ما مصير قضيّة الفساد هذه؟

                                                                 

                                       عدنان حسين

لعلمِ مَنْ لا يعلم بعد ولم يعلمْ من قبل، فإنّ لدينا مجلساً أعلى لمكافحة الفساد تأسس قبل سنة ونيّف، ومهمته كما واضح من اسمه، والمكتوب يُقرأ من عنوانه كما يقال، ليس فقط الوقاية من وقوع حالات الفساد وإنّما أيضاً "ملاحقة مَنْ أهدر أموال الشعب"، كما أُعلِن عنه في وقته.

المجلس يترأسه رئيس مجلس الوزراء ويضمّ في عضويته الأمين العام لمجلس الوزراء ورئيس ديوان الرقابة المالية ورئيس هيئة النزاهة ومجلس القضاء الأعلى، أي أنه مؤلف من الرؤوس الكبيرة القادرة على مكافحة هذا الوباء الذي وُلِدَ مع ولادة نظامنا الجديد وتفشّى بسرعة رهيبة في عهد الحكومتين السابقتين.
في الاجتماع الأخير للمجلس المنعقد في الاسبوع الماضي، وجّه رئيس المجلس بمراجعة قانون ( من أين لك هذا؟) المشرّع في خمسينيات القرن الماضي "بهدف تفعيله"، و "بإعداد كشف بحالات تضخم الأموال لبعض منتسبي الدولة المشخّصة من قبل هيئة النزاهة العامة والمرفوعة الى القضاء"، وتقديمها الى الاجتماع المقبل للمجلس.
هل نثق بهذا الكلام ونتخلّص من شعورنا بخيبة الأمل وعدم الثقة حيال أية إجراءات مُعلنة لمكافحة الفساد؟ .. التجربة العملية تفيد بعدم جدية أجهزة الدولة، وبخاصة المعنية أكثر من غيرها بقضية الفساد في وضع حدّ لهذه الظاهرة التي تبدو عصيّة على العلاج بفعل قوة مافيات الفساد المستندة إلى نفوذها في الدولة، فكبار الفاسدين هم من كبار مسؤولي الدولة أو ممن على علاقات مصلحة وثيقة بهم.
واحد من الأمثلة الصارخة على الحصانة التي يتمتع بها الفاسدون صار عمره أكثر من سنة ولم نلمس تحرّكاً من المجلس الأعلى والهيئات الممثلة فيه ولجنة النزاهة البرلمانية لمتابعة القضية التي نُظرت أمام المحاكم البريطانية وآخرها المحكمة العليا مطلع العام الحالي. إنها قضية السوريّة فدوى رشيد التي رفضت المحكمة العليا شكواها ضد وزارة الداخلية بسبب رفض الأخيرة طلبها الحصول على الجنسية البريطانية.
الوزارة رفضت الطلب ،لأن رشيد المتزوجة من مسؤول عراقي فاسد رفضت الكشف عن  مصدر ملايين الجنيهات الإسترلينية التي دخلت إلى حسابها في بنك "نات ويست" قادمة من العراق.
 أمام المحكمة الاتحادية انهارت رشيد بعد أربع ساعات من التحقيق واعترفت بأنها متزوجة من المسؤول العراقي "بالسر"، وأنه أرسلها الى لندن العام 2006 مع وفد حكومي بصفة سكرتيرة، ولم تعد إلى العراق بطلب منه، ثم تقدّمت بطلب لمنحها حق اللجوء فحصلت على إقامة لمدة خمس سنوات في البداية ثم على الإقامة الدائمة، وعندما استحقّت في العام 2012 حقّ الحصول على الجنسية البريطانية رفضت وزارة الداخلية منحها إياها لأنها رفضت الإفصاح عن مصدر الأموال القادمة إليها من العراق.
السيدة السورية أبلغت المحكمة بالآتي: "كنتُ صديقة لإحدى بناته، وذات يوم طلبني للزواج، وبما أننا من عائلة فقيرة جداً لا تحصل حتى على مصاريف قوتها اليومي ونعيش حياة بائسة، وافقتُ على الزواج منه بالسرّ، كوني يتيمة الأب، وتزوجته بموافقة أمي. كان يتظاهر بأنه مؤمن، لكن بعد الزواج اكتشفته على حقيقته، وعندما أرسلني الى لندن كان يهدف الى شراء عقارات فيها وتأمين مستقبله في حال فقدانه الوظيفة الكبيرة، وبين الحين والآخر يُرسل لحسابي في بنك "نات ويست" أموالاً تقدّر بملايين الدولارات كان يسرقها من ميزانية الحكومة عبر عقود وهمية".
وإذ سألها القاضي عن معنى العقود الوهمية، قالت: هي مشاريع على الورق فقط. كان (زوجها) "يأخد الأموال من خزينة الدولة على أساس أن يقدّم بها خدمة للشعب العراقي لكنه يسرقها ويرسلها لي ويقول هذه حصة ابنتينا هلا وحلا".
 القاضي طلب مثالاً على ذلك، فقالت: ذات يوم خصص البرلمان العراقي مبلغاً من المال لشراء محطات كهرباء لتحسين وضع الكهرباء ودفعت الحكومة أموالاً طائلة لتنفيذ عقد مع شركة جنرال إلكتريك الأميركية لتجهيز العراق بـ 56 وحدة توليد كاملة، بسعة سبعة آلاف ميغاواط، فضلاً عن عقد آخر مع شركة سيمنس الألمانية لتجهيزه بـ 16 وحدة كبيرة بسعة  ثلاثة آلاف ميغاواط، ليصبح مجموع العقدين عشرة آلاف ميغاواط، كانت كافية لحلّ أزمة الكهرباء تماماً، لكنّ زوجي حوّل المبلغ لحسابي كاملاً ولم يُرسل للعراق أي وحدة توليدية، وهذا واحد من عشرات العقود الوهمية".
 مَنْ هو هذا المسؤول؟ وما الذي اتّخذته الدولة والمجلس الأعلى بحقه؟ لا أحد يعرف!
وللعلم فإن السيدة رشيد حوّلت ملكية حسابها البنكي البالغة 50 مليون جنيه إسترليني الى ابنتيها القاصرتين، وقانون المصارف البريطاني لا يسمح لأي شخص التصرف بالمبلغ حتى بلوغ الابنتين السنّ القانونية!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

594 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع