خطوات وأد عراقيتنا

                                                                   

                                   د.علي حسين الياسري


ولدت في بغداد منتصف الخمسينات و انتهيت دراستي الثانوية في الاعدادية المركزية ببغداد و تخرجت من جامعة بغداد عام 1977 و عملت في الجامعة المستنصرية ثم سافرت لاكمال الماجستير ثم الدكتوراه في فلوريدا في الولايات المتحدة. خلال كل تلك الاعوام لم نكن مسلمين و مسيحيين و صابئة، بل كنا عراقيين. لم نكن عربا و كردا و تركمان، بل كنا عراقيين. لم نكن سنة و شيعة ، بل كنا عراقيين. صحيح كنا بغاده و مصالوه و بصاروه و شراكوه و معدان و لكنا كنا منصهرين في بوتقة اسمها العراق، و كنا جميعا (أو على الأقل هذا ما تصورته في حينها) فخورين جدا بذلك. كان العراق قدرنا و أملنا و رمزنا. فماذا حصل لنكفر بالعراق و بكل ما يربطنا به؟ لماذا أصبحت عراقيتنا وصمة عار نهرب منها؟ لماذا أصبح العراقي أخس من يتم التعامل معه في كل مطارات الأرض و نقاطها الحدودية؟

حين أردت السفر إلى الولايات المتحدة في عام 1979 حصلت على القبول و الفيزا خلال أشهر لأن الإنترنت لم تكن موجودة. و حين أردت السفر أخترت أن أسافر عن طريق كوبنهاكن، فقدمت جواز سفري للحصول على الفيزا الساعة 10 صباحاً لأستلم الجواز و به الفيزا الساعة 12 ظهرا, لماذا أصبح السفر و الفيزا همان ملازمان للعراقيين؟

لم يحصل هذا فجأة و إنما جاء بتسلسل منتظم و خطوات محسوبة. الخطوة الأولى كانت الحرب العراقية-الفارسية التي شكلت بداية النهاية للعراق الحديث. فهذه الحرب كانت خطأً إستراتيجياً ما كان له أن يحدث لو كان في العراق حاكم يفكر و لو كطفل عمره 12 سنة. أنا متأكد من أن العجم هم ألد أعدائنا و أنهم يحملون حقدا لنا لا ينتهي و لكن حقائق الجغرافية يجب أن تحترم و من لا يحترمهم يتم إستعباده، كما تستعبدنا إيران اليوم

الحملة الإيمانية سيئة الصيت كانت الخطوة الثانية لوأد العراق. فالعراق هو مجتمع لا ديني. نعم الكل مؤمنون و يعتزون بأدينهم و لكن الدين كان على الدوام مسألة شخصية فإذا أردت أن تصوم و تصلي فأفعل، و إذا أردت أن تسكر فأفعل و لكن جاء الحاكم الجاهل و أراد أن يفرض ما تصور أنه يقربه من الله و فرض حملته الإيمانية على العراقيينبشكل متخلف و بائس ليجعل نصف الشعب العراقي يكرهون عراقيتهم و ليس دينهم. كانت خطوة شديدة الغبار لا يخطوها طفل في العاشرة من عمره

الخطوة الثالثة لوأد العراق كانت إحتلال الكويت غير المبرر و غير المسبب و غير العقلاني ليقصم ظهر العراق قصمة إكتملت بعدم إنسحاب صدام حسين من الكويت و هزيمته هزيمة كان لها أول و لم يكن لها آخر و قادته هو و نظامه و أزلامه إلى حتفهم و أنهت ما تبقى من عراقية العراقيين

و توالت الخطوات الوأدية بعد ذلك و تولت المعارضة غير الشريفة دورها في إستقدام أخس الغزاة إلى أرض العراق. و تم حل الجيش و كل مؤسسات الدولة لينتهي الكيان الذي كان يسمى "الدولة العراقية" و يحل محله مرتزق أمريكي إسمه بول بريمر و مجموعة من الديوك العمياء العرجاء الذين أطلق عليهم تسمية مجلس الحكم.

الخطوة الوأدية التالية كانت وضع دستور طائفي كتبه شخص نجفي من خريجي كلية القانون في بغداد و قد كتبه في واشنطن تحت رعاية أسياده الأمريكان و وأدت هذه الخطوة ما تبقى من عراقية العراقيين

و كانت الخطوة الوأدية الأخيرة هي تمكين مجموعة من العاهرات و المثقوبين من السلطات التشريعية فأخذوا يشرعون ما يحلوا لهم ولا يشرعوا ما لا يحلوا لهم حتى إذا كان مخالفا للدستور الذي وضعوه بأنفسهم، و إلا فأين مجلس الإتحاد الموازي لمجلس النواب الذي حدد الدستور مجلس النواب الثاني لتشريع قانونه؟

إنها خطوات وأدية مدروسة بعناية و مخططة بعناية و منفذه بإحترافية عالية و قد نجحت في وأد عراقيتنا. نعم نحن من حين لآخر لأيام زمان و لكن الحنين ليس مواطنه

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1045 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع