د.طلعت الخضيري
ألمواجهه
بعد قليل من إعلان وصول باكستر ،ودخوله إلى صاله ألمنزل ، يتبعه شخصان يحملان صندوق، وضعت به نبته ألتوليب ألسوداء.
وترك ألأمير مكتب صاحب ألدار ودخل ألصاله ،ونظر بسعاده إلى تلك ألورده ألمعجزه ، ثم عاد إلى مكانه السابق في ألزاويه ألمظلمه من ألمكتب.
وعندما سمعت روزا صوت الرجل ،صاحت وهي شاحبه الوجه ( إنه هو ، إنه هو) فأومأ لها ألأمير بالذهاب إلى ألصاله ، و ما أن رأت ألورده حتى أجهشت بالبكاء وهي تولول ( إنها وردتي ، إنها وردتي ، مسكين أنت ياكورنيليوس)ونهض الأمير وذهب إلى باب ألصاله وألقى نظره إلى ما كان يجري أمامه ، ثم عاد إلى مكانه السابق في ألمكتب ، وأمر بوكستل بالدخول إلى المكتب بينما كانت روزا تراجع نفسها ، بعد أن شاهدت ألأمير في ضوء ألصاله األساطع ، وأنها قد سبق وأن إلتقت بذلك ألشاب‘ ثم تبعت بوكستل إلى المكتب.
وعند دخول بوكستل ألمكتب تتبعه روزا ، فوجأ برؤيه ألأمير، وصاح وهو ينحني أمام سيده (سيدي ألأمير ؟ ) ورددت ذلك روزا مندهشه ( سيدي ألأمير؟) وعندما سمع بوكستل صوت روزا ، أدار وجهه نحوها ، وظهرت عليه علامات ألدهشه وألرعب.، وقد لاحظ ذلك ألأمير وتمتم ( أه يظهر لي أن ألرجل أظهر نوعا من ألقلق عند رؤيه الفتاه) ، ولكن بوكستل تمكن بعد لحضات ألسيطره على مظهره ، واسترجع ثقته بنفسه.
وبدأ ألأمير إستجواب ألرجل قائلا:
- سيد بوكستيل ، يبدو إنك قد أكتشفت سر ألتوليب ألسوداء؟
- نعم ياسمو ألأمير.
وظن الأمير أنه قد لاحظ نوع من ألتردد في جواب ألرجل ، ولكنه من ألممكن أن يكون ذلك نتيجه ظهوره أمامه.
- ولكن هناك فتاه تدعي أنها أيضا إكتشفت ذلك ألسر؟
وابتسم بوكستل بتكبر وهز كتفيه بلا مبالاه.
- هكذا إذا إنك لا تعرف هذه ألفتاه ؟
- كلا يا سيدي.
-وأنت أيتها الفتاه هل تعرفين ألسيد بوكستيل ؟
- كلا إنني لا أعرفه بهذا الإسم بل بإسم ألسيد جاكوب.
- ماذا تعنين؟
- إنني أعني أن ألشخص ألذي هو أمامي هنا وإسمه إسحاق بوكستل ، هو الشخص ألذي كان يسمي نفسه جاكوب في قلعه لوفشتاين.
- وماذا تجيب يا سيد بوكستل ؟
- إنني أقول لسموكم أن الفتاه كاذبه.
- وهل تنفي زيارتك تلك القلعه؟
وتردد الرجل في ألإجابه وكانت أعين ألأمير تراقبه ، مما منعه مواصله الكذب فأجاب:
- كلا يا صاحب ألسمو ، أنا لا أنفي زياراتي لقلعه لوفشتاين ولكني أنفي سرقه ألنبته.
وصرخت ألفتاه - لقد سرقتها مني ، وكانت هي في غرفتي.
- إني أنكر ذلك.
وأخذت روزا تخاطبه وتذكره بجميع ألوقائع ألسابقه ألتي جرت معه في القلعه ، وتتبعه لها حتى إنتهت بتلك السرقه.
وتجاهلها بوكستل وتوجه مخاطبا ألأمير:
- أود أن أشرح لسموكم إنني منذ عشرون عاما وأنا مهتم بزراعه أوراد ألتوليب في مدينه دوردرخت ، وقد حصلت على بعض الشهره في ألمدينه بما يخص ذلك ألمجال ، وأصدرت كتيبا بإسمي عن تلك الورده ، وأن هذه الفتاه قد علمت إكتشافي لتلك الورده السوداء ، فتواطئت مع عشيقها ألذي هو سجين في القلعه للإستيلاء على ألجائزه ألتي ستمنح لمكتشف تلك ألورده لسلبها مني.
وصرخت روزا محتجه على هذا الأتهام ألبذيىء، ولكن الأمير أمرها بالسكوت ، ثم سأل الرجل:
- وما هو إسم ذلك العشيق في ذلك السجن ؟
وارتجفت روزا من الخوف لعلمها أن حبيبها يعتبر لدى ألدوله من أخطر ألسجناء السياسيين ، أما عدوها فقد غمره السرور عند سماعه ذلك السؤال وأجاب:
- إنه سجين سياسي خطر ياسيدي الأمير ، وقد كان قد حكم عليه بالموت قبل ذلك.
- ماإسمه ؟
- إنه كورنيليوس فان بيرل ،وهو من أقارب ألحقيرين كورنيل وألبير ويت ، ألذان تآمرا ضد ألحكم الجديد ونالا عقابهما.
عند سماع الأمير ذلك الأسم ، إتقدت عيناه بالشرر ، وظهر الغضب على قسمات وجهه ، ولكنه استرجع بسرعه وجهه الهادء والصلب ، ثم أشار إلى روزا أن ترفع يداها عن وجهها من الرعب والخوف بعد أن سمعت عدوها ينطق إسم حبيبها وأقربائه.
- أجيبي أيتها الفتاه ،هل كان سبب طلبك لي في مزرعتي في مدينه لايدن ، نقل والدك إلى ذلك السجن هو في سبيل لقائك بذلك السجين؟
- نعم ياسيدي.
ثم أمر الأمير بوكستل أن يستمر في التحدث.
- إنني يا سمو الأمير قد أتيت إلى منطقه لوفشتاين لقضاء بعض أموري الخاصه ، وصادف أن تعرفت بالسجان غريفوس ، وأحببت بعد ذلك إبنته ، وعرضت عليها الزواج بعد أن أخبرتها أن حالتي الماليه ليست بعاليه ، ولكنني أتأمل نيل الجائزه التي عرضتها مدينه هارلم ، بعد أن اكتشفت أنا ورده التوليب السوداء ، وستكون تلك الجائزه مهرا لزواجنا ، ولقد عرضت أمامها الورده ، لذا تآمرت مع عشيقها للنيل مني ، والحصول على الجائزه الماليه، ولقد سرقت مني النبته ووضعتها في غرفتها ، ولكنني استطعت استرجاعها والحمد لله ، حين بلغت بها الوقاحه أن ذهبت إلى خارج السجن ، لتسلم أحد معارفها رساله إلى ألسيد رئيس البلديه مدعيه إنها هي التي اكتشفت الورده ، ولحسن الحظ أنها نسيت غلق باب غرفتها مما أتاح لي الفرصه لاسترجاع نبتتي والتوجه بها إلى هذه المدينه.، ومن المحتمل ياصاحب السمو إنها استطاعت
،عندما كانت النبته بحوزتها أن تريها للغير ،على أنها نبتتها ولتجعل منهم شهودا إذا اقتضى الأمر.
وانخرطت روزا بالبكاء وأخذت تولول( أيها الحقير،أيها الحقير) وجثت أمام الأمير والدموع تتساقط من عينيها.
وشعر الأمير بالشفقه نحوالفتاه مع أنه فكر إنها مذنبه حقا،ولكنه قال:
- لقد أخطأت يافتاه، إنك فتاه ساذجه وقد غرر بك ذلك السجين ، لذا لن أعاقبك وسأفعل ذلك بحبيبك فيما بعد.
وصرخت الفتاه :
- سيدي ، سيدي إن كورنوليوس غير مذنب.
- ماذا تقولين ؟ تقولين أنه غير مذنب؟
- أود أن أقول ياسيدي ، أن كونوليوس لم يكن مذنبا ، لا في ألمره ألأولى ولا في ألمره ألثانيه.
- هل تعلمين ماكانت هي ألجريمه ألتي عوقب بها,؟ وهل تعلمين أنه كان متآمر مع كورنيل فان ويت ، وأخفى في بيته مراسلات الأخير مع الوزير الفرنسي ألماركيز لفوا؟
- إنه كان يجهل ياسيدي ، ماهيه تلك ألمراسلات ألتي أودعت أمانه لديه ، وأحلف بالله إنه أخبرني دوما بذلك ، وهل كان يخفي عني أي سر ياسيدي؟ وإني أصر على قولي حتى لو أغضب ذلك سموكم .
وتدخل بوكستل بالقول :
إن سيدي ألأمير يعرف كل شيء ,وأنه رحم ذلك المجرم بتبديل الحكم عليه.
وهنا تدخل ألأمير قائلا:
- لا تتدخل في أمور السياسه ياسيد بوكستل .
وتوجه ألأمير وليم أورانج نحو الفتاه قائلا:
- إنك يافتاتي قد تورطت في تلك ألجريمه ولكنني سأعفو عنك ، أما ألمجرم ألحقيقي ،فسيدفع ألثمن بدل ألأثنين منكما.، إن شخصا يحمل إسما رفيعا كإسمه يمكنه أن يتآمر وحتى أن يخون ، ولكن لايحق له أن يسرق.
وانبرت الفتاه تصيح بغضب:
- يسرق ؟هو كورنوليوس يسرق؟ إحذر ياسيدي ألأمير، إنه سيموت لو أنه سمع ما تقوله ألآن ، كما لو كان فعل ذلك سيف ألجلاد في لاهاي ، وإني أحلف أمامك أن ألرجل الآخر هو السارق.
وتدخل بوكستل ألذي كان على وشك أن يترك ألصاله:
- إذا قدمي برهانك لسيدي ألأمير.
وأجابت روزا بصلابه؛
- نعم وبمساعده ربي سأستطيع أن أبرهن ذلك.
ثم توجهت بالكلام نحو بوكستل:
- هل إنك مالك ورده ألتوليب؟
- نعم.
- وكم عدد ألقطع ألتي احتوتها بصله تلك ألورده ؟
وتردد قليلا بوكستل وفكر أن الفتاه ما كانت توجه له ألسؤال لوكانت ألبصله قد احتوت على قطعتين فقط فأجاب؛
- ألبصله إحتوت على ثلاثه قطع.
- وما تمت عليه ألقطع ألثلاثه ؟
- ألقطع ألثلاثه ؟ ألأولى هلكت ، والثانيه أعطت ألورده السوداء.
- والثالثه؟
- تقولين ألثالثه ؟
- نعم أين هي ألقطعه ألثالثه؟
وأجاب بوكستل وقد ظهرت معالم ألقلق على وجهه :
- إنها لدي.
- لديك أين؟ في لوفشتاين أم في دوردرخت؟
- إنها في دوردرخت.
- إنك تكذب.
وتوجهت روزا نحو ألأمير قائله له :
- سيدي ألأمير، سأخبرك قصه تلك ألقطع ألثلاث ، إن ألقطعه ألأولى كانت عند كورنوليوس و قد حطمها والدي ألسجان ،أما ألثانيه فقد أعتنيت بها وأعطت ألتوليب ألسوداء ، أما ألثالثه فهاهي وقد وهبها لي كورنوليوس مع ألقطع ألأخرى قبل صعوده منصه ألإعدام ، ملفوفه جميعها بهذه الورقه ، وأخرجت روزا القطعه الثالثه ملفوفه في ألصفحه ألأولى من الكتاب ألمقدس ، والتي سبق أن كان ألسجين كورنيل قد كتب عليها رسالته إلى قريبه كورنوليوس، وسلمتها إلى ألأمير وهي تقول :
- خذها ياسيدي ، خذها.
واستلم ألأمير ألقطعه الثالثه ملفوه بتلك ألورقه وأخذ يقرأ ما كتب على تلك ألورقه.
وخلال قرائته تلك الورقه ، أكفهرت تقاطيع وجهه ، وأخذت يداه ترتجفان ، وظهرت عليه علائم ألألم والشفقه. ولم تكن تلك ألورقه إلا ألصفحه ألأولى من الكتاب المقدس والتي سبق وأن أشرنا إليها ، وهي ماكتب عليها كورنيل فان ويت وهو في سجنه في لاهاي وقبل اغتياله مع أخيه ‘إلى قريبه كورنوليوس ، يطلب منه أن يتلف ألمستندات ألتي أمنها لديه ، بدون أن يعلم كورنوليوس ماهيتها أو فحواها ،والتي تثبت برائته من علمه أو إشتراكه في الأمور السياسيه.
إن تلك الورقه أثبتت إلى الأمير برائه كورنوليوس ، و امتلاكه القطعه الثالثه لبصله التوليب ودليل على إحتمال أن يكون هو صاحب اكتشاف ورده التوليب ألمتنازع على ملكيتها.
وتبادل ألأمير وروزا ألنظر بعد ذلك ، وكأن روزا تستعطف ألأمير وتقول له أنظر هذا البرهان ، أما نظره الأمير فكأنها كانت تعني أنا الذي سيقرر ما يلي، إنتظري ذلك.
ونزلت قطرات بارده من جبهه ألأمير ، إنحدرت على خديه ، وكأنها علامه خجله وندمه ، على القرارات السابقه التي أتخذها في تلك القظيه وما سبقها ، بما يخص الأخوين كورنيل وألبير.
ورفع ألأمير رأسه وتوجه بالكلام إلى ألمحتال بوكستر قائلا له ( إنصرف وأن العداله ستأخذ مجراها ، إنني أعدك بذلك) ثم وجه كلامه إلى رئيس البلديه:
- أبقي معك الفتاه و ورده التوليب السوداء يا سيد سيستن ، ستتحقق العداله ، إنني أعدك بذلك.
وغادر ألأمير ألقاعه بعد أن إنحنى أمامه ألحضور ، وودعته ألجماهير المحتشده أمام الدار بالهتاقات.
ورجع أللص بوكستل إلى فندق ألوزه البيضاء وهو في غايه الهم والقلق ، بعد أن رأى تأثر الأمير عند قرائته تلك الورقه ، وقطعه البصله ألتي سلمته له روزا.
واقتربت روزا من نبته التوليب وقبلت إحدى أوراقها ثم تمتمت بصوت خافت :
أشكرك يا إلاهي على مساعدتك لي ، للدفاع عن ألمظلوم كورنوليوس وتبيان الحقيقه ،و قد يحصل الفرج عن محنتنا أنا وكورنوليوس.
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://www.algardenia.com/maqalat/21195-2016-01-10-16-14-16.html
985 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع