القائمقام أبوعَـزام ! الجزء الأول/١٩

                                           

تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
 أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً

     
القائمقام أبوعَـزام !
رواية واقعية تنقصها الصـراحة,من الحياة الأجتماعية
في العراق,.. في الحقبة بين سنة 1948- 1958م

تنفيذاً لموعد قطعه الدكتورسرحان بدعوة صديقه الدكتوردايخ,وحرصاً منه لتخفيف تشنجه وأخراجه من الأزمة النفسية التي ألمت به هذا المساء , بسبب زعل الممرضة ليلى , وتركها العمل في العيادة , لذا أصرعلى أصطحابه الى أحد النوادي الليلية في بغداد,.. ثم أكل الســمـك المسكوف في أحد مقاهي شارع أبو نواس, وتم الأتفاق وتوجها في الموعد المحدد,..وتمكنا من الحصول على مقاعد بالقرب من المسرح, حيث كانت الراقصة وسيمة وتجيد الرقص على نغم أغنية سيدة الطرب وموحدة العرب (أم كلثوم), فأنسجم الدكتوردايخ لكلماتها,.. ورددها بصوت خافت,.. فيــسعد الدكتورسرحان لرؤية صديقه نشواناً ومنسجماً مع الأغنية, ويقول : آمل اللقاء غداً في (المشتمل), لتتعرف على زوجتي" نسمة " التي دوختها بالحديث عن صديق عمري,.. الدكتور دايخ, فأرجو أن تطرد من ذهنك ما حدث لك مع ليلى, وأعتقد أنه سوء فهم سيزول في أول لقاء قادم, فيهزدايخ رأسه بالموافقه, ولكنه مازال حزيناً,فيسـرد عليه النكات وأخبارالساعة في (كسمايو وغونتنامووموزامبيق وجمهورية همجـستان),.. فينفجردايخ بالضحك,.. ثم يدخل سرحان معه بحديث جدي, قائلاً: لا تهتم يا صديقي , أن تصرف ليلى كان ضرباً من الدلال,..  فهي على ثقة تامة بتعلقك بها وكانت حائرة في أخذ القرار, بسبب الصدمة من زواجها الأول, فالنساء لديهن مقياس واحد لكل الرجال, ولذا كانت تتربص الفرصة لأخبارك عن أسرارها, ولا يمكن لأمرأة أن تبوح بها ما لم تكن على ثقة  بدخولها قلبه!,فهل كنت وأياها بمستوى الصراحة بمشاعرك,أم جـُلَ حديثكما حول المرضى, وكم مازال بالأنتظار؟,  ولم تسألها عن أحلامها ولا مشاكلها, فأنت معها كأنك سي السيد(الرجل المستبد باللهجة المصرية),.. فما من أمرأة تكشف أوراقها لرجل طلسم مثلك؟,..فيعترف الدكتور دايخ بأنه كان فعلاً (دايخا) , وتعهد بمفاتحة ليلى بمشاعره وطلب يدها رسمياً,.. ويـُثـني ســـرحان على ما قاله دايخ , فيقول:  
* كل ما في الأمرأن ليلى لم تجد الجرأة الكافية لمصارحتك بالحقيقة,..فمن المحال لأمرأة تعمل كموظفة في عيادتك لها القدرة بأن تبوح بعواطفها لسيدها في العمل, ففي هذه الحالة يكتفي رب العمل بأستغلالها لأرضاء نزواته الجنسية ولا يفكر البته بالزواج,.. فالبنت الشريفة لا يمكن أن تكون رخيصة أمام رب العمل أو الشخص المعجب بها,.. والأمر بالنسبة لليلى أشد تعقيداً, فقد توشحت بلقب (مطلقة),بنجمة واحدة ولا تريد أضافة نجمة أخرى أذا ما فشــلت لا ســامح الله, فعليك بيان أخلاصك ونيتك الشريفة معها, عندئذ سـَتفتح لك كل الأبواب الموصدة وتطلب منك الأسراع في طلب يدها !
* يثمن الدكتوردايخ محاضرة صديقه, ألا أنه أبدى تخوفه من الثقة بليلى , فأنه لم يراها منفعلة كما رآها هذا اليوم!, فيجيبه سرحان هذه هي طبائع النسوان,عليك معاملتها كالماء في الصينية, ويستمر الحديث على نفس النسق لحين مجيئ الساقي حاملاً المشروب وصحون (المزات),وبدأ
الزميلان بتبادل النخب وتذكر سرحان أيام الدراسة في لندن وكيف صارالآن ملتزماً بالعائلة,..
فهو لم يذق أي مشروب منذ مغادرته لندن, فيشعردايخ به ويقول له مـُداعباً : بــس لا تروح   أدوخ , يكفينا دايخ واحد, فيضحك أبو أحمد على حبكة زميله ويقول: لا تخاف فأنا منذ الولادة سرحان ,..وسأضل ســـــــرحاناً, ويقول :
دع الأيام تفعل ما تشاءُ = وطب نفساً أذا حضـرالقضاءُ
* وهكذا مـَرَ الوقت سريعاً,..وهما في نشوة مع الرقص والغناء,...ونسيا مركزهما في المجتمع ورددا مع  المطربة أغنية المطربة نهاوند: أين ياليل صباباتي وأحلامي وعرسي ؟, ظناً منهم,
بأنهما مازالا بدورالشباب!, ولكن هيهات,.. الزمن لا يعود للوراء البته!
 ***رغـبَ معالي وزير المعارف السيد أبوعزام, زيارة المدرسة التي تدرس فيها أبنته نيران
وما أن وصلت سيارة معاليه صباح أحد الأيام باب المدرسة, حتى نهض فراش المدير مـُسرعاً لأخبار الأدارة , فيهب المدير ومن كان في مجلسه لأستقبال معاليه, وبعد مجاملات عامة, قال الوزير: في الحقيقة أن أبنتي "نيران" طالبة في مدرستكم في الصف الأول,..فيسعد المدير لهذا الخبر ويعلم الوزير بأستعداده لتنفيذ طلباته!,..ويعقب معاليه: في الحقيقة بيني وأم الطفلة مشكلة
حالت دون معرفة البنت أني والدها!,ولا أريد أن تعرف ذلك بصورة مفاجئة الآن,فيبدي المدير أسفه, ويتعهد بتنفيذ كل ما يأمر به, فيشكره,.. ويطلب أن يسمح له بأخذ أبنته لشراء بعض ما يلزمها من الضروريات, وقبل موعد أنتهاء الدوام سيعيدها,.. فيوافق المديرعلى تنفيذ رغبتة,..
ويرافقه بالتوجه الى الصف الذي فيه " نيران ",.. وكلم المعلمة,.. حول الموضوع, وفي الحال أستدعت المعلمة " نيران " وأصطحبتها الى جهة بعيدة, وسارالمديرخلفهما, ثم سألتها :
 * "نيران" لو رأيت والدك ,..هل ستعرفينه؟,..فأجابت الطفلة: لا, لأني لم أراه ألا بالصور, وهو مازال خارج العراق , وسوف يعود, فتستدرجها المعلمة بالحديث لتعدَها لرؤية والدها, وتقول لها : وأذا عاد من السَــفـر, هل ترغبين برؤيته ؟, فتجيب " نيران " : طبعاً, طبعاً,..  
*  فتطمأن المعلمة لنجاح خطتها, وتسألها : وهل ستقبلينه أذا ظهرأمامك ؟!, فتجيب : سأبوسه عدة مرات ! , وعند باب الأدارة , حيث يجلس الوزيرتقول المعلمة لـ " نيران",والآن أغمضي
 عينيك , ولا تفتحيها حتى أطلب منك ذلك, وتصل المعلمة مقابل الوزير, و" نيران " بجانبها مغمضة وما أن يشاهد أبو عزام أبنته أمامه وهي مغمضة, حتى تنهمردموعه بغزارة, وكاد أن يرفعها ويضمها الى صدره, فتمنعه المعلمة بالأشارة, فيمتثل لرأيها, ويعود لأتزانه وهدوئه,.. ثم تأمر نيران بفتح عينيها,.. وتقبيل الرجل الماثل أمامها, ألا أن " نيران ", راحت تنظر له بأستغراب !, فحاول أن يطوقها  بين ذراعيه ويرفعها ليقبلها,ألا أنها هربت وأسـتخـَبت وراء المعلمة, وراحت تصرخ : لا, لا, هذا ليس أبي!,..هذا كان مع زوجته في بيتنا, ولو كان أبي لأخبرتني أمي عنه ولنام عندنا , ألا أنه خرج مع زوجته الى بيته!
* حاول الوزير ترميم الموقف, ولكن من دون جدوى,..حيث الطفله أزدادت ألتصاقاً بالمعلمة,
والوزيرينظرللمعلمة آملا منها المساعدة ولكن لم تنفع توسلات المعلمة بها,..ثم يغريها بشراء كل ما تطلبه من ملابس جميلة وعروســه تتكلم وترقص , ولم تذعن " نيران " لكل المغريات وضلت مختبئة خلف المعلمة, وتصرخ بوجهه,لا,..لا,.. لن أخرج معك,.. أنت ليس أبي!
 *** تتصل على الفورالفراشة المكلفة بمراقبة " نيران " تلفونياً بالسيدة " لهيب ", وتخبرها  بالحدث, فتغضب أم نيران, وتنادي على السائق لينقلها الى المدرسة,لتواجه مديرها والمعلمة على سوء تصرفهما من دون الرجوع أليها , وما أن تصل , يقابلها المدير بكل حفاوة ويعتذر منها عن وقوع المعلمة بخطأ غير مقصود, ويطلب أن لا تزج طفلتها في مشاكلها العائلية,لأنه سيؤثرعلى دراستها وصحتها,.. فتتفهم موقف المدير,..وتـَصـُرف المعلمة, فتهدأ قليلاً, ويُعقب المديرعلى حديث " لهيب " قائلاً,أنني على ثقة بعدم رغبتك بتأزم الأمور,.. ثم تتدخل المعلمة في الحوارالمستعر قائلة: أتكلم معك يا أم" نيران " بصفتي أمرأة مربية مررت بظروف مماثلة كالتي تمرين بها الآن, وليس دفاعاً عن الوزير,أوخوفاً منه, فالمسامح كريم,..فلا تجعلي الطفلة تدفع ثمن خلافك مع أبيها , فليس لها ذنب بتدهورالعلائق بينكما, لذا أرجو أن لا تحرمي أبنتك من حنان أبوها!
 
*** بعد أنتهاء الدوام تعود "لهيب" الى بيتها مُصطحبة معها " نيران " و"أحمد" فتجد سـرحان
واقفاً ينتظرها, فتقص عليه (أللي صار وجرى),.. مع معالي الوزير!
*** تنتكـس صحة أم عزام , فيتصل معالي الوزيربالطبيب المشرف على علاجها , فيحضر على الفور, وبعد أن يجرى كافة الفحوصات, يَطلب من الوزير مرافقته لخارج الغرفة, فيقلق أبو عزام,.. ويسأل الطبيب عن وضعها الصحي,..وبدلاً من أن يجيبه,.. يَســأله:
* قل لي يامعالي الوزير, هل أجريتم لحرمكم عملية جراحية سابقاً ؟, فيجيبه: نعم!, لقد رفعنا
منها الرحم , حيث شك الأطباء في حينها بوجود ورم خبيث,..وبعد العملية تحسـنت صحتها,
فما الذي جعلها تنتكس مرة أخرى؟,..فيصمت الطبيب مبدياً تعاطفه مع المريضة, ويقول :
لابـُدَ من أعادة الفحص , فمن المحتمل عدم تنظيف المكان بصورة جيدة,..والطب تطوركثيراً,  وسنعيد الفحوصات, وأملنا بالله كبير, ولولا الأمل لوجب الحزن,وسأعطيها مسكن, وستنام , وأتصلوا بي على الفور أذا ما شعرت بألم,..ثم يتناول حقيبته ويودع معالي الوزير,..ويخرج.
*** بينما الدكتور سرحان في حوار مع زوجته " نسمة " يـُسمع رنين جرس الباب,.. فيهرع سرحان لفتحه, فيجد السيدة " لهيب ", بصحبة أبنتها " نيران " فيرحب وزوجته "نسمة" بهما
وتصحبهما الى غرفة الضيوف.
* ما أن أنتهت المجاملات المعتادة,يجلس سرحان بالقرب من " لهيب ", وأنتهز خروج زوجته لتحضير الشاي,.. فيخلو له الجو, ويمطرها بأسألة لا معنى لها,.. حتى يـُكـسـرالحاجز بينهما,
فـَتنتهز " لهيب " وجود سرحان بالقرب منها,..فتحدثه برحابة صدر, وتسأله عن مشاهداته في بغداد وسلوك بنات الجامعة معه؟,..فـيُـسـَر لتبادل الحديث الودي معها,.. ثم تدخل نسمة محملة بصحن الفستق وقوري الشاي والأستكانات,فتغير" لهيب " حديثها, وتـَسـرد عليه ما حدث اليوم لنيران,..وتطلب منه أرشاد لكبح أنفعال "نيران", فيما لوعلمت أن الذي زارها في المدرسة أنه أبوها الحقيقي!,..فيقول لها سرحان : لقد تأخرت ً, فمن المفروض مصارحتها بالحقيقة حتى لو كانت مـُرة ,.. فمن الخيرلها أن تعرف القصة منك , وأن لا تسمعها من الآخرين!,..ويستطرد:
بالكلام,.. و" لهيب " تنظر له بحيرة وتقول: فما العمل يادكتور؟,.. فيمعن النظربوجهها قائلا:
* سنتعاون فيما بيننا , ولا بـُدَ من أن نجد حلاً لها, فحالة " نيران" ليست الفريدة,... ومن الآن
يجب أن نمهد لها خارطة طريق نـُلزم بها كل المحيطين بها في المدرسة والبيت!
***توجهت " نسمة " الى المطبخ لتتفقد ما أعدته لعشاء الضيوف هذه الليلة التي ستشهد أحداثاً غريبة بسبب نوعية الضيوف,.. وفق ما أكد لها زوجها الدكتورسرحان يوم أمس عندما رغبت بمعرفة ســـيرة الضيف القادم,.. فنصحها بالصبرلحين موعد العشاء , وترى المفاجئة, فراحت
تتكهن بما سيحدث, وصارت مفعمة بالفضول والغيرة لمعرفة ما داربينهما من حديث,ثم عادت لغرفة الضيوف, حيث يجلس زوجها بوضع مـُريب مع الضيفة, وبادلتها النظرات مع أبتسـامة ذات مغزى, فحـَدســَت " لهيب " بذكائها الخارق ومعرفتها بخصائص بنات جنسها, القلق على وجه " نسمة ", وبمداخلة ذكية سـألت الدكتورسرحان: هل تـَحــس بجمال" نسمة " الفطري؟, كم هي جميلة ووسـيمة,أنها فعلاً كنسمة الصباح في شطرتكم الحبيبة!,.. فيجيبها سرحان :
 * أنها حبيبتي, ونور عيني,..ويشهد الله لم تدخل حياتي أنسانة قبلها ولابعدها, هي حبي الأول والأخير, فأبتسمت "نسمة" ودخلت على الخط قائلة: أحم,.. نحن هنا !, وماذا عن الأنكلزيات؟, فأدرك سرحان النيران المتأججة بصدر"نسمة" بسبب غيرتها, ووجه كلامه للسيدة " لهيب ":  * البنت الأوربية أشبهها بالوردة الجورية ننتعش بعبيرها عندما نـشمها,في حين البنت الشرقية الجميلة , تسحر الناظر لها من على بعد, ونظرة منها قد تـُغيره ويشم عبيرها من على بـُعد !,
ولذا يفشل شبابنا بتوطيد علائقه مع الأجنبيات,..وقد قالت لي أحدى الطالبات الأنكليزيات,..أن من يرغب بالأرتباط بأجنبية عليه خلع ملابسه في مطار لندن ويلبس ملابسنا, ويَحـسـب ألف حساب لعاداتنا وتقاليدنا,أذا ما قررالأقتران بها,.. فالبنت الأوربية ممتازة بتصرفاتها أمام الناس خارج البيت, ورديئة بل لا تطاق داخله, فهي غيرملتزمة بالأعمال الأدارية وتطلب من زوجها مشاركتها في كل أعمال البيت,..فتجده تارة يطاوعها لغرض في نفسه وتارة (يطنش), أذا كان (زهكان) من عمله ومن المنافقين !,.. وأذا لم يكيف الشخص نفسه ليعيش وفق رغباتها ,..فأن
 حياته ستكون جحيماً !, وأذا لم يستطع ترويضها فستنهي علاقتهما بالطلاق, وعودتها لوطنها, وفي جعبتها ذكريات مريرة عن زواجها الفاشل!
يتبع في الحلقة/ 20 مع محبتي

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

http://www.algardenia.com/maqalat/20744-2015-12-17-22-21-02.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1088 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع