القطار المجهول .. الحلقة الأولى

                                                  

                                   بقلم
             الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر/ أستاذ جامعات
            بغداد والفاتح (ليبيا) وصفاقس(تونس) / ســابقاً

الحلقة الأولى ...

صـعدَ الدكتور"جابر" سـُلم التقاعد وهو يصارع المطبات, أو قل النحـس الذي لازمه حتى صـارا وجهان لعملة واحدة, فأزداد أقتناعاً بأستحالة تحسن وضعه الأقتصادي بالرغم من حصوله على أرقى الدرجات العلمية, وعمله في المهجر وتأليفه عدة كتب علمية,...

    

ألا أن الأوضاع العامة في وطنه العراق أستمرت بالتدهورحتى أنتهاء الحرب العراقية - الأيرانية في  8/8/1988, وبعد أشهرغزى العراق  دولة الكويت,...وُفرضَ الحصارالأقتصادي الغاشم عليه!
عاش "جابر" في تلك الحقبة يصارع المحن ويتصدى للعقبات , وتمكن خلالها من تكوين أسرته بعزم وثبات من دون كلل أو ملل!
***
وبعد سنوات,..آمن بواقع حاله وأستسلم لحكم الزمن, فهو الآن في أحدى عتبات عمره المتقدمة ,..ولا أحد يعلم سوى الله أن كان سيجتاز تلك العتبة الى التي تليها,.. فطالما فكرفي ذلك ووجد نفسه قاصراً عن الأجابة ,فهو على علم يقين أن ما من أحد يعلم متى وأين سيموت!,..  الى أنه قرأ في أحد الأيام أعلانا عن سـفرة سياحية بقطارأطلق عليه أسم: " القطار المجهول ",... شعاره :
" الراكب فيه مفقود والنازل منه مولود!"
أستغرب" جابر" من ذلك الأعلان!,.. وأتصل بالشركة المالكة, ووجد كل الشروط المطلوبة تحت السيطرة, وقررالأشتراك فيه!,..
فقد مَلَ وضجرمن المؤمرات الدولية التي تحاك للأطاحة في كل النظم في وطنه العربي ويأس من رؤية أي بَصيص من التغييرفيه!, فمنذ الحكم الملكي في العراق , تغير نظام الحكم ستة مرات ,..ثم تلى ذلك ما يعرف بثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصروليبيا واليوم وبالرغم من أن الربيع يمتاز بالخضرة والزهور الفواحة,...ألا أن ثورات ربيعنا العربي ملونة بالأحمر القاني,..مع أستمرار نزيف الدم والأبادة فيها من دون أي أمل برؤية نهاية لتلك الثورات المخطط لها سلفاً ,.. ولذا قررالدكتور"جابر" السفرفي ذلك القطارالمجهول!  
***
وصل "صابر" في ساعة متأخرة الى محطة ذلك القطار, مُفعماً بجروح الماضي خلال حياته منذ الصبا والى يومنا هذا,..ولقد  دَونَ معظمها في مسلسله الموسوم بـ (أعمى بطريق مُظلم),... المنشور في مجلة الگاردينيا الغراء, ومازال الكثير منها مطموراً بوحل النحــس والتدهور السياسي في بلاد العرب أوطاني,..من الشام لبغدان,..والتي أينعت ونمت بشكل واضح منذ النكبة الأولى في سنة 1948 , حتى النكبة الثانية في  2011 الموسومة بـ " الربيع العربي"!!

        

فبعد أنهيار العهد الملكي وأنبثاق ثورة الرابع عشر من تموز,  في سنة 1958  العمل في بلدان عربية , وتمكن خلال بضعة  سـنين , أن يشيد صَرحاً متواضعاً لعائلته,تمكن فيها من تعليم أولاده حتى أكملوا دراستهم ونصف دينهم ,.. فوجد نفسه وحيداً مع رفيقة عمره في شـقة توفرت فيها كل مستلزمات الحياة العصرية!
***
و في أحدى الليالي , أخذته سُـنَة ً من النوم, وراح يردد أغنية مكادير مع الراحلة الفنانه وردة الجزائرية  :
مقادير ياقلبي العنــــــــــــــــــــــا
مقادير وش ذنبي أنــــــــــــــــــا
مقادير و تمضي حياتــــــــــــــي
مشاوير و أتمنى الهنــــــــــــــــا
على ميعاد حنا و الفرح كنـــــــــا
و كنا بعاد وعشنا على الأمل حنا
و كان الفرح غايـــــــــــــــــــــب
و اثر الأمل كـــــــــــــــــــــــاذب
يا أهل الهوى كيف المحبة تهون
كيف النوى يقدر ينسى العيــــون
نظرة حنين و أحلى سنيـــــــــــن
عشناها عشناها يا قلبي الحزيــن
مقادير ..  
راح  "جابر" يتجول في أرجاء محطة القطار,مُبحلقاً في عيون المارة من الناس ألمندفعين بهمة لصعود ذلك القطار الطلسـم, فَدُهـشَ وتوجه لمُقدمتة ليعرف وجهتة, وقرأ على لوحتة:
" القطار المجهول!"
ذهلَ "صابر" من تهافت الناس على ذلك القطار, كتهافت" براقش" على المصباح الكهربائي! فعجز عن تفسـير تلك الظاهرة التي لم يرى  ولم يســمع مثيلاً لها ,.. حتى في قصص الخيال العلمي!
***
وهكذا ومن دون أن يدري ,..صعد "جابر" سُـلم القطار, وسار  حتى منتصف العربة , ثم رمى نفسه في مقعد قرب النافذة,.. وراح يتطلع الى وجوه الناس الصاعدة وهي تتدافع عند بوابة عربة القطار  ومنهم من يتلفت ذات اليمين والشمال في الأفق البعيد,.. مودعاً من ترك من الأهل والأصدقاء ثم أطلق العنان لمخيلته لكي تعطيه صورة لما سيحدث عندما يفتقده الأهل والأصدقاء,... وما هي تعليقاتهم حينما يعلمون بأختفاءه المفاجئ ,...وبالخصوص تلك" النسـمة " التي أحبها منذ سنين طويلة, وتبادل معها آلام الهوى كأساً فكأسا ؟,... فصمت للحظات وكأنها الدهر تجمع يوم الفراق , حيث سيمضي  بطريقه,.. وفق ما قاله الشاعر شفيق الكمالي:
 مشـيناها خُطاً كُتبت علينا = ومن كُتبت عليه خُطاً مشاها
 ثم سـمع صدى لصوت الراحلة نهاوند وهي تغرد: أين ياليل

أين ياليل صباباتي وأحلامي وكأسي أينَ
أين ياسُمّار نَجواي وأحبابي وعرسي أينَ
ذهب السمار والكأس وآمالي ونفسي
وتأسيت فلم يرضَ فؤادي بالتأسي
***
أسأل الليل عن الماضي وحلو الذكريات
أسأل النجم عن النادي وعذب النغمات
أسأل الأحلام عن تلك الليالي الحالمات
أين ياليل نداماي ومجلى صبواتى
اين مني طيفك الموحي اذا ما الليل أمسى
وسقاني الشوق آلآم الهوى كأسا فكأسا
قد كرهت الليل والأحلام والأشواق يأسا
ليتني ألمـسى هواكم ......ثم أنسى

 


 يتبع في الحلقة / 2 مع محبتي

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

691 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع