السراب الأيديولوجي

                                                  

                         جابر رسول الجابري

السراب الأيديولوجي

كل الأفكار والتنظيراتالآيديولوجية للأحزاب نشأت بسببحاجة ملحة في المجتمع من أجلتغيير الظروف الإجتماعيةوالسياسية التي يعاني منها ذلك المجتمع ، التنظيرات الآيديولوجية تستنبط الحلولوالمعالجات للمشاكل الإفتراضية وترسمالسلوكيات التي يمكن أن تضمن إنتقال المجتمع ونظام حكم الىمجتمع ونظام حكم مختلف ليعيشحياة سياسيةواجتماعية جديدة ،

إن التنظيرات الآيديولوجية تنشأ بسبب وجود معاناة وإضطهاد وهيعبارة عن أفكار تدرس السلوكياتالإجتماعية والإقتصادية والسياسية لنوع الحكم وكذلك المجتمع بل وحتى تشمل الأسرة والفرد ، هيأيضا بمثابة ردة فعل ثقافية وسياسية وفلسفية من مفكر في محاولة إخراج الفرد والأسرة منإضطهاد الحاكم وكذلك معالجة النواتج العرضية لسياسته ،

من تلك الآيديولوجيات التي نشأتفي القرن الماضي هي آيديولوجية الفكر الثوري التي اعتمدت علىالتغيير الجذري في السلوك السياسي والاجتماعي بل وحتىالنمط السلوكي للاسرة والفرد وذلك من خلال الاعتماد كليا على جماهير الطبقة الكادحة ، من اهم التنظيرات الفكرية التي نشأت في التاريخ الحديث هي الآيديولوجية الشيوعية وقد نجحت أنداك في تغيير مجتمعات كانت تعاني من فساد وظلم الطبقة السياسية الحاكمة وكذلك سطوة رجال الدين والطبقة الإقطاعية المسلطة على الطبقة الكادحة(الفلاحية والعمالية ) حيثنجحت في تحويل المجتمع الرأسمالي الى مجتمع شيوعي يختلف فيه سلوك الاسرة والفرد بتاتا عما كان عليه في السابق ،

أيضا نشأت آيديولوجية اخرى مستقاة أفكارها من تهجين الفكرالشيوعي مع الفكر الرأسمالي أطلقعليها إسم الآيديولوجية الإشتراكية استطاعت أن تغيير بنجاح سلوك ونمط العيش للاسرة في مجتمع جديد اطلق عليه المجتمع الإشتراكي ،

أيضا نشأت آيديولوجيات قومية بنت أفكارها من أفكار التنظيرات الإشتراكية او قسم آخر بقي علىنهج الأفكار الرأسمالية لكنها فشلت جميعها في تغيير أنماط السلوك الإجتماعي (الاسرة والفرد) لسبباعتمادها على جماهير فئوية أوقومية دون بقية فئات المجتمع الأخرى مما أدى الى ضياع نفوذها و نشوء صراعات اجتماعية وفكرية في تلكالمجتمعات قادها الى الفشل والإنهيار لاحقا ،

أما الأحزاب الدينية فقد حاولت لأكثر من مرة إستلام السلطة منخلال استغلال وجود حالة الظلم والإضطهاد والفساد المتفشي في المجتمع ورداءة نظام الحكم من اجل الوصول الى قيادة سلطة الدولة باعتبارها هي داعية لتحقيق العدالة وراعية لإنصاف الفقراء لكنها فشلت أيضا في إدارة الدولة لسببين : الاولفكري بحت وذلك لانها لا تملكأفكار تنظيرية عن كيفية إدارةالدولة وانظمة السياسة والاقتصاد لتطبيقها في المؤسسات من اجل تغيير المجتمع ، السبب الثاني :

هو إنهيار السلوك الطوباوي لقيادة وأفراد الحزب بعد استلام وإنتقال السلطة لهم وذلك لان السلوك الطوباوي ينشأ عن وجود شعور الحرمان والإضطهاد كردة فعل عند الفرد منه لكن سرعان ما أن يتبخر ذلك الشعور عند استلام الفرد للسلطة والحكم فينتابهم شعور مختلف سلطوي وذو رفاهية فيتغيرالسلوكالطوباوي وينقلب الى سلوك الحاكم المستبد ويبدأ في ممارسة الفساد والظلم والسرقة وعلى عكس ما كان يدع له فيلجأ وينساق الى سلوك الأنا وحب الإعجاب بالذات.

الأحزاب السياسية في العراق مابعد 2003 جائت من أجل تشكيل قاعدة جماهيرية لتغيير النظام السياسي والاجتماعي لكنها إصطدمت بجدار ضخم هدد وجودها واستمرارية بقائها وذلك لانها لا تملك أفكارا فلسفية وتنظيرات آيديولوجية تلائم طموح الشعب العراق فتؤهلها وتكفل لها إمكانية قيادته ( عدى الأحزاب الكردية تجمعهم الآيديولوجية القومية ) بل أيضا هي لا تملك أهدافا تحدد مسار ومعالجات سلوكياتها ولا تملك تنظيرات تمكنها من رسم طريق يتم فيه تحقيق مسيرة جماهيرية شاملة تمكنها تغيير المجتمع أو على الأقل الإستمرار لتحقيق أهداف بعيدة مرسومة ،

لذلك فان أغلبها فشل وانهار في بداية ظهوره على الساحة وأيضا لاعتماده على أشخاص ورموز لاتسمن ولا تغني من جوع فيالنهوض لقيادة دولة ورسم سياسة إجتماعية وإقتصادية وهذا ما يطلقعليه بالسراب الآيديولوجي ،

إما الأحزاب الدينية لم تكن أحسن حظا من البقية ( باستثناء هدفإقامة دولة دينية ) لكنها لا تملك تنظيرات فلسفية وأسس علمية تمكنها من رسم معالم وشكل السياسة والحكم الذي يستطيع الوقوف صامدا في القرن الثاني والعشرين وفي زمن تشعبت وتطورت فيه العلوم وتنيرت فيه العقول وفِي زمن الحاجة لقوة فكرية تستطيع مواكبة السباق الاجتماعي نحو السمو ، أضف الى ذلك ( كما أسلفت ذكره) إن قيادات الأحزاب الدينية كانت ذات سلوكية طوباوية زمن الحرمان والمعاناة ولكن عند استلامها السلطة إنهار ذلك السلوك الطوباوي وإضمحل فانغمسوا في ممارسة الفساد والنهب والسلب والظلم من اجل تحقيق أهدافشخصية ، لهذا بدأت تنهار تجمعاتهم الجماهيرية لانها تجمعات مؤقتة مصيرها الزوال .

المملكة المتحدة

الرابع من آب أغسطس عام 2018

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

712 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع