عودة الروح للنوادر و الطرئف / الحلقة السابعة

                                                           

               الدكتور عبدالــــــــرزاق محمــــــد جعــفـــــر
             استاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقا

                              


       الحلقة السابعة/ الحياة مدرســة!

1- الـتعـلـيـم,.. بلـسم التخلف :

للتعليم اهمية كبرى في حياتنا العصرية , وله صلة بمختلف الوان سلوكنا واتجاهاتنا,  وله دور مهم في تكوين العادات والميول ومحوالتخلف, ولا يقصد بالتعليم الحصول على الشهادات من المعاهد والكليات او نيل الماجستير او الدكتوراه, ..فما من احد لا يعلم ان امتنا العربية ومنذ ما قبل التاريخ كانت مـزدهرة  بفطاحل العـلماء الذين برعوا في شــتى العلوم والمهن , مثل بن سينا والخوارزمي وابراهيم بن الجزار وبن حيان,وآخرون وحتى في تاريخنا الحديث , مازالت الأمة تفتخربـعـبا قـرة في مختلف الأختصاصات  مثل,  الكاتب  عباس محمود العقاد في مصر, الذي قدم سلسلة العبقريات وغيرها من الكتب القيمة في الأدب العربي  , وهو لم يدخل معهداً او كلية ولم ينل حتى على الدكتوراه الفخرية!,.. كذلك الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري ,...لم يتدرج في المدارس وتتلمذ في الحوزات العلمية ورشـحه الملك فيصل الأول سـكرتير في البلاط الملكي واستقال طواعية بعد أن سارت اشاعات حول عمله في البلاط لا مجال للخوض بها الآن  ويجمع كل الأدباء العرب على ان الجواهري هو اشـبه  بشـعراء الجاهلية !
 *** أزدهرت الصناعات في منطقتنا العربية , و دلت الحفريات عن العثور على آلـة  تشبه الخلية الكهربائية المعمول بها حالياً, اضافة الى صناعة العديد من الآلات التي استخدمت في الزراعة والحياكة والآلات الحربية ,..وقد ذكرت المصادران العرب في زمن هارون الرشيد اهدوا لشارلمان امبراطور فرنسا  ساعة  صنعت لأول مرة !
***  يتعلق الطفل منذ الأسابيع الأولى من حياته بأمه,.. لكي يحقق احتياجاته الأولية من الغذاء والشراب والأمن, وبعد فترة من الزمن,تتكون له القدرة على التمييز بين امه والآخرين, وتتكون لديه عاطفة الحب, او قل المحبة لكل من يحسن اليه ويبادله المشاعر العاطفية.
يختل سلوك الطفل عند تغير الظروف المحيطة به,.. مثال ذلك,.. غياب امه للعمل خارج البيت او لظرف طارئ يجبرها على الأبتعاد عنه,لأسباب اجتماعية داخل العائلة.
 يؤثر الوضع الجديد على الطفل ويتزعزع امنه النفسي او قل تتفجرعواطفه , ولذا تتولد لديه العقد النفسية,.. وبما ان العواطف والعقد النفسية ضربان من الدوافع المكتسبة, فأنها  تتأثر بعوامل التربية والتعليم, وهما يختلفان من فرد الى آخر!
*** الخبرات التي اكتسبها البشر,هي الأساس في تطورالحضارة في مرافق الحياة,... فالعلوم والفنون التي تداولتها البشرية على مًـر العصور,... انتقلت من جيل الى آخر حتى وصلت الينا بحالتها الحاضرة, واسـتمتعـت بخيرها معظم الأمم وارتقت بعضها نحو المجد, وابت امم اخرى الأستفادة منها, و حتى الجيد منها, وارتضت بالتخلف عن الحضارة, والتغني بأمجاد الماضي!
يكتسب الفرد الخبرات والمهارات والتوجهات المهنية المختلفة عن طريق المنزل او المجتمع الخارجي  او( الملًه) او المدرسة,...  ومن هنا تتضح اهمية المربي في تقويم العلاقة بين البيت ومحيط العمل والبيت والمدرسة.
*** التعليم سلوك يقوم به الفرد من شأنه ان يؤثر في طبعه الحالي او المقبل  , فيحسنه ويزيده قدرة على التكيف ,.. كما انه يعتمد اعتماداً كلياً على النمو الجسماني والعضلي,.. فقد ثبت علمياً ان اي تمرين في التعليم يعطي ثماره عندما يصل الطفل الى درجة النضج العضلي, ستمكنه من السيطرة على المواضيع التي يتعلمها, مثال ذلك ظاهرة التبول عند الطفل , ولا يمكن ان نقومها لكي يتركها بالتعليم ,... ولا يتم ذلك الا بعد نضوج المثانة والذي يتم مابين الشهر التاسع والثاني عشر او اكثر بقليل , وكذلك الحال في كثير من الأمور الحركية كالزحف والقبض الأرادي على الأشياء, حيث هي الأخرى بحاجة الى درجة النضج لأكتمال النمو العضلي  , ويمر النمو العقلي في مراحل وادوار مختلفة,.. فقدراته في الفـترة ما بين الـمهـد وما بعدها بقليل تتمثل في الأدراك الـحـسي,.. وعندما تتقدم به الـسن يستطيع ان يربط بين الـسًـبب والـُمـسـبب!
 ** لقد ثبت علمياً, بأن الطفل العادي على استعداد لتعلم القراءة عندما يكون عمره بين السادسة والسابعة, ففي سـن الخامسـة يستطيع ان يميز العلاقة الضمنية بين معنى "الكبير" و"الصـغير", الا انه لا يمكن ان يدرك معنى كلمة"مفاجئ", ولا يمكن ان يُعرف لنا معنى "العدل" او"الظلم",  ولذا نرى القدرة على نمو القدرات العقلية تتطورمع العـمر.
ان دور التعليم يعمل على اخضاع الآثار المتكونة من تفاعل الفرد مع البيئة,.. وكذلك الآثار التي يتركها الآباء والأمهات في ابنائهم, ولا يتركها طليقة تنمو كيفما تشاء, بل تحدد مجراها ونفوذها الى الطريق السـوي.
*** عند دخول الطفل الى المدرسة في سـنته الأولى يُعمل على اشباع رغباته حتى ولو كان في ذلك الخروج على آداب المجتمع الذي يحيط به!, يكتسب الطفل الكثير من اسـرته كطريقة الأكل ومخاطبة من هـم اكـبر منه سـناً و اتباع عقيدتهم الدينية  والخنوع للكثير من والمخاوف والأفكار الدالة على التسامح او التعصب لبعض العادات والتقاليد التي يطلق عليها اسم:
"المعايير الأجـتمـاعية" !, مثال ذلك: يتلقى الطفل عن طريق اسرته, ان السرقة رذيلة وأحترام الكبير والعطف على الصغير فضيلة, ولا بـُدً من معاقبته في حالة عدم التزامه بتلك المعايير أو الأنحراف عنها ,.. وبهذا تصان المعايير الأجتماعية وبالأسلوب الحضاري الذي يقره النظام.
 *** حصـل في قررنا الحالي تقدم كبير في في الأمور المادية ,  وتغيرت الكثير من المعايير الأجتماعية بسبب الحيود عن المفاهيم السليمة لأساليب التعليم والركض وراء الحقوق الخاصة والتسابق على الربح حتى ولو كان على حساب تلك المعايير!
*** من كل ما قدمته بأيجاز في اعلاه, برهان على أن التعليم علاج,... او قـل البلـسـم للتخلف وضـرورة لترويض العلاقات الأجتماعية الفعالة واخضاعها للدرس والتدريب للمحافظة على مصلحة الجماعة وجعلها فوق المصلحة الشخصية,.. كما ان الأساليب العلمية الحديثة قد انارت سبيلنا وهدتنا الى معرفة ما نقوم به من عمل وما نأتيه من تفكيرواحساس سـاعدنا على تحرير انفسـنا من قـيـود التعـصب و الخرافات!

 2 -  لماذا يفشل الطالب الجامعي؟  

 ***معـظـم التـدريســيين في جامعات الأقطار العربية قـد حصلوا على شهاداتهم العليا من جامعات الدول المتقدمة علمياً وزاولوا تدريـس اختصاصاتهم لفترة معينة, كلاً وفق مستواه العلمي ولا اعتقـد ان اياً منهم لا يسـره نجاح طلبته ,.. ولذا فمن غير المعقول ان نحكم على التدريـسي احكاماً جائرة بسبب عدم نجاح طلبته بنـسـبة عالية,  كما لا يجوز السماح للطالب الذي لم يوفق في نيل درجة جيدة ان يوجه اللوم الى اساتذته, لأن الذي يقييم عمل التدرســي, الطالب والشخـص الذي يمتلك خـبرة ومستوى علمي مرموق يفوق مستوى ذلك التدريسي.
***مـن تجـارب تدريسي الجامعي لأكثر من اربعين سـنة, وفي عـدة اقطارعربية, وجدت ان معظم النتائج الأمتحانية لطلبة السنة الأولى واطئة بالمقارنة مع السنوات الأخرى , ولو سـألنا واحداً من الطلبة الفاشلين عن اســباب عـدم توفيقه في نتيجته الأمتحانية , لذكر لك الف ســبب وسبب,.. ماعـدا الأسـباب التي لها مـسـاس بذاته!
 ***ان من اهـم الأسباب المؤدية الى الأحباط في المستوى العلمي تعود لعدم مقدرة الطالب من التحضير اليومي وعدم المقدرة على تـدوين المحاضرة وخاصة عندما تكون باللغة الأجنبية,... واهم من كل ذلك عدم الأنتباه اثناء شـرح الأستاذ للنقاط الصعبة في الموضوع ,... ويســرح مع احلام اليقظة وخاصة عندما تكون القاعة مكتضة بـكلا الجنسـين !
 ***ان الأختلاف بين الأجواء الدراسية في المدارس الثانوية والجامعية , يولد عند الكثير من الطلبة اوضاعاً شاذةً يصعب تطبيعها او قل ترويضها,... حيث كان جُـلً اعتماد طالب الثانوية, يقع على عاتق المدرس بالدرجة الأولى ,  فهو بالنسـبة لهم المرشــد والمربي والمعلم المتفاني بتعليمهم بشتى الأساليب الى ان يستوعبوا المنهج المقرر ,.. اما في الجامعة ,.. فهم امام اسـتاذ يعرض كلامه بمصطلحات علمية ورسومات توضيحية يخطها على السبورة او بوسائل حديثة على الشاشة البيضاء والكل منهمك بتدوين ما يسمعه ويراه ,.. وقلما يسمح الأستاذ بمقاطعته او   الأستفسار منه عما فاتهم سمعه او فهمه!
*** الكثير من العلوم الصرفة كالكيمياء والفيزياء والرياضيات لا يمكن استيعابها ما لم يكن الطالب مـلمـاً بأساسيات تلك المواضيع,.. ولهذا نجد الطالب في السنة الأولى الجامعية  شارد الذهن , او كما يقال في المثل" أطرش بالزفه "!   
   وهنا تبرز الفوارق الفردية, حيث نرى البعض يبذل قصارى جهده لفهم ما يمكن فهمه,.. محاولاً ان يلملم شتات الموضوع حسب قدرته, ويكتب ما يتيسر من المحاضرة, بفراغات عديدة لكلمات لم يستوعبها جيداً او لم يلحق بكتابة العسيرة الفهم من كلام الأستاذ, ... ومما يزيد الطين بـلًه,.. يستنسخ ذلك الطالب المحاضرة من زميل له لم يكن قد اتقن كـتابة المحاضرة كما ينبغي!  
وعندما يحين الأمتحان, لم يكن الطالب مـلمـاً حتى بالمادة المدونة لديه,... ويفاجأ بعـدم قـدرته على الأجابة بصورة دقيقة,لأنه تعود في الثانوية على نمط معين من الأسئلة المباشرة من ضمن الكتاب المقرر, والآن هو امام امتحان للقدرات الذاتية لحل الأسئلة المبنية على الأستنباط!  
وأذا ما تكررت هذه الحالة في مواضيع اخرى, فسيعتري الطالب الأحباط, ويدب عنده اليأس من النجاح, ولا يجد اي معين ينقذه من الحالة المزرية التي وصـل لها!
** الطالب المجتهد يستطيع تجاوز كل العقبات او المعوقات لأستيعاب المحاضرة ,  ان واظب على الحضور في الوقت المحدد للمحاضرة وتعلم استخدام المراجع لذلك الموضوع حتى يتمكن من الألمام بما فاته من المحاضرة, كـما يمكنه الأستفسار من المعيد او الأستاذ عن ما يختلج في ذهنه من صـعوبات لا يجد سبيلاً لحلها.     
** لا يمكن تبرئة التدريسي نهائياً من تردي المستوى العلمي عند كافة طلبته , فقد يزج البعض منهم طلبته عن غير قصد في متاهات لا حصـر لها تحطم طموحاتهم , فالتـدريـس عـلـم وفـن , ولذا وجب على التدريسي الأخذ بنظر الأعتبار المستوى العلمي لطلبة السنة الأولى وحالتهم النفسـية,.. ولذا نجد في الجامعات الغربية العريقة يناط بتدريس الصفوف الأولى الى تدريسي بدرجة استاذ,.. في حين ان مثل هذه الحالة لا تلاقي استحساناً لدى بعض اساتذتنا ان طلب منهم تدريس طلبة السنة الأولى!,.. وان قبلها احدهم فأن قبوله على مضض!
*** من الصعاب المهمة التي تقع على كاهل الجامعة, تتعلق بقدراتها على ترويض طلبة السنة الأولى وحثهم للتأقـلم على الـجو الجامعي الجديد ,  وجعلهم يحســون بأنتمائهم  لهذه الصـومعة المفعمة  بحريات لم  يعهدوها , ولذا وجب على كل جامعة اتباع الوسائل الكفيلة بتحقيق المهمة الصعبة وهي معروفة لكل المختصين بالتربية وعلم النفس في الجامعات العربية.  


 3 - مـن غـشـنـا فلـيـس مـنـا:

بـسـم الله الـرحـمـان الـرحـيـم,..
" ومـن أهـل الـكـتاب مـن ان تـأمـنـه بـقـنـطـار يـؤده ألـيـك ومـنهـم مـن ان تـأمـنـه بـديـنار لا يـؤده الـيـك الا ما دمـت عـلـيـه قـائـمـاً ذلـك بـأنـهـم قـالـوا لـيـس عـلـيـنـا فـي الأمـيـيـن ســبـيـل ويـقـولـون عـلـى الله الـكـذب وهـم يـعـلـمـون,...." ( آل عمران : 75).

*** يتعلم بعض البشرالغـش منذ الصغـر بشكل مباشرمن والديه او ذويه في البيت اومن اقرانه في المحلة او المدرسة  لكي يبعدوا عنه العقوبة عند فـشـله في عمل ما,... وهم لا يدرون سوء تصرفهم , بعدم تأنيبه لقيامه بالغـش مهما كان بسـيطاً,..اي في بداية تناوله اول جرعة من  احد انواع الرذيلة في بدنه,.. وبتكرارها سـتصبخ عادة مكتسبة لا يمكن التخلص منها, ومثله مثل المتعاطي للمخدرات او المسكرات !
  لا بُـدً من عقوبة الغشـاش لمنع تسـريب اعماله المغشوشة,الى ان يزدريه المجتمع كما جاء في الحديث الشريف  : " مـن غـشــنا لـيـس مـنـا ".
لا اريد الكتابة بأسهاب عن مضارالغـش, وسـبب تـفـشيه  في كافة شــرائح المجتمع وتحوله الى وباء في كافة المهن بدون اسـتثناء , بنسـب متفاوتة وفي كل المجتمعات المتقدمة والمتخلفة في العالم , منذ الخليقة والى يومنا هـذا !
** سوف ابدأ بعادة الغـش عند الطلبة في جميع مراحل دراسـتهم  بسـبب عملي في حقل التعليم لفترة نصف قترن, وكتدريسي لكافة طلبة المرحلة الثانوية  والجامعية  في الأقطارالعربية, ولقـد ذهـلت من تـفـشـي عادة الغـش لـدى بعض الطلبة, كما ان بعض المراقبين على الأمتحانات لا يهتمون لمنع الـغــش, بل يغضون النظر عن اي تصرفات مشينة لتطبيق وسائل مبتكرة للغـش , ومنهم من هو اسـوء من الطالب في خيانة مهنته التربوية, ..حيث نرى البعض من خونة المهنة من يسـاعد الطالب على الغـش,  بالأتفاق معه بوضع علامة مميزة يصـعب اكتشافها في كراسـة الأمتحان , وما من أحـد القدرة على الحًـد من ممارســة هذه الرذيلة في الأمتحانات العامة , لأن الأسماء سـرية والمصلح مجهول , بالرغم من تنبيه الطلبة قبل الأمتحان بعدم وضع اي علامة مميزة داخل كراسة الأمتحان , لذا اترك الأمرلمعالجة هذه الظاهرة لأساتذة التربية !
 *** لابـُدً من تنبيه الأخوة الممتحين بعدم وضـع الأسـئلة التعجيزية لعرض عضلاتهم العلمية على الطلبة , وان يتذكروا بأنهم في يوم ما كانوا بنفس الموقع, ولذا وجب عليهم وضع الأسـئلة  المتوازنة, وهم على دراية بذلك , حيث تـم اعدادهم نظرياً وعملياً  لمهنة التعليم  في المعاهد او الكليات التربوية  التي تخرجوا منها في موضوع  يسمى : " طرق التدريس",  وان كل خـريج يكون قد مًـرً بتلك المعلومات التي وضعها خبراء التربية والتعليم الأفاضل, وطبقها قبل التخرج لكي يمنح شهادة المهنة !  
*** اؤكد لكل المشرفين على المسيرة التربوية ولأبنائنا الطلبة,..ان الهدف من الأمتحان ليس الأنتقام,... بل الوسيلة لأنتقاء الأفضل , واعادة تأهيل وتوجيه مـن لـم يـوفق لأجتياز الأمتحان مـرة اخرى,... كما التمـس من الآباء والمربين عـدم التشهيربالغشاش وعـقابه جسدياً مهما كان نوع الغـش ,.. واستخدام الرفق في تأنيبه فهو مضنى القلب موجعه !
***ما مـن شـك من أن الذين يرتضون بالغـش او يغضون النظرعن الذين يمارسونه هم نسبة ضئيلة, الا ان وجودها في اي فئة تسيئ الى ســمعة الأكثرية  من تلك الفئة,.. ومثلها مثل قطرة الـسم في برميل العسـل!, ان خطر الغــش لا يكمن في الغــش, بل بالتعود عليه, فالذي يستسيغ الغش وهو طالب يصعب التخلي عنه في الكبر,... فمن شًــبً على شيئ شـاب عليه !  
*** ما من احـد لا يتذكر يوم الأمتحان والرعب الذي أصايه, وانني شـخصـياً, ومنذ الأبتدائية والى يومنا أرتجف من الأمتحان,. بسبب قساوة العقوبة التي كانت تطبق علينا في ذلك العهد ,.. واتذكرهنا معلم اللغة الأنكليزية للصف الخامس ابتدائي في مدرسة الشطرة الأستاذ كريم جعفر الخياط ( رحمه الله),الذي ضربني على يدي خمسة مـرات  ( بالخيزرانه ) لعدم اضافة ( أي ) لنهاية كلمة تايم بالأنكليزي وقال: سوف لن تنسى ذلك طول عمرك ! ... وحتى امتحان السياقة في المهجر جعلني ارتجف بالرغم من ممارستي السياقة لسنوات عديدة  بجدارة , ولم اقترف اي مخالفة !.. الا ان الخبرة والمهارة التي اتبجح بها  لم تزيل عني الرعب , وكنت اوصي بالشفقة على الطلبـة وزرع الطمأنينة فيهم عند مناقشتهم في قاعة الدرس اوفي الأمتحانات الشـفهية !    ***لا ينكر ان استخدام الطرق التربوية السـليمة من شأنها ان تخفف من ُرعـب الأمتحان, ومن
اهمها قـناعة التدريسي بهدف الأمتحان على اساس كونه عملية لخدمة التعليم, وليست لأصطياد اخطاء الطلبة وكأنهم في قفص الأتهام امام قاض غيرعادل لمحاكمتهم !
*** ان مهنة التدريس تتطلب من التدريسي القدرة والأتزان على مواجهة الضغوط,... و تحمل تصرفات الطلبة في قاعة الأمتحان ومعالجة اي أمـرطارئ بطرق لا تقلل من شـأنه ومكانته بين الطلبة ,... فالتدريسي الناجح,.. هو القادرعلى التعامل مع طلبته بصورة صحيحة وحًـل مشاكلهم بهدوء وابتسامة بعيداً عن الأنفعالات التي  تزيد الطين بلًـة , وقد ثبت ان العقوبات المفرطة التي يطبقها بعض التدريسـيين, كثيراً ما تسبب ردً فعل عنيف عند الطالب المخالف عندما يكون المشهد امام زملاءه  من الطلبة,... وعند نعته ينعـوت مشينة تثيرالضحك عليه !
**وقد يلجأ البعض الى أرغـام التلميذ المذنب على الأعتذارعما اقترفه من ذنب امام الطلبة لقاء العفوعن زلته,... وقد يسـبب ضحك الطلبة عليه, .. واذا لم ينفذ الطالب الأمر , فقد يتأثرالأستاذ وينتقم لكرامته ويطلب من الطالب ترك القاعة, واذا ما اصـرعلى عدم تنفيذ الأمر,...عندئذ يفقـد
التربوي اعصابه ويرسل الطالب الى الأدارة لتنزال اشد العقوبة بذلك المتمرد !
***التدريسي الذي يلجأ الى الأسلوب اعلاه , ليس ناجماً عن قلة خبرته في التدريس فقط, وانما عن اضطراب في اتزان شخصيته,او قل لأزدواج شخصيته ,..  فتراه شديد العقاب مع طالب معين قام بموبقات تافهة, اولم يلتزم بتعليمات الأستاذ الـبـتـه, الا اننا نجده غـير  مكترث مع من يقوم بموبقات خطيرة لأسـباب عديدة , قد يتكهن القارئ بالبعض منها !
*** كما أن  التدريسي الذي لا يتقبل النفد من طلبته ولا يتحمل الضوضاء في قاعة الدرس او التعليقات الجارحة عند وقوعه في خطأ بسيط اثناء عرضه للمادة العلمية, ولا يغفر اية أساءة بسيطة من طلبته وغيرعادل البته في تقييمهم , نجده معتمداً على اأسلوب الخطابي والقسري في سـرد محاضرته,.. لذا اقترح على مثل هذا التدريسي و امثاله نقل خدماتهم الى اعمال اخرى غير مهنة التدريس,..كالبحث العلمي والتأليف مثلاً !
 فمما لا شـك فيه ان سلوك التدريسي يؤثر في مسـتوى طلابه,..فالتدريسـي الجيد من الناحية العلمية والتربوية يؤثر في رفع المسـتوى العلمي والعكـس صـحـيح!
*** التربية في حياة الطالب تمتد من المهد الى اللحد, ولا تقتصرعلى ناحية من شخصيته, بل  تشمل كيانه وهي حاصل التفاعل بينه وبين معلمه  والتأثر بعقله  وشخصيتة,..اما المناهج ونظم التعليم والأمتحانات فهي عناصر ثانوية,.. ولا بُـدً وان ينصب اهتمام  كليات التربية  بالدرجة الأولى على تثقيف طلبتها وتهيئتهم لمواجهة مهمتهم النبيلة والصعبة بنفس الوقت !
*** ان معظم المشاكل التدريسية  في الجامعات,... نابعة من وجود تدريسي غير مُتقن لمهنته التربوية او لعدم مواكبته للتطور العلمي, ومن هنا انطلق الشعار: " التعليم عـلـم وفـن"

**كما ان استقرار المجتمع وازدهار حضارته مناطة بالقيم التي يغرزها و ينميها التدريسي في طلبته, و بتقييم المجتمع لمهنته وأشـعـاره بجسـامة المسـؤلية  المـلقات على عاتقه.
*** الحديث عن الغـش في الأمتحان  واستهجانه,.. لا يختلف عن ازدرائنا لأي نوع من انواع الغش المتفشية في اي مجتمع.. ولو تصـفحنا المجلات والجرائد القديمة لوجدنا العديد من الدراسات التي تناولت موضوع الغش وأ سباب تدميره لمستقبل العديد من الطلبة وتغيير مجرى حياتهم من مهنة حلموا بها الى مهنة اقل شأناً ولا تنسجم مع رغباتهم !
كل فـرد امتهن التعليم والتدريس يمقـت الغـش بكل درجاته وخاصة في قاعة الأمتحان في الحرم الجامعي, ولا اريد هنا الخوض بالدوافع الكامنة لدى الفرد التي تحركه نحو الغش المقيت واتركه لأهل الأختصاص بعلم النفس ,..وسأقتصر على  الأسلوب العملي المطبق في جامعات العراق لمنع الغش لقطع دابر الغشاشين!
 ان منع الغش لا يتم بالقبض على الغشاش بالجرم المشهود ,..بل بمنع الظواهر السلبية التي قد تدفع ضعاف النفوس من الطلبة لممارسة الغش , وقد قيل الوقاية خير من العلاج , وارجو من القارئ ان يتقمص شخصية زائر لأي قاعة امتحان في اي جامعة في بلده بصورة مفاجئة,.. فلا بُـدً وان يشعر بالجو المكهرب وكأن هناك معركة خفية او قل حالة اللاحرب واللاسلم,.. تدور رحاها بين المشرفين على القاعة الأمتحانية والطلبة ! , وان اللوم في مثل تلك الحالة لا ينصب على الطلبة وحدهم  بل على التدريسيين ايضاً, فالغضب لا يواجه بالغضب, بل بالكلام الطيب كما قال الرسول(ص): الكـلـمـة الطـيـبـة صـدقـة!
***علاج المشاكل الأمتحانية لا يتم عن طريق العقاب وفق التعلليمات الأمتحانية المعمول بها, بل بتفهم المشكلة  وتحليلها بالسرعة الممكنة ثم معالجتها , فمن واجبات التدريسي بث الظروف المناسبة التي تساعد الطلبة وتريحهم جسدياً ونفسياً على اجتياز فترة الأمتحان العصيبة بسلام او قل بهدوء الأعصاب , لا ان يجعل قاعة الأمتحان وكأنها غابة يجول فيها كـالأســد يملئها زئيراً بين آونة واخرى تاركاً طلبته يرتجفون خوفاً من دون اي مبرر يسـتحق وليس من داعي لبث الرعب في نفوس الطلبة الغلابة!
 ** كما ان البعض من التدريسيين يجهل الهدف من مهنته ويشك في كل طالب يبدي اية حركة غير مقصودة, وما من مبالغة ان قلت: ( انه لا يثق حتى بنفسه ), وان قسوته المفتعلة ما هي الا غطاء لجهله بالأسس التربوية ومحاولة منه لأعطاء الأهمية لنفسه التي بالأمكان التوصل لها بعلمه وتواضعه وبتنمية الثقة والمحبة والتحلي بالمثل العليا مع طلبته, وحثهم على الألتزام بالأخلاق المجيدة.
***اعتاد بعض التدريسيين الأعتماد على المساعدين بالجامعة لتمشية المتحانات الشهرية وقد تجاوز بعضهم المدى واعتمدوا على الموظفين ممن ليس لديهم اية خبرة تدريسية !. فأدى الأمر الى دفع ضعاف النفوس من الطلبة على التمادي بالغش لعدم خوفهم من الرقيب وقيل في الأمثال " لو غاب الهر العب يا فار ",.. وقد ساهم الأمر بشكل وآخر في زًج بعض الطلبة في مشــاكل هم في غنى عـنها لو اعتمد التدريسي على نفسه او على زميل له , لما توفر الجو الملائم  لمن تعودوا على ممارسة الغش في الأمتحان!.. ومثل الندريسي هنا مطابقاً لمن يسلم مفتاح سيارته الى ابنه غير المؤهل للسياقة, وعندما يتعرض الولد لحادث مرور فسيعقابه بصرامة, ونـسى انه هو  من دفع ولده لأقتراف الخطأ !   
الكثير من الأعمل المستهجنة التي تعود عليها الأنسـان جاءت نتيجة ظروف حلت به الى ان اصبحت تلك الأعمال عادة متأصلة يصعب التخلص منها ما لم تتظافر الجهود الطيبة والخبرة السليمة للقضاء على مثل تلك النقائص.
ونتيجة لمـزاولتي التدريس لفترة طويلة لا يستهان بها,..فقد تكشفت امامي بعض اسباب تفشي " عادة الغـش ", بين بعض الطلبة واكتسـبت  خبرة في استنباط اسباب الغــش والطريقة الناجعة لمنعه او التقليل من نسـبة ممارسـتـه  بين عـموم الطلبة,... ولا بـُدً لي من الأعتراف بوجود العديد من الأسباب الأخرى غير التي سـأتطرق لها, لأن الخوض في مـوضـوع الـغـش يحتاج لكـُتًـيـب وفيما يلي بعضـها :
1- يؤكد الكثير من التدريسـيين في امتحاناتهم على " اسئلة المقالة ", التي تجبر الطالب على حفظ فصول بأكملها في كتاب معين او ملزمة, لم يشرح التدريسي الا الجزء اليسير منها ! ... وعندما يحس الطالب بعدم مقدرته على استيعاب المادة بسبب ضيق الوقت او اي طارئ,.. يلجأ الى الوسائل " المحسًنة " في الغـش!!
2- يؤكد بعض التدريسيين حفظ ارقام او اسماء لا فائدة من حفظها او ارقام يصعب تذكرها مما يدفع بعض الطلبة من كتابة ما يسمى عندهم ( بالراجيته), ويدسها فيمكان مجهول الى ان تحين الفرصة لأستخدامها!
  3- الغش الأكثرانتشاراً يعتمد على تلقين احد الطلبة لزميل له , فيكون احدهما (الواهب),...  والآخر ( المنتفع ) , ويتم ذلك اما لمودة وصداقة بين طالب مجتهد وآخر كسول, او بين طالب وطالبة من اجل التقرب اليها, مؤملاً الحصول حتى ولو على بســمة اوكلمة عذبة منها تشـــفي غـليله وتشبع احلامه,.. وقد يصل ببعض المجتهدين بكتابة اسم زميلته بدلاً من اسمه وتكتب هي اسمه بدلاً من اسمها ,  والعكس صحيح,...  وتغتال المودة وتفنى , وينتهي كل شيئ اذا ما وقعا الغشاشان  في الجرم المشهود!, لذا يطلب ذوي الخبرة في وسائل الـغـش بكتاب اسـمائهم  على كراسة الأمتحان  وبالقلم الجاف قبل توزيع الأسـئلة الأمتحانية , والتأكد من ذلك , مما يؤدي الى تقليل نسبة الغـش, كما يستطيع التدريسي تفريق الطلبة وتوزيعهم عشوائياً حتى لا يسمح للطالب ( الكسول) ان يلتصق بقرب الطالب (المجتهد), على أمـل الحصول على مساعدة منه او بعض ما يتيسر من معلومات ان سـنحت الفرصة, وتكون تلك المعلومات في الأســاس غير صحيحة, وبهذا يتعـرض الطالب الخائب للعقوبة والرسوب !
  4- تواجد الأعداد الكبيرة من الطلبة في قاعة امتحانية واحدة يزيد من فرص الغـش,..ويمكن السيطرة على الموقف بوضع اسئلة متنوعة وبمستوى علمي متقارب الى حـد ما, اضافة الى ترك مسافات مقبولة بين طالب وآخر وتشديد المراقبة والتنبيه برفق !
*** ما ذكرته اعلاه ليس الحل النموذجي لمنع الغــش بل للتقليل من نســبته ,  و موجز محدد للأسباب التي تؤدي بالطالب للتمادي في تصرفه غيراللائق بطالب الجامعة!,...وأذا تفادينا تلك الأسباب وارشدنا الطلبة بالألتزام بالنظم الأمتحانية وبين لهم اهمية العلم والتعليم , عندئذ سنقوم بالتخلص من جزء لا يستهان به من هذه الظاهرة السلبية ,.. وليكن تقييمنا للطالب غير مقتصر على ورقة الأمتحان فقط,..بل مناقشته شفهياً لمعرفة طريقة تفكيره,.وان لا نجعل ورقة الأمتحان كأنها جواز السـفر الوحيد الذي يسمح للطالب بالأنتقال من مرحلة الى اخرى , ولنا أسـوة حسـنة في النظم الأمتحانية المعمول بها في كثيرمن الجامعات العريقة , حيث يختبر الطالب امام لجنة معينة تقدر مسـتواه الـعـلمي  بحسب الأختصاص وبالمحاورة الشـفهية.  
  لنتكاتف معاً لخلق جيل متحمس لأسـتلهام العلوم والأخلاق معاً, ليكون ركيزة متينة لهذه الأمة التي وهبها الله كل مقومات النجاح والتقدم منذ آلاف السنين, ووصلت الى ارقى المراتب في كل جوانب العلوم وعمها الطلبة من كافة انحاء المعمورة  للتزود بموائد العلماء الفطاحل رحمهم الله جميعاً واعاننا على ازالة الغبارعما تبقى!
4- لا تـغـتـالـوا مـواهـب أبـنـائـكـم:
تكمن المواهب عند بعض الأشخاص ولا يمكن ان تظهر وتنمو ما لم يتوفر لها المناخ الملائم, ومثلها مثل المعادن الثمينة المدفونة في باطن الأرض,..لا يمكن الأستفادة منها مالم تبذل جهوداً في اخراجها وتنقيتها وتعدينها  وصقلها حتى تكون ذات قيمة عالية , كذلك الموهبة , لا يمكن ان تكون مثمرة ما لم تبذل جهوداً خاصة في صقلها وتنميتها حتى تصبح منبع خير للمجتمع او قل للبشرية بأسرها!
*** كم من طبيب موهوب ابتكر دواءاً انقذ به ملايين البشرمن هلاك محتم , وكم من موهوب ابتكروطورمخترعات اسهمت في تقدم العالم وازدهاه,.. وكم من كاتب خلد أسمه بأفكاره النيرة التي خدمت السلام العالمي وخففت من ويلات الحروب ,.. وان الأمثلة حول ذلك لا حصر لها , ولذا اترك الأمرللقارئ يستذكر منها ما يشاء, ويترحم على الذين وهبهم الله الفكرالنيرالمفعم بالخيرالذي أسعدوا به البشرية فخلدهم التاريخ ليومنا هذا.
***من المؤلم حقاً ان نجهض مواهب بعض الناس وهي ما زالت في دورالأستحالة, اي في دور( النمو), اونغتالها وهي ما زالت ضريرة او قل لم ترى النور لسبب او آخر!, ومن أخطر تلك الأسباب,... ان يكون الموهوب تحت رحمة حسود او لئيم يتلذذ في تحطيم اية موهبة بشتى الوســائل ويســتهين بها, ولهذا يكون مثل هذا الأنسان قد اســهم لـحد ما في تأخير المجتمع عن ركب الحضارة الحديثة التي نـسعى الى السير في دربها, . بعد ان كنا الطليعة,.. يوم ان وصلت حضارتنا الى كافة ارجاء المعمورة  بفضل ما انجبته امتنا من الموهوبين والعباقرة في مجالات العلوم المختلفة كافة, وما زال الكثير منهم يذكرون بالخير في معظم جامعات العالم المختلفة, في حين ان الكثير من ابناء شعبنا لا يعرف من هو الكًندي ومن هو ابن سينا وابن حيان!
** منذ فجر التاريخ القديم والأمة العربية في جهاد وكفاح في سبيل اعادة المجد لحضارتها التي انتقلت الى العوالم الأخرى عن طريق التجارة ,  فقد ادرك اجدادنا , ان السعادة لن تتم الا بتنمية القيم الأدبية واذكاء العناصر المادية, ولهذا تأسست الحلقات والمدارس والمجالس,.. تحت رعاية رجال العلم والحكمة والفلسفة , و قامت على الأرض العربية جامعات ضـمت الكثير من طلاب العلم الموهوبين بلغت ارقى اطوارها يوم كان الظلام مخيماً على اوربا!
*** ففي فجر الأسلام ظهرت المساجد التي كانت بمثابة مدارس وجامعات يتحاور فيها العلماء بين اوقات الصلاة , ويلقي البعض منهم المحاضرات في النحو وشتى انواع العلوم المختلفة,... وبعد تـَكوين  الدول في الأقطار العربية,  قامت مدارس مثل الأزهر في القاهرة , والنظامية في بغداد, .. وغيرها في قرطبة وغرناطة واشبيلية ودمشق وبيت المقدس.
قال احد الفلاسفة عن مهمة هذه المدارس ,.. انها خـلق للمعارف , وليس مجرد التحصيل وحفظ المعلومات, من دون التحري عن الحقيقة وتطويرما توصلنا اليه.   
*** اقتبست الجامعات الأوربية معظم المعلومات التي كانت تدرس في ذلك الحين , وتأسست مدرسة " ســالـرنو", في صقلية لتدريس الطب العربي لفترة طويلة.
  وفي بداية القرن العشـرين تأسست جامعات كثيرة في الوطن العربي,... الا انها لم تصل الى الهدف الأساسي من انشائها,.. الا وهو البحث عن الحقيقة والأستفادة منها بما يعود على الأمة والأنسانية بالخير والسعادة.
ان معظم الجامعات في الوطن العربي غير متبلورة الشخصية, ولم تكون لنفسها اي منهج ثابت تسيرعليه لأسباب كثيرة خارجة عن نطاق الموضوع الذي نحن بصدده ولذا سأتطرق الى الأساليب والتدابير التي مازالت غير ثابتة في انتقاء العناصرالصالحة من الشبان الذين اتموا تحصيلهم الثانوي وتوزيعهم على الجامعات والمعاهد.
في معظم جامعات العالم يعيرون اهتماما كبيراً بطلبة المرحلة الثانوية, تحت اشراف اساتذة متمكنين من تدريس اختصاصاتهم ,.. كما ان الخريجين  لهم الحق لأختيار الكلية او المعهد المرغوب به بغض النظرعن المجموع في الأمتحان العام ( البكلوريا), اذا ما اجتاز امتحان القبول الخاص بالكلية,..وان الكلية تـقـبل العدد المقنن وفق نتائج  امتحان القبول من المتقدمين لتلك الكلية, اي انها تختار الأجدر منهم ان فاق عدد المتقدمين على العدد المقرر,.. فمثلاً لو تقدم مآت الطلبة للدخول الى كلية الطب,.. فأنهم لا يقبلون الا اذا اجتازوا امتحان القبول لكلية الطب!
ان غياب هذه القاعدة في جامعات الأقطار العربية  ســببت فشل العديد من الطلبة الذين نالوا معدلات عالية في الأمتحان العام (البكلوريا),.. فكم من طلبتنا الموهوبين في الرياضيات دخلوا كلية الطب وكم من النوابغ في علم الأحياء والكيمياء دخلوا كلية الهندسة المدنية, والذين يكرهون الكيمياء دخلوا قسم الكيمياء او قسم الهندسة الكيمياوية!
 لدي امثلة لا حصر لها حصلت لموهوبين في الرياضيات اجبروا على الدخول الى كلية الطب لأن معدل درجاته يؤهله لدخول الطب,... اضافة الى رغبة عائلته  في حصول ابنهم على لقب دكتور بعد تخرجه!
*** لا ابالغ اذا ما قلت ان نسبة ضئيلة من طلبتنا تمكنوا من دراسـة ما رغبوا من العلوم,.. او مارسوا المهنة التي حلموا بها,.. ولو تحريت مع ذويهم عن السبب لقالوا لك :  الحظ !
*** كم من طالب مولع بالطيران, اجبرعلى دراسة الطب ؟,  وكم منهم دخل كلية الهندسة وهو موهوب منذ الصغـر بالغناء والموسيقى اوالتمثيل ؟, الا ان العائلة  والعرف الأجتماعي,.. كانت وما زالت حجر العثرة امام المواهب في كافة اقطارنا العربية مما اجبر الآلاف منهم,... الدخول الى معاهد او كليات لا تمت بصلة الى رغباتهم, قادتهم معدلات الأمتحان الى عكس رغباتهم !
 *** وبعد حين تسـتيقظ المواهب الكامنة وتبدأ بالتوهـج من جديد,... وتكسرالقيود التي كبلتها وتنطلق بكل عنف,.. نحو تحقيق ذاتـها ,  وخير مثال على ذلك في الساحة العربية  هو الأديب يوسـف ادريــس(طبيب), وابراهيم ناجي (طبيب) وهو الذي غنت له أم كلثوم قصيدة الأطلال ,كذلك الممثل القدير يحي الفخراني (طبيب) , والممثل العبقري (استاذ الكيمياء) دريد لحام,.. وعلي محمود طه (مهندس), وسـعدون جابر (ليسانس علوم انسانية), وسـميرغانم دبلوم (كلية الزراعة), وسيد عبدالكريم (دكتوراه في الكيمياء)!
 *** بالرغم من معرفة  معظم اولياء الأمور بالحقاق اعلاه ,  الا انهم حالما يلاحظون نتيجة البكلوريا, حتى يقرروا مكان دراسة ابنهم او بنتهمً, بغض النظر عن طموحات ابنائهم مواهبهم التي يعرفونها بشكل جيد,.. كما ان هناك عوائل تفضل ان يدخل ابنها الى اي كلية مهما كانت بعيدة عن رغباته ولا توفر له مهنة مرموقة,.. فأن تلك العائلة تفضلها على اي معهد حتى ولو كان ابنهم مولع بأختصاصه او ان الخريج منه سيكسب الذهب!
***ما من احد لم يسمع عن عوائل ادخلت ابنائها الى كليات خاصة وصرفت مبالغ جمة بالرغم من عوزها المادي حتى لا توصم بعارابنها الدارس في معهد ما!  
ولا اريد الأطناب بسرد الأمثلة , فما من قارئ لم يسمع بتلك التصرفات الكابحة للمواهب,.. ولذا اتوجه بندائي الى كل عائلة , بترك حرية الأختيار للطالب,... وان تتحسس مواهبه وتنميها , لأن دراسة اي موضوع وفق الرغبة الذاتية هو الأساس في نجاح الطالب وتفوقه فالكثير من الزملاء دخلوا المدارس الريفية, ثم ادوا (الأمتحان الخارجي) ونالوا شهادة البكالوريا بتفوق,  وحصل على بعثة دراسية في خارج القطر, ليعود بعد حين حاملاً لتخصص نادر , ليخدم فيه  وطنه.
  ويقينناً ان الموهوب اذا ما حقق طموحاته وتدرج في دراسته فلا بد من ان يأتي بنتيجة تسـر عائلته ويسمو بسمعة الوطن ,.. فلا تغتالوا مواهب ابنائكم والسلام عليكم.
يتبع في الحلقة الثامنة / مع محبتي  

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

465 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع