تعقيب على " هواجس عراقية "

                                         

                          د.رعـد البيدر

                 

نشرت الگاردينيا مقالاً للأخ العزيز اللواء الركن فؤاد حسين علي قبل ما يزيد عن أربعة أشهر بالرابط التالي :

http://www.algardenia.com/maqalat/20260-2015-11-22-16-27-36.html

تفضل السيد كاتب المقال مشكوراً هذا اليوم بإرسال الرابط على بريدي اللإلكتروني ؛ لإسبابٍ يطول توضيحها ؛ فألزمني بقرأته ، ثم بالرد عليه ؛ فكتبت السطور التالية:

من مسافات متباعدة وقلوب بحب الوطن مُتوَّحدة - أُحيكُم وأواسيكم بوطن وشعبٍ يختنقان ظلماً ... ويأبيان الموت .

أنوِّه للقراء الكرام بأن لي ثلاثة مشتركات مع كاتب المقال : الأول - نحن نشأة منطقة واحدة في كرخ بغداد الحبيبة ، وبذلك نفخر أننا ثمرة تربية الأهل ، والجار الأهل ، ولا يعلو علواً على وفائنا وولائنا للوطن من أي مُزايدٍ بالإدعاء مالم يساوينا .

المشترك الثاني - أننا أبناء المؤسسة العسكرية ومهنة الجندية الشريفة التي تعلمناها وعلمناها على كونها مهنة الفداء والعطاء والنزاهة واسترخاص الدم في ساعة المحنة الوطنية .
أما الثالثة فكلانا شركاء في قساوة الغربة بلا ذنب ، وبلا جريمة ، وبلا شهود ، وبلا محاكمة ؛ لكننا مشمولين بحكم جماعي إنتقامي - هو تجريم الكثير من الوظائف  السابقة ؛ فأنعكس على شخوصها وعلى ذويهم .

نظراً لمرور فترة على نشر المقال ، ولكثرة التعليقات الراقية التي قرأتها عنه ، وجدت أنني لن أُضيف جديداً على ما كُتِب من قبل الكاتب والمُعَلقين ؛ فقررت الدخول على الموضوع من باب إعادة النشر والتعليق الموَّسع من زوايا منتقاة بحكم خصوصية الظرف والعلاقة .

كنا وما زلنا نعيش عالماً مضطرب التناقض - صراعه الأساسي حب السلطة والانفراد بها ؛ فأورثتنا عالماً جديداً هو عالم  " العبودية الدولية "  ردائه المُفتعل سياسياً وإعلامياً - التخلُص من سطوة وتحَكُم ( الدكتاتور) ، وأصبح البلد تابعاً للغير بعد أفول ( الدكتاتورية ) فأضطرب المجتمع ، وهاج سعير المذهبية ، ودُفِنَ الولاء للوطن ، وصارالقبول بخيار تقسيم " العراق الذبيح " خلاصاً يطالبُ به من كان يتصدى للتقسيم ويرفض قبول سماع معناه حتى في بدايات ظروف ما بعد الاحتلال الذي هيأ وشرعن لتفتيت البلد بآليات مختلفة ومتنوعة بعضها ( دستوري) ، وصارت عناوين الشرف الوظيفي المتعارف عليها قبل الاحتلال أهدافاً يتوخاها الكثير من ( فاقدي الشرف) .

مع الأيام الأولى للإحتلال قرأ البعض صفحات أيام سوداء ستحِلُ بالعراق ؛ فغادر البلاد الكثيرون مع عوائلهم حفاظاً على أرواحهم وأعراضهم . و مؤخراً غادر البعض الآخر خوفاً من عشوائية الموت، أو الاستهداف أو الموت جوعاً كما هو حاصل اليوم في الفلوجة التي تُعاقب بأستهداف أهلنا وممتلكاتهم بلعبة أبلغُ ما يقال عنها أنها ( أقذر) من (قذارة) مُفتعليها في الداخل والخارج ؛ فكان نصيب البعض الموت غرقاً أو الموت حنيناً إلى الأهل والديار ، وبدلاً من أن تضمهم تربتة وطنهم ابتلعتهم مياه بحورٍ بعيدة ، أو ضمتهم أراضي بلدانٍ عديدة .

أخي أبا أحمد - لقد أسقطتَ مشاعر وهموم الكثير من العراقيين بكلماتك الخاصة على واقعٍ العراق المرير ؛ فكنت لسان حالٍ - شكى قساوة الزمن العقيم ، وقباحة المتحكمين بشأن العراقيين .


 لو أطلعت على هموم الغير لوجدت معاناة تشبه معاناتك ، وإن لم تكن تتطابق معها ؛ فربما تتفوق عليها ، لعل شفيعي بقساوة الظروف ما أسمعه من المتغربين أمثالنا مع اختلافات نسبيتها ؛ فأتصور دون أن أردد قول بيتين من الشعر - أختلف عليهما المُهتمين بالشعر بين مُحترفٍ وبين مُتطفلٍ - هل هما لسيدنا الشافعي ، أمْ لأبي الطيب المتنبي؟ :

مشيناها خُطىً كُتِبَت علينا
ومن كُتِبَت عليه خطىً مشاها

ومن كُتِبَت مَنيتُهُ بأرضٍ
فليسَ يموتُ في أرضٍ سواها

بعضنا يُحَمِّلُ رمزية الوطن أخطاء من قادوه ، وذاك لعَمري ظلم وافتراء وتجَّني على ضحية بريئة كالعراق - ساقه حظه العاثر ليكون ألعوبة بيد جُهال السياسة ، ومكفوفي البصر عن رؤية الحقائق ، لا سيما بعد  2003 .

أُهدي إليك وللقراء بعض مواجع الذكرى في " قصة الأمس" شعر أحمد إبراهيم فتحي ، وألحان رياض السنباطي ، والحبيب هنا هو " الوطن"  وليس سواه حبيباً – أسترجع معها ما كان ، وما هو كائن ، وربما تتوقع ما سوف يكون .

أظنك مثلي أخي الباشا في كل جمعة تتذكر سويعات الزمن الجميل ما بين الساعة (1 - 2) ظهراً بكرخنا الحبيب حيث كانت (راديوات) المقاهي والبيوت تصدح بأعلى أصواتها بفرح لم نكن نعلم أن سيتبعه في يومٍ ما ( كَدَراً ) كالذي مَرَ علينا وما زلنا نعيش فيه . وفي  ذلك التوقيت من الزمان كان كل واحدٍ منا أما ضيفاً على جار وصديق ، أو مضيفاً لهما - لا نهتم ولا نعرف الطائفيةً ، ونتعامل بأخوية نقية .

مع نهاية السطر السالف أرى وكأن شاعر الجاهلية " هدبة بن الخشرم " قد نهضَ من قبره ونفَضَ ما عليه من تُرابَ مدفنه ،  وعاتبني قائلاً :

طَرِبتَ وأَنتَ أَحياناً طَروبُ
وَكيفَ وَقَد تعَلّاكَ المَشيبُ

يُجِدّ النأَيُ ذِكرَكِ في فؤَادي
إِذا ذَهِلَت عَنِ النأي القُلوبُ

يؤَرِّقُني اكتِئابُ أَبي نُمَيرٍ
فَقَلبي مِن كآبَتِهِ كَئيبُ

فَقُلتُ لَهُ هَداكَ اللَهُ مَهلاً
وَخَيرُ القَولِ ذو اللُّبِّ المُصيبُ

عَسى الكَربُ الَّذي أَمسَيتُ فيهِ
يَكونُ وَراءَهُ فَرَجٌ قَريبُ

فَيأَمنَ خائِفٌ ويُفَكَّ عانٍ
وَيأَتي أَهلَهُ النائي الغَريبُ
   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

602 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع