أوراق من سجل العلاقات العراقية - الإيرانية ( من الذي بدأ العدوان عام ١٩٨٠ ؟ )

                                                                                               

                                  د.رعد البيدر

أوراق من سجل العلاقات العراقية - الإيرانية
( من الذي بدأ العدوان عام 1980 ؟ )

في المقال السابق تصَفحنا ظروف ما قبل الحرب العراقية – الإيرانية لفترة تَقِلُ عن سنتين , المقال منشور على الرابط :
http://www.algardenia.com/maqalat/18818-2015-09-08-11-48-43.html

أشرنا بأن موضوعنا الحالي سيكون : " إطلالات على إدارة حرب الـ ( 8 ) سنوات " , لكن التصحيح و التوضيح استوجبا تغيير العنوان والمحتوى بعد أن وصلتنا مكالمات وكتابات على البريد الخاص ؛ أوجبت علينا أخذها بنظر الاعتبار منها : تصحيح رقم أوردناها سهواً في المقال السابق , وطُلِبَ منا توضيح مفهوم العدوان بموجب قواعد القانون الدولي .

صَحَحَ أساتذتي الأعزاء الفريق الطيار الركن خلدون خطاب بكر قائد القوة الجوية العراقية الأسبق , اللواء الطيار الركن الدكتور علوان حسون العبوسي معاون قائد القوة الجوية العراقية , عميد كلية الدفاع الوطني الأسبق – الرقم الذي ذكرناه سهواً بأن خسائر الضربة الجوية الأولى طائرتان وليس طائرة واحدة ؛ فلهما وافر الشكر و التقدير .

أما فيما يتعلق بمفهوم العدوان فنُبينَهُ من أتجاهين :
الاتجاه الأول : تَنُص المادة ( 51 ) من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة على ما يلي : (( ليس في هذا الميثاق ما يُضعف أو ينتقصُ الحق الطبيعي للدول- فرادى أو جماعات - في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء " الأمم المتحدة " وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي , والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تُبلَّغُ إلى المجلس فوراً , ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق  من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخـاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه)).

الاتجاه الثاني : من الجدير بالذكر بأنه لم يكن هناك أتفاق دولي يُفَّسِر مفهوم العدوان في بنود ميثاق الأمم المتحدة، وتجنَّبَ البعضُ تحديد المفهوم خشية أن لا يأتي التعريف دقيقاً وشاملاً لجميع الجوانب ؛ فيُسَّهِل للمُعتدي فرصة النفوذ من ثغرة لم يُغَّطِها التعريف ؛ بهذا ستصعُب إمكانية أدانته . وبما أن تحقيق الوضوح في التعريف يتطلب تغطية العديد من جوانب العلاقات الدولية منها: سياسية,  قانونية , عسكرية , جغرافية ؛ لذا ظهرت صعوبة تثبيت ظاهرة العدوان في تعريف مانع جامع . تجاوزاً لهذه الصعوبة ؛ فقد رأى البعض أن وجود تعريف ناقص أفضل من عدم وجوده ؛ إذ يُمكن اعتماده كخطوه هامة يُستَنَدُ عليها في القانون الدولي لردع أي دولة تفكر بالعدوان على غيرها من الدول ويمكن تطويره مستقبلاً.

أُجريَّت العديد من الدراسات وعُرضَّت الكثير من الاقتراحات الدولية - لا يتَّسِعُ مجال المقال للتوسع باستعراضها , ثم أُحيلت نتائج تلك الدراسات إلى لجان تخصصية ؛ فصدر عن الأمم المتحدة بدورتها (29) في 14 كانون أول / ديسمبر1974 القرار رقم (3314) , أُشير لتفاصيل القرار في الملحق رقم (19) من مقررات تلك الدورة . سَنُسَلِط الضوء على مادتين من القرار بقدر علاقتهما بعنوان مقالنا .

تَضَمَّنَت المادة الأولى من القرار نص تعريف العدوان وأشارت بأنه يتمثل :

(( باستخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد سيادة دولة أخرى أو وحدتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأي أسلوب يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة )).

وحدَدَت المادة الثالثة من نفس القرار سبع حالات في حالة تحقق إحداها أو بعضها أو جميعها يُعَدُ العمل الذي تُقدِمُ عليه دولة ما - عملاً عدوانياً سواءً تم بإعلان حالة الحرب أو بدونها , الحالات السبع هي :  
1. قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه أو أي احتلال عسكري مهما كان مؤقتاً. ينجم عن هذا الغزو أو الهجوم أو أي ضم لإقليم دولة أخرى أو لجزء من جراء استخدام القوة المسلحة.
2. قيام القوات المسلحة لدولة ما بقصف إقليم دولة بالقنابل أو باستخدام أية أسلحة ضد إقليم دولة أخرى.
3. ضرب الحصار على موانئ أو سواحل دولة ما من قبل القوات المسلحة لدولة أخرى.
4. قيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة القوات المسلحة البحرية أو الجوية أو الأساطيل التجارية البحرية أو الجوية لدولة أخرى.
5ـ. قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة على إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة على وجه يتعارض والشروط التي ينص عليها الاتفاق أو إي تمديد لوجودها على الإقليم المذكور.
6. سماح دولة ما باستخدام إقليمها الذي وضعته تحت تصرف دولة أخرى للعدوان على دولة ثالثة.
7. إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من دولة ما أو باسمها وقيامهم بأعمال تنطوي على استخدام القوة ضد دولة أخرى وبمستوى الأعمال المذكورة أو مشاركة الدولة في ذلك على نحو ملموس.

يُستَدَلُ من نَصِ المادة (51) من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة التفسيرات التالية :

1.أن استخدام القوة من قبل أي دولة لا يُشَّكِلُ دليلاً قاطعاً على أنها قامَّت بسلوكٍ عدواني,  إنما يُقبَّلُ كدليلٍ تمهيدي للشروع بالتحقق مما حصل - قد يُؤكِد أو يُنفي أي شكوى أو تقديرات أولية للعدوان؛ استدلالاً بما يتم الوصل إلية من لجان محايدة تتقصي الحقائق التي تدعيها الأطراف المتنازعة .
2.أن مجلس الأمن كجهاز رئيسي من الأجهزة الستة للأمم المتحدة معني بقضية الأمن والسلم الدوليين - قد أجاز لنفسه امتلاك المرونة الكافية بإصدار قرار يُخالف الدليل التمهيدي ؛ عندما يتحقق لمجلس الأمن ثبوت ما لا يتطابق مع ذلك الدليل من الحقائق الأولية التي يتم التوصل إليها من خلال نتائج عمل لجنان تتقصى حقائق ما حصل فعلاً.
3.أجاز مجلس الأمن لنفسه حق التصرف بمرونة التعامل مع خصوصية ظروف أي قضية بمعزل عن الثوابت؛ بشرط أن لا تتعارض مرونة التصَّرُف مع نص التعريف.

 عند تطبيق النص الحرفي لتعريف العدوان المُتفَّق عليه دولياً , المشار إليه في المادة الأولى من القرار(3314) , إضافة إلى نصوص بنود الفقرات السبع لحالات العدوان المشار إليها في المادة الثالثة من نفس القرار. وتطبيق المعنى التفسيري لنص المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة على واقع الظرفية المكانية والزمانية لبدء الحرب العراقية – الإيرانية , واستدلالاً بما تعامل به الطرفين العراقي والإيراني من حقائق و وثائق مع المنظمة الدولية - يتَضِّحُ أن إيران قد قامت بأعمال عسكرية قبلَ الرد العراقي يوم 22 أيلول / سبتمبر 1980 –  خرَّقَت إيران بموجبها الالتزام الدولي بالفقرات : ( 1, 2, 3 , 4 ,7 ) من القرار(3314) وذلك يُمَّثِلُ عدواناً عسكرياً صريحاً لا يُخالِطُهُ غُموض ، مُستَوفٍ لتوصيف أركان العدوان وصوَرِه وحالاته ، وهو الوصف الفعلي والتفسير القانوني لِما حَصَل بموجب الشواهد الأدِلَة ـ
 الاستنتاج : وفقاً لما أوضحناه من انتهاكات موَّثقة في المقال السابق ، وبنود قانونية في هذا المقال - يكون الرد العراقي الواسع  يوم 22 أيلول / سبتمبر 1980 ( دفاعاً عن النفس ) إزاء اعتداءات إيرانية لا تتحمل أكثر  من تفسير  حتى وإن انحاز  أي مُفسر  - بمزاجية العاطفة لهذا الطرف أو لذاك  .
بمشيئة الله ستكون لنا وقفة لاحقة و مطوَّلة بهذا الجانب - نستعرض فيها جميع القرارات التي أصدرها مجلس الأمن , بعنوان منفصل يتعلق بكيفية ودوافع قبول إيران المتأخر لوقف إطلاق النار ...بعد أن نُسَلِطَ الضوء على أوراق من سجل علاقات البلدين في فترة الحرب .
وسيكون محور عرضنا اللاحق : " إطلالات على إدارة حرب الـ ( 8 ) سنوات "

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1373 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع