وعادت سارة بيلين

                                                  

                             د.مارالشوربجي

هل تتذكر، عزيزي القارئ، سارة بيلين؟ إنها حاكمة ولاية ألاسكا السابقة التي ترشحت لمنصب نائبة الرئيس الأميركي مع جون ماكين، حين ترشح للرئاسة في عام 2008.

لقد عادت بيلين للأضواء مجدداً الأسبوع الماضي عبر بوابة دونالد ترامب. فهي، كما قال ترامب، عندما قدمها لتتصدر المنصة لإلقاء خطابها، اتصلت به تليفونياً وأخبرته بأنها تؤيده كمرشح للرئاسة. وقالت الصحافة أن كثير من المرشحين كانوا ينتظرون دعم بيلين.

والحقيقة فإنه لا وجه للغرابة فى تأييد بيلين لترامب، لأسباب سأشرحها حالاً، بقدر ما يكشف ذلك التأييد عن أكذوبة يرددها الإعلام الأميركي كثيراً وهي أن صعود ترامب فاجأ «مؤسسة» الحزب الجمهوري أي قياداته، التي ترفض مواقفه!

ففي عام 2008، حين رشح ماكين نفسه للرئاسة، لم يكن مقبولاً

من جانب اليمين في حزبه، خصوصاً اليمين الديني. وعلاقة ماكين بذلك الأخير علاقة يشوبها التوتر. فهو كان قد دخل مع زعاماته سجالاً علنياً حين رشح نفسه للرئاسة في عام 2000 وصل إلى حد التلاسن المتبادل.

لذلك، عندما ترشح ماكين عام 2008، اختار سارة بيلين، التي يعشقها اليمين بتنويعاته المختلفة لتكون المرشحة لمنصب نائب الرئيس، من أجل أن يضمن خروج هؤلاء للتصويت له.

لكن ما إن انتهت الحملة الانتخابية بفوز أوباما وهزيمة ماكين، حتى انفجر رموز حملة ماكين في سلسلة من اللقاءات ذاكرين انتقاداتهم لبيلين التي صارت منذ ذلك التاريخ عنواناً للجهل بالسياسة الداخلية قبل الخارجية وبعجزها عن أن تمثل إضافة للحملة بل كانت عبئاً عليها.

وسارة بيلين معروفة بتصريحاتها المسلية بدءاً باعتقادها أن خبرتها في السياسة الخارجية كافية لمجرد أنها كانت تحكم ولاية يمكنك أن ترى منها روسيا(!)، ووصولاً لعجزها عن أن تذكر اسم جريدة أو مجلة واحدة تحرص على قراءتها، ناهيك عن قراءة الكتب! لذلك لا شيء مستغرب في تأييد بيلين لدونالد ترامب.

فهو مثلها على ما يبدو لا يحب القراءة هو الآخر. فهو حين سأله صحافي عن مصدر معلوماته أجاب بأنه البرامج الحوارية! وسارة بيلين لديها ميل واضح للعداء لما تجهله.

وهي في الحقيقة تجهل العالم من حولها، الأمر الذي جعلها تعادي أغلبه من دون مناسبة. وتلك هي بالضبط النزعات التي عبر عنها ترامب الذي يريد منع المسلمين من دخول أميركا وأهان المكسيك وغيرها من الدول، ولم يترك أقلية أميركية إلا وأهانها.

غير أن تأييد بيلين لدونالد ترامب وما قالته في خطابها يفضح أسطورة الإعلام الأميركي التي تزعم أن قيادات الحزب الجمهوري ترفض مواقف ترامب. فصعود ترامب في استطلاعات الرأي لم يكن ممكناً أصلاً لولا ما فعلته تلك القيادات على مدار الأعوام الثمانية الماضية ووصفته سارة بيلين فى خطابها «بالحركة» اليمينية.

فبعد هزيمة جون ماكين أمام باراك أوباما في نوفمبر 2008، قامت قيادات الحزب الجمهوري بالبحث في أسباب الهزيمة، التي صار معها الحزب في الظل تماماً، ليس فقط بخسارة منصب الرئاسة وإنما بتولي مقاعد الأقلية في الكونجرس بمجلسيه.

غير أن الحزب لم يكن أميناً مع نفسه في تحري أسباب هزيمته ومعالجتها. وبدلاً من أن يعترف بأن فوز أوباما كان نتيجة لاستعداء الجمهوريين للأقليات والمرأة والشباب، راح الحزب يبحث عن استعادة أغلبيته في الكونجرس بأي ثمن وبأية وسيلة.

فكانت وسيلته السهلة هي اللعب على مخاوف البيض الذين كان فوز أوباما بالنسبة لهم بمثابة تذكير مستمر بالتغير الديمجرافي الذي تشهده أميركا والذي يرفضونه بطبيعة الحال، لأنه يعني أنهم في غضون عقود قليلة سيصبحون الأقلية. لذلك، سمحت «مؤسسة» الحزب الجمهوري بكل أشكال التطرف تحت راية الحزب ما دامت ستحقق الفوز.

وقد قاد هذه المعركة داخل الكونجرس مجموعة صغيرة من الأعضاء الأصغر سناً والذين قادوا حملة لمساندة مجموعة من المرشحين الجدد لمقاعد الكونجرس كان كل المطلوب منهم بعد فوزهم هو تبني الرفض المطلق لأي سياسات يتبناها أوباما أو الديمقراطيون، بهدف إفشال أوباما وانتزاع البيت الأبيض في 2012 ولهزيمة الديمقراطيين ثم الاحتفاظ بالأغلبية في الكونجرس.

وقد ذهبت تلك القيادات لأبعد مدى في غض الطرف عن مواقف وخطاب سياسي بالغ التطرف.

وقد تحالفت تلك الاستراتيجية مع الإعلام اليميني الذي كان يبث أفكار الكراهية ضد الأقليات والمهاجرين فضلاً عن خطاب متطرف في السياسة الداخلية والخارجية على حد سواء.

ورغم أن مثل هذا الخطاب أدى لاستياء قطاعات واسعة من الجمهوريين المعتدلين الذين وجدوا أن الحزب لم يعد يعبر عنهم فهجروه، إلا أنه أجج في الوقت نفسه ما أطلقت عليه سارة بيلين في كلمتها «الحركة» اليمينية.

تلك الحركة صارت اليوم هي ببساطة القاعدة التي تؤيد دونالد ترامب بل وتدعم وتيد كروز، الذي هو، بالمناسبة، من أكثر أعضاء مجلس الشيوخ صدامية. لكن هذه الحركة ما كان بإمكانها أن تنمو بالشكل الذي هي عليه الآن لولا تواطؤ قيادات الحزب الجمهوري ولو عبر الصمت على تطرفها.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

835 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع