الخريف السياسي للسلطان الحالم أردوغان

                                           

                 المهندس هامبرسوم اغباشيان

الخريف السياسي للسلطان الحالم أردوغان

يبدوا ان السلطان الحالم أردوغان بدا يعيش خريف حياته السياسية. فبعد ان استطاع ان يكون الرجل الاول في تركيا بصعودة سلم القيادة بسرعة بمساعدة رفاقه في حزب العدالة والتنمية، ومنهم عبد الله غول والسياسي الاكاديمي احمد داود اوغلو وغيره وتعاون مع صديقة القديم وعدوه الحالي رئيس جماعة هزمت الداعية فتح الله كولن ، بدا بالانفراد بالحكم تدريجيا بعد ان ضمن الاصوات اللازمة لتمرير التعديل الدستوري لتحويل نظام الحكم في تركيا من وزاري الى رئاسي واصبح هو رئيس تركيا بدون منازع وتحول الى ديكتاتور بامتياز.

انتعشت الحياة الاقتصادية في تركيا مع صعود نجم أردوغان في الحياة السياسية ونفذ العديد من المشاريع الكبيرة وخطط لتنفيذ مشاريع كبيرة اخرى، ولكنها توقفت فجاة ليستيقظ المواطن التركي امام ديون ضخمة مستحقة على بلاده يجب تسديدها بالعملات الصعبة. فالمشاريع المنجزة معظمها خدمية (ابنية وفنادق وشوارع وجسور وقصر رئاسي جديد الخ)، ونفذت بقروض من البنوك العالمية بالعملة الصعبة واستحقت الدفوعات في توقيت غير مناسب اذ ان المشاريع المنفذة لم تدر الاموال اللازمة لتسديد الديون لكونها غير منتجة، وفقدت الليرة التركية قيمتها لاسباب سياسية واقتصادية، ولم يُصغِ أردوغان لنصائح الخبراء الاقتصاديين الاتراك والاجانب الذين قاموا بتحليل الوضع وابلغ بالكارثة الاقتصادية المتوقعة، ولكن السلطان الحالم الجالس على عرشه في قصره الجديد الذي كلف في حينه الدولة مئات الملايين من الدولارات لم يابه لنصيحةِ الاقتصاديين فغروره العثماني جعله يغمض الطرف عن الجانب السيء من حكمه.
في الحقيقة بدا العد العكسي لسياسة أردوغان منذ سنين ، فبعد ان صعد الى سدة الحكم كانت هناك مستحقات سياسية يجب دفعها، فالداعية فتح الله كولن لم يسانده لسواد عيونه، وعندما طلب حصته في السلطة والمشاركة في المردودات المادية والمشاريع الاقتصادية الكبيرة انتهى شهر العسل المصطنع بينهما لتليها حركة انقلابية لم يتم الكشف الكلي عن اسرارها ومن كان يقف وراءها بالفعل الى الان ولكنها استغلت من قبل أردوغان ابشع استغلال لتصفية خصومه السياسيين ومعظمهم، ان لم يكن جميعهم، مواطنين أتراكاً من جماعة فتح الله كولين ، وفقدت تركيا عددا كبيرا من عناصر الجيش والشرطة ومنهم ضباط اصحاب رتب عالية وطيارون كلفوا الدولة مئات الملايين من الدولارات لحين تاهليهم، وبالاضافة الى العسكريين فقدت تركيا قوى بشرية هائلة من المثقفين من اساتذة الجامعات والكتاب والصحفيين والمدرسين وغيرهم ومن افراد الطبقة الوسطى والمنتجين .
بعد ان اعتقد أردوغان انه ثبت اقدامه وقلع اعداءه العسكريين والمدنيين المؤيدين لهم من جذورهم، وارهب منافسيه العلمانيين ورثة ايديولوجية كمال اتاتورك المتمثلين بحزب الشعب الجمهوري واستطاع ان يضعهم في الظل لفترة ، رفع من وتيرة عداوته للاكراد والاحزاب الكردية في تركيا وسوريا ووضعهم جميعا في خانة حزب العمال الكردستاني الذي يناضل في سبيل الحصول على حقوق الاكراد في تركيا. فالغرب يعتبر هذا الحزب ارهابيا بينما يغض النظر عن الجرائم التي يرتكبها أردوغان بحق الاكراد جميعا، فهو يقتل مئات الاكراد يوميا في شرق وجنوب البلاد ويحرق قراهم ويدمر مدنهم ويهجرهم بالآلاف من مناطقهم تحت ذريعة الامن والمصلحة الوطنية العليا، والغريب ان النفاق السياسي والمصالح الاقتصادية جعلت الدول الكبرى في الشرق والغرب تغمض الطرف عن هذه الجرائم، وحتى ان الصحف ووسائل الاعلام العالمية لا تهتم بهذه الجرائم الا ما ندر . ما اشبه اليوم بالبارحة فالسلطان عبد الحميد ومن بعده قادة حزب الاتحاد والترقي الثلاثي طلعت وانور وجمال باشا السفاح كانت لهم نفس الاساليب والممارسات مع المواطنين الارمن في الدولة العثمانية ونفذوا المجازر ضدهم وابادوا مليونا ونصف المليون من مواطني الدولة العثمانية من الارمن ونفذوا اول جريمة ابادة عنصرية في التاريخ الحديث، وكانوا قد نجحوا مع الاسف في استمالة بعض العشائر الكردية وتجنيدهم ضمن الفرسان الذين نفذوا خططهم في مناطقهم في حين وقف العديد من شيوخ الاكراد بعيدي النظر ضد هذه الخطط وتنبؤا بالخطر القادم اليهم. وبالفعل ينفرد اليوم حفيدهم ورافع راية العثمانيين الجدد أردوغان بالاكراد، ويسير في طريق اجداده وهذه المرة بتصفية الاكراد في داخل تركيا ودول الجوار.
اين الغرب واين دعاة حقوق الانسان واين المدافعون عن الشعوب المظلومة ؟
اذا امعنا النظر حاليا الى ما وصل اليه الوضع السياسي للسلطان الحالم أردوغان سنرى انة قاد بلده الى العزلة العالمية، ويبدوا ان صديقه الوحيد هو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي يعاني بدوره من عزلة سياسية من قبل ابناء عمومته في السعودية والامارات ، اما صداقته مع السودان فلقد استيقظ أردوغان فجاة ليرى ان صديقه الحميم المتهم بجرائم الابادة العنصرية ضد شعبه والمطلوب للمحاكم الدولية عمر البشير قد اطاحه الشعب بانقلاب نظيف والغي عقد أردوغان الذي عقده مع البشير لاعادة تاهيل جزيرة "سواكن" السودانية في البحر الاحمر والتي اراد ان يحولها الى قاعدة عسكريه تركية، وتزعم وسائل الإعلام التركية المؤيدة لأردوغان أن التدخل العسكري في السودان الذي أطاح بالبشير كان "ضد تركيا مباشرة" وأن المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة كانت وراء الانقلاب، و يخدم هذا التدخل الثلاثي مصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة. وفي ليبيا تحرك الجنرال خليفة حفتر نحو طرابلس لينهي سيطرة الارهابيين المتشددين المدعومين من قبل أردوغان هناك.
داخليا، فقد أردوغان الانتخابات البلدية بعد ان وضع كل ثقله وراءها ، فلقد خسر اسطنبول والعاصمة انقره وازمير ومدنا كبيرة اخرى بالرغم من ان مرشح اسطنبول كان رئيس وزرائه المطيع بن علي يلدرم. فلقد خسر أردوغان المدن الكبيرة لصالح حزب الشعب الجمهوري الكمالي العلماني ونجح في المدن الريفية حيث الدعاية والتعصب الديني يعملان لصالح أردوغان ولكن المثقفين المتنورين في المدن الكبيرة اعطوا أردوغان ما يستحقه وجعلوة يتذوق مرارة الخسارة السياسية لاول مرة منذ صعوده سلم السياسة. ولاحقا فقد أردوغان هيبته السياسية عندما طعن بنتائج الانتخابات واجبر اللجنة العليا للانتخابات بالغاء نتائج انتخابات اسطنبول بعد ان كانت نفس اللجنة قد اعلنت سابقا فوز مرشح الحزب الجمهوري اكرم امام اوغلو بالمنصب.
خارجيا، يهدد الرئيس الامريكي ترامب بفرض عقوبات على تركيا ان ام تلغ عقد شراء منظومة صواريخ (400SS ) من روسيا وبعدم السماح للشركات التركية المنتجة للاسلحة المشاركة في تصنيع المقاتلات الامريكية المتطورة (F 35)، وتقدر مصادر اقتصادية خسائر تركيا في ذلك بعشرة مليارات دولارات في الوقت الذي يترنح الاقتصاد التركي تحت طائلة الديون وتواجه الصناعة العسكرية فترة ركود. وبالاضافة الى الجانب الاقتصادي هناك جانب سياسي وعسكري للعقوبات فتركيا عضو في حلف شمال الاطلسي وهذا خطر على سلامة الحلف إذ ستكون تركيا الثغرة التي سينفذ منها الروس الى اسرار الناتو وهنا الخط الامريكي والغربي الاحمر والدعوة من قبل السياسيين بغلق هذا المنفذ.
اما بالنسبة للعلاقة مع روسيا فالصداقة التركية مع روسيا وقتية وهشة ومبنية على المصالح الاقتصادية واي حركة مشبوهة من قبل أردوغان نحو الجمهوريات السوفيتية السابقة الناطقة باللهجات التركية المختلفة سيضع حدا لشهر عسل أردوغان مع روسيا وسيكون الرد سريعا مثل ما حدث مع الصين، فالصداقة بين تركيا والصين قائمة على اساس اقتصادي وعندما دافع أردوغان عن حركات الاتراك الاغور في غرب الصين توترت العلاقة بينهما واغلقت الصين قنصليتها في ازمير وصرح السفير الصيني في تركيا قائلا (اذا كان اختياركم المضي في طرق غير بناء فان تاثيره سيكون سلبيا على الثقة والتفاهم بيننا وسيؤثر ذلك على العلاقات التجارية والاقتصادية بين بلدينا).
واخيرا، في اوروبا ايضا بدا أردوغان يخسر اصدقاءه واوراقه الدبلوماسية حيث حول علاقته مع الغرب الى حرب باردة، فلقد اعلن الرئيس الغرنسي بان فرنسا ستعتبر يوم 24 ابريل يوما وطنيا لاحياء ذكرى مجازر الابادة الارمنية التي وقعت عام 1915 ، واعترف البرلمان الايطالى بالابادة الارمنية وكذلك البرلمان البرتغالي، وبدلا من ان يحاول أردوغان مراجعة سياستة الخاطئة ويحاول استيعاب هذه الخسارة الدبلوماسية ومحاولة تفهم موضوع الابادة وتصحيح موقفه منها، صرح وبكل صلافة وعنجهية بان قرار تهجير الارمن من الاراضي العثمانية في حينها كان قرارا صائبا وهو مستعد ان يتخذ القرار نفسه في مثل تلك الظروف، وبهذا يريد ان يبلغ العالم اجمع بان قرار اجداده كان صائبا مثل ما هو قراره حاليا ضد الاكراد وهو مستعد لتنفيذ ذلك، وهذا الشي الوحيد في كلام أردوغان الذي له مصداقية، فالسلطان الحالم يقوم بقتل وتهجير الاكراد وابادتهم دون رادع او حساب، ومع الاسف ان العالم اجمع ساكت عما يحدث. متى سيستيقظ هذا العالم المادي اللاأنساني؟
وبعد كل هذا الى اين يسير السلطان الحالم أردوغان ؟
بالتاكيد انه يسير الى نهايته ولكن بخطى ثقيلة، وستكون نهايته على يد شعبه.
--------------
لوس انجليس- كاليفورنيا - مايس 2019
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

673 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع