تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً
القائمقام أبوعَـزام !رواية واقعية تنقصها الصـراحة, من الحياة الأجتماعية في العراق,.. في الحقبة بين سنة 1948- 1958م
الجزء الأول / الحلقة الثانية
تزوج عزوز الثعلبي المحامي من أمرأة تكبره بعدة سـنوات أســمها "راغبه خاتون", من أسـرة تركية, لها نفوذ في البلاط الملكي وعن طريقها تم تعيينه قائمقاماً في قضاء الشطرة.
البلاط الملكي في الأعظمية
***
يشاء القدرفتصاب السيدة "راغبه خاتون " بمرض عضال عند أقامتها في الشطرة, ولذا
يضطرلأرسالها الى عائلتها في بغداد, لتكون قريبة من الأطباء المختصين .
***
تعرفَ عزوزالثعلبي عندما كان محامياً في شـبابه, بفتاة جميله أسمها "صبريه" , من عائلة فقيرة نزحت من جنوب العراق وسكنت بدارمتواضعة بالقرب من مكتبه في الجعيفر,
وكان عزوز يراقبها في كل صباح وهي في طريقها الى المدرسة الثانوية من دون أن تدري!
شريعة الجعيفر في آخر الكرخ من الشمال وبعدها شريعة خضر الياس بجانب مسجد خضر الياس
***
بعد وفاة والد"صبرية",كلفتهُ الأم بقضية الميراث, وصار يتردد على بيت العائلة,لغاية
في نفسـه, وأغدق عليهم الهدايا, وراح يتقرب من "صبرية" فتعلقت به, واخذت تبادله المشاعر العاطفية,..والتي سرعان ما تحولت الى الى عشــق وهيام !,.. وما أن توفت أم صبريه, حتى ألتجأت الى بيت خالتها الشغاله عند عائلة تركيه ثرية جداً !
***
لم يكن عزوزجاد بعلاقته مع "صبريه", وتخلى عنها عندما تعرف على" راغبه خاتون", فتزوجها وحصل على وظيفة راقية في وزارة الداخلية, وعين قائمقاماً في قضاء الشطرة.
***
وهكذا,أزدهرت أحوال القائمقام عزوز, فأستغل سـفـرزوجته " راغبه خاتون", الى أهلها في بغداد, وأنغمس في مجونه وسـهرالليالي مع كبارالموظفين وأبناء الذوات في الشطرة, من دون أن يكترث لتصرفاته المخالفة للعادات الأجتماعية, فراح الأهالي يترصدون حركاته, وهو في غفلة عما يقال عنه في المقاهي ودواوين المدينه,.. وهوفي نشوة مع رفاق السوء !
***
وفي أحدى زياراته الى بغداد, ألتقى صدفة بـ "صبرية", وعلم منها عن وفاة أمها وتمكن بدهائه وحنكته وخبرته بالنساء أن يقنعها بالزواج السـري, (المؤقت أوالعرفي)!,.. حتى لايفقد المال والجاه الذي حصل عليه من زواجهه الأول, وهكذا تم مخططه وتزوج "صبرية" وتركت دراستها وتوجهت معه الى الشطرة !
***
كان القائمقام يقف صباح كل يوم مرتدياً ( الدشداشه البيضاء),.. أمام باب داره المطله على نهر الشطرة (نهر صغير متفرع من نهرالغراف عند منطقة (البدعة) ,أمام الشريعة في الضفة الثانية,ولها درج حجري على ضفة النهر,تنزل منه العوائل الى النهر للغسيل,والصبايا للسباحة,حيث يرتفع صراخهن وضحكهن, فيستأنس القائمقام بذلك المشهد!, ويركز نظره على الصبايا, غير مكترث لمرورالأهالي من أمامه, وفي تلك اللحظة يفاجئ القائمقام بوجود خادمه " أمحيسن " واقفاً أمامه, بخشوع وأحترام,..مؤدياً تحية الصباح !
* صباح الخير عمي أبو عزام !
*ينظرالقائمقام بعصبية الى" أمحيسن",لقطعه مُتعه التلصص على الصبايا وهن يسـبحن أمامه في النهر بمنطقة الشريعة, فيصرخ بوجهه,..قائلا: ألم أُنبهكَ بعدم التأخير؟!
* فيرتبك "أمحيسن" ويقول: أمي مريضه ولم تستطع أن توقظني فجراً, وأخذتني النومه!
*هدأ القائمقام قليلاً,.. وقال لخادمه: أذهب الى العلوة واشتري لنا الكيمر من أم نسمه , ولا تشتري من غيرها !,.. أشتري كل الكيمرأللي عندها, وأطلب أن تحملها أبنتها " نسمه", ولا
تصحبها مفهوم!؟,أنت أشتري الخبز,وأتركها بمفرها تتوجه لدارنا ؟!,فأمتثل "أمحيسن", لأمر
سيده وتوجه لشراء الكيمر من أم نسمه, ناقلاً لها أوامر القائمقام!
*
أستمعت " نسمه" للحديث الذي دار بين أمها وخادم القائمقام ,..وأمرت الأم أبنتها بحمل صينية الصحون لغاية باب دارالقائمقام وحذرتها من الدخول في داخل الدارالبته!, قائلة لها :
* َسـلمي صينية الكيمرلمن يفتح لك باب الحديقة الخارجي, وأرجعي بسرعة,...أفتهمتي ؟!
بائعات الگيمر
***
أستيقظت "صبرية" مبكرة في ذلك اليوم وراحت تبحث عن زوجها ولم تجده داخل الدار وما ان رفعت ستارة شباك الغرفة,حتى لمحته واقفاً عند باب الحديقة المطل على الشريعة وهو ينظربشغف الى الضفة الثانية للنهرحيث الصبايا يسبحن والنساء يغسلن الصحون والملابس!,..
فراحت " صبرية" تكلم نفسها: أي نوع هذا من الرجال؟!, لا تمل عينه من النظر للصبايا !,..
عجيب أمره, لا يفكر بعواقب الأمور!, فقد عذرته وهو يتودد لطلاب المدرسة الأبتدائية, بحجة حرمانه من الذرية, بعد فقدانه ولده البكر(عزام), والآن تبين أنه مغرم بالصبايا, ولا يشبع من النظربشغف لهن,.. أنه غبي لا يحسب أي حساب لتصرفه في مثل هذه المدينة المحافظة!
***
كان تخوف"صبرية" في محله, ففي صباح ذلك اليوم وصل الخادم "أمحيسن",... حاملاً للخبز, وبعد دقائق تصل الصبية" نسمه " حاملة لصينية صحون الكيمرالشهي الناصع البياض, والذي أصبح فيما بعد نقطة سـوداء في حياة (القائمقام أبوعزام)!, فمنذ فترة لم يرى نسمه, وقد فتنته عيونها وتضاريس جسدها, ومشيتها التي تجيدها القرويات ,.. حينما يحملن فوق رؤسهن شيئ ما, ويحزمنَ خُصـرَهُنَ بحزام ,فيكسبهن قامة شامخة ومفعمة بالحيوية يسيل لها لعاب كل الرجال المراهقين من الدرجة الثانية,..وحتى الثالثة!
*** وهكذا,ما أن وقفت نسمة أمام القائمقام,رفعت وجهها الأبيض وكأنه صحن كيمرالشطرة, وبشموخ وكبرياء أدت له تحية الصباح مُرفقة ببسمة مزقت ما تبقى عنده من حـشتمَة, فرحب بها وسألها عن غيابها الطويل؟!,...فقالت له بلهجتها القروية وبغنج بنات المدينة :
* ياعمي,...أنا طالبه في المدرسة الثانوية, وكنت مشغولة بالأمتحانات, والآن عندنا عطلة,.. وأمي مريضة,.. وجئت لمساعدتها.
***
أمرالقائمقام خادمه "أمحيسن", بالأبتعاد عنه وطلب من" نسمه " أدخال صينية الكيمرالى داخل الدار,فألتفتت " نسمه " نحوأمحيسن, وعلامات الـُذعـربادية عليها!,..وقالت للقائمقام:
لا عمي,... أنا لا أدخل الى الدار, ورفعت صينية الكيمرمن على رأسها, وهمت بتسليمها الى "أمحيسن" وطلبت منه أدخالها الى البيت, ألا أن "أمحيسن" رفض,... وهمـس بأذنها قائلا :
* لا يـُسـمح لي بدخول الدار,لأن زوجة عمي أبوعزام الجديدة في الدار, وما زالت نائمه, أدخلي أنت, ولا تخافي !
***
طال السجال بين " نسمه " و" امحيسن ",..فنفذ صبرالقائمقام من ُمحاورتهما.فنهره بحزم, وأمره بالأنصراف على الفور, فأمتثل الخادم لأمره وأبتعدَ عن الدار.
***
حاول القائمقام أقناع " نسمه " بالدخول الى داره, ألا أنها أصرت على عدم الدخول,وقالت
له : يا عمي انا خائفة ! , لقد أوصتني أمي بعدم الدخول الى داخل أي بيت !
* وعلى أية حال صارالقائمقام مُحرج من منطق هذه القروية,فهو الحاكم هنا, فكيف يمكن لأحد أن لا يمتثل لأمره؟, هذا مستحيل وفق عقليته, وبعد أن يأس من محاولته, ألتجأ الى طبعه القذر مستخدماً الخديعة في تحقيق غايته!,.. فقال لها:
* أذا كنت خائفة مني أدخلي بمفردك وسوف أبقى هنا أمام الباب, ولن أدخل حتى تخرجي!,..
فأطمأنت الصبية "نسمه" لكلام القائمقام, فدخلت بحذر, وظل يراقبها عن كثب,وما أن وصلت
لمنتصف الحديقة, حتى دخل خلفها كاللص وأغلق بابها, وسارخلفها بحذرشديد,... فشــعرت
"نسمه" بوجوده خلفها, فأرتعبت,.. وأخذت تصرخ بصوت عال: يا أمي... ياناس َخلصوني!
***
فأ صاب القائمقام الرعب القائمقام , وحاول أسكاتها بأية طريقة, وتوسل بها بعدم الصراخ وأقسـمَ لها بالله العظيم,.. أن لا يمسها وان لا يسبب لها أذاً,.. وطلب منها أن تذهب بمعيته الى غرفة الفلاح !, واعداً أياها بهدية ثمينة, وراح يسحبها عـنوة نحو تلك الغرفة المنزوية في أحد أركان الحديقة,ألا أن " نسـمه " لم تذعن لرغبته,.. وأصرت على عدم مطاوعته وقالت له:
* يا عمي ,..خاف الله !,أنا لست من النساء الساقطات !, ولن أبيع شرفي بمال الدنيا كلها, أبعد عن طريقي , وألا سأصرخ وأطلب النجدة من الناس!
***
وعلى أية حال ,..لم تنفع توسلات "نسمه" معه ولم يهدأ من هيجانه !,.. فأخذ يلمسها في مناطق جسدها الحساسة,.. محاولاً ضمها الى صدره عـُنوة,.. ففقدت كل وسيلة للتخلص منه, وفي الحال رفعت صينية الكيمروقذفتها بوجهه, فرفع يده ليضربها, فسقطت صينية الكيمرعلى (دشداشته), وتلطخت بشكل مزري!, فراح يصرخ عليها من دون وعي قائلاً:
* يا كلبه,..يا حقيره, ما الذي فعلتيه؟! وهمَ بضربها, ولكنها فلتت منه, وتوجهت مسرعة نحو باب الحديقة, فوجدته ُمقفلاً, فقفزت من فوق السياج, وهي في أشد حالات الفزع!,.. ثم أتجهت نحو العلوة, حيث مكان جلوس أمها,منهوكة القوى وخائفة, وما أن رأت الأم أبنتها بتلك الحالة المزرية, حتى نهضت وأحتضنتها وسألتها عن أللي صاروجرى؟!,ألا أن "نسمه" كانت منهارة
ولم تستطع الكلام , وراحت تبكي بحرقة ومرارة, وحدسـت الأم ما كانت خائفة منه!, فسحبت أبنتها جانباً عن النسوة للتخلص من الفضيحة, وأشاعة القصة ووصولها الى شيخ المدينة !
***
حاول القائمقام توليف قصة لتبريرفعلته الشنيعة, وينظرالى(دشداشته),الملطخة بالكيمر,.. وعلى أية حال , نهض وراح يمشط المكان, وحمد الله على عدم وجود أي أحد بالقرب منه في تلك اللحظة, ثم دخل البيت خلسـة حتى لا تراه عروسته "صبرية" وهو بذلك المنظر المقرف!,
وما أن أطمأن للحظات, حتى وجد زوجته وهي ما زالت ببدلة النوم تنظرأليه بتعجب, فيبتسم لها, ثم تـُصبح عليه بأسـتهزاء: خير أنشاء الله؟! ما الذي حدث لك؟! ما بها " الدشداشة "؟!
أشو صاير "كلك على بعضك كيمر, وما يعوزك غيرالعسل!!"
***
ينهار أبو عزام ولم يستطع تجميع جملة واحدة يدافع بها عن نفسه لكي يخرج من الوحل القذرالذي وقع فيه!,وراح يستجمع قواه ليحرك ما تبقى من تفكيره,المتحجر أصلاً!, متســائلاً:
* هل رأتني " صبرية "؟ وهل يعترف لها بالحقيقة؟,ماذا سيكون ردها, وهل ستنتقم منه لأنه لم يلتزم بتعهده لها بترك الفسق والفجور,أم ستعملها قصة بلا نهاية, وتوصلها الى مسامع زوجته
"راغبه خاتون" ؟!,.. وعندئذ سـتنفـضح قصة زواجه السري , وتطلب راغبه خاتون الطلاق منه,... ويفقد منصبه والأرث , أو قُل : يضيع الخيط والعصفور!
*** وهكذا صارأمام الأمرالواقع,فأعترف لها وقال: هذه الصبية بائعة الكيمر,عثرت وسقطت صحون الكيمرعلى (دشداشتي)!, ثم راح يحملق بعيونها ليلمـس ردة فعلها على عملته المنيله!,
* فأجابته "صبرية" بتهكم وبصوت عال: كذاب وألف كذاب!,الآن عرفتُ ملَتك, حاشا لله أن تكون من البشر,ألم تخجل؟,ألم تستوعب لحد الآن مركزك كحامي حمى هذه المدينه؟,.. لكن , (مو صُوجك, صوج أللي عينوك أبهل المنصب وما عرفوا أصل جيناتك من القرد !) !
فمن الخزي والعارعلى رجل بأعلى مركزمحترم في المدينة أن يعتدي على طفلة بعمرأحفاده, الآن أستوعبت رغبتك في عدم أعلان زواجنا وخدعتني ليكون ســرياً,..حتى يخلو لك الجو,.. وتلعب كطفل مراهق مع المراهقين من شباب المدينة كل ليلة في مضارب الغجر" الكاوليه", في أطراف المدينة!,.. لأشباع غرائزك النتنه بالملذات المحرمة شَــرعاً وعـُرفا!
* أنفعل أبو عزام,..أو قل ألتجأ للتمثيل لكي يكبح جماح "صبرية",.. وقال لها بلهجة الســيد:
* ما الذي جرى؟, دشداشه وكع عليهَ كيمر,شكوعملتيها مناحه وسويتيها قصه يوسف (ع)؟!
"كتايون رياحي" ممثلة السينما التي مثلت دور زليخه في مسلسل يوسف (ع)
*أبتسمت "صبرية" بتهكم ومراره,وقالت له: سمعت بأذني كل ما دار بينك وبين الصبية وهي تتوسل بك وترجوك أن لا تعدتي عليها!,.. ولم تـَهـزُكَ توسلها وهجمت عليها كالثورالهائج!,
* أدرك القائمقام أبو عزام أنفلات قدرته لتهدأة زوجته "صبرية" وأنها فعلاً رأت كل شيئ, فقرر تغيير أسلوبه, فراح يكلمها بحب وحنان ومتوسلاً بها بأن لا تبوح بما رأت,.. قائلاً:
أرجوك "صبرية",.. لا تكبري الموضوع, فليس الآن وقت فتح حسابات بيننا, وأنني أعترف فقد راودتها عن نفسها فأستعصَمت وأبت!, ولذا رمت عليَ صحون الكيمر!,
وأنني أعترف بأرتكابي خطيئة لا ُتغـتفـَر,أرجو المغفرة من الله والعفو والسترمنك!,... وكما تعرفين,ما من أحد في القضاء له القدرة على محاسبتي!,وخنعت لتوبيخك,..لأني أحبك ولأنك زوجتي العزيزة, ولهذا فلنغلق الموضوع!
***
ألا أن "صبرية" لم تستطع كظم غيضها, فهربت من أمامه باكية ودخلت غرفتها,.. بينما توجه أبو عزام نحو المطبخ,وأعد لها فطورالصباح وكأن شيئاً لم يكن!,.. ثم توجه نحوغرفتها وبدأ يتوسل بها مستخدماً كل أساليبه الدبلوماسية, وخبرته في ترويض حواء!,..حتى صفحت عنه, ورضيت بتناول الفطور معه,وبعد الأنتهاء أرتدى القائمقام بدلته, ثم غادرالبيت متوجهاً نحو السراي الحكومي , وهو في غاية السرور, وكأن شيئاً لم يكن وبراءة الأطفال في عينيه!
*** يتبع / ثالثاً
للراغبين الأطلاع على الحلقة الأولى:
http://www.algardenia.com/maqalat/18821-2015-09-08-17-48-40.html
1969 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع