المؤتمرات الدولية في العراق … مسؤولية الرجل الأبيض نحو المتخلفين!

                                               

                           هيفاء زنگنة

المؤتمرات الدولية في العراق… مسؤولية الرجل الأبيض نحو المتخلفين!

تحتل مؤتمرات «السلم الأهلي»، و»المصالحة»، و»مكافحة الإرهاب» يوميات العراق. حيث لا يمر يوم بدون ان تقوم جهة ما بتنظيم مؤتمر دولي، سواء داخل او خارج العراق، بعناوين يعاد ترتيبها، حسب الحاجة، بينما يبقى المضمون واحدا، تقريبا، مع اجراء بعض التغييرات الطفيفة المناسبة للحقبة الزمنية والجهات المستفيدة.

هذه المؤتمرات مدعومة، ماديا، ومنسقة إداريا، من قبل دول أو جهات تابعة لدول او مؤسسات ومنظمات عالمية، عابرة للحدود الوطنية، لكل منها أجندتها الخاصة. تعلن الحكومات الداعمة عن عملها، تحت بند «المساعدات» أو «المساعدات الإنسانية» كما تفعل الحكومة البريطانية والولايات المتحدة الامريكية. تُسهل هذه العناوين الفضفاضة سياسة التدخل في شؤون الدول الأخرى، بدرجات متفاوتة، تصل إلى حد دعم ومساعدة الحكومات المستبدة والفاشلة، بمختلف الاشكال، ضد شعوبها. لا تقتصر هذه السياسة على الدول الكبرى ومؤسساتها الرسمية بل تمتد لتشمل عددا من المنظمات الدولية، مثالها الاوضح منظمة الأمم المتحدة، التي تعتمد، بميزانيتها الكبيرة، على دول صارت بضاعتها الأولى بيع مؤتمرات السلام صباحا، وشن الحروب مساء، ويعتمد اقتصادها على تصنيع وبيع السلاح وديمومة الحروب ناهيك عن السقوط الإنساني والاخلاقي. قد لا يشمل هذا التوصيف كل مؤسسات ومنظمات السلام ومأسسة الديمقراطية، العاملة في جميع انحاء العالم، الا انه، بالتأكيد، الصفة الغالبة على معظم المؤتمرات التي يشهدها العراق منذ سنوات، خاصة منذ ان أصبح شعار مكافحة الإرهاب الأداة الفاعلة لجلب الدعم، وما يجره من ديمومة الفساد وإرهاب الحكومات المحلية. يتم ذلك بالتغافل عن وجود الإرهاب المُستنفر، سابقا ولا يزال، عبر الظلم والطائفية، وبل وتم دعمه، سرا، من قبل السلطة لمنع الاحتجاجات السلمية في الماضي، مطالبة بالتدخل الاستعماري والإقليمي لإبقائها في السلطة.
ففي الأسبوع الماضي، شهد العراق مؤتمرين دوليين، من هذا النوع، بعنوانين مختلفين، ما زاد مضمونهما للشعب خردلة. عقد المؤتمر الأول، ببغداد، في 13 كانون الأول، تحت شعار «من أجل عالم بلا إرهاب»، بمشاركة واسعة من دول التحالف الدولي والاتحاد الأوروبي والمؤسسات العراقية المختصة. أكد البيان الختامي، على مجموعة نقاط تماثل ما يمكن استنساخه، من نماذج استمارات متوفرة على مواقع الانترنت تضم أفضل الصيغ للحصول على منحة مالية. أوصى البيان الختامي، اولا، بزيادة الدعم الدولي لإعادة أعمار العراق. والكل يعلم كم باتت اسطوانة «إعادة اعمار العراق» مشروخة ومستغلة بالدرجة الأولى لشرعنة الفساد بحيث لم تعد الصفحات تتسع لقوائم الساسة المشاركين بالنهب. وكان حيدر العبادي، قد أكد، على هامش مؤتمر باريس للمناخ، ان «اهم اسباب دخول الارهاب إلى العراق هو الفساد»، متعاميا عن حقيقة انه ليس مدير منظمة مجتمع مدني، بلا حول ولا قوة، بل انه رئيس الوزراء وقائد القوات المسلحة وقيادي حزب الدعوة، وأن الفساد وبالتالي الإرهاب الذي يتحدث عنه هو من صلب مسؤوليته.
اوصى البيان، أيضا، بـ»ضرورة معالجة آثار عصابات داعش النفسية والاجتماعية وتعزيز مقومات الأمن والسلم الأهلي». والكل يعلم، أيضا، ان هذه الصيغة الهلامية شائعة الاستخدام، لشرعنة جرائم المحتل وعملائه المحليين الذين لم يتوقفوا عن ارتكابها منذ غزو 2003 وحتى اليوم، وان الآثار النفسية والتمزق الاجتماعي لم يبذره تنظيم داعش، وان كانت جرائمه قد زادت الطين بلة، ووفرت لقوات الاحتلال الأمريكي والإيراني فرصة ذهبية لتهديم المدن المقاومة والتغيير الديموغرافي.
أما إجابة الحكومة حول كيفية تعزيز الأمن والسلم الأهلي، فقد جاءت بشكل اعدام 38 شخصا بتهمة الإرهاب الجاهزة، ليضافوا إلى من سبقهم من المدنيين الذين دفع اعدامهم، نهاية أيلول، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد الحسين، إلى القول بان الاعدامات قد روعته، وإن الأحكام نفذت في غياب الإجراءات القضائية النزيهة. تشكل اعدامات المدنيين المعلن عنها كأرقام بلا أسماء او تفاصيل غير غطاء «مكافحة الإرهاب»، جزءا من ممارسات وحشية يتم اخضاع المعتقلين لها في السجون المنتشرة، في ارجاء العراق، الخاضعة للميليشيات السائبة وعلى رأسها الحشد الشعبي وقوات الامن والاستخبارات والشرطة ووزارة العدل والداخلية والدفاع. وقد وصل اكتظاظ السجون حدا، دفع وزير الداخلية إلى اعلان خبر سار، أخيرا، عن توسيع عدد من السجون الحالية. ما هو موقف المؤتمرات الدولية، بالعراق، بحضور المسؤولين الحكوميين، عن هذه الحقائق المأساوية؟ لاشيء. انها مشغولة بثيمات لا تمس المسؤولين الحكوميين والذين يراهم الشعب العراقي أساس المأساة. وهذا ما جرى في المؤتمر الثاني الذي عُقد في ذات يوم المؤتمر الأول ولكن في مدينة النجف، نظمته بعثةُ الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) ولجنةُ متابعة وتنفيذ المصالحة الوطنية في مكتب رئيس مجلس الوزراء وبتمويلٍ من حكومتي ألمانيا وهولندا، مركزا، كما يشير البيان الختامي على «معالجة التحديات التي تواجه المصالحة الوطنية العراقية في مرحلة ما بعد داعش».
نواجه، في هذا المؤتمر، ذات التزوير. وهو الذي يَسم كل هذه المؤتمرات، بشخوصها والجهات المنظمة والداعمة لها، مهما كانت ادعاءاتها، بسمة خطاب» ما بعد الحقيقة». حيث تتم اعادة كتابة الاحداث وفق سياسة « محاربة الإرهاب»، وأي خروج عليها يعني وسم الدولة او الأشخاص بتهمة الارهاب.
فالعراق، حسب المؤتمر، كان يعيش الوئام والسلام قبل حزيران 2014. كان مقتل مليون عراقي تحت الاحتلال ووحشية الحكومات الطائفية المحلية ونزوح الملايين واعتقال وتعذيب مئات الآلاف، كان نعيما وسلاما أهليا، يُحسد عليه العراق في مرحلة ما «قبل داعش» والتي ستساعد جلسات المؤتمرات الدولية، بروحها الخيرية المتسامحة، على استعادتها في مرحلة ما «بعد داعش»!، خاصة وأنها تفترض ان العراقيين، انفسهم، غير قادرين على ذلك بأنفسهم. انها « مسؤولية الرجل الأبيض» إزاء الانسان المتخلف، ترتدي قناعا جديدا.
ان استهانة منظمي المؤتمرات بالشعب العراقي عبر تعاونهم مع حكومة يعرفون جيدا مدى طائفيتها وفسادها وقمعها، وتوفيرهم الرطانة « الإنسانية « لتغطية امتهانها الكرامة الإنسانية، لا يوازيه غير الفشل المتكرر للحركة الوطنية العراقية، خارج العملية السياسية، والتي لم تستطع، لحد الآن استثمار نجاح المقاومة البطولي في افشال الاحتلال، ومنعه من اكتساب أي جذور اجتماعية في بلدنا. اذ بقيت القوى المناهضة للاحتلال والطائفية متنافرة وأسيرة الصراعات الأيديولوجية القديمة الحقيقية والمتوهمة، وعقد الغرور، والتسلط لدى الزعامات القديمة. ان تدارك هذا الفشل ضرورة لا يمكن تأجيلها اذا ما اردنا الا تُستلب ارادتنا من قبل آخرين، بذرائع مختلفة، فالأمر اعمق من كونه صراعا سياسيا فقط، وعلينا جميعا تلمس بدايات الطريق. وخسارة جيل لن تعوض الا بموازاة استعادة الملايين من النازحين لمدنهم ومنازلهم ومدارسهم ونسيجهم الاجتماعي وقيمهم الأخلاقية.

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

720 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع