رسالة في عام ١٩٩٢إلى وزير الثقافة والإعلام تُسفر عن مسيئين إلى الصحافة والناشرين

                                                    

                            يعقوب أفرام منصور

 رسالة في عام 1992 إلى وزير الثقافة والإعلام تُسفر عن مسيئين إلى الصحافة والناشرين

سيادة وزير الثقافة والإعلام المحترم
بغداد
تحية
في 2ـ11ـ91 نشرت جريدة( بابل) على صقحتها الأولى مقالاً تحت عنوان (زمن مجيء المخلّص بدأ في مدريد بالنسبة لليهود)، وبجانبه رأي الشيخ عبد الوهاب الطعمة حول الموضوع. وعندما فرغتُ في 14ـ 11 من إعداد تعليقي على الموضوع (الذي هو من صميم اهتماماتي، وألمّ به إلمامًا جيدًا) كانت جريدة( بابل) قد احتجبت عن الصدور قبل أيام. فارتأيتُ إرسال تعليقي إلى جريدة (ألقادسية) برفقة رسالة إلى رئيس تحريرها في 21ـ11، وفي 7ـ12 هتفتُ إلى رئيس التحرير بشأنه، فأفاد :" إن الموضوع غير صالح  في الظرف الحالي للنشر(!) زوّدنا بمادة أخرى". أضع برفقة الرسالة نسخة من التعليق لتقدّر إن كان رأي رئيس التحرير مصيبًا أم مخطئًا، في حين كان مؤتمر (مدريد) للتسوية الإستسلامية ما يرال صداه مدويًا، ورشاش فذلكاته الحاخامية ما انفكّ متطايرًا هنا وهناك، ليسمّم الأرواح ويبلبل الأفكار داخل الوطن العربي وخارجه. إن رئيس تحرير جريدة هامّة يملك هذا المنطق، ويتخذ هذا الموقف، لا يصلح ـ في اعتقادي ـ أن يكون رئيس تحرير (ألقادسية). . وأزيدك علمًا، أن لي تجربة سابقة مع أمير الحلو في عام 1990، عندما زوّدتُه بخطاب مفتوح إلى الشعب الأمريكي ورئيسه بوش، فوعدني بعد مطالعته حين لقائي به في 11ـ4ـ 90 أن ينشره، لكنه أخلف الوعد. فما هي صفة رئيس تحرير جريدة يخلف الوعد وفي موضوع كذاك في أوان الغليان الإعلامي المعادي للعراق؟! وكان أن إضطُرِرتُ إلى توجيه الخطاب المفتوح الآنف ذكره إبان ذروة العدوان الثلاثيني، نشرته جريدة (ألثورة) يوم 27 ـ 2ـ91 ، أي متأخّرًا ـ وتأخّره القهري حزّ في نفسي عميقًا.
ثم بعد عودة  (بابل) إلى الصدور، سلّمتُ التعليق إلى رئيس تحريرها الجديد في يوم 8 ـ12 مع رسالة في 7 ـ12، وبرغم انصرام فترة ثلاثة أسابيع حتى 31 ـ12، لم يُنشر حتى الآن، على الرغم من أن السيد مظهر عارف، حين التقيتُه في اليوم عينه في المكتبة العالمية مصادفةً، رحّب بموضوع التعليق. كيف تفسّر ـ سيادة الوزيرـ موقف الجريدتين من هذا الإعراض؟! أهذه صورة لحرية إبداء الرأي في موضوع خطير؟ أم هناك توجيه من وزارتكم بعدم نشر نظير هذه المواضيع ؟!
وهناك حالة أخرى من شهور أربعة أو ينوف، والصحف عندنا توالي نشر أنباء وصوَر عن المقابر الجماعية التي تم العثور عليها ضمن حدود العراق وخارجه، ولا ينصرم أسبوع دون أن يظهر خبر أو خبران. فأثارني الموضوع (وأنا في دير قرب خرائب النمرود في تشرين الثاني المنصرم)، وهيأتُ مقالاً  مقتضبًا لا يتجاوز صفحة فولسكاب، ودفعتُ به إلى رئيس تحرير (ألثورة) في 16ـ11، فأحاله إلى السيد ستّار ألماز ذهب، فأكّد صلاحيته للنشر، وبدلاً من نشره،أُرسل إلى إضبارة المواد المحجوبة! وبعد أن تأكّدتُ أن ذلك يعني عدم نشره، أرسلته بعد 3 أسابيع إلى رئيس تحرير (ألجمهورية)، وانصرمت على تسليمه ثلاثة أسابيع حتى 31ـ12 بدون أن يٌنشر. وفي هذا التاريخ سلّمتُ إلى السيد لؤي، مدير التحرير، نسخة من المقال إستجايةً لطلبه، فطالعه ووجده صالحًا للنشر ووعد بنشره، وقلتُ له : إن الموضوع من الأمور الخطيرة، والخبر الإعلامي مهما كان مثيرًا، فهو لا يرقى في تأثيره إلى مستوى الكتابة الأدبية حول نظير هذه القضايا. فأيّدني في ذلك ووعد خيرًا. وفي 15ـ 1ـ92 واجهتُ السيد لؤي ثانيةً، فاستدعى محررًا يُدعى (عبد القادر)، تبيّن أثناء إستنطاقه أنه هو الذي حجبه حتى آنذاك، فتلكّأ في نشره، وحدد لي الغد (تهرّبُا) موعدًا لمواجهته ظهرًا. ولمّا واجهته وعد بنشره بعد أسبوعين كأقصى حد، وها قد انصرم الأسبوعان. أرفق لمطالعتكم نسخة من رسالتي إلى الأستاذ لؤي في 24ـ1 لتقف على ما يجري من مماطلة وتسويف وحجب لتقدّر ما يعاني الأديب الحر المخلص من تصرّفات صغار المحررين، التي بعضها مشينة بحق الأخلاق وبمهنة الصحافة النبيلة.
وإ ني أتساءل تجاهك ـ بصفتك المسؤول الأول عن الصحافة ـ هل نظير هذا الموضوع المثير المهم يحتمل مثل هذا التأجيل، وجدير بالحجب والمماطلة والكذب؟! ألا ترى في ذلك عدم  الإنسجام مع التوجّه الإعلامي، وأسلوبًا بيروقراطيًا؟! تجد برفقة الرسالة نسخة من المقال، لتقدّر بنفسك إن كان من اللائق والإنصاف  أن يُعامَل المقال بهذا الأسلوب الملتوي، وأن يُعامَل صاحبه بمثل هذا الشكل من عدم التقدير؟ إن مفعول الخبر حول أي موضوع، معزّز بالصوَر، لا يرقى مطلقٌا إلى مفعول المقال الأدبي الجريء البليغ أوالتحليلي المقنع، ومقالي المذكور، على صغر رقعته، هو من هذا الصنف الذي أسلفتُ وصفه. فلماذا تُعامل الجرائد والمجلات أصحاب الأقلام الجريئة الشريفة البليغة بهذا الشكل من الإجحاف في أحيان كثيرة؟! إن نظرة إلى بعض جرائد ومجلات الأردن تعطي القارئ صورة جليّة أن حرية الكلام والكتابة والتعبير أفضل وأرقى مما هي عندنا، بينما وطننا يحتاج إلى حرية أكثر من التي تمارسها الأوساط الثقافية والإعلامية في الأردن. لابدّ من وجود علّة أو علل لهذه الوضعية، وأمر التحرّي عنها ومعالجتها متروك لسيادتكم.
كثير من الكلام عن (بوش) و(تاتشر) و(ميتران) بالأسلوب االصحفي الدارج وبأقلام غير متميّزة، ملأ الصفحات والأعمدة، فكان تأثيرها ضعيفًا أو باهتًا، خلافًا للرسائل المفتوحة التي وجّهها بعض الكتاب بالعربيىة والإنكليزية، والتي وجّهتُها أنا على الصفحات الأخيرة من جريدة (الثورة) إلى بوش والشعب الأمريكي في 27ـ2ـ91 وإلى ميتران في 17ـ2،91 وإلى تاتشر في 12ـ9ـ90 ؛ ومعظم المثقفبن الذين طالعوا رسائلي تلك ما برحوا يتذكّرون جيدًا ويُدركون البون الشاسع بين كلام الصحف الدارج، وبين كلام يعقوب أفرام منصور. وتكلمت الصحف كثيرًا عن زيارات فانيسا ريدغريف، والأم تيريزا، ومنظمة أوكسفام بلجيكا إلى القطر في أيار وحزيران 1991، ونسي المثقفون كلام الصحف الدارج، ولكن طائفة كبيرة منهم ما برحت تتذكّر رسائل يعقوب أفرام منصور على صفحات (ألثورة) إلى هؤلاء في 29ـ5ـ91 و23ـ6ـ91 و    24ـ5ـ91 ، واعترف لي بعضهم أنه بكى  حين مطالعتها,
أنتم تبتغون من الأديب أو المفكّر أن يُدلي بدلوه في هذا المعترك المصيري، لكن الأديب الحر يفعل هذا تلقائيًا ومسرورًا، غير أن ما يؤذي الأديب الحر كثيرًا، ومثله صاحب قلم متميّز غير إنشائي، أو تزويقي، أو ضعيف المحتوى،  أن يلقى محررًا مماثلاً لعبد القادر في (الجمهورية) ولأضرابه أو أعلى منه مقامًا في جرائد أخرى ممّن يحجبون مقالاته بحجج واهية، منها إيثارهم السطحي والتافه (لغرض خاص)، ومنها إتّباعهم لتقليد خاطئ هو أن الكاتب الفلاني ينشر في الجريدة الفلانية، فلا يجوز أن تنشر له أكثر من جريدة، في حين أن هذا يُضرب عرض الحائط أحيانًا بالنسبة إلى بعض الأشخاص، أو أن الجريدة الرافضة تفضّل ذوي الأسماء البرّاقة الرنّانة، أو ذوي المحسوبيات والمراكز المرموقة وذوي الألقاب والدرجات. أما من يحبّر مقالة (مع الحق مع العراق) التي نشرتها (ألثورة) في 1ـ11 ، بعد جهد جهيد، غِبَ حجبها شهرين في الأدراج وبين القراطيس، فقد اضطُرَّ إلى مراجعة المحررين، وأخيرًا رئيس التحرير، الأستاذ صباح ياسين في 29ـ10، ليوعز بإخراجها من مدفنها، ثم نشرها في اليوم التالي، وبإشعار أحد المحررين أن رئيس التحرير عندما يبعث بمادة قد وافق عليها، لا يحقّ لأي محرر تأخيرها إلى هذا الحد أو حجبها. ولك أن تعلم، سيادة الوزير، أن السيد( ستّار ألماز ذهب) بعد أن إطّلع على مقالي غِبّ إخراجه من "المدفن" في أيلول، قال للمحرر الذي حجبه بالحرف الواحد :" هذا كلام مواطن عراقي عربي " ملجوع"، ولو كنتُ مكان رئيس التحرير،لأمرتُ بنشره على الصفحة الأولى وليس الصفحة الأخيرة". لكن برغم هذه الشهادة التي أعتزّ بها، ظلّ المقال محجوبًا لأكثر من شهر آخر، حتى ظهر ـ بعد الإيعاز الهاتفي من رئيس التحريرـ في 1ـ11.
قلمي معروف، سيادة الوزير، فالسيد عبد الأمير معلّة يعرفني جيدُا، والسادة حميد سعيد، سعدون الزبيدي, حميد المطبعي، صباح ياسين، أحمد شبيب، ياسين طه حافظ (ألثقافة الأجنبية) يعرفوني تمام المعرفة. والسيد  صباح ياسين قال لي مرتين: "أنت معدود عندنا من أسرة تحرير الثورة". وآخرون يعرفون من هو الذي ن نشرت له جريدة (العراق): " تحية إلى المُرضعات الفلسطينيات" في 17ـ10ـ90، ومقالات عديدة عن التعصّب الصهيوني، والروح العدائية اليهودية، ومن هو الذي نشرت له (ألثورة): "عبيد إسرائيل" في 27ـ12ـ90، و "رؤوس حان قطافها" قي 3ـ2ـ91، و" صلاة إمام المجرمين" في 9ـ2ـ91 ، وقبلها وبعدها كثير ممّا سيتصدّر يومًا (أدب الحرب). ومع كل صولات قلمي تلك، ألقى من صغار المحررين وكبارهم أحيانًا ما يسيء إليّ وما يشينهم.
عندما نشرتُ مقالي (فلسطين مقبرة اليهود) في جريدة (صوت الكرخ) في 9ـ5ـ50، و(خذوها كلمة)عن فلسطين في جريدة ( صوت الفرات) في 21ـ1ـ52، و(الثالوث الرهيب) عن الماسونية والصهيونية واليهودية العالمية في مجلة (ألورود) اللبنانية في أيلول 1967، وسلسلة رسائلي "إلى أساطين العالم"، منهم نهرو، بولغانين، آيزنهاور وماكملان وغيرهم من الأقطاب في مجلة (ألفكر المسيحي) الموصلية خلال الأعوام 75 ـ80 والمحررة أصلآً في أيار عام 1958 ، ومقالي " ليس اليهود أبرياء من دم المسيح) المنشور في جريدة (ألثورة العربية) في 30ـ11ـ 1964، وحتى رسالتي إلى قداسة البابا في تموز 1967 التي نشرتها مجلة (ألعدل) النجفية في عدد أيارـ حزيران 1968، كان السيد( أمير الحلو) ورهطه وأنداده يرضعون أو يحبون أو في عداد المراهقين، واليوم غدت مقاليد الصحافة والنشر بأيديهم، لكنهم يُسيئون إلى الصحافة والنشر بحجب المقالات ـ كما رأيتَ بعض الحالات ـ فيقررون عدم صلاحيتها تبعًا لمقاييس خاطئة أو إعتباطًا، أو إنحيازًا أو لدوافع تثيز الشبهات أحيانًا، كما أشار إلى جانب منها، ذات مرة،  خيّون دوّاي الفهد في جريدة (العراق) ـ الصفحة الثقافية بتاريخ 7ـ10ـ91 (القصاصة مرفقة).
هزُلت والله ـ يا سيادة الوزيرـ هزُلت !
رحم الله القائل :
 نَعيبُ زماننا والعيبُ فينا        وما لزماننا عيبٌ سوانا
ألمرجو منك، سيادة الوزير، أن تنقذ شجرة الصحافة من السوس الذي ينخر في جذورها وساقها وفروعها.
هذا، والله من وزاء القصد، ولا غيره.
مع تحيتي وتقديري
يعقوب أفرام منصور
بغداد ـ 4ـ2ـ1992
ألمرفقات/2
ألعنوان: ص.ب. (20190) بغداد الجديدة ـ بغداد

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

782 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع