ذاكرة - الناي واهب السعادة

                                              

                              محمد سهيل احمد

            

          ذاكرة - الناي واهب السعادة

الصورة أحيانا ابلغ إنباء من القلم .. ومع ذلك لا نملك سوى الكلمات :      
 مشهد 1 : صالة سينما الحمراء ... قبل ان تطفأ اضوية الاستراحة  بلحظات  يقتحم موقع ( ابو اربعين ) الشعبي ، فيرتفع الهتاف والصفير .. تتلوهما لحظات صمت لتنطلق نغمات الناي ساحرة شجية ..
تعتيم .. ثم تحتشد الشاشة الفضية بحكايات ملونة .. !

                   

مشهد 2 : تومان وفتى في ريعان الصبا يسندان على حاجز جسر المغايز لوحة تحمل مانشيتا لفيلم (القطار الاخير) وهو من افلام رعاة البقر ثم يشرع تومان في ممارسة دعايته للفيلم متحدثا عن مهارة كيرك دوغلاس في التصويب ، مرورا بصدر كلوديا كاردينالي وعيني اليزابيث تايلور وفخذي مارلين مونرو !
حوله يحتشد الصبية والمتيمون بعالم الشاشة الفضية . تتعالى نغمات نايه جائلة متعثرة مستقرة في الأفئدة وفي طاسات شحاذي جسر الهنود . حين تسكت النغمات تفر الحشود كل الى حال سبيله : الصبية إلى مرايا النهر وأسماكه اللابطة ، والأطيار الى السطوح وإلى المآذن وهامات النخيل .

                

مشهد 3 :  يتوقف تومان ومساعده الصبي عند جبار لتناول مثلجات ( الدوندرمة ) دون ان تغفل عيناه عن الغزلان : فتيات بوجوه تحمل ألوان الخفر ونضارة الربيع . وفي حركة مباغتة ينقض تومان عليهن ثم يرتد كخيط من النايلون . يصرخن مرعوبات ، ثم ما يلبثن ان يتفرقن متضاحكات او مبتسمات في السر .
مؤكد ان تومان كان مأسورا بعالم السينما ،فأضفى من عنده على شخصيته مسحة فريدة من نوعها ، مستثمرا مقدرته العجيبة في العزف على الناي .
تومان يذكرني أيضا بشخصية الممثل الهزلي المصري ( شكوكو ) . ولعله كان متأثرا بها حقا  .
أراد تومان ان يكون حجرا في بركة راكدة المياه .. تلك هي الرتابة التي أنشبت أظفارها في مدينة تحار بين السدارة والعباءة والعقال . مهمته الأخرى تمثلت في ضخ السعادة للناس بشكل نغمات مجنحة لا تخلو من موروث زنجي يحفل باللحن والإيقاع   .
ورحل تومان مثلما رحل ذلك الزمن الجميل ..
ما زال في ذهني تساؤل : لو عاد تومان في يومنا هذا فلمن سيعزف ؟
سهل أن يعزف امرؤ تجري الألحان في دمه .
 ولكن ..
في وسط هذا الضجيج ، في يومنا هذا ، أثمة من ينصت إليه ؟ !
--------------
(*) تومان او ابو سمرة شخصية بصرية فولكلورية شهيرة عرف عنها براعته في الترويج لافلام سينمات الزمن الجميل وكذلك في العزف بآلة ( الماصول ) او الناي واداء الحركات الساخرة . توفي في حادث سير .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1079 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع