حقيبة مدججة بالفستق والباذنجان

                                           

                           جوسلين إيليا*

حقيبة مدججة بالفستق والباذنجان

يروي لي أصدقائي العرب المقيمون في لندن منذ زمن بعيد بأن ما شهدته العاصمة البريطانية منذ فترة السبعينات يعتبر نقلة نوعية حقيقية فيما يتعلق بالطعام وانفتاح الإنجليز على مطابخ العالم ومنتجات المتوسط وغيره وما أبعد منه.

وأكثر ما شدني في تلك الحكايات هو أن الإنجليز لم يعرفوا زيت الزيتون في تلك الفترة وكان يقتصر استخدامه في أشياء بسيطة وخجولة، ولهذا السبب لم يكن متوفراً في محلات السوبر ماركت، إنما كان يباع في قوارير صغيرة الحجم في الصيدليات. هذه القصص التي لا يمكن تصديقها اليوم في ظل «العولمة الطعامية» وتوفر ما لذ وطاب من مآكل ومشارب الكون برمته... ولكنها حقيقية.
لن أغوص هنا في الكتابة عن تاريخ تطور مشهد الأكل في بريطانيا وانفتاح شهية الإنجليز على أطباق العالم، وتحول عاصمتهم إلى واحدة من أهم عواصم الأكل دون منازع، إنما أريد مشاركتكم فكرة تجول بذهني منذ فترة طويلة تخص سفر العرب برفقة حقائب مدججة بالمأكولات على رأسها المكسرات ويتخللها الحلويات والقريشة والعسل. وهنا تختلف الحمولات والأوزان الزائدة الثقيلة بحسب جنسية المسافر ووجهة الانطلاق، ليبقى القاسم المشترك هو العبء الذي يتكبده المسافر المقيم في الخارج «ذهابا وإيابا» لدرجة أنه في بعض الأحيان يلعن الساعة التي قرر فيها السفر.
في بادئ الأمر كنت أعتقد بأن اللبنانيين، الفخورين بمطبخهم، هم جلّ من حمّل المسافرين بالطعام والمونة وورق العنب وسكاكين منطقة جزين الجنوبية... ولائحة الحاجات الغريبة طويلة ومن شأنها أن تفتح عين الجمارك وأمن المطار عليك. ولكني اكتشفت بأن الأمر يمتد إلى إخواننا العراقيين والمصريين والسودانيين... فالمقيمون في لندن الذين ينوون السفر إلى بلادهم يجدون حقائبهم مليئة بحاجات ليست ملكهم، من فيتامينات وأدوية لأوجاع الرأس والمفاصل وكأن هذه الأدوية غير متوفرة في البلدان العربية.
وفي حديث طريف مع أحد أصدقائي من كردستان العراق، روى لي تجربته في مطار هيثرو إبان عودته من بلاده بحقيبة ملؤها الأطايب، ولكن ولسوء الحظ لم ينعم بطعم الكليجة وما يشبه اللحم بعجين التي قامت شقيقته بتحضيرها بيدها لأن الكلب البوليسي اللعين وقف له بالمرصاد واشتم الرائحة وسال لعابه ما إن رآها، في حين كان قلبه يتمزق عند رؤية المأكولات التي حملها مرمية في حاوية الزبالة.
مسألة السفر والتحميل ينطبق على الجميع ومن وإلى الوجهة السياحية، فبمجرد أن تنطق أمام أحدهم بأنك مسافر إلى بلدك بهدف قضاء فرصة قصيرة حتى تجد الأكياس تنهمر عليك من كل حدب وصوب وفيها الأدوية والمال والأوراق الرسمية وأشياء غريبة عجيبة أخرى، وعند العودة تعود بلائحة أكثر غرابة فيها حاجات من شأنها استدعاء وتدخل الأمن الوطني والقومي.
من الجميل أن نصطحب معنا ما لا نجده في البلاد التي نقيم بها ولكن الشيء المحير هنا هو أن لندن بالتحديد تغنيك عن شراء أي شيء من أي مدينة عربية لأنها تضم متاجر عربية وشرق أوسطية ضخمة وتستورد المنتجات الشرقية من بلادها الأصلية وكل شيء متوفر فيها، فلماذا نتعب أنفسنا ونعرضها للإحراج في المطار عند تفتيش الحقائب في طريق العودة، والأمر المزعج الآخر هو تحميل المسافرين أشياء ليست ضرورية فيقضي المسافر وقته أثناء عطلته كساعي البريد يقوم بتوصيل البضائع المطلوبة بدلا أن يتمتع بوقته دون الحاجة لمضيعة الوقت والانتظار.
أنا شخصياً وخلال كل رحلة أقوم بها أجلب معي شيئاً أحببته كبهار مميز، كتذكار جميل كنوع معين من منتج لا يتوفر إلا في بيئته الأصلية ليبقى ذكرى جميلة ومفيدة ومذاقاً يدغدغ مشاعري ويذكرني بفترة الراحة والاسترخاء، إنما أن يتحول السفر إلى عبء على صاحبه في الاتجاهين فهذا الأمر يجب أن ينحسر ويتغير، فلندن لم تبخل علينا وسهلت علينا الشعور بالغربة ووفرت لنا كل ما نحبه وكل ما يذكرنا بأوطاننا، فحان الوقت للتخلي عن الحقائب المدججة بـ«الباذنجان المكدوس» والكليجة.
*إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

739 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع