ومضـات من تاريخ العراق / الحلقة الثالثة

                                     

                      د.عبدالرزاق محمد جعفر

ومضـات من تاريخ العراق منذ العهد الملكي حتى أحتلال بغداد في 9 نيسان 2003 لأبناء الجالية العربية في المهجر

 

الحلقة:الثالثة
أندلعت الثورة في العراق, جراء انتفاضة أغلب الولايات العثمانية السابقة في ثورات,على الدولتين العظميين (بريطانيا وفرنسا) , مثل ثورة العشرين في العراق,.. بسبب نكوثهما عن تنفيذ الوعود التي قطعتاها بدعم الثورة العربية, بدلا من سياسة الاستعماروالهيمنة عليها, وهكذا عمدت الدول العظمى على تنفيذ مقررات مؤتمر القاهرة سنة1921, وحضرة ونستون شرشل وزيرالمستعمرات البريطانية, وتقررفيه تقسيم الولايات العربية وفصلها عن بعضها , و تم ذلك بمنح كل منها الأستقلال عن الأمبراطورية العثمانية,.. وفرضت الدول العظمى تلك القرارات بمعاييرثلاثة, حتمت على العرب اتباعها بعد خسارة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى, وهي تقسيم الولايات العربية التي كانت تحت الحكم العثماني إلى دول مستقلة ومنع توحدها في دولة واحدة, والغاء نظام الخلافة وعدم تطبيقه في أي من الدول العربية في  النظام الجديدة, وأخيراً عدم اعتماد الشريعة الأسلامية !
 العهد الملكي :مرت المملكة العراقية بظروف قاهرة على الصعيد الداخلي منذ تأسيسها,جراء النشأة الفتية للدولة وتكالب القوى الدولية للسيطرة على قدراتها, وعلى رأسها بريطانيا,..وأضافة لذلك, مرورها بظروف داخلية أخرى, يمكن أستنباطها من الصراع الناجم عن التناقض الفكري بين مراكز القوى المنقسمة إلى تيارين مختلفين في التوجهات, الأول يتمثل بطبقة النخبة الوطنية التي لعبت دوراً في تأسيس الدولة العراقية من السياسيين والضباط المنتمين للجمعيات السرية التي, تنادي باستقلال العراق عن الدولة العثمانية, لأرتباطه مع الأقطارالعربية أكثر من ارتباطه مع الدولة التركية, كما عَـمل التيارعلى استقلال العراق عن بريطانيا ,...أما التيارالثاني فيتمثل بمجموعة من السياسيين والضباط الذين يرون ضرورأرتباط العراق ببريطانيا,...متأثرين بالمندوب البريطاني "بيرسي كوكس",.. وبممثلة المصالح البريطانية  في العراق, "المس بيل", التي لعبت دوراً كبيراً في رسم السياسة العراقية من خلال ولايتها قبل الاستقلال سنة 1921 ,.. وتتويج فيصل الأول على عرش العراق,.. وعلى هذا الأساس قسمت فترة حكم النظام الملكي  
•لحقبتين  مختلفتين  في التوجهات السياسة والأستراتيجية.
الملك فصل الأول:         
             

الملك فيصل الأول
 *** تم تتوّيج الأمير فيصل ملكا على العراق , في 23 أب من عام 1921 ,فعلى على إثرثورة العشرين في العراق ضد الأحتلال البريطاني عقد مؤتمر القاهرة عام 1920  بحضور ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطاني آنذاك للنظرفي الوضع في العراق, والذي أعلن عن تغيير الحكومة البريطانية سياستها بالتحول من استعمار مباشر إلى حكومة إدارة وطنية تحت الانتداب, على إثر تكبد القوات البريطانية في العراق خسائر فادحة,.. ولذا
أعلنت بريطانيا عن رغبتها في إقامة ملكية عراقية, ورشح في هذا المؤتمر فيصل بن حسين بن علي ليكون ملكا للعراق, فتشكل المجلس التأسيسي من بعض زعماء العراق وشخصياته مثل  نوري السعيد باشا, ورشيد عالي الكيلاني باشا, وجعفر العسـكري, وياسين الهاشمي والنعيمي  الذي عرف بتدوين المراسلات الخاصة بتأسيس المملكة العراقية, وأنتخب نقيب أشراف بغداد  السيد عبدالرحمن الكيلاني رئيساً للوزراء والذي نادى بالأمير فيصل ملكاً على عرش العراق.
في 12 يونية (حزيران) 1921 غادر فيصل ميناء جده إلى العراق على متن الباخرة الحربية البريطانية نورث بروك, ووصلت لميناء البصرة يوم 23 يونيو (حزيران) 1921,.. فاستقبل الأمير فيصل استقبالا رسميا حافلا , ثم سافربالقطارالى الحلة وزارالكوفة والنجف وكربلاء ووصل بغداد في 29 يونيو (حزيران) ,1921 ,..واستقبله في المحطة السير( بيرسي كوكس),  المندوب السامي البريطاني والجنرال (هولدن),.. قائد القوات البريطانية في العراق,.. ورئيس الوزراء العراقي المنتخب عبد الرحمن النقيب.
في 16 يوليو (تموز) 1921,..أذاع المندوب السامي البريطاني (السير بيرسي كوكس),.. قرار مجلس الوزراء العراقي بمناداة فيصل ملكا على العراق في ظل حكومة دستورية نيابية,.. توج الملك فيصل ملكاً على العراق باسم الملك فيصل الأول بعد تصويت حصل فيه على نسبه 96% من أصوات المجلس. وتم تتويجه في 23 أغسطس (حزيران) 1921, في ساحة القشلة ببغداد.
*** بعد مبايعته ملكا على العراق وفي عام 1930 عقد معاهدة مع بريطانيا, سميت بمعاهدة 1930 أقرت بموجبها بريطانيا أستقلال العراق عن التاج البريطاني وإنهاء حالة الانتداب,... وضمنت الاتفاقية أيضا بعض التسهيلات لبريطانيا في مجال تسهيل مرور القوات البريطانية في أوقات العمليات الحربية, والتعاون في المجالات الأقتصادية!  
وفاته/ سافر الملك فيصل الأول إلى بيرن في سويسرا في الفاتح من سيتمبر(أيلول) 1933,لرحلة علاج وإجراء فحوص دورية ولكن بعد سبعه أيام أُعلن عن وفاته في الثامن من سبتمبر 1933 على أثر أزمة قلبية لم تمهله وفارق الحياة!, وقيل وقتها أن للممرضة التي كانت تشرف على علاجه علاقة بموته, حيث سمته بدس السم في الإبرة التي أوصى الطبيب بها, وقد نشرت صحف المعارضة العراقية أن الوفاة لم تكن طبيعية, وشككت في دوربريطانيا في القضاء عليه بدس السم في شرابه أو في الحقن الطبية التي كانت يحقن بها,وكانت تقاريرالأطباء في سويسرا  قبل وفاته بيومين, تؤكد أنه بصحة جيدة ولا يعاني من أمراض خطيرة, ولكن تقريرالوفاة  ذكر أن سبب الوفاة هو تصلب الشرايين,.. وأرجعت الممرضة البريطانية التي كانت ترافقه سبب الوفاة إلى التسمم بالزرنيخ الذي أذيب في الشاي الذي شربه قبل وفاته بست ساعات, خاصة أن الأعراض التي ظهرت عليه في الاحتضار كانت أعراض التسمم بالزرنيخ,...و يذكر طبيبه الإنكليزي (هاري سندرسن) , بأن اخر اقوال فيصل كانت: " قمت بواجبي , فلتعش الامة من بعدي بسعادة , و قوة , و اتحاد".
حُنطت جثته وأُرسلت إلى أيطاليا ومنها إلى ميناء حيفا ومنه إلى عكا ومنها إلى مدينة الرطبة  العراقية عن طريق الجو، حيث وصلت بغداد في 15 سبتمبر (أيلول) 1933, ودفن في المقبرة
  الملكية في منطقة الأعظمية في بغداد.

الملك غازي الأول:
            


الملك غازي الأول
 **هو الأبن الرابع للملك فيصل الأول من زوجته حزيمة بنت ناصر, ولد في مكة المكرمة وعاش في كنف جده حسين بن علي في يوم 18 أيلول (سبتمبر) 1933, أعلنت خطوبته وعقد قرانه على ابنة عمه عالية  في مساء يوم 25 تشرين الأول (ديسمبر), ورزق بإبنه الوحيد  فيصل يوم الثاني من مارت (مارس) سنة1935 م.    
***سمّي ولياً للعهد عام 1924 وتولى الحكم وهو شاب بعمر 23 عاما, ثم ملكا لعرش العراق  عام 1933 لذا كان بحاجة للخبرة, واستعاض عنها بمجموعة من المستشارين, ولقد كان الملك غازي ذو ميول قومية عربية كونه عاش تجربة فريدة في طفولته, حيث كان شاهدا على وحدة الأقاليم العربية إبان الحكم العثماني قبل تنفيذ اتفاقية (سـايكـس بيكو) التي قسمت الوطن العربي إلى بلدان تحت النفوذ البريطاني أوالفرنسي, ولذا ناهض النفوذ البريطاني وأعتبره عقبة لبناء الدولة العراقية الفتية وتنميتها, وأعتبره المسؤول عن نهب ثرواته النفطية, وظهرت في عهده بوادرالتقارب مع الحكومة الألمانية بزعامة هتلرفي تلك الحقبة!, كما شهد عهده صراع بين   
المدنيين والعسكريين من الذين ينتمون إلى تيارين متنازعين داخل الوزارة العراقية, تيار مؤيد للنفوذ البريطاني, وتياروطني ينادي بالتحرر من ذلك النفوذ,.. حيث كان كل طرف يسعى إلى الهيمنة على مقاليد السياسة,.. فوقف الملك غازي إلى جانب التيارالمناهض للهيمنة البريطانية حيث ساند انقلاب بكرصدقي وهو أول انقلاب عسكري يحدث في الوطن العربي , كما قرب الساسة والضباط الوطنيين إلى البلاط الملكي, فعين الشخصية الوطنية (رشـيد عالي الكيلاني باشا رئيسا للديوان الملكي),..ومن أبرز ما نادى به هو تحررالأقاليم والولايات العربية المحتلة التي كانت متوحدة تحت حكم الدولة   العثمانية, ودعا إلى إعادة توحيدها تحت ظل دولة عربية واحدة, ومن هنا ظهرت دعوته لتحرير الكويت من بريطانيا,..وتوحيدها مع العراق والإمارات الشرقية لنجد, حيث قام بتأسيس إذاعة خاصة به في قصره الملكي الموسـوم بـ (قصر الزهور), وأعد البرامج الخاصة بتحرير ووحدة الأقاليم العربية, والوقوف إلى جانب فلسطين التي كانت تحت الأحتلال البريطاني,.. والتي كانت في حالة حرب داخلية بسبب تعرضها لهجرات واسعة من المستوطنين اليهود من كافة أرجاء العالم ووقوف القوى الوطنية الفلسطينية بوجه الهجرات، فوقف إلى جانب قادة الثورة الفلسطينية مثل(عزالدين القسام) ومفتي القدس الحاج أمين الحسيني

     

وفاته / توفي الملك غازي في يوم الأربعاء المصادف لـ الرابع من   نيسان سنة 1939 م في حادث سيارة غامض , عندما كان يقود سيارته , فاصطدمت بأحد الأعمدة الكهربائية  التي سقطت على رأسه,...وقد أدلت زوجته الملكة عالية بشهادتها أمام مجلس الوزراء بأنه أوصاها في حالة وفاته بتسمية شقيقها الأميرعبد الأله وصيا على إبنه فيصل.
 **هناك الكثيرمن التكهنات والآراء حول وفاته بسبب بعض الدلائل التي تشير إلى وجود من يحاول التخلص منه,  بسبب تقربه من حكومة هتلرضد الأنكليزذوي النفوذ الواسع في العراق, ومنها التناقض بين تصريحات الأطباء الذين عاينوا الجثة,.. وبين تقرير اللجنة الطبية الخاص بوفاته والذي كان برئاسة الطبيب البريطاني سندرسن , ومنها أيضا إصابته المباشرة في خلف الرأس بآلة حادة وهو يقود سيارته في حين أعلن رسميا بأن سبب الوفاة كان جراء اصطدام سيارة الملك بعمود كهرباء, وهذا ما لا يقبله المنطق, من حيث أن الجسم أذا تلقى ضربة ما, فأنه يسقط في نفس أتجاه الضارب!, كما يرى الدكتور صائب شوكت الطبيب العراقي,.. ان الضربة ليست بعمود كهرباء , كما أن الصورعن سيارة الملك بعد الاصطدام حجبت تماما!, والتي بينت بان الاصطدام من جهة اليمين , في حين كان الملك جالسا في جهة اليسار,.. واختفاء خادم الملك عَبد سَعيد بعد الحادث،...كما اشاراللواء فؤاد عارف (كان قبل الحادث مرافقا للملك) , بانه كان يرسل مفرزة حراسة في الطريق الذي جرى فيه الحادث, ولكن بعد نقله من الحرس الملكي  توقف العمل بذلك الأجراء في تأمين الطريق ولم يتم ذلك أرسال أية مفرزة .
*** تشـيرالوثائق البريطانية إلى وجود مراسلات خاصة بين السـفيرالبريطاني في بغداد, وهو (الســيرموريـس بيترســون), والحكومة البريطانية , حول التخلص من الملك غازي , وتنصيب الأمير زيد بن الحسين بدلا عنه, لكونه حجرعثرة, أمام تنفيذ سياسة بريطانية في العراق,أضافة لأنعكاس ذلك على الوضع في الوطن العربي,.. لما للعراق من وزن مؤثرفي السـياسـة العربية والدولية, بسبب حداثة تكوين بعضها, أوتحت أحتلال الدكتاتوريات النازية والفاشية واليابانية.

 الملك فيصـل الثاني: الملك فيصل الثاني بن غازي بن فيصل بن حسين بن علي الهاشمي ,..  ثالث وآخر ملوك الأسرة الهاشمية , وهو إبن إبن عم  الراحل الملك حسين بن طلال ملك الأردن,... تربع على عرش العراق عام1939 عقب وفاة والده الملك غازي, وأصبح ملكا تحت وصاية خاله الأمير  عبدالآلة حتى بلغ السن القانونية للحكم وتوج ملكا في 2 مايو 1953, حتى مقتله في الربع عشر من تموز سنة 1958 بقصر الرحاب الملكي بالعاصمة بغداد,.. مع عدد من افراد العائلة المالكة, وهو الابن الوحيد للملك غازي ,.. وبوفاته انتهت سبعة وثلاتين عاما من الحكم الملكي الهاشمي بالعراق , ليبدأ بعدها العهد الجمهوري.

  
 
الملك فيصل الثاني
  *** ولد الملك فيصل الثاني في بغداد  في الثاني من مايو (مايس) , سنة  1935, ونشأ فيها ودرس العلوم ومبادئ  اللغة العربية والأدب العربي على يد أساتذة خصوصيين أشرف عليهم الدكتور مصطفى جواد أستاذ الأدب العربي في دار المعلمين العالية (كلية التربية), وأشرفت على تربيته والدته الملكة عالية, وعاونتها في ذلك المربية الإنكليزية "مس ريموس" اذ انه فقد منذ طفولته المبكرة والده الملك غازي في حادث السيارة المعروف , وبعد وفاة أمه الملكة عالية في أواخرعام 1950 م أصبحت الاميرة عابدية (خالته), بمثابة الأم للملك فيصل الثاني, وأنتقل ليسكن قصر الرحاب, بكنف خالته الأميرة عابدية لكي تسهر على تربيته وراحته وتهب لنجدته
حينما تداهمه نوبات الربو , المرض الذي اصيب به منذ الصغر.
المرحلة الابتدائية :
درس المرحلة الأبتدائية في مدرسة المأمونية الواقعة في منطقة الميدان عند منطقة باب المعظم,  وأنهى دراسته الابتدائية في سنة 1947,كما درس فيما بعد في كلية فكتوريا البريطانية في مدينة الأسكندرية في مصر, مع قريبه الملك حسين بن طلال ملك الردن السابق.

 
المرحلة الثانوية:
سافر إلى لندن للدراسة حيث التحق بمدرسة "ساندويس" ثم التحق بكلية "هارو" في 7 مايو  (مايس) سنة 1949, وعاد منها إلى بغداد في 30 مارس (مايس) سنة 1950 ,عاد بعدها إلى لندن لإكمال دراسته أيضاً، لكنه هذه المرة لم يكن وحده بل رافقته أمه الملكة عالية , وكانت أمه إثناء مرافقتها له تستكمل علاجها هناك لأنها كانت مريضة وتزامنت دراسته هذه المرة مع ابن عمه الملك حسين بن طلال الذي كان مقارِبا لعمره وصديقاً حميماً له وكانت تربطهما علاقات متينة إلى أن تخرج فيها بتاريخ 23 أكتوبر (تشرين أول) سنة 1952.
*** تميزت شخصيته بالأدب والاحترام لمن هو أكبر منه سنا ولاسيما أبناء عائلته الهاشمية، اضافه إلى صمته وهدوئه,.. كما وُصف بالصراحة والوضوح أثناء المناقشة أو الجدال,..ولقد كان ومنذ صغره يحب ركوب الخيل ولا سيما تلك الخيول التي تستعمل في السباق,..وكان شديد
التعلق بأمه الملكة عالية بسبب يُتمه المبكروكونه الوحيد لأبويه.
 أحواله الشخصية : كان مخطوباً للأميرة فاضلة يعود نسبها الى رفعت بن أبراهيم بن محمد علي الكبير ووالدتها هي الأميرة خان زاده بنت الأمير عمر فاروق أبن الخليفة العثماني عبدالمجيد الثاني ,..ولم يتم زواجة لمقتلة صباح الرابع عشر من تموز(يوليو) 1958.

 
 
الملك فيصل الثاني مع خاله الأمير عبدالإله
بعد وفاة الملك غازي في 4 أيلول (سبتمبر) سنة 1939 بحادث السيارة المزعوم , فآل العرش إلى ولده الوحيد الملك فيصل, من زوجته الملكة عالية, والذي كان آنذاك في الرابعة من عمره ولهذا تم تعيين خاله الأمير عبدالأله وصيا على العرش فيما كان نوري باشا السعيد,.. هو الذي  يدير الدولة العراقية كرئيس لمجلس الوزراء.
** كان خاله الوصي على العرش الأمير عبدالاله من أكثر المقربين للملك فيصل الثاني لاسيما بعد وفاة والدته الملكة عالية سنة 1950 حيث بقي وحيدا بلا أم بلا أب ولا أخوه ولا أخوات, كل ذلك جعل الملك فيصل الثاني لا يستغني عن مرافقة خاله في جولاته خارج العراق,.. فرافقه في زيارته إلى أيران بدعوة من الشاه محمد رضا بهلوي في 18 أكتوبر (تشرين أول),..وكذلك الى السعودية في 24 ديسمبر (كانون أول) 1957 م.
 ***  وتغيرت الأمور بعد فشل حركة رشيد عالي الكيلاني سنة 1941, وعاد الوصي عبد الاله إلى العراق بمساعدة الأنكليز, كما تغيرت نظرة الشعب العراقي تجاه العرش بشخص الأمير عبد الاله,... ومع هذا ظل العراقيون ينظرون إلى الملك فيصل باعتباره نجل ملكهم المحبوب غازي الأول وكانوا يأملون منه كل خير فرغم ما حدث لم ينقطع الرباط الوثيق الذي اقامه الملك غازي بين العرش والشعب العراقي وظل أمله كبيراً في الملك فيصل الثاني.
 ***كانت الظروف السياسية التي تحيط بالملك فيصل في غاية الحساسية والتأزم, حيث كانت وصاية خاله الأميرعبد الإله عليه وشخصيته القوية والمتنفذة في البلد, إضافة إلى سيطرة نوري السعيد بنفوذه الواسع والمتعدد والمدعوم بشكل مباشر وعلني من الإنجليز, كل ذلك جعل الملك الشاب فيصل في حالة من التردد وعدم القدرة لا يحسد عليها أبدا وهو ذاك الفتى الشاب الهادئ الوديع والذي لا يعرف دروب السياسة الشائكة ولا ألاعيبها المختلفة, ومع كل هذا مارس الملك فيصل الثاني نشاطا ملحوظا لمعالجه المشاكل ألاقتصاديه التي كان العراق يعاني منها, فأولى اهتمامه للجانب الاقتصادي فوضع خطه سُميت بمجلس الأعمار نهضت بإنشاء المشاريع الكبرى والمهمة والحيوية للبلد.

      


*** نجح الأمير عبد الاله في غرس المشاعر في نفس الملك, بانه قادر على مسؤوليات الدولة والحكم وتصريف شؤون البلاد لما له من خبرة في معرفة رجال الدولة وقضاياها وبأنه يستطيع ايجاد الحلول المناسبة لكل موقف وظرف فنشأ الملك فيصل وهو يؤمن في قرارة نفسه ان خاله يستطيع ان يتحمل عنه تبعات الملك بما خلق لديه مسبقاً احساس الاتكال وترك الامور ليتصرف بها، لانه درج على ذلك منذ طفولته حتى وجدها بعد ذلك امراً واقعاً هذا إذا اضفنا ان تقاليد الاسرة الهاشمية كانت شديدة التمسك فيما يتعلق باحترام رأي من هو أكبر سناً وهذا ما جبل عليه افراد هذه الاسرة منذ القدم.
 *** كانت حياة الملك فيصل الثاني  تثير الاسى لدى الكثيرين فوالده مات وهو رضيع وتوفيت والدته وتلقى العلم في بلد غريب, ولم يكن امامه مناص من اتباع مشورة خاله الوصي عبد الاله الذي حرص على ان يبقى المسيطر الحقيقي على الامور بعد أن نجح الوصي في خلق مشاعر الود المتبادلة بينه وبين ابن اخته الملك بما ابداه من عاطفة ورعاية تجاهه,... ولكنه استغل تلك المشاعر ليمارس دور الملك في سياسة الدولة العراقية.
انتهاء فترة الوصاية وتتويجه ملكاً:
** في الثاني من مايو (مايس) سنة 1953, اكمل الملك فيصل الثامنة عشرة من عمره فانتهت وصاية خاله عبد الإله على عرش العراق بتتويجه ملكا دستوريا على العراق, واعلن ذلك اليوم عيداً رسمياً لتولي الملك سلطاته الدستورية, وقد تزامن تتويجه مع تتويج ابن عمه الملك حسين بن طلال ملكاً على الأردن في عمان.  
 ** ظن الناس ان الأمير عبد الاله سيتخلى عن واجبات الوصاية ويترك امور البلاد إلى الملك فيصل لكنه عمل على تقويم الملك فيصل الثاني,.. فاستمر يقحم نفسه في كل صغيرة وكبيرة,.. كما لو ان وصايته عليه ظلت مستمرة الى ما لانهاية!,..وهكذا بقي الأمير عبد الاله خلف الملك يسيره ويأمره,..وما أن تمكن من زرع بذورالطاعة له في نفسه,..لم يتمكن الإفلات من الطوق والاقتراب من الشعب أو الاتصال به وتحسس رغباته ومطاليبه واخذ عبد الاله يصاحب الملك اينما اتجه واينما سافر للتفاوض ويبدو أن الحكام العرب كانوا يدركون موقف الملك فيصل الثاني تجاه القضايا السياسية والمهمة ويعرفون انه دون المهمات المناطة به لقلة تجربته وان الحل والعقد بيد خاله ولي العهد!
*** بدات البلاد عهدا جديدا مع تولي الملك فيصل الثاني حكم البلاد في العام  1953 م. اثر وصوله للسن القانوني وتسلمه العرش  رسمياً من خاله الأمير عبد الاله الوصي على العرش.  
وتميزت الفترة التي قضاها الملك فيصل الثاني بكثرة مشاريع الاعمار وذلك بعد تأسيس مجلس الاعمار الذي وضع خططا لتطوير العاصمة بغداد وبقية المدن, أما عن الصعيد العســـكري فقد بدأت اثار حلف بغداد تظهر للوجود بدخول المعونات العسكرية الأمريكية في صفوف الجيش العراقي, كما ان الجيش العراقي نجح في تجاوزاحدات ثورة 1941 وحرب فلســطين 1948 واستطاع اعادة تتظيم صفوفه مجددا.
*** وأما على الصعيد السياسي,فقد شهدت البلاد استقرارا بسبب عدم وجود منازعات حزبية أو مشاكل بين السياسيين,.. وشهد فبراير 1958 اعلان الاتحاد العربي الذي أصبح بموجبه ملك العراق هو ملك الاتحاد وأصبحت بغداد وفقا لقرارات الاتحاد العاصمة الدورية للاتحاد في حين تصبح عمان العاصمة وشهد أيضا نفس العام تكوين الحكومة الأولى, للاتحاد العربي. .
و في منتصف تموز 1958 حدث انقلاب الرابع عشر من تموز الذي انهى النظام الملكي بقتل الملك فيصل الثاني,... ثم الغى الاتحاد العربي وخرج من حلف بغداد!  

 يتبع / ح 4  مع محبتي

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1040 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع