أرأيت مياه النهر وهي تعكس مجراها واللص الذي سرق الجبال؟

                                           

لم أتوقع أن يبلغ صوتها هذا المدى ولا أن تتحرر من القواعد وتتمرد حتى على ذاتها. أيمكن أن يصدق عاقل أن يجري النهر عكس مساره أو أن حبات الرمال قادرة على تجميع أصدقائها لتردم دولا وجبالا وحتى أهرامات؟.

حكايتان متوازيتان كأنهما البرهان: الأولى تخرج من أرض مصر والثانية من نهر أمريكى يخترق ولاية لويزينا الأميركية ويمر على تسع ولايات أميركية أخرى ليصب في النهاية في خليج المكسيك قاطعا مسافة ثلاثة آلاف وسبعمائة كيلو مترا. النهر هو ثاني أطول الأنهار الأميركية وهو الطريق المائي الرئيسي داخل الولايات المتحدة. وقبل عدة أيام ضرب المنطقة إعصار «إيزاك» الذي خلف أربعة وعشرين قتيلا لكنه أيضاً غير مسار النهر لتجري المياه في عكس اتجاه مجراها لمدة يوم كامل. الإعصار الذي بلغت قوته مائة وعشرين كيلو مترا في الساعة يبقى وإن أجرى النهر للخلف اهدأ من سابقته «كاترينا» الذي أودى قبل سبع سنوات بألف وثمانمائة مواطن أمريكي.

الإعصار الذي يشبه الغضب العالق يندفع كأنما يطارد الشيطان. يتجمع في موجات هائلة. لكن موجاته لا تحمل مياها وإنما رياحا عاصفة تقتلع المنازل والأشجار والأمان. وقبل مائتي عام وفي 1812 تسبب زلزال أرضى في ولاية ميسوري من تغيير اتجاه النهر لعدة ساعات قبل أن يستيقظ النهر من غيبوبته وتعود مياهه للتدفق من الشمال للجنوب.
الطبيعة أيضاً طمرت تحت الرمال وقريبا من الفيوم أهرامات تفوق حجم هرم خوفو الأكبر ثلاثة أضعاف. التقرير الذي نشر في اليوم الأول من سبتمبر هذا العام وقبل أيام قليلة في المجلة العلمية الأميركية يشير إلى أن الصور الجوية أظهرت موقعين شمال مصر. كلاهما يشبهان الأهرامات المعروفة. وأهرامات مصر تعود إلى عام 2800 قبل الميلاد حين شارك مائة ألف عامل في بنائها. وعمال مصر أهدوا أهلها مائة ثمانمائة وثلاثين هرما كلها تقع في منطقة الجيزة. لكن أكبرها على الإطلاق هو هرم خوفو الذي يبلغ طوله مائة وسبع وأربعين متر طولا. بينما قدر العلماء وزنه بست مليون وخمسمائة طن.
المجلة العلمية نشرت دراسة تقول إنما طمس أهرامات أخرى تفوق في حجمها حجم هرم خوفو الأكبر هو الرياح والرمال والطبيعة التي يعن لها أحيانا أن تعلن عن غضبها أو تكشف عن قوتها متحدية ذلك الكائن الضيف عليها المسمى الإنسان الذي لا يتوقف عن تشويهها.
يقول بعض المتشائمين إن البشر لن تتوقف عن إيذاء الطبيعية إلا بعد تلقيها صفعات دامية ستودي بحياة كثير من سكان الأرض. واعتبروا في إعصار «إيزاك» ومن قبله إعصار «كاترينا» و «تسونامي» عقابا عما نلحقه من أضرار للبيئة وتحذيرا متتاليا لسكان الأرض.
على أن سكان الأرض ليسوا سواء. فالبعض يضيق على نفسه حتى استخدام المياه حفاظا عليها. وآخرون يطلقونها على الأرض تجري بعبث. صديقتي الأميركية العجوز وجدتها تفتح صنبور المياه ببخل فتنزل المياه في قطرات وحين تعجبت قالت: البيئة مريضة تشكو الوهن، أبعد كل ما تقدمه لنا ألا نرحمها؟ ثم كان أن فوجئت بها تكتب على ورق صغير وتستخدم وجهيه لأنها لا تحتمل المزيد من الأشجار المقتولة التي تهوي عليها قواطع العمال المبعوثين من شركات لا تكتفي.
إنها مثلك ومثلي تماما. تحزن وتفرح وتحتاج إلى لمسة حانية وإلى قلب يعرف الرحمة وعقل لا يعرف السفه. الطبيعة التي بلغت حد إذابة جليدها الحامي للقطبين وزيادة حرارتها وعكس تيار مياهها. تصرخ في سكانها. وتقول الأسطورة إن مياه النهر ومياه السحب اتحدا ذات يوم. ثم انضمت إليهما الغابات. وتأخرت المحيطات قليلا قبل أن تلحق بهم. وبعد بضعة ملايين قليلة فوجئوا بالصحراء تتقدم إليهم حاملة هدايا قليلة من ثمارها فوضعت أمامهم عددا من الجبال الملونة والوديان والرمال الصفراء والبيضاء. جبال الجليد الثقيلة أتت سيرا بعد رحلة طويلة وانضمت للركب. لم تصمد الطيور والحيوانات والفراشات لغياب أهلهم. فرحلوا إليهم أيضاً ليستيقظ الإنسان ساكن الكوكب الوحيد الذي لم ينضم إليهم ليفاجأ بنفسه عاري الغطاء. والكون قد أضحى خاويا من دون أشجار ولا أنهار وبدون مياه أو رمال. لم يكن هناك إلا الإنسان ونديمه الجديد «الفراغ».

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

728 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع