي موانئ المدينة من الاسيويين الكولية . 

اترككم مع سطور ايثيل اوزبورن :

قبل بضعة اسابيع لاغير لم تكن البصرة من الناحية الفعلية سوى اسم من الاسماء بالنسبة لي فلا من ارتباط ما ولا من ملمح لشخصيتها كميناء . ثم فجأة اصبحت شيئا ما ملموسا كمحطة من محطات جدول الاعمال على متن الخطوط الجوية الامبريالية التي تنطلق من مطار كراجي الباكستاني الى انجلترا .ففي الاسبوع الماضي تردد اسم البصرة في الصحافة البريطانية بعد توارد الانباء عن انتشار وباء الكوليرا فيها وهو الخبر الذي روجته وكالات الانباء التي تتخذ من طهران مقرا لها .ومن اجل القضاء على هذا الوباء في الخليج الفارسي عمل الاطباء على توفير ما يزيد عن خمسين الف قارورة لقاح كيما توزع على موانئ الخليج الجنوبية .وبناء على تلك الاخبار عملت السلطات الفارسية على منع حركة السفر عبر الحدود بين العراق وبلاد فارس .بعد ان نقل اثنان مع عمال الكولية الاسيويين الوباء الى سكان البصرة .وبعد سبعة عشر يوما من مغادرتي لملبورن شارفت ميناء بومباي الهندي على امل التوجه بالقطار الى كراجي حيث تقلنا الخطوط الجوية الامبريالية انطلاقا من مدينة كراجي الباكستانية في تلك الاثناء كانت الاجواء في الهند محتدمة مع ارتفاع وتيرة المقاومة التي ابداها غاندي ضد الانكليز .غادرنا بومباي مرورا بمدينة احمد اباد ، حيدر اباد والسند حيث وقعت ابصاري على اول شخصين اوروبيين وكانا من الجيش الانكليزي . وبعد طيران متقطع وتاخيرات بسبب قوة الرياح وصلت طائرتنا العسكرية الهركيوليز الى مطار الشعيبة الذي كان بمثابة المطار المدني لمدينة البصرة .كان الجو شديد السخونة الى حد لا يطاق حيث جرى نقلنا الى دار استراحة مجاورة لمبنى المطار وكان من حسن حظي انني كنت مزودة بشهادة تطعيم ضد الطاعون والكوليرا .كانت الدار مؤلفة من طابق واحد طولاني تضم غرفة طعام وفناء اضافة الى عدد من المكاتب وغرف النوم المزودة بشرفات دائرية تشرف على ذلك المكان الصحراوي من جميع الاتجاهات .ولحظة وصولنا كان الشاي في انتظارنا .وقتذاك طلب مني ضابط ذلك الميناء الجوي شهادة صحية ضد وباء الكوليرا .كان الجو شديد الحرارة يكاد ان يقارب الخمسين درجة .وقد اخبرنا موظف المطار بأن ريح الشمال وخاصة في الليل تتخللها نسائم باردة نسبيا مؤكدا ان يوم وصولنا يعد من اقل الايام حرارة .

واحــة متمدنــة
يجاور مبنى المطار مهبطا شاسعا لطائرات القوة الجوية الملكية مشكلا علامة بارزة تنتمي للمدنية في صحراء شديدة القسوة . كانت البرية امامي وانا اتامل ملكوت الرمل الشاسع بانتظار تقديم وجبة العشاء ومجموعة من اهالي المنطقة وهم يقتربون من المكان : رجال بجلابيب بيضاء فضفاضة ونساء بعباءات داكنة اللون تلتف ملتصقة حول اجساد ضاوية .وكانت هنالك مجاميع من الصغار يتقافزون ويتراكضون عكس اتجاه ريح المساء الاقل حرارة .وقد لاح من الواضح ان الكوليرا قد فتكت بالمئات منهم لكن لا املك ادنى فكرة عن الاماكن التي قدم منها هؤلاء البدو ثم علمت فيما بعد انهم قدموا من اجل تطعيم انفسهم ضد ذلك الوباء الوبيل .يبدو ان الاجراءات الصحية في المطار وفي الجوار تميزت بالصرامة لكن هل تنطبق هذه المعالة على اهالي المدينة ؟ لست متأكدة .واذكر ان الفاكهة التي كانت تقدم الينا قد جرى رشها وتعقيمها ببرمنغنات البوتاسيوم زيادة في التحوط .
وانا اغادر البصرة عائدة الى طهران رسخت في ذاكرتي تلك الصور الشاحبة لمدينة البصرة التي لم اتملاها بشكل جيد بسبب الوباء وظروف اخرى لمجال هنا لشرحها . لكن ما المني كثيرا هو طقس الصيف المستبد بالاجساد والارواح ما يجعل الاهالي أرغفة محمصة في اجواء شديدة الالتهاب .

اشارات
--------
* ايثيل . أي . اوزبورن Ethel Elizabeth Osborneمن اصول انجليزية 1896 ـ 1968 . عملت في مجالات الصحة العامة والصحة الصناعية .وعملت في عصبة الامم المتحدة . اسهمت في تطوير الخدمات الصحية والطبية وارتقاء خدمات العديد من مستشفيات العالم : ملبورن هونولولو يوركشاير وغيرها .

** زيارة ايثيل اوزبورن للبصرة كانت قصيرة وتقضت معظمها في دار استراحة الشعيبة العسكري يلاحظ ان الكاتبة اسمت (الشعيبة ) Shulaiba او الشليبة ومن الواضح انه خطأ لغوي املائي .
*** المادة الاستطلاعية بقلم ايثيل اوزبورن نشرت في جريدة (سيدني مورننغ هيرالد ) الاسترالية بتاريخ الحادي والثلاثين من تشرين الاول سنة 1931 . ومن الواضح انها زارت البصرة في فصل الصيف .

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1055 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع