قوانين الطبيعة بين العبثية و التقديس

                                                            

   د محمد غاني، باحث في الأكسيولوجيا و الديونطولوجيا-المغرب-

قدر أحمق الخطى سحقت هامتي خطاه، هكذا كتبها كمال الشناوي و لحنها محمد عبد الوهاب و غناها عبد الحليم حافظ في تعبير عن عبثية الأقدار، و هو رأي العديد من الناس الذين لا يرون في الحياة غير سرمدية غير مفهومة البداية و لا النهاية، يشبهون في اعتقادهم هذا مذهب اللاأدرية و هو المذهب الذي لا يؤمن و لا ينفي القيم الدينية و لا الذات الإلهية.


لا شك أن كل من نبت على هاته الأرض من كائن بشري لا بد أن يطرح على نفسه يوما هذا التساؤل الأنطولوجي الكبير، لم أنا هنا؟ و من أنا؟ و ما سياقي في هذا الوجود؟ إنه شوق الى المعرفة مغروس في كنه الذات الإنسانية لا يطفؤه الا البحث الفكري و الروحي و الجسدي عن المعنى.
إن البحث عن المعنى لا يتم أبدا بجهل، و إنما له طريق و منهج، تُكتَشف قواعده شيئا فشيئا، و تنبلج آثار مسير السابق للاحق خطوة فخطوة، يستفيد الثالث من الثاني و يحصل هذا الأخير ذلك من الأول وهكذا، إنها سنة الحياة هي التي تعرج بالكائن البشري في مدارج الكمالات المعرفية من أجل استكناه أسرار الوجود و فهم نواميس الكون الفكرية و الروحية و المادية.
إنه لمن البديهي أن نعي أن سنن الكون و نواميسه هي الحق الذي لا يختلف مؤمن و غير مؤمن في أنه يسري في هذا الوجود في قهرية كبيرة لا يستشير أو يستشار فيها مَلَكٌ أو نبي أو ملِكٌ، فإن علمنا أن من صفات الذات العلية أنها الحق، استنبط كل نبيه أن المؤمن و الملحد يقدسان نفس المعنى دون دراية باتباعهما لنفس المسار و تقديسهما لنفس الغاية. إن كان الأمر كذلك فلم يرم المؤمن الآخر بالكفر و يرميه الثاني بالظلامية و التخلف؟
الجواب عن هاته الإشكالية هو أن من جهل شيئا عاداه، بمعنى أن عدم معرفة منطلقات الآخر لا في سطحيتها بل في فلسفتها هو السبب الرئيس في نظرنا الذي يوصل في نهاية المطاف الى مثل هاته النتائج المضادة لما يتوخاه كل باحث عن الحقيقة.
لا شك أن كلا الفريقين على حق، لكن بحسب مستوى وعيه بسياقه العام في هذا الوجود، فصاحب مستوى أدنى يقتصر تأمله على الماديات و قوانينها منكرا لكل ما هو روحي، و ذلك لعدم ادراكه لذلكم البعد، فإن قوي إدراكه الروحي شيئا فشيئا زاد وعيه بهيمنة القواعد و النظم على هذا المجال أيضا، مما يزيده يقينا بهيمنة الحق على الفكر و المادة و الروح.
ان الملحد و اللاأدري في نظرنا يتواجد في أول سيره الروحي من أجل البحث عن المقدس، و هو في تقديسه للمادة على حق، لأنها حينئذ هي وحدها مستوى ادراكه ، لكن عليه أن يعي أنه في تقديسه لها، انما يقدس اسم الحق و صفته "الظاهر" من حيث لا يدري، لكن خفيت عنه صفاته العلية الأخرى، فهو في أول خطوات المسير و السبيل الروحي، أما المؤمن فقذ زاد عليه بدخول عوالم الغيب من خلال مدخلي الفكر و الروح أو قل بابي التفكر و الذكر.
تختلف سنابل البشرية طولا و عرضا، كما تتمايز عن بعضها امتلاءا و فراغا تمايزا فكريا و روحيا و ماديا بحسب درجات وعيها بسياقها في هذا الوجود، وعي يزداد رسوخا و علوا بحسب استعداد الآنية لاستقبال ماء الغيب الفكري و الروحي و المادي، وتزداد سعة الآنية بحسب معرفتها بقوانين البعد تشعر بالظمأ له، و يزداد ظمأها بازدياد اطلاعها على تلك النواميس، و كأن تلك النظم و القواعد بمثابة شرايين تلك الآنية يمر منها ماء الغيب مرورا يسقيها لتزداد في المادة نموا و تتضاعف في الفكر رقيا و تتنامى الروح علوا.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

808 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع