الحنين

                                                        

                                بقلم: هدى أمون

الحنين

لن يشعر أحد بألم ولوعة الفراق حتى يعيشه، فعندما تغيب الشمس عن السماء، ويحتل اللون الأسود الكون، يصبح دامسا، ولا مكان للألوان فيه، لا ملامح، لا أصوات سوى صوت واحدٍ، يرن كالنغمة في أذنك، وفي تلك اللحظة لا ترى شيئاً سوى صورة وجه شخص استفقدت له كثيرا. سرقه العالم منك، سلب ابتسامته، ضحكته وبريق عينيه، فلم يترك لك سوى الذكريات؛ لتحييك من جديد، وتضيف طعما ليومك وحياتك. فأسوأ تلك الذكريات هي النظرات الأخيرة، نظرات الوداع التي فهمتها متأخرا. هل تعلمون ما هو الفراق بالنسبة لي؟ وما هو ذلك الألم الذي أحدثكم عنه؟إنه ليس فقدان صديقٍ أو حبيب، وليس ذلك النوع من الألم الذي تتخيلونه، فهو لا يختصر ببضع كلمات، أو يختفي عن طريق سماع أغنية أو لقاء مع الأصدقاء. أتحدث عن فراق الروح لجسدها، وعن فقدان الحنان، المحبة والعطاء. إنه فراق والدتي الغالية، من حملتني في أحشائها تسعة أشهر من دون كلل ولا ملل. هي تلك الإنسانة التي انتظرتني طويلاً، وأكثر من تحمّلني، وتحملت تعذيبي لها.سرق القدر الهبة الأكثر جمالا والأغلى قيمةً، وحرمني منها من رائحتها وعبيرها النقي. فلا توجد أنثى بين البشرية، تملك العطر ذاته، فهي مختلفة عن جميع نساء الكون. فرقنا القضاء من غير شفقة، ولم يمنحني لحظةً؛ لكي أضمها وأعانقها بشدة. فانا حرمت من أن أناديها، وأنطق بكلمة أمي، كما ينادي الأطفال أمهاتهم يوميا، وفي كل ساعةٍ من اليوم. فقدتها بلمح البصر في ليلة ظلماء، عندما كانت تنام بجانبي. بسبب خوفي وتخيلاتي؛غفوت بجانبها طوال الليل، ولكنني استيقظت ولم أجدها، والغريب في ذلك أنني لم أستيقظ على قبلتها المعتادة وحنيتها. بحثت عنها مطولا، حتى علمت أن روحها قد فارقت جسدها، وهامت في السماء، غادرت إلى بلادٍ بعيدة أكثر جمالاً، فراودني الكثير من الأسئلة حينها، وأخذت اسأل والدي عن سبب ذهابها، وعدم ذهابنا معها. كنت طفلا، لا يتضح له معنى الموت. مرت الأيام في بُطء شديدٍ، وأنا أنتظر عودتها سالمة. ألم تمل من البلاد الجميلة؟ ألم تشتق لي ولوالدي، ولحياتنا الجميلة السابقة؟حرقت الآلام قلبي الصغير، عندما علمت بأنها لن تعود مجددًا. فجميع أحلامي قد تحطمت، ليالي الفراق كانت صعبةً جدًا، فالقدر سلبني واقعي، حاضري ومستقبلي. شعرت بمُر الحياة، فقد أصبحت الدقائق والساعات حارقة، لا تحتمل، وكنت أكتوي بثوانيها. كنا معاً نتقاسم الأفراح والأحزان، عشقت اسمي من بين شفاهها، دعوت رب العالمين في كل ليلةٍ بأن يعيدها لنا. كبر ذلك الطفل الموجود داخلي مع مرور الأيام، تعلم أن يسعد نفسه، وأن يتخلى عن الأحزان. فكلما شعرت بالضيق والخوف كنت أغمض عيني؛ فتمر جميع الذكريات. أرى عينيها اللامعتينوابتسامتها الشفافة الجميلة، حتى اقتنعت أخيراً بان القضاء والقدر هما سيدا الموقف، وليس بيدنا حيلة أمام تصاريف الدهر وتقلباته، ولكن الحياة مستمرة والأمل والأحلام دائما موجودة، وآمنت أيضا أن أمي لم تفارقني، بل هي موجودة في داخلي في أحلامي وكياني. تعلمت معها كيف أصعد سلم الحياة خطوةً بخطوة، وكيف أنجح في اختبارات الحياة، وأتعلم من دروسها الصعبة. ولو أنها تراني اليوم؛ لكانت اعتزت وافتخرت بي كثيرا، فتعلمت منها كيف أحتفظ بابتسامتي رغم قسوة الحياة وصعوبتها. فهذا الشاب الناضج يفهم الآن كلمات أمه السابقة، ويتذكرها، ويقوم بتحقيق أحلامها وأمانيها.  فهل أدركتم الآن بان الفراق هو نارٌ، ليس له حدود، لا يشعر به إلا من اكتوى بناره. رحمك الله غاليتي، فليكن الفردوس الأعلى مأواك. اشتقت لك كثيرا !   
إهداء للشاب:-جمال شاني عين ماهل

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1056 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع