في ذكرى اغتيال مارتن لوثر كنج

                                 

                       د. منار الشوربجي

مفارقات محزنة في الأسابيع القليلة التي تسبق الذكرى السابعة والأربعين لاغتيال مارتن لوثر كنج. ففي الرابع من شهر أبريل عام 1968 اغتيل زعيم حركة الحقوق المدنية الأميركية بعد حياة قصيرة كرسها لحصول الأقليات في بلاده وعلى رأسها الأقلية السوداء على حقوق متساوية بعد عقود طويلة من القمع والقهر والتمييز التى تلت مرحلة العبودية في الولايات المتحدة. لكن الذكرى السابعة والأربعين لم تحمل من الأخبار إلا ما يدل على أن كفاح السود ضد التمييز لايزال صعباً وطويلاً بعد كل هذه العقود ..

وأنه لاتزال هناك أشكال مستترة ومؤسسية للعنصرية والتمييز داخل المجتمع الأميركي. فبعد شهور طويلة من أحداث فيرجيسون التى شهدت، منذ أغسطس الماضى احتجاجات واسعة، امتدت لعدة مدن أخرى بعد مقتل الشاب الأسود مايكل براون على يد رجل شرطة أبيض تم الإفراج عن الرسائل الإلكترونية التي كان يتداولها الضباط البيض فيما بينهم..

والتي أدت لطرد كل من تداولوها فيما بينهم فكانت المفارقة ذات الدلالة. فالضابط الأبيض المتهم بقتل مايكل براون لم تتم إدانته ولا حتى محاكمته بينما تم طرد ضابطين وموظفة في محكمة هم المتورطون في فضيحة الرسائل الإلكترونية العنصرية. وكأن شعار الحركة التي تشكلت بعد أحداث فيرجيسون يصرخ بنفسه قائلاً «حياة السود لها قيمة». والحقيقة أن من يطلع على تلك الرسائل لابد وأن يصيبه الغثيان. فهي تنطوي على عنصرية قبيحة للغاية.

خذ عندك مثلاً رسالة فيها صورة مصنوعة للرئيس السابق رونالد ريجان يحمل شيمبانزي صغيراً ومكتوباً تحتها «صورة نادرة لريجان كجليس أطفال لأوباما في عام 1962». ومن بين الرسائل رسالة إلكترونية أخرى تقول صاحبتها «لا ينبغي أن نقلق لتولي أوباما الرئاسة فلا يوجد أسود يظل محتفظاً بوظيفته لأربع سنوات كاملة».

والرسائل الفاضحة في عنصريتها يستحق أصحابها الإبعاد من وظائفهم فى المحاكم وجهاز الشرطة، لعلهم يكونون عبرة ولعل طردهم يسهم في إذابة جروح السود. إلا أن ذلك الإبعاد لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة لأسرة مايكل براون وغيره من السود الذين ماتوا على يد رجال الشرطة البيض الذين لم يحاسبوا.

لكن الرسائل الإلكترونية العنصرية ليست وحدها ما شهدته الأسابيع القليلة السابقة على ذكرى اغتيال مارتن لوثر كنج. ففي واقعتين يفصل بينهما أسبوعين تم الإفراج عن رجلين من السود بعد أن قضى كل منهما أكثر من نصف عمره في السجن محكوماً عليه بالإعدام. الواقعة الأولى جرت أحداثها في ولاية لويزيانا..

حيث تم الإفراج عن المتهم البريء جلين فورد بعد أن قبع في الحبس الانفرادى ثلاثين عاماً كاملة محكوماً عليه بالإعدام في واقعة قتل رجل أبيض عام 1984. وكان فورد قد أدين في قضية لم يكن فيها سلاح الجريمة قد وجد ولا فيها شهود إثبات سوى سيدة واحدة كانت خطيبة مشتبه آخر في الجريمة. وهي اعترفت في المحكمة أنها كذبت في شهادتها بشأن فورد.

أما الشهادات الأخرى التى قدمت في محاكمة فورد فكانت واهية للغاية باعتراف القاضي منها مثلاً أن أحد الشهود قال إن فورد هو الجاني لأنه أعسر. ولم يمض أسبوعان على هذه الواقعة حتى كانت ولاية ألاباما تشهد واقعة مماثلة. فقد تم الإفراج عن رجل أسود آخر يدعى ريي هينتون بعد أن ظل مقهوراً في زنزانة انفرادية ثلاثين عاماً ومحكوماً عليه بالإعدام في قضيتي قتل لم يرتكبهما.

وفي هذه القصة أيضا لم يكن هناك شهود إثبات ولا بصمات وإنما مجرد شبهات بأن الرصاص المستخدم في الجريمتين «يشبه» ذلك المستعمل في مسدس تمتلكه والدة هينتون. وعبثاً حاول الرجل طوال ثلاثين عاماً إثبات براءته إلى أن حكمت المحكمة العليا بأن هيئة الدفاع المكلفة في قضية هينتون «تفتقر للدستورية»، أي أنها لم تكن مؤهلة بالقدر الكافي لإظهار الحقيقة في الجريمتين.

والواقعتان بينهما أوجه تشابه أكثر مما يبدو على السطح. فالمأساة لا تتوقف عند حد قضاء بريئين لنصف عمرهما تقريباً وراء القضبان ولا كون كليهما كان معرضاً للإعدام في جرائم لم يرتكباها. ففي الحالتين كان واضحاً أن العنصرية المؤسسية التي ينطوي عليها النظام الجنائي القضائي الأميركي تجاه السود تحديداً أمر واقع لا متخيل من جانب سود أميركا. فهناك أعداد كبيرة من السود، الذكور، تحديداً وراء القضبان، بما لا يقارن بعددهم لمجموع السكان، وبما لا يقارن بأية جماعة عرقية أو إثنية أخرى، الأمر الذي له آثاره الاجتماعية والاقتصادية والأسرية شديدة الوطأة.

والبعد الطبقي أيضا ليس بعيداً عن الواقعتين. فالنظام الجنائي القضائي أكثر قسوة على السود الفقراء الذين لا يملكون ما يمكنهم من تكليف محام قادر على الدفاع عنهم بشكل يحميهم من عنصرية مؤسسية لاتزال تطل بوجهها القبيح حتى اليوم.

لقد كان مارتن لوثر كنج يعلم يقيناً أن كفاح السود من أجل حقوق متساوية في بلاده معركة صعبة وطويلة الأجل. لكن هل كان يدور في خلده أن تظل العنصرية بهذه الفجاجة ويظل النظام الجنائي القضائي بحاجة لإصلاح بعد مرور عقد ونصف من الألفية الثانية؟

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

976 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع