هل يتعلم نتنياهو من ترودو؟

                                 

                   د. منار الشوربجي

مقارنة تفرض نفسها بقوة بين جستان ترودو رئيس وزراء كندا، وبنيامين نتنياهو، فكل من البلدين له علاقة خاصة بالولايات المتحدة الأميركية، لكن في تعاطيهما مع الداخل الأميركي، أعطى الأول درساً في الحصافة السياسية، بينما ظل الثاني يمثل نموذجاً للفجاجة التي لا تعرف خطوطاً حمراء.

فليس سراً أن الكثير من الأميركيين الليبراليين، يشعرون بدرجة عالية من القلق على مستقبل بلادهم إذا ما وصل دونالد ترامب لمنصب الرئاسة، فالرجل، فضلاً عن الإهانات التي وجهها للكثير من الجماعات الإثنية والعرقية في أميركا، يعبر عن مواقف في السياسة الخارجية تخالف القانون الدولي، وتعبر عن حالة مخيفة من العدوانية.

لذلك، ترددت في تقارير صحافية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أن الكثير من أولئك الليبراليين ينوون «اللجوء» أو الهجرة لكندا، لو تولى ترامب الرئاسة، وبالطبع، وصلت لرئيس وزراء كندا الليبرالي الشاب تلك الأنباء.

لكنه حين سئل عنها، كانت إجابته من النوع الذي يمكن تدريسه، فقد صدرت عن ترودو، أولاً، إيماءة ترحيب بالأميركيين في بلاده، متحدثاً تحديداً عن الجزيرة الكندية التي يذكرها الأميركيون كمكان للجوئهم حال فوز ترامب، قائلاً «إنها مكان ساحر طوال فصول السنة».

لكن رئيس الوزراء الكندي رفض أن يقحم نفسه في شؤون الأميركيين، أو يعبر عن موقف محدد من ترامب نفسه أو المرشحين عموماً، قائلاً إن «الواقع يقول إننا سنعمل مع جيراننا وحلفائنا أياً كانت اختياراتهم السياسية»، ومؤكداً أن وظيفته كرئيس للوزراء، ستحتم عليه أن يعمل مع من ينتخبه الأميركيون.

والعلاقة بين الولايات المتحدة وكندا ليست علاقة ندية بحال، وصحيح أن كندا دولة متقدمة ولها وجودها الدولي، إلا أنها لا تقارن بحال بجارتها «العظمى»، والحقيقة أنني لا أجد ما هو أكثر دقة في التعبير عن طبيعة تلك العلاقة من كلمات الراحل بيير ترودو، والد رئيس الوزراء الحالي، والذي كان نفسه رئيساً لوزراء كندا في الفترة من 1968 وحتى 1984، باستثناء أربعة أعوام فقط (1979-1983)، وظل رمزاً فكرياً وسياسياً مهماً في الحياة الكندية حتى توفي عام 2000، فترودو الأب، وصف علاقة كندا بالولايات المتحدة، بقوله «كأنك تنام متمدداً إلى جانب فيل.

فمهما كان الوحش صديقاً أو حتى مسالماً... فإنك تتأثر بكل رجفة أو همهمة»! ومن هنا، يأتي مغزى إجابة ترودو الابن بخصوص الجدل داخل «الفيل» المجاور، حتى لو كان عن «اللجوء» لبلاده.

أما نتنياهو، الذي تعيش بلاده فعلياً على دعم الولايات المتحدة، فاللافت في أدائه السياسي، هو أنه لا يكف عن اتخاذ مواقف غير مسبوقة في علاقة البلدين، فخلال الأسبوع الماضي، عادت أخبار التراشق بين أوباما ونتنياهو للصدارة، حين أعلنت الصحف أن نتنياهو ألغى لقاء مع أوباما بالبيت الأبيض، كان قد تحدد موعده في الثامن عشر من الشهر الجاري.

فلأنه كان مقرراً أن يزور أميركا لحضور المؤتمر السنوي للوبي الإسرائيلي في واشنطن، إيباك، فقد طلب نتنياهو، كالمعتاد، مقابلة الرئيس الأميركي خلال الزيارة، واختار تاريخين هما السابع عشر أو الثامن عشر، طلب أن يكون الموعد في أيهما، وبالفعل، أبلغه البيت الأبيض أن الموعد تقرر في الثامن عشر. لكن سرعان ما عرف البيت الأبيض، من الصحف الإسرائيلية، أن نتنياهو ألغى الزيارة.

ليس ذلك فقط، وإنما خرجت تسريبات تزعم أن أوباما رفض تحديد موعد لنتنياهو، ما أثار حفيظة البيت الأبيض، فأعلن ما حدث، وقال إنه كان من «اللياقة»، أن يتم إخطاره قبل الصحف، لكن رواية إسرائيل أصرت على أن سفيرها لدى واشنطن، أبلغهم بأن «الزيارة قد لا تحدث».

وقد أعرب المعلقون الإسرائيليون عن قلقهم من تكرار المرات التي يجافى فيها نتنياهو الذوق في التعامل مع رئيس الدولة الأكثر دعماً لإسرائيل في العالم، خصوصاً أنه لم يحدث من قبل أن رفض رئيس لوزراء إسرائيل، لقاء الرئيس الأميركي بعد أن حدد له موعداً.

ناهيك عن أن يكون الموعد بناء على طلبه، والقضية هنا لا علاقة لها بالخلاف بين أوباما ونتنياهو، فكثيرة هي المراحل التاريخية التي وقع فيها مثل ذلك الخلاف، لكن لم يصل أي مسؤول إسرائيلي للمدى الذي وصل له نتنياهو في تحدي رئيس، هو في النهاية رمز لبلاده.

الأنكى من ذلك، هو ما أعلنه مكتب نتنياهو، فهو زعم أن السبب في إلغاء الزيارة، هو رغبته في عدم التدخل في الانتخابات الأميركية، والقاصي والداني يعلم أن نتنياهو تحديداً تدخل فيها صراحة، ففي عام 2012، وفى خضم المعركة الانتخابية بين أوباما والمرشح الجمهوري ميت رومني، التقى نتنياهو رسمياً بميت رومني.

ولم يخف وقتها رغبته في فوزه بالرئاسة الأميركية، ثم إن نتنياهو لم يتوقف أبداً عن الذهاب لواشنطن ولقاء الرئيس الأميركي في أعوام انتخابات الرئاسة، وفي كل أفعال نتنياهو، هو يؤكد على أنه جمهوري أكثر من الجمهوريين، بعد أن كانت بلاده تحرص على دعم الحزبين الكبيرين في أميركا.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

789 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع