الإرادة بوّابة الانتصار

                                            

                                 زينب حفني


جميل أن يظل المرء متمسكاً بإرادته لتحقيق مراده، وألا يُوقف نبض الأمل داخل قلبه مهما تكالبت عليه ظروف الحياة.

حضرت هذه الخاطرة بذهني وأنا أقرأ خبر فوز عازفة الإيقاع الأسكتلنديّة الصماء (إيفلين غليني) بجائزة (بولار) مؤخراً، وهي جائزة رفيعة المستوى ويُنظر إليها على أنها جائزة نوبل الموسيقيّة. نجاح «إيفلين» ليست حالة فريدة! ولو نقّبنا في صفحاتنا سنجد أن هناك أسماء برزت رغم إعاقتها، من أهمها الأديب المصري الكبير طه حسين الذي استطاع أن يُحقق انتصارات إبّان عصره متفوقاً بذلك على الكثير من الأدباء المبصرين. وقد حصل على جائزة أمميّة في مجال حقوق الإنسان إضافة إلى تنصيبه وزيراً للمعارف. ويكفي عندما نتحدّث عن تاريخ عصر النهضة بمصر، أن نقرنه باسم هذا الفذ الذي لُقّب بعميد الأدب العربي، وكان له صولات وجولات، وخلّف وراءه إرثاً أدبيّاً تأثر به الكثير من الشباب العربي.

قنواتنا الاجتماعيّة المختلفة، هي النبع الذي يرتوي منه المعاق كي يُحقق أحلامه، وبدونه قد ينتكس وتنضمر مواهبه. وقد كان طه حسين محظوظاً لأنه ولد وسط أسرة ساندته في مراحل حياته الأولى، ورافقه الحظ عندما نجح في الحصول على بعثة دراسيّة لفرنسا، حيث التقى هناك بسوزان الفتاة الفرنسيّة التي أصبحت زوجته فيما بعد، وكان لها دور كبير في دعمه دراسيّاً إلى أن حصل على شهادة الدكتوراه.

(هيلين كيلر) الكاتبة والناشطة الأميركيّة، كانت هي الأخرى قد فقدت في صغرها سمعها وبصرها، واستطاعت بفضل أسرتها التي أحاطتها برعايتها أن تواجه العالم، حيث قامت بتخصيص معلمة لها ظلّت ترافقها لأكثر من أربعين سنة، وكان لها الفضل في أن تفتح أمامها آفاق العلم، وتُساعدها على الخروج للعالم الفسيح. استطاعت هذه المرأة رغم إعاقتها وبفضل إرادتها الحديديّة أن تُحقق أحلامها، وأصبحت بعد تخرجها محاميّة لذوي الإعاقة ومدافعة عن حقوق المرأة، وقد ذاعت شهرتها وأصبح لها جمهور كبير، وغدت محاضرة مهمّة تُطلب بالاسم في جامعات العالم إضافة إلى كتابتها في الصحف والمجلات.

«عندما يُغلق باب السعادة، يُفتح باب آخر، ولكن في كثير من الأحيان ننظر طويلاً إلى الأبواب المغلقة بحيث لا نرى الأبواب التي فُتحت لنا» عبارة شهيرة لهيلين كيلر تحمل معانٍ إنسانيّة، وهي ليست موجهة لذوي الإعاقة فقط، بل تنطبق كذلك على فئة من البشر أعيتها الحياة وأصبحت تنظر إليها من ثقب ضيّق يحيل تسلل خيط من النور عبرها ليُنير حجراتها المظلمة!

أقول لكل ذي إعاقة، لا تخف ولا تتردد في مواجهة العالم، فإن كان الله قد حرمك من نعمة البصر أو السمع أو النطق، فمؤكّد أنه فتح أمامك طاقة الأمل لكي تُحقق ما تصبو إليه نفسك بإرادتك وتصميمك. وإذا لم يعرك الناس اهتمامهم فهذا لا يعني أن تتقوقع على ذاتك وتتحسّر على حالك!

أقول لكل أسرة يُوجد لديها ابن معاق جسديّا، أن تأخذ بيده وتُريه طريق الحياة، ولا تُشعره بأنه عالة عليها، وتُسانده إلى أن يقف على أرض صلبة. لا يكفي أن تُوكل أمره للهيئات والجمعيات الخيريّة والمؤسسات التعليميّة، لا بد أن تكون نقطة البدء من تحت سقف بيتها.

أعلم أن ثقافتنا العربية قاسية في نظرتها للمعاقين، ويرفض الكثيرون دمجهم في الحياة العامة، ولكن آن الأوان أن ننظر للمعاق نظرة خالية من التشكيك في قدراته. قصّة طه حسين، وقصة الكاتبة هيلين كيلر وغيرهما من نماذج الصمود لم تكن لتطرح ثمارها لولا أسرتيهما اللتين آمنتا بموهبتهما، وأشخاص نبلاء وقفوا إلى جانبهم حتّى النهاية.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

789 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع