مدرسة الجمهورية الابتدائية النموذجية .. صانعة الأجيال

                                              

                         محمد سهيل احمد

          

ذاكرة مدرسة الجمهورية الابتدائية النموذجية .. صانعة الأجيال

  

لم يتسن لي الالتحاق بذلك الصرح المدرسي النموذجي الأقرب مكانيا الى الإعدادية المركزية الا بعد أربع سنوات دراسية قضيتها في مدرسة ( ابن خلدون ) الابتدائية التي كانت جغرافيا الأقرب الى بيوتنا. ولكننا اضطررنا الى مغادرتها اثر وقوع فيضان المدينة الكبير الى مدرسة غازي المقابلة لقاعة عتبة بن غزوان .ومن ثم الى حي الساعي حيث المبنى الجديد للمدرسة المنكوبة . ولما كنت من ساكني منطقة المناوي باشا ، فقد ترتب علي ان قطع مسافات شاسعة الى الموقع الجديد مرورا ببساتين مهجورة وكلاب شرسة ووجوه كبار لم نألفها .مما تطلب انتقالي الى مدرسة بديلة فكانت مدرسة الملك فيصل الثاني والتي سيصبح اسمها الجمهورية النموذجية او النموذجية التطبيقية مع تحول النظام الملكي الى الجمهوري .

من يقرع باب الصف ؟
مع بدء العام الدراسي 57ــ58 شوهد صبي مغزلي البنية داخل مبنى المدرسة الجديد واقفا ازاء باب الصف الخامس الابتدائي مترددا في طرقه الا بعد طول تردد ووجل شديدين .استقبلني معلم اللغة العربية مرشدا اياي الى احد مقاعد الدراسة الخلفية بعد ان عرفت باسمي بلكنة لثغاء وسط انظار تلامذة الصف ممن كانوا يوزعون ابتسامات تحجم عن ان تصبح ضحكات منطلقة بسبب صرامة المعلم المرحوم ياسين الراوي والذي استأنف تقديم درس اللغة العربية وكأن شيئا لم يكن ! 

لقد بدت مرحلة الخامس الابتدائي ثقيلة الوطأة على صبي ضئيل الحجم ــ ربما بسبب الفارق في المستوى بين المدرسة التي قدمت منها والاخرى التي صرت من تلامذتها ــ ومع ذلك يمكن القول ان ولعي بمادة اللغة الانكليزية بدأ في وقت مبكر رغم ان معلمنا المحروق البشرة الهندي الاصل الاستاذ جورج كان يقدم مادة متواضعة نظرا لفقر خبرته التدريسية .غير انه كان معلما هادئا لايؤمن بمبدأ الضرب على العكس من الاستاذ ياسين الذي نلت على يديه علقة ساخنة من دون سبب سوى المزاج !
ولقد بقيت آثار ذلك الضرب المبرح لتتحول الى كدمات على الروح أسهمت في تشكيل بنيتي النفسية في قادم السنوات ! وتأبى الظروف الا وان التقي الاستاذ ياسين في السادس الابتدائي لا كمعلم لمادة اللغة العربية بل كمعلم لمادة( التربية الفنيةــ قسم الموسيقى ) .كان لدى الاستاذ ياسين جهاز تسجيل ضخم ينتمي لطراز اجهزة الخمسينات اثار انتباهي لدرجة كبيرة فقد اعتاد ان يدير بكرته على واحدة من اغنيات محمد عبد الوهاب هي (بفكر في اللي ناسيني) بمقدمتها المدوخة وعبثا حاولت الانضمام لفرقة المدرسة الموسيقية وتوسلت بالاستاذ ياسين غير انني جوبهت برفضه القاطع محقا هذه المرة اذ لم اكن امتلك ايما موهبة موسيقية من ايما نوع عدا ذائقة الاستماع . كما انه كان يصطحب معه عوده الذي كان يدندن على أوتاره اعذب الألحان. ومن باب الانصاف ان الراحل الراوي سيصبح فيما بعد واحدا من رواد التلحين المتميزين لدينا في الساحة الفنية .
في العام الدراسي التالي أصبحت واحدا من تلاميذ الصف السادس الابتدائي وفي العهد الجمهوري المفعم حماسة .ثم وجدت ضالتي في فن الخطابة وهي المقدرة النابعة من قدراتي الادبية لا الفنية والتي سيتعهدها معلمي الأول الراحل عبد العزيز المعيبد حيث أصبحت مع مجموعة من التلاميذ ناشطا وخطيبا في اذاعة المدرسة حيث كانت جل الخطب التي كنت القيها في مديح الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ابان أوج عهد الحماسة السياسية .
ومن بين من تلقيت الدروس على ايديهم كان الاستاذ عبد الودود الشيخ معلم مادة الدين والاستاذ عبد الباقي الملا معلم مادة الاجتماعيات واستاذ اللغة الانكليزية عبد الستار الشريدة والاستاذ محمد رضا سهيل معلم التربية الفنية والاستاذ هادي حسن البنك والاستاذ عبد الرزاق عبد الوهاب بإدارة من قبل مديرها المعلم الكبير الاستاذ عبد الجبار الجابر.
كنوز خبيئة
كانت مكتبة المدرسة واحدة من فراديس تلك المدرسة العريقة حيث تسنى ان اطلع على كنز مخبوء من كتب الاطفال التي كان معظمها من تأليف الراحلين الكيلاني ومحمد سعيد العريان.كما انني كنت اقضي اجمل الاوقات مع كتب مترجمة اخرى ضمن سلسلة اقرأ الشهيرة واعداد لابأس بأعدادها من مجلتي سمير وميكي في زمن لم تكن مجلتي والمزمار قد ظهرتا بعد .ومما اذكره هو ان امين تلك المكتبة المدرسية كان المعلم الوادع عبد القادر منصور رحمه الله.

ومن الانشطة التي اذكر مساهمتي فيها المشاركة بمسرحية ( المتهم ) التي دار موضوعها المركزي حول العناية بالشجرة حيث تجرى للمتهم الذي اضطلعت بدوره شخصيا محاكمة على يد قاض (قام بتمثيل الدور زميل الصف المرحوم كاظم زاير راضي ) وجه لي تهمة ايذاء الشجر
واعتقد ان مخرج المسرحية وربما كاتب النص الصديق الرائد صباح عطوان الكاتب المسرحي المعروف .
لقد لعبت مدرسة فيصل الثاني الابتدائية او الجمهورية النموذجية دورا تربويا وثقافيا بدء منذ الاربعينات وليومنا هذا مع ان دورها انحسر الى كبير مع الايام تقلبات الزمن .

    

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

897 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع