بدءأ بخمسينات القرن الماضي انحسار قيم المدينة لصالح قيم القرية

                                               

                            عبد الودود ديوان

                

  

فضاءات/بدءأ بخمسينات القرن الماضي انحسار قيم المدينة لصالح قيم القرية

مستلات 

 1ـ / جلب المهاجرون معهم أفكارهم وتقاليدهم القروية والبدوية، ونظرتهم للمرأة أيضا. وقد حولوا المدن الكبرى الحضارية، إلى قرى كبيرة/
2ـ/ المجتمعات العشائرية لها أعراف سارية المفعول تصطدم حتما مع التقاليد الحضرية سواء في الزيجات ، أو التعامل ، أو جزئيات الثقافة العشائرية التي تسودها الأعراف البعيدة عن القانون المدني /

كانت المدن العراقية كغيرها من المدن في العالم تتقدم في ثقافتها و قيمها المتسامحة على ما يسود في القرية ، فالقرية تكون مغلقة على طائفة او قومية واحدة فتكون العادات والتقاليد والأعراف فيها لها خصوصية تسودها القيم العشائرية لا تتلاءم و ثقافة المدن .
كان القروي المهاجر الى المدينة يضطر للخضوع لقيم الحياة المدنية وثقافتها ، ويترك ما تعود عليه في القرية عملا بمبدأ المتعلم و المتحضر هو القائد والقدوة،والوافد الجديد ينصهر في المجتمع الجديد .
انقلاب الخمسينات
أوائل خمسينات القرن الماضي،تعرضت المدن العراقية الكبرى لموجات كبيرة من الهجرة والنزوح إليها من الريف والصحراء. وقد جلب هؤلاء المهاجرون معهم أفكارهم وتقاليدهم القروية والبدوية، ونظرتهم للمرأة أيضا. وقد حولوا المدن الكبرى الحضارية، إلى قرى كبيرة تكثر فيها مظاهر التخلف الاجتماعي. لقد أوجد ذلك مشكلة في هذه المدن لا يوجد حل لها. ولما كانت إعادة كل من هؤلاء المهاجرين إلى المكان الذي جاءوا منه أمرا غير عملي، وغير قابل للتنفيذ، توجب إجبارهم على احترام تقاليد المدينة إذا أرادوا العيش فيها.غير إن المهاجرين شكلوا أعدادا كبيرة حاولت ان تواكب الحياة المدنية وتعيش حياة المجتمع المدني الذي تسيّره القوانين النافذة بعيدا عن قيم القرية التي تحتكم الى العرف العشائري الذي لا يتلاءم مع عادات وتقاليد المدن التي تتميز بالسماحة وقبول الآخر المختلف قوميا ودينيا ومذهبيا.
وبما ان المهاجرين الجدد كانوا بشكل موجات من مكان وانحدار واحد، فقد تجمعوا على شكل عشائر وسكنوا العشوائيات متمسكين بالأعراف الريفية التي رافقتهم فبزر منهم شيوخ عشائر و كبار بيوتات فصار الفرق عندهم فقط مكان السكن . في حين كانت العادة في الأرياف ان ينظروا الى رجل المدينة نظرة خاصة يسمونه متمدنا حتى ان ابناء العشائر عند تطوعهم في الجيش والشرطة أصبحوا بنظر اهل الريف متمدنين يقلدون لهجات المدن التي يخدمون فيها .
ما حدث في مدن العراق على امتداد أربعة قرون هو تراجع قيم المدينة وانحسارها لصالح قيم القرية الضيقة. فساد عرف القوامة والفصل العشائري ، وبدأ رجل المدينة يتراجع أمام المد القروي فبات يقلد الريفي في العادات والملبس والمناسبات خاصة بعد حرب الخليج الثانية حتى ان بعض كبار الضباط و الموظفين صاروا يقلدون ابن الريف في الزي والكلام فلبسوا العقال والكوفية و العباءة .مع الايمان الكامل بأن العرف العشائري بات صالحا للمدن .وبتشجيع من صدام برزت طبقة تدّعي المشيخة ترقص و تتقافز أمامه من على شاشات التلفاز فصار أبناء المدن الكبرى كبغداد والبصرة يتباهون باسماء عشائرهم ويسعون الى المشيخة بمجرد ان يحالوا الى التقاعد او يصبحوا ذوي جاه و ثروة .والغريب ان العشائر التي كانت بالقرب من المدن والتي يدعي ابناؤها انهم حضرٌ باتوا الآن اشد تمسكا بالأعراف القبلية .فصارت المدينة اسم على غير مسمى انها مجرد ابنية وشوارع معبدة بعادات وتقاليد اقل ما يقال عنها غير متحضرة .
الوجه الآخر
ومن الأخطاء التي مورست في العراق ، أن العراقيين لم يدركوا حتى اليوم معنى " العشائرية " في مجتمعهم ، بل والأخطر غزو القيم والأعراف العشائرية لمجتمعات حضرية عراقية قديمة .. كما أن من الآفات التي ابتلي بها العراقيون ، ان أغلبيتهم اليوم تؤمن بأن كل القيم العشائرية صالحة وايجابية ونبيلة من دون ان يقرأوا الوجه الآخر لمثل هذه " الظاهرة " المضادة لحياة المجتمع المدني ، والتي خرقت المجتمع بطوله وعرضه على امتداد القرن العشرين بكل ما طبعت به المجتمع من الغرائب والعجائب .. فضلا عن ممارسات سلبية لها تتنافى مع القيم الحديثة في بناء أي مجتمع حديث .. فالعشائرية تصطدم بالنزعة الوطنية اصطداما كبيرا ، بل وتفت في عضد المجتمع بموالاة هذا على حساب ذاك ، والعشائرية تقف موقف الأصم الأبكم من عاداتها وتقاليدها سواء في اخذ الثأر وجريان أحكامها القضائية بعيدا عن أجهزة الدولة الرسمية ، والوقوف ضد النظام العام ، وفي التنازع على الأرض . المجتمعات العشائرية لها أعراف سارية المفعول تصطدم حتما مع التقاليد الحضرية سواء في الزيجات ، أو التعامل ، أو جزئيات الثقافة العشائرية التي تسودها الأعراف البعيدة عن القانون المدني وانها من اكبر المنافسين للمركزية الإدارية وأحوال المجتمع المدني الحديث ، وهي تتقاطع مع الديمقراطية ودولة القانون .. ذلك ان أعرافها وعلاقاتها البدائية تصطدم بالقيم الحديثة ، ويكفي ما شهدناه من حالات بائسة في العراق سواء في الشوارع البائسة ، أو عند مرأى البسطات على الأرصفة ، أو في الثقافة الطارئة وما أصاب الشعر والأغاني على حساب غياب الإبداعات الحضرية ، أو في مؤسسات الدولة المدنية ، أو في الجيش وصولا إلى الجامعات .. وصولا إلى اقنية الحزب الحاكم ، بل وكانت " الحالة " قد وصلت قمة التخلف في مؤسسة رئاسة الدولة على امتداد ثلاثة عقود بليدة من نهايات القرن العشرين . ويكفي ما نشهده اليوم من فوضى القيم السائدة !

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

535 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع